عندما يُثار التساؤل كيف أباح الدين العبودية والرق؟ فمن ألتجرع على شرع الله ان نقول بقوة وبغير استيحاء ان العبودية والرق مباح في الأديان. كارل ماركس (1818-883) صاحب المقولة المشهورة (الدين أفيون الشعوب) يهودي اشكنازي توارثت عائلة واحدة حاخامية ترير منذ 1723، كان يقصد المؤسسات الدينية وليس الدين ممثلة بالكنيسة في أوربا بفكرها الظلامي ونقده للدين بصفته إنساناً. كان ماركس يعتقد ان ثمة تلازماً وارتباطاً بين رجال الدين والسلطة، فرسالة الدين الصحيح جاءت من السماء الى الأرض، (وهل رجل الدين معه صك الغفران ومفتاح باب الجنّة؟). هذه العبارة لماركس كثيراً ما تم تشويهها من جانب خصومة المتدينين وغير المتدينين معاً. ان سهام النقد الماركسي للدين كانت في الواقع موجهة لا للدين حسب وإنما ايضاً لموقف فلاسفة ومفكري التنوير البرجوازيين من الدين. رأي التنويريين في الكنيسة مؤسسة رجعية متحالفة مع الملكيات المستبدة ومؤيدة باستماته للنظام الاقطاعي. وهي تستخدم الدين في توطيد سلطة رجال الدين في المجتمع، وتقوم بإرهاب العلماء والمفكرين الاحرار. المسيحية كما لاحظ ماركس كانت في الأصل حركة للمضطهدين ظهرت في أوساط العبيد والفقراء والمحرومين من أي حقوق في الإمبراطورية الرومانية واليهودية معاً. وإذ كانت قد تحولت الى قلعة الاقطاع في أوربا بالقرون الوسطى. نستطيع ان نفهم ما قصده ماركس والتي تُفهم بمعنى ان الدين مخدر يسمح للناس بتحميل بؤسهم عن طريق الغرق في أحلام تحرمهم من القدرة على التمرد. من هذا قال: (ان الدين ليس إلا صمام أمان لخيبات الامل والوهم والمحافظة على الوضع القائم). آنذاك تزامن مع ظهور الثورة الفكرية والعلمية، إذ نشر اليهود المتصهينون الالحاد عل الأرض، مستغلين مساوئ الكنيسة فجاءوا بثورة ضد الكنيسة (الثورة الفرنسية) وبالحركات والدعوات المغايرة (للدين الصحيح) وتفشى الالحاد في الغرب، وهدف الصهيونية هو إزالة كل دين على الأرض ليبقى اليهود وحدهم أصحاب الدين!! ماركس كان يعني مفهوم أو أيديولوجية الدين عند غالبية الشعوب ان يكون أفيوناً. ذلك المفهوم الذي يذهب تماماً كالأفيون. فماذا لو جاء ماركس اليوم ورأى كم الابتعاد عن جوهر الدين وأصبح أكثر مادية وعبودية للبشر. رسالة الدين جاءت لتوازي المادي والروحي في حياة الانسان. لقد نقد ماركس الدين الذي جاء برسالة استغلال وعبودية الإنسان للإنسان حتى لو كان رجل دين ان يكون عبودية الإنسان لرب الإنسان سواء كان يهودياً ومسيحياً او مسلماً. ولو درسنا التاريخ لوجدنا ان معظم الحروب بين البشر سببها الدين لأن كل منهم يعتبر دينه هو دين الحق والخير المطلق، وان أتباع الديانات والمذاهب الأخرى هم على باطل ولا يستحقون الحياة وقتلهم واجب ديني، وخير دليل على ما حصل من الحروب الصليبية لقرنين من الزمن التي شنتها كنيسة الغرب على كنائس الشرق، وما الإرهاب لدولة الخلافة الإسلامية خير دليل ايضاً. الذي اعنيه هو الإسلام في التعامل بين الناس، ويعني الانقياد والاستسلام للخالق. فكل إنسان يلتزم بذلك هو مُسلم بغض النظر عن ملته وعقيدته. العبودية في بعض المشككين يدعوا انه كما في الإسلام من عبودية قاسية وملكات يمين يغتصبن حسب رغبات (سيدهم) ان يستمتع بهن. يوجد مثله من عبيد وملكات يمين في اليهودية، بالطبع انها غير موجودة اصلاً في المسيحية ولا يستطيعوا ان يقارنوا بالمسيحية لأنها تنظر الى العبودية على انها ممارسات غير أخلاقية وغير عادلة. ان اليهودية منذ 3500 سنة مضت وحتى منذ 1400 سنة، كانت العبودية رهيبة، فلم تعط العبد أي حق مدني او إنساني