المحرر موضوع: العراق.. تحالف سائرون –الفتح كبوة هل يفيق منها الصَّدر؟!  (زيارة 1304 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل Janan Kawaja

  • اداري
  • عضو مميز متقدم
  • ***
  • مشاركة: 31431
    • مشاهدة الملف الشخصي
العراق.. تحالف سائرون –الفتح كبوة هل يفيق منها الصَّدر؟!
الكلام عن شروط وضعها الصدر لنزع السلاح من الجميع وتسليمه للحكومة هو أشبه بمحاولات تجميل للتحالف لا يمكننا تخيّل هادي العامري وقيس الخزعلي من دون قوة مسلّحة إلا في حالٍ واحدة هي نقل هذه القوّة إلى داخل القوات الأمنيّة العراقيّة لتكون شرعيّة بقوّة القانون وجعل ارتباطها بالمسؤولين الحكوميين الذين سترشّحهم بدر والعصائب لتولي مناصب أمنيّة رسمية، وبهذا لم نقم بتسليم السلاح للدولة، وإنما جعل الدولة غطاءً له.

العرب/ عنكاوا كوم
بقلم: فارس حرّام

بالنسبة للمقدمات المعلنة من طرف "سائرون" والسيد مقتدى الصدر نفسه (وبخاصة البرنامج الانتخابي الذي أعلنته "سائرون" قبيل الانتخابات)، فإنّ التحالف غريب ومباغت ويضع مصداقيّة حركة الاحتجاج منذ ٢٠١٥ على المحكّ، ما لم تظهر حركة تصحيح "صدريّة" أو "مدنيّة" لإعادة كثير من الأمور إلى نصابها. هل يمكن أن تظهر مثل هذه الحركة؟ - نعم. متى؟ - هذا هو السؤال.

