المحرر موضوع: نناديك يا الله بأعلى صمتنا  (زيارة 1372 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل نبيل جميل

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 258
  • الجنس: ذكر
    • مشاهدة الملف الشخصي
نناديك يا الله بأعلى صمتنا

مدة قراءة المقال: أربعة دقائق

   خلال مسيرته الحياتية، يتعرض الإنسان للكثير من الضغوطات والتعب، الضيقات والتجارب، صخب خارجي وقلق داخلي... فتتملكه مشاعر متناقضة من فرح وحزن، غضب وسلام، قبول ورفض... كما ويدخل في صراع مع نفسه أو مع الآخر، ويعيش الخطيئة والتذمر والإنحطاط في أحيان كثيرة. لذا كان عليه البحث عن "لحظة" صمت أو سكون في "مكان ما" ليستطيع الحصول أولاً على "صمت خارجي"، فتستطيع روحه آنذاك التوجّه نحو ذلك "الصمت الداخلي" أي نحو الله. فمن يبحث عن عيش لغة الله - التي تُرى بعين الإيمان ولا تسمع - يبحث عن تحقيق إرادة الله في حياته، هذه "الإرادة" التي هي دائماً الخير الأسمى والأعظم. وعند هذه اللحظة فقط يمكنه القيام بالتأمل الإلهي، من أجل تجديد القوة الروحيّة فيه.
   فمن خلال هذا (التأمل / الصمت) تجد روح الإنسان سلامها، تفهم دعوتها، تأخذ النعمة وتتجدد بها. تخلق تحوّل أساسي، ولادة جديدة بالروح القدس، يتحد الإيمان والحرية، ويدخل الإنسان بكليّته في أختبار عيش “الألوهية”. وهذا لا يعني الهروب من العالم، بل من خلال التأمل والصمت يترك الإنسان المجال “لكلمة الله” تتجسد في قلب حياته وعمله اليومي بل في كل حدث، فتحوله إلى “إيقونة” و "علامة" شاهدة لروعة وعظمة الله في مجمل حياته اليومية. فالتأمل هو حوار حب وصداقة، غالباً ما يكون على إنفراد مع مَن نعرف أنه يحبنا. فعند ذلك المستوى من الإرتقاء والسمو في العلاقة يصبح الحوار صامتاً إلى نوع من الإنتباه الودّي نحو الله. أما عند الذي لم يرتقي إلى هذا النوع من العلاقة نجده يتسائل مشككاً ومتذمراً: هل توجد علاقة واقعية بين الله والإنسان ؟... وإن وجدت فلماذا يبقى الله صامتاً ؟... ولماذا يسكت الله أمام كل هذا الشر والظلم والتجارب والحروب ؟... بل لماذا يختفي الله في أيام الضيق والشدّة ؟
   ففي خضم التكنولوجيا والمادة والشر الغالب والإرتباك.. ومع زمن أزداد فيه الضجيج من حولنا والذي فرض سيطرته علينا، هناك من يرى "صمت الله"... فلا يسمعه من كثرة "دكتاتورية الضجّة". بحيث أصبح البحث عن لحظات من الصمت أكثر ضرورة اليوم، إلى الإصغاء بعمق والإنصات بتأمل إلى قوة ذلك الصمت. ففي صمت الله تكمّن قمّة عمله، الذي لا غنى عنه لسماع نداء الله. فالمؤمن التقّي ذو القلب النقي يكفيه من الله التواصل بصلاة تنشأ "من الصمت" وتعود "إلى الصمت" بعمق أكبر. فمن لا يعرف ذلك السكون لن يصل إلى الحقيقة أو الجمال أو الحب، فكل ما هو عظيم وخلّاق يتكون من الصمت. الله صمت، وصمته حب، ومن فيض محبته يصمت.
   فالحقيقة الوحيدة في حياة الإنسان المسيحي هي تلك الصرخة: "لتكن مشيئتك" (صلاة الأبانا) التي هي بمثابة ثقة كل إنسان مؤمن إلى الله. وما أكثر صرخاتنا اليوم ومطالب إحتياجاتنا ونجدات إستغاثتنا نرفعها إلى الله بأصوات عالية. فالله يصمت في محبته كي يسمعنا، فما علينا إلا أن نتعلم الغور إلى الباطن، وبالتالي تتحول صلاتنا إلى صمت (يصمت الله ليعلمنا الصمت). على حد قول أحد الآباء القديسين (الشيخ الروحاني): "سَكّتْ لسانك ليتكلم قلبكْ، وسَكّتْ قلبكْ ليتكلم الله"، فالشركة والسلام مع الله يمكنهما الإستغناء عن كل الكلمات أو الأفكار: "لقد هَدَّأتُ وسكَّنتُ نفسي كالطفل الفطيم مع أمه" (مزمور 131). فإذاً من المنطقي الإعتقاد أن يتحول صمت الله إلى كلام مسموع. وأنّ كلامه لا يمكن الإصغاء إليه كما يجب، إن لم ندخل نحن أيضاً في صمته، وتعلمنا الإستماع إليه عبر صمته. فالصمت أكثر أهمية من أي عمل إنساني آخر، لأنه يعبّر عن الله. والتغيير الحقيقي يأتي من الصمت، وهو الذي يقودنا تجاه الله والآخرين لكي نضع أنفسنا بتواضع وسخاء في خدمتهم بملئ المحبة.   
   اليوم، وفي عالم ملئ بضجّة الحياة وصخبها المستمر، وإضطرابات فكر الإنسان وقلقه المتواصل ينفصل الإنسان عن نفسه وعن الله. فمع كل هذه الآلام الخارجية والتحديات التي يعيشها الإنسان، ما كان عليه أن يفقد الرجاء ليصل إلى حالة اليأس وعدم الصبر والإمتعاض والإعتراض على خالقه: "تعبتُ من صمتك يا الله"... فما عليه إلا أن يحدد نوع علاقته مع الله، وأن يحرر نفسه من قضبان هذه "السجون الحديثة" ليعود إلى الله، ليسمع صوته من جديد براحة داخلية وإنسجام هادئ مع: (صمت الطبيعة، الأحداث، الضمير، كلمة الله). فمن خلال هذه الرغبة الصامتة في الشركة، يسمع كلام الله في أعماقه حيث يسكن الأمل في هذا الحضور. فصوت الله لا يصمت، ويكفي أن يعود الإنسان إلى ذلك العمق الساكن في داخله لكي يسمع نداءه ويتعلّم كلامه. وعليه أن لا ينسى أبداً أن هذه الرغبة البسيطة في حضور الله هي بالفعل بداية الإيمان.

