المحرر موضوع: احتجاجات العراق تربك السياسيين ولا تقصيهم  (زيارة 1437 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل Janan Kawaja

  • اداري
  • عضو مميز متقدم
  • ***
  • مشاركة: 31477
    • مشاهدة الملف الشخصي
احتجاجات العراق تربك السياسيين ولا تقصيهم
تشكيل الحكومة العرقية يواجه مخاضا عسيرا بسبب ضغط المحتجين وإصرارهم على التغيير ولكن لا أفق واضحة لإحداث ثورة سياسية حقيقية

ميدل ايست أونلاين/ عنكاوا كوم
الاحتجاجات قد تكون الفصل
بغداد - يشهد تشكيل الحكومة العراقية مخاضا عسيرا قد يكون الأصعب منذ الغزو الأميركي للبلاد في 2003، بسبب موجة الاحتجاجات المتواصلة التي أحدثت ارتباكا كبيرا داخل الطبقة السياسية التي باتت مدفوعة تحت ضغط المحتجين للتخلي عن فكرة تقاسم السلطة طائفيا. لكن المهمة لن تكون يسيرة في ظل وجود أطراف ستقاوم أي تغيير قد يجردها من الحصص التي تنشدها.

ما إن انتهت الانتخابات وبدأ جدل التحالفات والصراع الخفي حول من سيشكل الحكومة القادمة، وما إن انخرطت الأطراف السياسية في معركة تقاسم غنيمة السلطة فيما بينها، حتى انتفض العراقيون، المصابون بخيبة أمل من حكامهم، منددين بضعف الخدمات وانتشار البطالة ورافضين لتكرار سيناريوهات الحكم ذاتها.   

ونزل سكان البصرة والمحافظات الجنوبية إلى الشارع ثم العاصمة بغداد للاحتجاج على غياب فرص العمل وضعف الخدمات لا سيما تلك المتعلقة بالكهرباء والماء التي عادة ما تصبح أكثر وطأة صيفا. وخلال المظاهرات عبر المحتجون عن رغبتهم في تغيير نظام تقاسم السلطة المستند إلى المحاصصة الطائفية في خطوة أحرجت الطبقة السياسية ووضعتها في مأزق حقيقي.

فقد ألف ساسة العراق تكريس منظومة سياسية واضحة تقوم على تقاسم السلطة طائفيا فيما يشبه تقاسم غنيمة ما. وبناء عليه بقيت ذات الوجوه في السلطة مع تغيير المنصب أحيانا من فترة لأخرى بين وزير أو نائب بالبرلمان أو مسؤول في دائرة ما، ولكنها وعلى استمرارها فشلت فشلا ذريعا في تلبية أبسط متطلبات المواطن العراقي فيما عززت ثراءها مستفيدة من تفشي الفساد في أغلب مؤسسات الدولة، إن لم تكن كلها. 

هذا المشهد الذي تكرر لسنوات يبدو أنه بلغ نهاية الطريق مع اتساع الهوة بين العراقيين والطبقة السياسية أكثر من أي فترة سابقة، في ظل استماتة العراقيين هذه المرة وتمسكهم بالتغيير الحقيقي الذي لن يأتي برأيهم من خلال مؤسسات الدولة الحالية التي أثبتت عجزها عن تحقيق أي إنجاز يذكر.

فرغم تقديم رئيس الوزراء حيدر العبادي عددا من الوعود والتنازلات ونزوله إلى جنوب البلاد للاستماع لمطالب المحتجين، إلا أنه لم يحظى بثقتهم، بل استمر تنديدهم بحكومته وفشلها في توفير الحد الأدنى من الخدمات.

السيستاني يزيد الضغط على السياسيين
كما زادت دعوة المرجعية الدينية الأعلى بالبلاد علي السيستاني في الـ27 من تموز يوليو الأحزاب السياسية لتشكيل حكومة في أقرب وقت ممكن بقيادة رئيس وزراء يكون "حازما وقويا ويتسم بالشجاعة الكافية في مكافحة الفساد" ودعمه للمحتجين، من تعميق الشرخ وارتباك الطبقة السياسية التي باتت عاجزة عن تقديم حلول كفيلة باسترضاء العراقيين.   

ولم يتضح حتى الآن ما إذا سيتمكن أي من مرشحي القيادة الحالية من كسر هذا الشرخ القائم بين العراقيين والطبقة السياسية في ظل استمرار انتقاد العبادي بسبب عجزه عن محاسبة الفاسدين وضعف حظوظه في ولاية أخرى يسبب الحملة القوية التي اعتمدها في البداية لقمع المحتجين. هذا فضلا عن خروج الزعيم الشيعي مقتدى الصدر من دائرة المعارضة التي تصطف إلى جانب المواطنين وتحرك احتجاجاتهم ضد الفساد، وتحوله إلى طرف في العملية السياسية الراهنة بعد فوزه في الانتخابات الأخيرة وتزعمهم جملة من المحادثات لتكوين تحالفات بهدف تشكيل الحكومة، وبالتالي التحاق الطرف الذي كان يحظى بثقة المحتجين ببقية السياسيين المغضوب عليهم.