كان تصرّف الصدر في هذا التحالف ينبع من جهة كونه رجل سياسة، وهذا من حقّه، ولكنه لم يتصرّف بوصفه قائداً احتجاجياً اصلاحيّاً كما كان يعلن! لا أريد أن أقول إنّه مارس خداعاً من نوع ما، فهذا مما لا يمكننا الاستعجال به الآن وننتظر حسمه إلى الأيام القادمة، ولكنْ يمكن القول إنّه استخدم الجزء السياسي من شخصيته بشكل مناقض للجزء الاحتجاجي الإصلاحي، وهذا ما أوقع جمهور المحتجين في وضعيّة المصدوم. إذ لا بدّ في الحركات الإصلاحيّة أن يكون العمل السياسيّ امتداداً طبيعيّاً للعمل الاحتجاجيّ، وإلا جرى اتهام العمل الاحتجاجي بأنه عبارة عن "مَرْكِب" لوصول غايات سياسية وسلطويّة لا أكثر.
سيقول من يقول إنّ العمل الاحتجاجي لا بدّ أن يُثمر عن عمل سياسيّ له مجاله وأدواته التي تختلف كثيراً عن مجال العمل الاحتجاجي وأدواته. وهنا يمكن الردّ بسهولة أنّ حالة العراق، ومن مثله من البلدان المفجوعة بالتخريب، لا يستوي فيها هذا الأمر. فالاحتجاج هنا ليس ضدّ "رداءة خدمات" أو "إصدار قانون مثير للجدل" أو "تغيير أشخاص".. كما يحدث غالباً في الدول الديمقراطية التي تشهد احتجاجات وتظاهرات، وإنما هو في الحالة العراقية موجّه ضدّ طبقة سياسية كاملة، ضدّ نهب منظّم للثروات، وتخريب ممنهج للمؤسسات، وتحطيم للروح الوطنيّة، يجري التعبيد لهذا كلّه عبر "قوانين" أو أعراف معلنة وسرية تمارسها هذه الطبقة السياسيّة المتعفّنة وتدير بها الدولة. فالاحتجاج هنا مبدئي لا يقبل التكتيك إلا في مساحات ضيّقة وخيارات محدودة، لا يمكن أن تصل إلى درجة التغاضي عمّن نفّذ هذا النهب والتخريب أو شارك منفذيه أو أسهم بالتغطية عليهم، أو كان جزءاً من تسلّطهم في الماضي وصولاً للحاضر ثمّ نمد له اليد لتشكيل حكومة.
واضحٌ جداً أنّ زهو تسميّة "الفائز الأوّل" وما لحقه من تبريكات محلّية ودولية قد أوقعت الصدر تحت الضغط، وأوحت إليه بوجوب أن تناط بـ"سائرون" لا بغيره مهمة تشكيل الحكومة القادمة وأنّ لا يذهب إلى المعارضة لأنها خيار الخاسرين لا "الفائز الأوّل". تكفي مراجعة تغريدات الصدر بعد فوزه بالانتخابات لملاحظة هذا الزهو، وهو أمر من حقه طبعاً، لكنني أعتقد أن المضيّ في فكرة تشكيل الحكومة لا بدّ أن يتعثّر بحقائق التحالفات "الصادمة" لجمهوره ولمتابعي الوضع السياسي كله، فمع من كان على سائرون أن يتحالف لتشكيل الحكومة والغالبية العظمى من الفائزين هم من خرّب العراق بالتعاون والتوالي والتغطية منذ ٢٠٠٣؟ هل نعدّد أسماءّهم؟
 مع هذا كلّه، كان يمكن تفهّم إعلان تحالف سائرون – الفتح، لو كانت مقاعد سائرون أكثر بكثير من عددها الحاليّ، لدرجةٍ تؤهله لقيادة تحالف حاسم داخل البرلمان، إذ سيكون حينها فهم الموقف على أنّه "احتضان الكبير للصغير" (من حيث عدد المقاعد) من أجل عبور المرحلة وعدم فتح جبهات فرعية في أثناء معركة إعادة مأسسة الدولة ونزع سلاح الجميع، ولكن أنْ يتحالف الصدر وهو لديه ١٨٪ من البرلمان مع خصومه السياسيّين الذين اشترك مع المدنيين في تظاهرات ضدّهم طوال سنواتٍ، فهذا لن يفضي إلى "قيادة" في البرلمان، وإنما سيعيدنا إلى مرحلة "الشراكات" الوطنية المزعومة، التي جرى في ظلّها نهب العراق وتخريبه منذ ٢٠٠٣، من دون أن تتمكّن قوّة الصدر البرلمانيّة (في حال نقائها وصدقها) أن تتصدّر عملية تصحيح مسار العمليّة السياسية، لسبب بسيط: أن الصدر لن يستطيع تحريك قانون واحد في البرلمان من دون موافقة خصومه السابقين/ شركائه الحاليّين، الذين طالما وصمهم بالفساد والطائفيّة والتخريب. فأيّ قوانين تصحيحيّة ستظهر في برلمان هذه تشكيلة كتلته الأكبر؟ أيّ فاسد كبير سيُحاسب؟ وأيّ رأس سيطالب به القضاء؟.... لهذا كلّه كان الحديث دائماً ينصبّ على خيار المعارضة، وهو خيار تاريخي ريادي سيفرّط به مقتدى الصدر ولن يعود إليه مرّة أخرى إذا بقي يدير التحالفات بهذه الطريقة ويدخل الحكومة مع خصومه. سيفقد ذلك إلى الأبد.
 يقال أنّ الصدر تعرّض في ظلّ نشوة فوزه وقوة تصريحاته لاختباراتٍ كان بعضها دمويّاً ويوحي بالتدمير، كما حصل في حادثتيْ تفجير مدينة الصدر واحراق صناديق الاقتراع. فإذا سرنا مع هذا القول فإن ما يمكن ملاحظته واستغرابه هو سرعة استجابة الصدر لهذه التحديات، لدرجة يتّهمها بعض الناقدين بأنها "هروب للأمام". وهنا يبرز سؤال المسؤولية الاحتجاجيّة، إذ كيف يتسنّى لقائد احتجاجيّ جماهيري أن لا يتوقع مخاطر العمل الاحتجاجيّ في بيئة دمويّة تشابكيّة كالعراق؟ وأن لا يكون قد وضع نصب عينه الاحتمالات كافّة قبل أي تصعيد يقوم به؟ وكيف لا يعرف أين ستبلغ به رحلته في طريق مليء بالدماء والدموع؟ هل كان تفجير مدينة الصدر وحرق صناديق الاقتراع وحدهما علامتين كافيتين للضغط على الصدر؟ استبعد ذلك، واعتقد بوجود أشياء أخرى هي التي شكّلت الضغط. ما هي؟
بالعودة إلى مشهد إعلان التحالف، فإن الكلام عن شروط وضعها الصدر لنزع السلاح من الجميع وتسليمه للحكومة، هو أشبه بمحاولات "تجميل" للتحالف. لا يمكننا تخيّل هادي العامري وقيس الخزعلي من دون قوة مسلّحة، إلا في حالٍ واحدة هي نقل هذه القوّة إلى داخل القوات الأمنيّة العراقيّة لتكون "شرعيّة" بقوّة القانون، وجعل ارتباطها بالمسؤولين الحكوميين الذين سترشّحهم بدر والعصائب لتولي مناصب أمنيّة رسمية، وبهذا لم نقم بتسليم السلاح للدولة، وإنما جعل الدولة غطاءً له.
العودة أيضاً إلى مشهد إعلان التحالف، وبقراءة لغة الجسد، كان واضحاً أن مشهد "الحفل" ملفّق، بمعنى أنه لم يكن طبيعيّاً ولا تلقائيّاً، ربّما لأنه جاء مباغتاً للجميع وبضمنهم المتحالفون أنفسهم! ولهذا فإن تلفيقيّة المشهد كانت تُظهر بقوّة أنّه جرى تصميمه من خارج الأطراف المتحالفة. كان وجه مقتدى الصدر يوحي بوضوح أنّه يقوم بشيء محرج لجمهوره ولنفسه، لا ارتياح في التعابير، لا انطلاقة معهودة منه مع الصحفيين، بل كان واضحاً أن الصدر نفسه غير واثق من قدرة التحالف على المضيّ بنجاح في الأيّام القادمة، أو استمراره، كان وجهه يقول أشياء أخرى، ما أثبت ذلك صمت الصدر عن التغريد في تويتر منذ إعلان التحالف، فهذا الحدث "المجلجل" لو كان من متبنَّيَات الصدر لرأيناه في الأقل "يبارك" لجمهوره به. باختصار: أتوقع فشل التحالف.
الآن أصل إلى السؤال الذي ينتظره مني الكثير: هل يتوجّب عليّ الندم لأنني طالبت ببعض مواقفي ومنشوراتي طوال السنتين الماضيتين بدعم الصدر ومنحه فرصة للتعبير عن مكنونه الإصلاحي الذي كان يدعو إليه، بالرغم من اعتراضي المستمر على أدائه وأداء تياره داخل محافظة النجف؟ الجواب من دون تردد: لا، طبعاً. لماذا؟

