المحرر موضوع: من المسؤول عن جٌرح المالكية السورية ؟  (زيارة 1464 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل Sleman Yousif

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 203
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
                           
  من المسؤول عن جٌرح المالكية السورية ؟
                                                    (وقائع رواها شهود عيان)
بعد تهدئة النفوس،نتمنى أن تكون قد هدأت فعلاً، وانحسار موجة الغضب والتوتر في مدينة المالكية(ديريك) وانقشاع الغيوم السوداء التي لبدت أجواء المدينة وأمطرت أحجاراً كردية على بعض أحيائها الآشورية المسيحية إثر جريمة مقتل شاب كردي في الثاني من نيسان الماضي، بدأت تتكشف وتتضح بعض الملابسات التي احاطت بهذه الجريمة التي كادت أن تحولها، ثورة الغرائز المنفلتة وعقدة الاضطهاد في ظل مناخات الاحتقان والتوتر في المجتمع السوري التي أنتجها الاستبداد القومي والسياسي  القائم في البلاد،الى فتنة طائفية واثنية في المدينة. نعم،أن المساعي الخيرة ودعوات التهدئة تمكنت من وأد الفتنة هذه المرة- مع قناعتنا التامة بخطأ المراهنة على الوساطات العشائرية أو الدينية في حل ومعالجة هكذا قضايا خطيرة لأن أسبابها اكبر وأعمق من أن تزال عبر هذه الأطر التقليدية التي تجاوزها الزمن- لكن ماذا لو تكرر الأمر ووقعت حوادث قتل مشابهة،على هذه الساحة أو تلك،وهو أمر متوقع حصوله في بيئة اجتماعية وثقافية خصبة، تختزن الكثير من عناصر التوتر والانفجار وفي ظل الخلل القائم في العلاقة الوطنية بين المكونات المتمايزة والاصطفافات الفئوية التي بدأت تتشكل بقوة في المجتمع السوري،خاصة في الجزيرة السورية بسبب تركيبتها الاجتماعية وغياب تام لمنظمات المجتمع المدني.فكل شيء في الجزيرة مفصل ومركب على اساس إثني أو ديني أو قبلي،من فعاليات اقتصادية واجتماعية وثقافية الى الأحزاب والتنظيمات السياسية،حتى مؤسسات الدولة تتلون بلون العنصر الغالب فيها.
البداية: على أثر الجريمة النكراء التي هزت مدينة المالكية، بكل طيفها القومي والديني والاجتماعي والمتمثلة باغتيال المدرس الآشوري (غازي يونان) في العاشر من آذار الماضي نهاراً جهاراً بدم بارد من قبل مجموعة عربية مسلمة،اجتاحت مشاعر الغضب والاستياء الشارع الآشوري(السرياني) والمسيحي عامة،وارتفعت حرارة الحساسيات الاثنية والدينية في مجتمع المالكية،خاصة بتلكؤ وتهاون السلطات الأمنية في القبض على الجناة بالرغم من المعرفة التامة بهم.في هذه الأجواء المحتقنة تكررت استفزازات بعض الشبان الطائشين من الأخوة الكورد في حي آشوري مسيحي بالمدينة.يوم الاثنين ليلاً ( 2-4-2007)، تحول تحرشات شباب الكورد بآشوري داخل محله التجاري وفي ذات الحي المسيحي الى تلاسن ثم مشاجرة، انتهت بانسحاب الشبان الأكراد لكنهم هددوا بالعودة.في هذه الإثناء قدمت دورية شرطة(جنائية) برفقة ضابط الى المكان، حققت في الموضوع وقيل للضابط بأن الشبان الأكراد هددوا بالعودة،لكن الدورية لم تأخذ الموضوع بالجدية المطلوبة، وبدلاً من أن تقوم الشرطة بتعقب المعتدين وتلاحقهم لمنع عودتهم وتجدد المشاجرة،اعتقلت الشاب الآشوري،صاحب المحل التجاري، وغادرت المكان مبقية فقط على عنصرين منها.وبالفعل لم تمض دقائق حتى عاد أكثر من عشرين شاب كردي في سيارة شحن متوسطة الحجم،وبدءوا يطلقون الشتائم المهينة للمشاعر الدينية والاجتماعية للمسيحيين متحدين أهالي الحي، مما دفع بمجموعات شبابية آشورية مسيحية بالتصدي لهم والاشتباك معهم من جديد وتطور الموقف بشكل دراماتيكي، انتهى بانسحاب الشبان الأكراد بعد اصابة اثنين منهم، احدهم جروحه خفيفة،والآخر(جوان أحمد) وقع على الأرض بالقرب من أحد المحال التجارية استنجد صاحبه وهو آشوري لإسعافه وقد تقدم منه شخص(صيدلي) خرج من منزله صدفة لغرض خاص من غير أن يعلم بما جرى،واستعدا معاً لإسعافه،وقد أكد من شاهد جوان على خلو جسده من أية جروح  بسكاكين أو ما شابه.