المحرر موضوع: حسين رشيد في روشيرو (3)  (زيارة 984 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل هاتـف بشبـوش

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 201
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
حسين رشيد في روشيرو (3)
« في: 20:34 10/07/2018 »
  هاتف بشبوش، شاعر و ناقد (عراق / دنمارك)


حسين رشيد في روشيرو (3)

 


قصّ وسرد رباعي في كلّ شيء و قصدية هائلة من قبل القاصّ العميق الخيال . سجينُ يساق للإعدام لهروبه من الجيش وكان تسلسله الرابع في طابور النحر حيث نالت الطلقة الرابعة من رأسه فترك زوجة وأربعة أطفال وآخرهم في الشّهر الرابع . أنا شخصيّا شهدت إعدام أصدقائي الهاربين من الجيش وأجبرونا أن نشاهد إعدامهم لغرض تخويفنا من أننا سوف نلقى نفس المصير لو فكرنا في الهروب ، وكان يوما قميئاً وجهماً للغاية حيث أنّ أغلب الجنود تقيأت ليلاً كاملاً من هول الموقف في إعدام أصدقائهم أمامهم دون أن يفعلوا شيئاً يُذكر في ردع هذا الإعدام .
تنتقل بنا الكاميرا السردية للقاصّ حسين إلى القصص التي تُحدّثنا عن ظاهرة قميئة جاءت مع الاحتلال أيضا وهي التديّن والحمدلة والبسملة والحوقلة لدى العراقي بعد أن كان يهوى الخمر والثقافة والطرب في البيوت والمراح والتي أعطت العراق رونقه الخاصّ. فيكتب القاصّ حسين بهذا الخصوص قصّة (إستثناء) التي يسبر فيها عن غور الطفولة ونزقها في كسر زجاج بيت الجيران أو العبث بحدائق البيوت ثمّ العبث في مرحلة من المراحل بعز العرب وذلك بفتح العين . ثمّ في كسر القبلة في الفنادق الفاخرة التي أصبحت مصلى لهذا الزّمن الرّديء . ثمّ ينزاح بنا القاصّ حيث الرّجل الحزين الباكي وهو في العقد الخامس صاعداً في سيارة أجرة ليكمل حزنه مع مذياع السيارة وباسم الكربلائي حتّى يصعد فتًى من الطراز البريكي الحنين ، متخنث لكنّه يُلقّب ( السيد) وهذه صفة تدلّ على الانتماء للنبي وهؤلاء لهم كراماتهم الخاصة من قبل المجتمع وهذا الفتى كان يستمع لفيروز من الموبايل خاصّته فقال له الرجل الخمسيني الباكي اللاطم ( واصل مولانا واصل... يقصد الأجرة). شعوب كلها دجل في دجل وملق رخيص. بينما في تونس استأجرتُ تاكسياً أنا وجميلتي وإذا بالسائقِ شيخاً بعمر التسعين وهو يستمع إلى أغاني محمد عبد الوهاب ثمّ بعدها عبد الحليم حافظ ممّا جعلني منشرحا فرحا مزهواً . ثمّ عرفت بعدها أنّ كل سائقي العربات يستمعون إلى الطّرب الجميل . بينما في السماوة وكل مناطق الجنوب العراقي ترى السائق يجلب لك كل أمراض الكآبة والقلق والخوف لأنّه لا يعرف سوى كاسيتات البكاء في الحسينيات والشيخ الفالي وسيد جاسم وهلم جرا من مزبلة الذائقة ، وحين تقول له أسمِعني أغنية من فضلك ، يقول لك هل تريد أن تقطع رزقنا ، وكأنّك كفرتَ بنعمة الله وما الرزق إلاّ من عند الله ، فمن أين أتيتم بهكذا ثقافة انحدرت بنا إلى الحضيض يالصوص المال والذوق وكل ما هو بعيد عن الحداثة والإنسانية.يستمرّ القاصّ في التشكيك والسّؤال عما يتعلّق بالتزلف الديني في قصّته ( الرب) ورائعة صيام :

