المحرر موضوع: من حكايات جدتي ... السابعة والسبعون المرأة الارملة  (زيارة 944 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل بدري نوئيل

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 136
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
من حكايات جدتي ... السابعة والسبعون
المرأة الارملة
بدري نوئيل يوسف
في هذه الليلة حدثتنا جدتي قائلة: أن جارنا أبو البنات، منزعج وضجر ويتأفف متذمراً، لان الله رزقه بعدد من البنات ولن يرزقه الله صبيان. ونسى أن الرضا بما قسمه الله سعادة ففي الرضا بقضاء الله وما قسمه له غنًا في النفس وراحة للبال، اسمعوا اولادي هذه الحكاية وتعلموا منها درسا مهما في حياتكم.
تعطلت إحدى السفن التجارية وهي في عرض البحر، من كثرة الحمل والمتاع الذي فيها فأصبحت مهددة بالغرق، فاقترح ربانها أن يتم رمي بعض المتاع والبضاعة في البحر، ليخفف الحمل على السفينة وتنجو.
فأجمعوا التجار فيما بينهم أن يتم رمي كامل بضاعة أحد التجار لأنها كثيرة، عندما علم بذلك اعترض التاجر على ان ترمى بضاعته هو لوحده، واقترح أن يرمى كل التاجر قسم من بضاعة بالتساوي حتى تتوزع الخسارة على الكل ولا تصيب شخص واحد فقط، فثار عليه باقي التجار ولأنه كان تاجر جديد ومستضعف، تأمروا عليه ورموه في البحر هو وبضاعته وأكملوا طريق سفرهم.
أخذت الأمواج تتلاعب بالتاجر وهو موقن بالغرق وخائف حتى أغمي عليه، وعندما أفاق وجد أن الأمواج ألقت به على شاطئ جزيرة مجهولة ومهجورة. ما كاد التاجر يفيق من إغمائه ويلتقط أنفاسه حتى سقط على ركبتيه، وطلب من الله المعونة والمساعدة وسأله أن ينقذه من هذا الوضع الأليم.
مرت عدة أيام كان التاجر يقتات خلالها من ثمار الشجر وما يصطاده من أرانب، ويشرب من جدول مياه قريب، وينام في كوخ ٍصغير بناه من أعواد الشجر ليحتمي فيه من برد الليل وحر النهار.
وفي ذات يوم وبينما كان التاجر يطهو طعامه، هبت ريح قوية وحملت معها بعض أعواد الخشب المشتعلة، وفي غفلة منه اشتعل كوخه فحاول إطفاء النار، ولكن لم يستطيع والتهمت النار الكوخ كله بما فيه.
 أخذ التاجر يصرخ لماذا يا رب؟ لقد رموني في البحر ظلماً، وخسرت بضاعتي، والآن حتى هذا الكوخ الذي يؤويني احترق، ولم يتبقى لي شيء في هذه الدنيا وأنا غريب في هذا المكان، لماذا يا رب كل هذه المصائب تأتي عليّ؟
ونام التاجر ليلته وهو جائع من شدة الحزن.
لكن في الصباح كانت هناك مفاجأة بانتظاره، إذ وجد سفينة تقترب من الجزيرة وتُنزل منها قارباً صغيراً لإنقاذه،
وعندما صعد التاجر على سطح السفينة لم يصدق عقله من شدة الفرح، وسألهم كيف وجدوه وكيف عرفوا مكانه فأجابوه: لقد رأينا دخاناً فعرفنا أن شخصاً ما يطلب النجدة لإنقاذه فجئنا لنرى من يريد المساعدة، وعندما أخبرهم بقصته وكيف أن التجار تأمروا عليه ورموه في البحر ظلما، أخبروه بأن سفينة التجار لم تصل وغرقت في البحر،
حيث اغار عليها القراصنة وقتلوا وسلبوا كل من فيها، فسجد التاجر يبكي ويقول الحمد لله، يا رب أمرك كله خير،
سبحان الله الذي نجاني من القتل واختار له الخير. سبحان مدبر الأمور كلها من حيث لا ندري ومن حيث لا نعلم
وهكذا يا أولادي إذا ساءت ظروفكم فلا تخافوا ثقوا بأن الله، له حكمة في كل شيء يحدث لك وأحسن الظن به، اعلم أن الله يدبر شؤونك ويسعى لإنقاذك.

نعود لحكايتنا اليومية تقول جدتي: كان هناك امرأة أرملة لم يكن لها معين إلا الله وحده، ثم نفسها تعيل أطفالها
كانت تقدم لهم الحب والعطف والأمان، وكانت صابرة مؤمنة مما جعلها تصبح قوية، في احدى الليالي، وبينما هم نيام، اشتدت الرياح وهطلت الأمطار بغزارة، وأزداد البرق والرعد، بشكل مخيف.
وكان بيتها قديم ضعيف الأساس ومتهالك السقف، ومن كثرة قلق الام على أطفالها بقيت مستيقظة، تحضن أطفالها بقربها ليحصلوا جميعا على أكبر قدر ممكن من الدفيء.
جاءت فكرة للأم أحضرت ورقة صغيرة وكتبت فيها بضع كلمات، ومن ثم وضعتها في أحد شقوق الحائط، وأخفتها عن ناظر أطفالها، في تلك الأثناء لم تكن تعلم الأم بان احدى أطفالها كان يراها وهي تضع شيء ما بالحائط.
مرت الأيام تعقبها السنوات تغير الحال وكبر الأطفال وأصبحوا رجال فقد كانوا متعلمين مثقفين، وأصبحوا متمكنين ماديا مما جعلهم يتركون بيتهم الصغير، ليسكنوا بيتا جميلا في المدينة.
لن لبثت أمهم سنه واحدة بينهم حتى توفاها الله، وبعد انتهاء أيام للعزاء اجتمع أبنائها، وكل منهم يحكي ذكرياته عن أمه، وفجأة تذكر أخاهم، أن أمه قد وضعت شيئا ما في حائط منزلهم القديم.
هرعوا مسرعين إلى ذلك البيت القديم، وعندما وصلوا نظر الابن إلى الحائط والتقط الحجر الذي يغلق فتحة الشق، وعندها وجد ورقة بالداخل، وبمجرد سحب الورقة، وإذا بالبيت يهتز بقوة فخاف أبناء المرأة من أن يسقط البيت عليهم، فابتعدوا بسرعة إلى جهة أخرى فوقع البيت فعلا، وعندها حل الصمت بين الإخوة للحظات.
وعلى وجههم الاستغراب والذهول، كيف بذلك يحدث.
قال أحد الاخوة الورقة معك يا أخي أقرأ ما مكتوب بها بصوت عالي، وعندما فتحها وقرأ ما كتبته أمهم فلم تكن تحتوي إلا بضع كلمات، (أصمد بإذن رَبك)
ما أعظم تلك العبارة وما أروع تلك الأم وما اصدق إيمانها، عندها ترحم الأبناء على أمهم وعرفوا آخر درس قد علمتهم إياه بعد وفاتها وهو أن يثقوا بالله حق ثقة، وان يكون لديهم ثقة كبيرة بان الله كي تسير أمورهم لما فيه خير لهم.