وفي خضم هذا الغموض يرجح بعض المتابعين أن يتجه سياسيو العراق لتشكيل حكومة تكنوقراط مع تصرف، بمعنى أن يتم تسمية وزراء من خارج التصنيفات الطائفية للوزارات الخدماتية لاسترضاء المحتجين ولإيهامهم بأنه قد تم التخلي عن المنظومة السياسية القديمة وإخراج الحقائب الوزارية المرتبطة بشكل مباشر بمطالبهم عن المحاصصة. لإدراكهم أن وزراء التكنوقراط قادرين أكثر من غيرهم ــ المرتبطين بانتماءات طائفية ــ على تلبية مطالب المحتجين الأساسية كالكهرباء والماء والرعاية الصحية وغيرها.

ولكن في المقابل لن تخرج الوزارات السيادية من جلباب الأحزاب الكبرى، وكما جرت العادة ستذهب هذه الحقائب لشخصيات يتم اختيارها على أساس المحسوبية والانتماء الحزبي والطائفي لا على أساس الكفاءة كما يتطلع إلى ذلك العراقيون

وهذا الحل الترقيعي قد يجد سبيله في حال تراجع زخم الاحتجاجات، وعليه ستعود تدريجيا المنظومة القديمة تحت غطاء بعض الإصلاحات التي قد تطال الخدمات ــ في حال تنفيذها ــ ولكنه قد ينهار وينقلب إلى مستويات جديدة من الاحتجاج في حال أدرك العراقيون هذا السيناريو واكتشفوا عبثية ما يطرحه ساستهم وتمسكوا مجددا بالتغيير الحقيقي.

وبناء عليه قد تضطر الطبقة السياسية القديمة الجديدة في البلاد إلى القبول بتشكيل حكومة تكنوقراط متكونة من مستقلين يتم اختيارهم على أساس الكفاءة، أو بالأحرى هذا ما سيتم ترويجه.

إذ يرجح متابعو الشأن العرقي أن يتم تقديم أسماء جديدة على الساحة السياسية مرفوقة بشعارات إصلاحية براقة تتماهى مع متطلبات المحتجين بما في ذلك استقلالها عن الأحزاب الكبرى، في حين أنها تتمتع سرا بالدعم الكامل من ذات الأحزاب التي لن ترضى بأي حال من الأحوال أن تجرد من نصيبها من الغنيمة.

الاحتجاجات مستمرة
ويؤكد المتابعون أن التغيير الحقيقي الذي ينشده المحتجون لن يجد سبيله في عراق اليوم على الأقل، عراق محكوم بمصالح داخلية وأخرى خارجية.

فمن جهة هناك الأحزاب الشيعية المتحكمة بزمام الأمور في البلاد وقد تعودت لعب الأدوار الرئيسية في الحكم ولن تقبل التنازل على مكتسباتها لصالح أطراف جديدة مستقلة عنها كليا، بل أطراف قد تحفر في ملفات فسادها المترامية بناء على طلب العراقيين. ولهذا ستناور بكل ما أوتيت من جهد لتبقى في الواجهة وإن كان ذلك بطرح وجوه جديدة لم يألفها المواطن العراقي. 

وهناك الأحزاب السنية والكردية التي لن تتنازل بسهولة عن بعض مكاسبها المحدودة، قياسا لنظرائهم الشيعة، من أجل خطوة قد تبدو في نظرهم مجازفة قد تجردهم تماما من القليل الذي كان بين أيدهم.

ومن جهة أخرى هناك الأحزاب التي كانت لسنوات حارسا لمصالح إيران في العراق، لن تقبل الاصطفاف في الزاوية لمراقبة التغيير وإن أرادت ذلك فإن طهران لن تقبل خاصة في هذه الفترة الدقيقة التي تحتاج فيها لمناطق نفوذها أكثر من أي وقت مضى، في ظل التهديدات الأميركية بفرض عقوبات عليه. هذه الأحزاب ستكون مستعدة لتفعيل أذرعها العسكرية من أجل ضمان المكان الذي تريد.

ولهذا فإن مخاض الحكومة العراقية لن يكون يسيرا أبدا، ولكنه لن يخرج في مجمله عن الصورة النمطية وإن سيتم تجميله بعناية. ولا يمكن المراهنة كثيرا على الاحتجاجات الأخيرة لتحدث المفاجأة الكبرى، فرغم قوتها قياسا لسابقاتها وضغطها الكبير على الطبقة السياسية وإدخالها في ارتباكة حقيقية، إلا أنها ليست مؤثرة بما يكفي لتفرز مشهدا جديدا تماما، وليست قوية بما يكفي لإخراج سياسيي ما بعد 2003 من الساحة وفرض وجوه جديدة تنتمي للعراق دون سواه.