المحرر موضوع: هل ستكون ترقية بطريرك عراقيّ إلى الكارديناليّة عامل توحيد للمسيحيّين؟  (زيارة 1192 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل عنكاوا دوت كوم

  • مشرف
  • عضو مميز متقدم
  • ***
  • مشاركة: 37773
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني

المونيتور
بقلم سعد سلوم يونيو 27, 2018



غادر الزعيم الدينيّ لمسيحيّي العراق بطريرك الكلدان مار لويس روفائيل الأوّل ساكو برفقة وفد من الكنيسة الكلدانيّة في العراق، العاصمة بغداد في 25 حزيران/يونيو، متوجّهاً إلى روما، حيث سيتمّ تنصيبه كاردينالاً في 28 حزيران/يوينيو الحاليّ. ويعدّ ذلك تطوّراً كبيراً، حيث سيجعل للعراق صوتاً في اختيار البابا المقبل، وفرصة لإيصال تطلّعاته إلى المجتمع الدوليّ، كما أنّه قد يكون عاملاً حاسماً في توحيد المسيحيّين حول مطالب موحّدة.

في هذا السياق، يرى مستشار المجلس البابويّ للحوار المسيحيّ-إلاسلاميّ في الفاتيكان الأب أمير ججي الدومنيكيّ أنّ تنصيب البطريرك ساكو "بالغ الأهمّيّة من الناحية المعنويّة لدعم مطالب المسيحيّين العراقيّين، لا سيّما أنّ تعيين الكاردينال الجديد يأتي مع إعطائه حقّ التصويت والترشيح في مجمع الكرادلة لاختيار البابا بعد البابا الحاليّ". ويعدّ البطريرك ساكو ثالث البطاركة العراقيّين، بعد بطريرك الكنيسة السريانيّة الكاثوليكيّة الكاردينال إغناطيوس جبرائيل الأوّل تبوني وبطريرك الكلدان الكاردينال عمّانوئيل الثالث دلي، سلف البطريرك الحاليّ ساكو، الذين يتمّ تنصيبهم كرادلة. وحاليّاً، يعدّ ساكو البطريرك الثاني في الشرق الأوسط الذي ينال الترقية إلى الكارديناليّة بعد البطريرك المارونيّ في لبنان الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي.

يلخّص البطريرك ساكو دلالة ترقيته إلى الكارديناليّة من وجهة نظر الكرسي الرسوليّ، بكونها تعبيراً عن قرب البابا فرنسيس من العراق وتضامنه مع العراقيّين في شكل خاصّ، ويتضمّن ذلك فرصة أخرى للعراق للانفتاح على دول العالم، الأمر الذي يشخّصه البطريرك ساكو في حديثه إلى "المونيتور" بقوله: "أعتقد أنّ العراق مطالب بالانفتاح على العالم كلّه، إذ منذ التغيير في عام 2003، لم يخرج العراق بصورة تليق بتاريخه ودوره الحضاريّ إلى المجتمع الدوليّ، وليحمل صوتاً معبّراً عن تطلّعاته في بناء دولة تضمن مستقبل شعبها".

والأهمّيّة الأبرز لترقية البطريرك ساكو إلى الكارديناليّة، هو تأثير المنصب الجديد على صعيد علاقة الدولة العراقيّة بالأقلّيّة المسيحيّة من جهة وتأثيرها الداخليّ على تماسك الأقلّيّة نفسها من جهة ثانية، بحيث قد تصبح عاملاً إيجابيّاً دافعاً إلى توحيد رؤيتها ومطالبها. فالتنصيب سيحفّز الحكومة على الاهتمام بحقوق المسيحيّين، فـ"كلّ الفاتيكان سيكون معي" على حدّ قول البطريرك ساكو، والكنيسة الكاثوليكيّة التي تضمّ ملياري كاثوليكيّ ستكون مساندة لحقوق المسيحيّين العراقيّين، وهذا يمكن أن يطمأن المسيحيّين ويشجّعهم على البقاء، ويجعل من التفاف الطوائف المسيحيّة حول الكاردينال الجديد فرصة لتوحيد الجهود بدل التشتّت والتشظّي.

ويضمّ العراق 14 طائفة مسيحيّة معترف بها رسميّاً، و12 حزباً سياسيّاً و7 وحدات مسلّحة، لذا من الصعب الاتّفاق في كثير من الأحيان على العديد من القضايا التي تهمّ المسيحيّين، مثل إنشاء كتلة سياسيّة موحّدة، ومصير المناطق المتنازع عليها بين الحكومة الاتّحاديّة وحكومة إقليم كردستان مثل سهل نينوى والتي تضمّ أغلبيّة مسيحيّة، وملفّات أخرى مثل ضمانات حرّيّة المعتقد للمسيحيّين.