في هذه الإثناء حضر أحد أقرباء جوان،كما وصلت الى المكان دورية الشرطة بأمرة ضابط أخذ أسماء المتواجدين وأمر بوضع المصاب في سيارة الدورية لكنه(جوان) تشبث بالأرض رافضاً الذهاب معهم الى أن تحدث اليه الرجل المقرب منه بالكردية.هذا دليل آخر على أن حالة جوان لم تكن خطيرة كما صورها البعض.تجدر الإشارة أن الدورية رفضت مرافقة الرجل الكردي للمصاب جوان وهو من معارفه وقيل له الحق بنا الى المشفى الوطني.كان الوقت بحدود التاسعة ليلاً وبعد نحو نصف ساعة استدعي الطبيب الجراح (ج)الى المشفى لكن بعد فوات الأوان حيث كان جوان قد فارق الحياة؟ مما ترك شكوكاً وتساؤلات في الشارع حول أسباب وفاته.وكالعادة قامت الشرطة بحملة اعتقالات عشوائية للعشرات من الشبان السريان والأكراد.جدير بالذكر أن الشاب الكردي الذي افتعل المشكلة(ج.ن) وتسبب بموت زميله (جوان) توارى عن الأنظار لعدة أيام قبل أن يسلم نفسه للسلطات الأمنية.في اليوم التالي وإثناء تشييع جنازة المرحوم جوان قامت مجموعات كبيرة من الأكراد المحتجين الغاضبين باجتياح الحي الغربي ذات الغالبية المسيحية في المدينة وسادت حالة من الرعب والفزع بين الأهالي، نتيجة أعمال الشغب والتخريب التي قام بها المتظاهرون،مستخدمين الحجارة والهراوات،الحقوا اضرار مادية بليغة بالكثير من المنازل والمحال التجارية والسيارات، طالت كنيسة (مار دود)، وهذه تعد سابقة خطيرة في الإساءة للمقدسات الدينية لم تشهدها سوريا من قبل.وقد نقل عن شهود عيان أن قوات الشرطة وحفظ النظام في البداية تساهلت كثيراً مع المتظاهرين الأكراد الى أن تصاعدت وتيرة التخريب وشيوع أخبار عن استنفار جميع المسيحيين في المدينة واستعدادهم للتصدي للغوغائيين من الشباب الكرد وطردهم من الأحياء المسيحية مهما كلفهم ذلك من ثمن.وبالفعل خرج مسيحيون،وإن بشكل محدود،وتصدوا للمتظاهرين بمؤازرة بعض الأخوة الأكراد ممن استهجنوا تلك المشاهد الغريبة عن مدينتهم وأدركوا خطورة الوضع  ومضاعفاته على السلم الأهلي،وهنا اضطرت الشرطة لاطلاق العيارات النارية في الهواء واستخدام القنابل المسيلة للدموع لتفريق المتظاهرين.
ما وراء الحدث:أن تتطور مشاجرة عادية بين شبان متهورين من قوميتين أو من ديانتين مختلفتين وبطريقة دراماتيكية خطيرة الى فتنة أهلية أمر بالغ الخطورة ويثير الكثير من التساؤلات يستدعي التوقف عندها والبحث عن أسباب ما آلت اليه الأوضاع في مدينة المالكية. ما من شك،بأن مقتل الشاب جوان هو جريمة نكراء ومدانة أياً تكن الجهة الفاعلة.لكن بالمقابل ردة فعل الشارع الكردي على هذه الجريمة وبالطريقة السلبية التي تمت هي الأخرى مرفوضة ومدانة وغير مبررة تحت أي مسمى وهي أساءت للحق الكردي أكثر مما أفادت.تجدر الإشارة هنا الى أن في العقدين الأخيرين قتل عدة أشخاص آشوريون (سريان)مسيحيون على ايدي اكراد على أرضية خلافات فردية،أذكر منهم (فيليب شارلمان وسوسو في القامشلي،جورج في الحسكة، غزال في الدرباسية)وأكاد أجزم بان جميع الضحايا غدر بهم ولم يكونوا معتدين، مع هذا لم نر أي ردة فعل مسيحية مخلة بالسلم الأهلي ولم يصدر عن الآشوريين ما يسيء للعلاقة الكردية الآشورية، وتم التعاطي معها على انها جرائم فردية تحصل ضمن الشريحة الواحدة وأحياناً ضمن الأسرة الواحدة وتركت للقضاء على عيوبه وفساده. السؤال الذي يطرح نفسه في سياق أحداث المالكية: هل ما جرى هو محض هبة عفوية غاضبة من الشارع الكردي ، أم أن هناك من خطط وأثار هذا الشارع؟. معظم الآراء التي سمعناها ترجح الاحتمال الأول والبعض من النخب الكردية قال: للأسف شارعنا يتسم بالتطرف وهو الذي يقود أحزابنا.