عن الصّائمين الذين كانوا يحمّلون أوزار صيامهم على صديقهم الذي معهم في الوظيفة ، فيطلبون منه أن ينوب عن عملهم وكأنهم صائمون له ، وبين الفينة والأخرى يخيفونه بفناء الدنيا وأنّه سيلقى النّار والجحيم ، حتّى قال لهم ذات يوم في إشارة مهمّة للغاية في طعن نواياهم وصدقهم، أنا سأصوم السنة المقبلة لكن شريطة أن تصوما سوية وتفطران سوية إشارة إلى السنة والشيعة وفرقتهم في هذا الدين مشتِت الإنسان والأبدان والعقول مثلما قال سبينوزا العظيم ( لقد دهشت مراراً من رؤية أناس يفتخرون بإيمانهم بالدين المسيحي . أي يؤمنون بالحبّ والسّعادة والسّلام والعفّة والإخلاص لجميع النّاس، ويتنازعون مع ذلك بخبث شديد ويظهرون أشدّ أنواع الحقد، بحيث يظهر إيمانهم في عدائهم لا في ممارسة الفضيلة).
حتّى بيت الدعارة عبارة عن وطن لا فرق فيه بين مسيحي وأعجمي وبين الضيف والعاهرة والكل متحابون ولا فرق سوى في دفع العضو اللايكل في فروجهنّ ودفع المال اعتمادا على القول الشّهير ( الجود من الموجود) ، بينما هؤلاء الأصدقاء في الوظيفة يحملهم الحقد على زميلهم لكونه غير مؤمنٍ بما يؤمنون . ولذلك قال ابن خلدون (من أنّ العرب لا يقبلون الحضارة وإنّهم أشدّ الشّعوب الرافضة للتعايش السّلمي مع الآخرين بل وحتّى مع أنفسهم ) .وهذا ما نراه في طبيعة هذا التباين الفكري لدى هؤلاء الأصدقاء المتعصبين لديانتهم .. شعوب جاهلة وأوادمٌ جهلة كما يقول أبو العلاء المعري (ولما رأيتُ الجهل في الناس فاشياً/ تجاهلتُ حتّى قيل أنّي جاهلُ) . ولذلك القاصّ حسين لم يستطع السّكوت أمام هؤلاء القوم لخوفه على ذاته وعلى أمّته من أن يكون الجهل مرضاً معدياً لا شفاء منه . شعوبٌ أصابها داء العضال بالصّمم والسّكوت بحيث أنّها لا تعرف كيف تسأل ، كيف تشكك ، وحتّى عبدة الأوثان هم أكثر فهما ووعياً بحيث قال أحدهم ساخراً من صنمه   ( أربٌ يبولُ الثعلبان برأسه / لقد ذلّ من بالت عليه الثعالبُ ) .
ويستمرّ تسليط الضّوء القصصي إلى مشهد آخر من رعب الأديان في قصة ( عذاب ) :

(الجحيم هي تصور البشر نتيجة تفكيرهم بالموت وبما وراءه، ثمّ صار وسيلة مضمونة ومفيدة للسّيطرة على البشر من خلال الأديان ، ولذلك صار هو الموضوع الأثير للدّعاة والمبشرين والأنبياء والوعاظ ....... نقلا عن الروائي برهان شاوي).
فكرة رائعة يسردها حسين على غرار فكرة صكوك الغفران لمارتن لوثر عن النار والجنة وعذابات الجحيم وأولئك الصائمين المصلين الذين يتحدثون عن أنّهم لم يخالفوا الربّ ولذلك فجزائهم الجنّة خالدين فيها ، بينما صديقهم يستمع إليهم ويقول لهم من أنّ الربّ سوف يصدر عفوا عن كلّ الذين كفروا ولم يصوموا أو يذكروا الربّ ففي هذه الحالة سوف تفرح جميع الطوائف والأديان والملل وتبقى فئة قليلة من المعارضة ترفض هذا القرار وهم المصلون والمؤمنون ولكن في النتيجة سيضطرّ الربّ أن يفتح أبواب النار والجحيم من جديد ويرمي بها المعارضون الذي عصوا أمر الربّ . ما أحلاك يا حسين رشيد في مرماك وأنت تذكي نار العقل في محاكمة الجهلة والأغبياء الذين ملئوا الدنيا باللصوصية والسرقة . ما أحلاك يا حسين وأنت ترمي سهامك التي تقول من أنّ الإيمان لم يعد إلاّ تصديقاً أعمى وأوهام تجعل من العقلاء بهائم متعصبين بلا سراج دون التمييز بين الخطأ والصواب .
بين لعبة الحياة والموت هناك دائما داينمو يشعل فينا حمى الآيروتيك والجنس والإغواء ، ولذلك أنا أعطيت لنفسي فرصة في التنقل بين أزقة القاص حسين فتارة أرى الموت ومذياع الفاتحة في زقاقٍ ما وتارة يذهب بي الخيال إلى ما وراء الشبابيك المغلقة لزقاقٍ آخرٍ وبيوته وماذا يفعل الرجال والنساء في داخل بيوتهم من نكاحٍ وتأوهات وآلام في الإيلاج ولجمِ صراخٍ ناجم عن لذّة عارمةٍ . رسائل عديدة في مجموعة روشيرو تحدّثنا عن هذا الموضوع البورنوي الممتع وعلى وجه الخصوص اليوم في عراق البورنو وأفلامه الإباحية التي دخلت بيوتنا إجباراً فأصبح بمقدور العراقي أن يراها عن طريق الموبايل حتّى وهو في التواليت مثلما نقرأ في مشاهد ( دنيوية) وهي الأخرى محاولة تجريب بكتابة القصّة القصيرة جدّا بطريقة المتوالية القصصية:

قصّة تبحث عن غواية النساء وما هي العواقب من جراء غوايتها اعتمادا على قول الشهير أنطوان تشيخوف (إنّ عدد من تدمّرهم النّساء يفوق عدد من تقضي عليهم الأمراض، لئيمات محبات للمال بلا رحمة ولا عقل. منذ بدء التاريخ والرجال لا ينقطعون عن البكاء بسببهنّ، ليس من العبث أن ترتبط النساء بالشيطان في كلّ الأساطير والقصص والأغاني).

