شاءت الأقدار أن يكون الشهيد الوحيد مسيحياً
(الشهيد البطل فرحان إيليا برايموك)
صدمت بتلقي نبأ استشهاد البطل فرحان إيليا برايموك، وتألمت كثيراً لفقدانه، وحزنت جداً له ولعائلته. بالحقيقة كان الشهيد البطل فرحان معروفاً بطيبته ومحبته وبساطته وعمله وإيمانه وفرحه بالرب. فهو كان فعلاً اسماً على مسمى حيث أن الفرح لم يكن يفارق وجه فرحان، وطيبة قلبه كان يلتمسها كل أنسان.
شخصياً عرفت ومنذ صغري أبن بلدتي الحبيبة شقلاوا الشهيد البطل فرحان، حيث كنت ألتقيه مراراً وأنا في طريقي نحو المدرسة وفي عودتي للبيت، وفي اللحظات الجميلة التي كنت اقضيها مع أصدقائي بأماكن اللقاء في شقلاوا المعروفة بطبيعتها الخلابة. لكن الصورة الأجمل لي عنه والتي لم ولن يمحوها الزمن من ذاكرتي هي حضوره الدائم للكنيسة ومشاركته في القداس الإلهي وفي الصلوات الأخرى وركوعه أمام القربان المقدس بكل خشوع ومحبة وايمان.
إن رحيل الشهيد فرحان عنا وبهذه الطريقة لم يكن في الحسبان، لكن هكذا شاءت الأقدار في زمان كثر فيه الفساد والعنف والإرهاب ودمار الأوطان. نعم، شاءت الأقدار أن يكون الشهيد الوحيد في العدوان الإرهابي صباح يوم الإثنين ٢٣ تموز ٢٠١٨ مسيحياً. شاءت الاقدار أن يكون الشهيد الوحيد من أفقر وأطيب الناس. شاءت الاقدار أن يكون الشهيد الوحيد من أفضل وأكثر الناس التزاماً بواجبه وعمله، ولو بنصف راتب أو حتى من دونه.
إن استشهاد الأخ فرحان داخل مبنى محافظة أربيل، في حادثة غريبة من نوعها، وعجيبة بتفاصيلها، وفي تلك الساعة المبكرة من الصباح خير دليل على التزامه بواجبه وعلى شجاعته ومحبته لخدمة وطنه. وهو خير دليل على أن المسيحيين بالرغم من عددهم القليل هم في الخطوط الأمامية لخدمة الوطن وابنائه والدفاع عنه وبذل الذات في سبيله وفي سبيل تطويره وازدهاره. ونتنمى أن تُخلد محافظة أربيل تضحيته بإقامة تمثالٍ له في المدينة أو بتخصيص شارع بقرب مبنى المحافظة ليحمل اسمه ويخلد ذكره، ويُذكر المواطنين بأن المسيحيين هم دوماً أوفياء لوطنهم ويضحون بدمائهم في سبيله بجانب اخوتهم المواطنين الشرفاء من كل أطياف الشعب العراقي المتألم والجريح.
انضم الشهيد فرحان لقافلة شهداء المسيحيين الذين سقطوا إما في سبيل ايمانهم بالمسيح أو في سبيل العراق الجريح، وأخص بالذكر بعضاً ممن عرفتهم من أبناء بلدتي شقلاوا وفي مقدمتهم الأب الشهيد يوحنا شير الذي اغتالته يد الخدر والخيانة في جمعة الآلام، ٢٨ آذار ١٩٨٦؛ والشهيد البطل لازار متي يوسف وابنه الشهيد البطل هه فال اللذان استشهدا على يد بعض المتطرفين الإسلاميين سنة ١٩٩٧. وكما أود أن أذكر صديقيّا الشهيدين البطلين ماجد بيا توما وهيثم سولاقا حنا اللذين اختلطت دماؤهما بدماء الكثير من الشهداء الأكراد المسلمين في الهجوم الإرهابي الذي نفذه الإرهابيون الإسلاميون في أربيل يوم عيد الأضحى سنة ٢٠٠٤.
سيبقى ذكر شهداءنا في قلوبنا وضمائرنا، وحتماً ستنبت دماءهم ايماناً في تربة وطننا وفي قلوبنا، وعسى أن تكون تضحيتهم بذواتهم في سبيل الإيمان والوطن دافعاً لنبذ الطائفية والعنصرية والاضطهاد والإبادة تجاه المسيحيين بمختلف كنائسهم وقومياتهم وأعراقهم. وكذلك بالنسبة لكل الأقليات التي تعرضت ولا تزال تتعرض للعنف والظلم والإبادة الجماعية في أبشع صورها مثل تلك التي ارتكبها تنظيم داعش الإرهابي وأعوانه. ولتكن دماء جميع الشهداء العراقيين الطاهرة رمزاً لوحدة البلاد والعباد ودافعاً لتحرير الوطن من الإرهاب والفساد على حد سواء.
نعزي أنفسنا وأبناء بلدتنا الحبيبة شقلاوا ومدينة أربيل الغالية، ونعزي بشكل خاص عائلة الشهيد البطل فرحان لفقدان هذا الإنسان الطيب والغيور والمخلص لإيمانه ولأهله ووطنه. ولنصلي عن راحة نفسه، ونفوس جميع الشهداء، ونطلب للجرحى الشفاء، وللعراق التخلص من العنف والكره والإرهاب والفساد، وسيادة العدل واستباب الأمن والسلام، ولأبنائه وفي مقدمتهم الفقراء والمساكين التنعم بخيراته وطيبة تربته ـ آمين.