أنا شخصياً أميل الى هذا الاحتمال. وهذا يزيد من الأمر تعقيداً، لأن عدم قدرة الحركة الكردية على التحكم وضبط الشارع الكردي،أو ان تنقاد خلف الاتجاهات الكردية المتطرفة، يترك الباب مفتوحاً لمزيد من التعصب والغلو القومي الكردي، كما يترك شكوكاً بقدرة الحركة الكردية الانخراط الجاد في أي مشروع وطني للتغير الديمقراطي.أما إذا كان حقاً يقف خلف ما حصل وما أقدم عليه الشبان الأكراد من أعمال شغب وتخريب بعض الجهات أو التنظيمات الكردية،كما تعتقد بعض الأوساط الآشورية والعربية، فالأمر يبدو أكثر تعقيداً وخطورة. وما يزيد من خطورة الوضع وتعقيده، سيل من الخطابات التضليلية والمقالات التجييشية والتحريضية،من هنا وهناك، التي ظهرت على صفحات الانترنيت، وبالغت كثيراً في تصوير الحدث واخرجته عن سياقه وحجمه الطبيعي، الى درجة قامت بعض مواقع الانترنيت الكردية بتركيب صورة، لا صلة لها بالواقع، لشخص مصاب وبمنظر مقزز على أنه الشخص الذي قتل على أيدي الآشوريين.وفي السياق ذاته أصدرت إحدى المنظمات الكردية المعنية بالدفاع عن حقوق الإنسان والحريات العامة في سوريا ( DAD ) بياناً جاء فيه: ((تعرب المنظمة عن قلقها البالغ من تطورات الأحداث في مدينة ديرك بعد مقتل الشاب الكردي جوان أحمد طعناً بالسكين وجرح أثنين آخرين ...على يد مجموعة من السريان يقدر عددهم بحوالي مائة شخص وتمثيلهم بجثته بطريقة أقل ما يقال عنها بأنها بشعة وبشعة جداً.((..إذا كان هذا هو خطاب ونهج المنظمات الحقوقية الكردية في تعاطيها مع الأزمات الحساسة والخطيرة، فكيف سيتصرف الأميون والجهلة والمتعصبون والغوغائيون في الأوساط الكردية؟. هل هذه اللغة والمفردات يخدمان دعوات التهدئة وضبط النفس التي أطلقتها المنظمة الحقوقية ذاتها؟.وبالمقابل  صدرت مقالات وكتابات وبيانات آشورية سريانية ومسيحية صورت جريمة مقتل الشاب جوان على أنها مفخرة أو بطولة مسيحية و انتصار سرياني آشوري تاريخي على الأكراد والمسلمين، في الوقت الذي رفض جميع الموقوفين الآشوريين تهمة قتل جوان بالرغم من قسوة وبشاعة التعذيب الذي تعرضوا له إثناء التحقيق معهم في قسم الشرطة بالمالكية.وقد نم تحويل ثمانية عشرة منهم الى قاضي التحقيق العسكري بحلب(محكمة الجنايات) وواحد الى سجن تدمر العسكري. بالطبع هذه الكتابات والبيانات السريانية الآشورية آلمتنا كثيراً وخدشت مشاعرنا الإنسانية والوطنية، وهي من دون شك، مرفوضة جملة وتفصيلاً.أنها لا تختلف عن الخطابات الكردية المتطرفة،جميعها تسيء لعلاقات ومفاهيم العيش المشترك.حتى هناك من يروج من الآشوريين بأن ما حدث في المالكية يأتي ضمن خطة أو مشروع كردي لتهجير الآشوريين السريان من الجزيرة السورية وكأن الأكراد هم الذي يحكمون الجزيرة و سوريا.عجباً ماذا كان سيقول هؤلاء الآشوريين المعتوهين فكرياً لو أن القتيل كان آشورياً سريانياً؟.إذا كان من مشروع للجزيرة السورية فهو مشروع الشيوفينين العرب بسعيهم لطرد الآشوريين والأكراد وكل من هو غير عربي خارج سوريا تحقيقاً للأفكار العنصرية للبعث الحاكم(يجلى عن الوطن العربي كل من لا يؤمن بالعروبة ويرفض وحدة العرب).في هذه المرحلة الحساسة والدقيقة التي تمر بها سوريا والمنطقة تتضاعف مسؤولية القوى والمرجعيات الوطنية،الآشورية والكردية والعربية،في تحصين مجتمعاتها من خطر ما يروج من شائعات وما تبثه الأقلام المأجورة والمشبوهة التي تصدر بأسماء كردية حيناً وآشورية حيناً آخر و عربية بعض الأحيان،فهي ذات أهداف مغرضة للإيقاع بين الأكراد والآشوريين والعرب وإحداث شرخ في العلاقة الوطنية بين القوميات الثلاث،خاصة بين الحركة الكردية والحركة الآشورية بعد التقارب الذي تحقق بينهما في السنوات الأخيرة.
سليمان يوسف.... كاتب وناشط سوري آشوري.... القامشلي
shosin@scs-net.org