من أي نوع ولا يعاقب قانوناً، حتى في الاغتصاب لا حق للعبد منه. في التوراة كانت العبودية قاسية ومحتقرة (وهذا هو إلههم). في العهد القديم استخدمت (عوبد وعبد) 801 مرة في اسفار (الملوك، الخروج، لاويين، التثنية، أخبار الأيام وغيرها الكثير). بينما في العهد الجديد بكل اسفاره، الفريسيون والكتبة والحاخامات لم يدركوا كلام السيد المسيح عن الحرية، كان اليهود يفتخرون بأنهم من نسل الاب العظيم. وما زالوا ليومنا يحسبون انهم (شعب الله المختار). واليوم أصبح الإسلام نسخة منحولة من اليهودية في موقفهما من العبودية والرق. فالإسلام أباح امتلاك العبيد والإماء عن طريق الشراء او السبي في الحروب او الهبة، تماماً كما فعلت اليهودية. في العصور الوسطى كانت أوربا ترزح تحت ظل الظلمات من الملوك والسلطة الدينية بالثروة وسرقة تعب وعرق الشعوب وتقتلهم باسم الدين على انه إرادة إلهية. حينها كانت الكنيسة في أسوء حالاتها، باعتبار عقد لِقران غير شرعي بين الأسقفية ورجال السلطة الحاكمة، فكانوا يفعلون كل ما بدا لهم تحت مظلة الدين. والكنيسة منعت كل من أراد البحث العلمي والفكري والتاريخ خير شاهد لذلك. الغرب تخلص الى حد ما من هذا المفهوم الافيوني عندما تخلص من السلطة الدينية. في حين الشرق الإسلامي الطريق طويل أمامهم للتخلص من هذه الآفة ليقولوا: (هل الدين أفيون الشعوب؟ ام انه مفهوم أفيوني سلطوي للدين). من ألبس هذه النظرية ثوب التشويه؟ من حِكَم ماركس: (عندما يغيب العقل ويحكم رجال الدين الرأسمالية ستجعل كل الأشياء، سلع، الدين، الفن والادب، وستُلّبسها قداستها). بعد 170 عاما منذ اعلان (البرنامج والوثيقة التأسيسية للأممية) يتضح هذا التعطش الكبير للنظرية الاقتصادية الماركسية، بعد ان تم إرسال توّقع ماركس بحتمية أزمة فائض الإنتاج الى مزبلة التاريخ. لم تكن أفكاره ابداً أكثر راهنيه مما عليه اليوم، لكن اليوم عندما نتكلم عن أهمية النظرية لا نكون بصدد الكلام عن المقابر بل عن الأفكار. المفهوم الاقتصادي والديني بدا واضحاً اليوم يتحقق من خلال النظرية الديالكتيكية لماركس، والتي تتماشى مع كل عصر وتاريخ للفرد والمجتمع والدولة. يبقى ان نفهم؛ متى ينطبق ما قالاه عن الدين في القرن 19على عصرنا الراهن؟ وهل نتفق على ان الدين اليوم يحمل نفس ملامح مجتمع القرن 19الذي شجبه ماركس بشدة؟ نقول نعم!! بسبب ظهور العديد من المؤسسات (الإنجيلين) والتيارات الأصولية المشتقة من صهينة المسيحية (المجموعات الانجيلية او ما تعرف باسم الكنائس الالكترونية) والى غالبية الطوائف الدينية التي تأسست حديثاً وما تعرف اليوم ب (المسيحية الثورية ولاهوت التحرير). ماركس نوّه مراراً وتكراراً في كتابه (رأس المال) بعلاقة القربى بين البروتستانتية والرأسمالية، ومساهمة المذهب البروتستانتي في التعجيل بظهور الرأسمالية. ولعل ملحوظاته الصريحة في رأس المال عن علاقة مجهودات الاصلاح البروتستانتي في التحول الرأسمالي تقارن بعد نصف قرن من مقالة شهيرة لعالم الاجتماع الألماني ماكس فيبر بعنوان (الاخلاق البروتستانتية وروح الرأسمالية). ولنقرأ ما كتبه ماركس في كتابه (أسس؛ صدرت الطبعة الأولى سنة 1940). عن العلاقة الحميمة بين البروتستانتية والرأسمالية: (إنما المال طبقة لها نزاهتها، نكرانها للذات، تضحياتها في الاقتصاد او التدبير، احتقارها للمتع الدنيوية العابرة الزائلة، ركضها وراء الكنز الابوي. وبالتالي هو هذا الاتصال بين البيور تانية الإنكليزية او البروتستانتية الهولندية من جهة وبين السعي الحثيث نحو النقود).
الباحث / ســــمير عســــكر