لذا، من المؤمّل أن تعطي الترقية إلى الكارديناليّة إمكانيّة لتجاوز هذا التشظّي والانقسام الداخليّ المسيحيّ وتزوّد سياسة البطريرك ساكو لتوحيد المسيحيّين بزخم حاسم. وقد أرسل البطريرك ساكو مجموعة إشارات تدلّ على ذلك، فقد وجّه رسالة إلى رؤساء الطوائف المسيحيّة العراقيّة يطلب فيها إحداث تغييرات جذريّة في شأن مجلس رؤوساء الطوائف المسيحيّة في العراق، والذي يضمّ في عضويّته رؤساء الطوائف المسيحيّة من مطارنة وبطاركة، موجّهاً نقداً إلى المجلس ومطالباً بإصلاحه، وتضمّنت رسالته تأكيداً على خطاب يوحّد كلّ الطوائف المسيحيّة بمظلّة كنيسة واحدة، إذ تبدأ الرسالة بالقول: "ينتظر مسيحيّونا في هذه المرحلة الصعبة والهامّة عملاً مسيحيّاً موحّداً، ومناسباً للظروف التي يمرّون بها، مدركين عدم وجود جهة تقف إلى جانبهم وتساعدهم وتحميهم غير الكنيسة، ممثّلة بنا جميعاً".

ويقدّم البطريرك ساكو في رسالته مقترحات لإعادة النظر في شكل المجلس الحاليّ، وفق ما وصفه بـ"معايير جديدة ورؤى معمّقة للحاضر والمستقبل"، من أبرزها تغيير تسمية المجلس إلى "مجلس كنائس العراق"، على غرار مجلس كنائس الشرق الأوسط ومجلس الكنائس العالميّ، مع الاحتفاظ بتسمية الطوائف لغرض المراجعات الرسميّة مع الدولة، وإعادة النظر في هيكليّة المجلس ونظامه الداخليّ، والاستفادة من المجالس العالميّة والشرق أوسطيّة ذات الصلة، مع اختيار ديمقراطيّ لرئيس المجلس ونائبه. وفي إطار العلاقة مع الأغلبيّة المسلمة، يقترح البطريرك ساكو تفعيل حوار هادف مع المرجعيّات المسلمة والديانات الأخرى حول مبادىء العيش المشترك واحترام الاختلاف وترسيخ المشتركات.

أمّا من الناحية السياسيّة، فيقترح البطريرك ساكو تحقيق صلة بين رجال الدين والسياسيّين المسيحيّين، من خلال التعاون مع ممثّلي المسيحيّين في البرلمان الاتّحاديّ الجديد. وعلى صعيد ذي صلة، وجّه البطريرك ساكو رسالة أخرى إلى الأحزاب والسياسيّين المسيحيّين في إقليم كردستان بمناسبة الاستعداد للانتخابات البرلمانيّة في الإقليم والتي ستقام في 30 أيلول/سبتمبر المقبل، وضمّت الرسالة ما أطلقت عليه "نداء أبويّاً" لهذه الأحزاب "ليوحّدوا صفّهم وموقفهم ويدخلوا انتخابات الإقليم بقائمة واحدة"، بسبب ما لاحظته الرسالة من "تعدّد القوائم والمرشّحين وتشتّت الأصوات وتدخّل جهات معيّنة في التأثير على النتائج". لذا، يقترح، بعد تحقيق لقاءات مع بعض الأحزاب المسيحيّة، "مطالبة حكومة الإقليم بالمحافظة على الكوتا مستقلّة، بإصدار قانون يحصر التصويت بالمسيحيّين وحدهم، كما هو النظام الانتخابيّ في إيران والأردن، لكي يتمكّنوا من اختيار الأصلح لهم وللإقليم". وتنسجم هذه الدعوة مع مطالبة سابقة للبطريرك ساكو بتأسيس مرجعيّة سياسيّة موحّدة للمسيحيّين.

ويراهن بعض رجال الدين المسيحيّين على هذه الترقية لتحقيق تطوّر إيجابيّ في حقوق المسيحيّين، في ظلّ الحكومة الجديدة التي يجري التفاوض في شأن تشكيلها حاليّاً، وعلى حدّ تعبير راعي الكنيسة الأنجليكانيّة الأب فائز بشير في العراق، فإنّ "الكاريزما التي يمتلكها البطريرك ساكو تؤهّله لكي يكون مؤثّراً أكثر من أيّ رجل دين مسيحيّ عراقيّ آخر، ومن خلال صلاته مع المرجعيّات الإسلاميّة المؤثّرة في العراق، وقدرته على التعبير عن أفكاره بوضوح، يمكن بالفعل أن يكون عاملاً حاسماً في تقديم هويّة مسيحيّة موحّدة لمواجهة التحدّيات الراهنة".
أي نشر، أو إعادة تحرير لهذه المادة، دون الإشارة الى " عنكاوا كوم " يترتب عليه أجراءات قانونية