نبيــل جميــل سليمــان
فانكوفر - كندا






غير متصل متي اسو

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 926
  • منتديات عنكاوا
    • مشاهدة الملف الشخصي
رد: نناديك يا الله بأعلى صمتنا
« رد #1 في: 20:08 03/07/2018 »


مقال رائع
خلقنا الله احرارا ... نعم اعطانا ارادة حرّة في اختياراتنا... فهو واقف على الباب يقرع ، لا يقتحم ، ولا يكلّ من الوقوف والانتظار علّك تفتح قلبك له ليدخل. .. القرار للانسان وحده .

الشيطان اضعف مما يتصوّره البعض ، فهو لا يستطيع كسر الارادة الحرّة التي منحها الله للانسان ، لكنه لحوح وبارع في الاغواء.... والقرار للانسان وحده
.
لو كان الله قد خلقنا مسلوبي الارادة الحرة لكانت الحياة نفسها جحيما لا تستحق العيش فيها .

 هذه الحرية ينالها المؤمن ليمتع بها في معرفة الحق وهويعيش جمال الحياة التي ابدع الله في صنعها ... لكن الغاوون يستغلّون حريتهم من اجل منافع شخصية حقيرة ليشوهوا تلك الحياة الجميلة ويعبثوا في الارض فسادا وإجراما ...

الله لا يقف متفرجا ... فهو ينعم على الطالب منه في صمته ... اما من اختار الشيطان فسوف يحصد ما زرعه وما اقترفت يداه ، عاجلا ام اجلا .... اننا نشاهد ذلك الان بأم اعيننا  وتحت الشمس الساطعة .


غير متصل نبيل جميل

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 258
  • الجنس: ذكر
    • مشاهدة الملف الشخصي
رد: نناديك يا الله بأعلى صمتنا
« رد #2 في: 10:05 04/07/2018 »
كل الشكر والتقدير وفائق أحترامي لك يا أخي الحبيب متي أسو المحترم .. لكلامك الراقي ولإضافتك القيمة وتوضيحك الرائع ....

تقبل مني محبتي وأعتزازي

أخوكم / نبيل جميل سليمان