قصّة ( دنيوية) تتحدّث عن العاهرة التي كانت تغنّي بأغنية البعث (على خط النار يبن أمي ...على خط النار) ، فهي تقول (على خط الع.... يبن أمي على خط الع .....) ممّا حدا بأحدهم أن يطلبها للمضاجعة لكنّها تمانعت وبشدّة وفي يوم من الأيام أبناء الزقاق طلبوا منها أن ترفع أفخاذها كي يلهو معها جماعيا لكنّها أعجبت بالشّخص نفسه وراحت تجعله صديقاً لابنها الصغير كي يدخل البيت على راحته ولذلك قال توفيق الحكيم (المرأة لا تستطيع آن تخلص لمبدأ لكنّها تستطيع أن تخلص لرجل) . هذه المرأة لها زوج ديوث يخافها كثيرا حتّى جاء أبوها ذات يوم وقال له كنت أعتقد أنّك ستمنعها من عمل الخطيئة لكنّك تبدو جبانا ، فقال له: أنا زوجها ، لكنّك أبوها منذ أربعين عام . ديوث أسوأ من ديوث ..أقرع يعيبُ أقرع ..ويا مُعيبُ..لا تـُعيب ..ضع عيبكَ في عجيزتك .
لاتكاد أمة من الأمم تخلو من حكايات الجنس وما أكثرها لدينا في الف ليلة وليلة ، ولذلك مرّة أخرى نرى حسين مع السّرد البورنوي (فلمسيسوس) :

الإله شفا فقد عضوه كلعنة وغاص في المياه حتّى كبر فقالوا للإلهة الكبيرة( ديفي) أن تستقبله في فرجها ففعلت وأنجبت (فلميسيوس) الذي أصابته اللعنة وهنا كما حال الفراعنة والملكة (زيوس) وكيف مات زوجها وقطّع أوصالا وظلت تبحث عن أشلاءه التي وجدتها جميعا عدا عضوه فعملت تمثالا كبيرا للأير للعبادة وظلّ يُعبد لحقبة زمنية طويلة . اليوم هناك أمم تعبد الأير باعتباره إله الإخصاب ولازالت في اليابان والهند حيث تُقدّم له النّذور والطّعام والمال كما يحصل في ممارسة تقاليدنا عند زيارة الأولياء والقدّيسين ، وهناك تمثال كبير له في الدنمارك في منتصف السوق الكبير وجميع الجالية المسلمة يوميا تمرّ من خلاله فهو الطريق الدائم الذي لا يمكن تجاوزه .



سطور أخيرة بحقّ القاصّ حسين :

حسين رشيد كاتب زرع وحصد وأعطى ثماره من قوّة السّرد وصاحب السرد وإطلالة الكلمات من قاصّ له اسمه المعروف في الصّحافة . من يقرأ حسين رشيد في روشيرو سيجد من أنّه ليس حياً بقدر ما يرحل بل هو حيّ بقدر ما لا يرحل أيّ بقدر ما يولد ، والإبداع لديه مثلما الموت والميلاد اللّذين يشكّلان قناعين لوجه واحد هو وجه الإنسان المتحرّر والثّوري الذي يقف بتحدّ وشموخ أمام قدره المغترِب أو الوجودي. حسين وجدته متمرّدا على الخطأ باحثاً لنهره الدّفين عن مكانٍ مناسب لينبع فيه فيكتشف نفسه. حسين رشيد كان مبدعا يمرّ بحرب عصابات داخلية في النّفس على الأعراف والمصالح الذاتية وعلى الأفكار الإنسانية المبتذلة من أجل الذّكاء المبدع.
حسين رشيد حين يكتب يعطي المدلولات الحقيقية عن شخصيات قصصه، ومن الواقع الفعلي خصوصا حينما تعامل مع عاهرة الحيّ وكيف طلبوا منها أن تريهم أفخاذها. يقال أنّ الشّاعر الروسي آفانسييف في سؤاله عن آنا كارنينا لصديقه ليف تولستوي وفي وقتها لم ينهي القصّة بل كان في دور النّهاية لها فأجابه تولستوي العظيم (آنا كارنينا بالنّسبة لي مضجرة، داعرة وتثير نفوري لقد تعبتُ منها) . هذا هو السّرد الممتع الذي يصف الواقعية الحقيقية في التّعامل بين السارد وشخوصه الروائية أو القصصية والتي رأيناها لدى القاصّ حسين رشيد الذي أبدع في هذا المجال وكان موفّقا إلى حد كبير .
في الأخير أعلن نهاية دراستي لمجموعةٍ استمتعت بها وما علينا سوى أن نعتني بجدائل روشيرو بشكلها الجميل وننضد العناقيد العنبية السردية ثمّ نرشّ عليها رذاذ الماء كي تظهر بمظهرها البرّاق الذي يليق بعيون ومدارك القارئ الذي يؤشر ويقول أنّ هذا الإبداع يعود إلى القاصّ حسين رشيد الذي سجل اسمه بوضوح في عالم القصّ القصير.