الجواب لأنني (والآلاف مثلي) لم أخطئ حين استجبتُ لسلوك جديد ظهر عن الصدر، بالرغم من معرفتنا بفساد غالبية قيادات التيار الصدري نفسه، ولا أزال بالرغم من كلّ هذا أتمنّى أن ما حصل "كبوة" يفيق منها الصدر ويعود إلى سياق الاحتجاج الذي نال بفضله فقط تسمية "الفائز الأوّل" في الانتخابات. مسؤوليتي هنا كمحتج أن أخبر الصدر بأن المحتجّ الفائز بالانتخابات لا يتوجّب عليه تشكيل حكومة مهلهة مع طبقة سياسيّة غالبيتُها لصوص أو متسترون على لصوص، وأنّ معارضة هؤلاء شرف ما بعده شرف. أما إذا أراد الصدر المضيّ في خياره "الحكوميّ" مع طبقة سياسية كهذه، فهذا مما لا يثْلم في عزيمة المتظاهرين المدنيين شيئاً. صحيح إنه سيمثّل لهم سابقة يصعب تجاوزها حين يتحدثون مستقبلاً عن منح فرص أخرى للصدر أو لغيره، ولكن المؤكد إنه لن يثلم في عزيمة المدنيّين، بل على العكس، سيُظهرهم (فيما لو استمرّ هذا النوع من التحالفات) في مظهر من تمّ الغدر بهم، والمغدور – مهما كان- دائماً أقوى من الغادر - مهما كان.
 هل أنا مُحبَط؟ بالتأكيد لا، فالعمل الاحتجاجيّ يتحمّل الكثير من الألم والضغط الجماهيري والتشفي والتسقيط والسخرية والتجاوز والتهديد والشتم والتخوين والتضاحك. الشيء الوحيد مقابل هذا كلّه أن لا نفقد عزيمتنا، فنحن على حق حينما واجهنا الفساد والفاسدين، لم نخرج طلباً لمناصب، ولا لشهرة، ولا لتكريم. وما دمنا على حقّ فلن نكون محبطين يوماً أبداً، وستبقى أرض الاحتجاج ومنشوراته وفعالياته المختلفة ساحتنا الأقرب وخيارنا الدائم، حتى يحصل صوت الاحتجاج ذات يوم على ما يستحق وينهض بالتغيير. هل أنا حالم؟ - وما الضير في أن أحلم وسط هذا الخراب؟