المحرر موضوع: لقد تجاوزت موعدي في الكتابة  (زيارة 1044 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل شمعون كوسا

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 200
    • مشاهدة الملف الشخصي
لقد تجاوزت موعدي في الكتابة
شمعون كوسا

لقد تجاوزتُ موعدي في الكتابة والسبب هو أنّني لا اهتدي في هذه الفترة الى موضوع يحركني . قد يقول قائل : بالرغم من هذه العالم المضطرب وتقلباته  وهذه الحياة المَلأى بالتطورات والاحداث  والمناسبات ،بين سعيدة  وتعيسة  ، أو بائسة  ومحيّرة ، يقول صاحبنا بان مواد الكتابة تنقصه !!
مشكلتي انا ناجمة عن عدم تفاعلي مع هذه الاحداث العابرة بالرغم من ضخامتها. لا السياسة ، ولا الانتخابات ، ولا الاقتصاد ، ولا حتى اللعبة التي هي حديث العالم في هذه الايام ، حيث المشاهدون يترقبون وبأيادٍ مرفوعة الى السماء ، يلهثون ويصفقون أو يلعنون   كرة قد تدخل  الهدف أو تتعثر ، حدث قد يحققه أحيانا طفل صغير صدفةً او سهواً !! من جهة اخرى، لقد واكبتُ  الاجواء الدبلوماسية في عملي لأكثر من ثلاثين سنة ، وجلّ ما استخلصته ، هو أن ظاهرَ هذا المحيط  هو غيرُ باطنِه . فالمجاملة والكلام المعسول ، هما الوسيلة الفضلى لسرد كلام مبهم يعتمد على قدر كبير من الكذب والنفاق.
انا انطلق من داخلي  ، وشغفي واندفاعي  نابعان من الاعماق ، وهدفهما الوحيد هو اللقاء بالطبيعة وجمالها.  بعد هذه الجملة الاخيرة ، سمعتُ الطبيعة تعاتبني قائلة : إلى متى يا هذا ، ألا يكفيك ما فعلته لك الطبيعة ، هل بخلنا   عليك بشئ ؟  فرشنا لك الارض عشبا دائم الاخضرار، وملأنا الحقول ازهارا تتبارى عند مقدمك في الوانها وطيب روائحها، وغرسنا البساتين اشجارا باسقة رشيقة ، واخرى مكلفة بالحمل لانجاب اثمار متنوعة تنتظرها الافواه بلعاب يسيل لانه يطلب المزيد. كم جعلنا الانهار تجرى لك دون توقف ، بالرغم من شحة مياهها ؟  كم كلفنا البلابل بالشدو بآخر ما ابتدعته من الالحان والاغاني ، وكم مرة كلفنا بعض الطيور الاخرى للقائك والتحدث معك ، ولأجل التفاهم معك ، زوّدناها بمعاجم وقواميس بلغات مختلفة ؟  ومن اجل افكارك ، كم استوقفنا غيوما بيضاء ، كانت قد استقلت مركبة الرياح السريعة ولكنها توقفت لأجلك ؟ وغيوم اخرى سوداء تقول عنها بانك تعثر في ثناياها على اسرار لا يراها ولا يعرف سرّها غيرك  ؟ وكم احتفظنا بخزين من النسيم العليل كي تتثنّى معه على هواك؟ وكم انتظرنا الغروب حاملين الوانا جميلة  كي تنشرها بين الغيوم ، ومن ثمّ تقف حظرتك أمام اللوحة البديعة . وكم عملنا من اجل ان يخيّم الصمت ، ولو لحين ، كي تتفرغ حضرتك  للتأمل والانطلاق  بتفكيرك نحو آفاق بعيدة  لا تتوقف ، وكأنك في رحلة الى اللانهاية ، وكم جاريناك في ألحان ترفعك الى الأعالي ؟ ما الذي تطلبه اكثر من هذا ، يا هذا ؟
انا لا ألوم الطبيعة ، لا شمسَها الازلية بنورها ، ولا هواءَها  ولا مياهَها ولا اشجارَها ولا سماءَها الزرقاء ولا أيّة خليقة فيها ، لأنني انا ايضا جزء منها والتذّ بما أرى ، واسمع ، وألمس ، واستنشق فيها . نعم هي الطبيعة التي تجعلني أن احيا  وانتقل بفكري الى بقعة اختارها في القبة الزرقاء ، هربا من عالم الكذب، والنفاق، والخداع ، والانانية ، والحسد والغيرة والحقد ، رذائل  ترافق بعض الناس الى عتبة قبورهم ، وبصورة خاصة الحقد الدفين. 
نعم هي الطبيعة الجميلة  ، بكافة عناصرها ، وجبالها العالية ووديانها  ووهادها وسهولها ومروجها التي تملأ نفسي سلاما وسعادة .
قبل ان ابدأ هذا الحديث ، الذي ليس إلا علامة لفشلي في انتقاء موضوع مفيد أكتب عنه ، كنت قد فكرت بالعودة الى الكتابة عن رجال الدين ولكني عدلت عن الفكرة . ان هذا الموضوع يُزعج الكثيرين ولكنّ تفاعلي الشخصي الدائم معه ، متأتٍّ من منطق يلازمني كظلي في كل أمر ، ولا يفارقني ولو  للحظة . أنا  اراهم بعيدين عن الكتاب الذي رسم خارطة طريقهم ، وهذه الخريطة بالرغم من قدمها ، لم تفقد  خطـّاً واحداً من رسومها.  أهملتُ الفكرة فعلا وقلت : حتى اذا كتبتُ ، وقمت بانتقادهم بأسلوب هادف وبنّاء ، ما مدى تأثيري عليهم ؟ لقد اصبحوا كالطفل الذي تشدّ اذنه وتمطر عليه النصائح ، فيسكت ويطأطئ رأسه ، ولكنه بعد دقائق يأتي بأسوأَ ممّا نهيتَه عنه . 
ولكي لا استرسل في فقرة ستفضي بي الى خطوط  حمراء تحرقني لا محالة، لا سيما واني قررت عدم الكتابة اليوم ، سأخلد الى سماع القليل من الموسيقى القديمة،  آرامية كانت او عربية ، فارسية او تركية ، وهذه الاخيرة ، بحكم قربها من ديارنا وجبالنا ، تطربني هذه الايام ،  في الأصداء التي  تبثها في الفضاء ، وتجعلني أجد نفسي حالماً ، حائما ، عائما ، ومعلـّقا أحيانا عند نقطة في الفضاء أو فوق احدى القمم ، في سعادة عارمة لا توصف ، وكأني في دنيا صغيرة من النعيم الذي احلم به .
يجب ان اعترف من جديد ، بان ما قلته هنا ليس مقالا ، إنه مجرد كلام عديمَ الفائدة ،  إنه لغو مؤقت ، الى ان استقر على صخرة صلبة تتيح لي قول كلام مفيد قد ينتظره بعض القراء .