المحرر موضوع: الطريق للفهمْ يبدأ من هُنا  (زيارة 778 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل سـلوان سـاكو

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 454
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
الطريقْ للفهمّ يبدأ من هَنا
بقلم/ سلوان ساكو
الى حدّ الأن، وإلى اليوم لم ندركْ أهميّة التفاعلات الدولية المحيطة بِنَا وكيمياء السياسة العالمية وأدواتها وسياقاتها المتشعبة، ولم يستوعب الشعب العراقي بالخاصة الدافع الأساسي وراء الغزو الأمريكي للعراق في 2003، وكل المحاولات للسعي الى الفهم ما هي ألا مداورة على الإطار العام للملف من دون الدخول الى الجوهر والعمق الحقيقيين. وهي من واقع الحدث اليومي للنمطْ المعتادين عليه في الطرح (الكلام العادي للاستهلاك اليومي لا اكثر)، وقدرات ذهنية مُعطلة يجب عليها أن تعمل اليوم قبل غدّ، وعدم الوعي بالقضايا الكبرى المصيرية، واساء أكثر ما أساء لذلك كله القراءات المستعجلة والخاطئة، والتأويلات المُلتبسة الممزوجة، نظيف أليها الأحكام المُسبقة التي نطلقها بِدراية وبدون دِراية فبات القياس Measurement عشوائي وبدون ضبط أو دلالة، حتى أَمْسَيْنَا لا ندريْ خَبَايَا الأُمُورِ وما هو مكتوب ما بين السطور، تُطلقْ الأحكام على عواهنها بدون أبجدية المعرفة، وصرنا بعد مرور أكثر من خمسة عشر عام على الاحتلال نتخبط بمياه سياسية ثقيلة وداخل حلقة مفرغة، والذي نفكر به مجرد أضغاث أحلام لا أكثر ولا أقل، والبائن أننا سوف نظل في هذه الدوامة وهذا التخبط الى ما لا نهاية أذَ لم نُعيد صياغة الأفكار ونُعيد قراءة الحرب من البداية لكي نفهم ونعرف أبعاد الموضوع وكَيما لا نِضِيع أكثر في متاهات ودوربْ الكلام الفارغ، ولنعي حقيقة الوضع برمته من الأول لكي نصوغ من جديد حديث منطقي مُفيد يسلط الضوء على الحقائق المجردة دون رتوش لا معنى لها، وهذا بدوره سوف يخلق وعيا من مستوى آخر، مستوى أعلى، ووعيا يتفرد به الفرد العراقي ويملك أعين أبصر من زرقاء اليمامة ويفهم ماذا يُعد له في مطبخ السياسة الأمريكي، ليس من الأن ولكن من سبعينيات القرن المنصرم وبالتحديد من قرار تأميم مجموعة شركات نفط العراق المحدودة (IPC) من قبل الرئيس العراقي الأسبق أحمد حسن البكر 1972، والذي أدى بدوره الى هذه النتائج المأساوية في نهاية المطاف. ولكي نفهم بشكل أدقْ وصحيحّ من البدء يجب أن نستبعد نظرية المؤامرة وتستبدلها بنظرية المصالح بين الدول، أو المصالح المشتركة بتعبير أفضل، العامود الفقري للسياسة العالمية في كل العصور والأوقات، وإنّ هذا لعمري شيء حسنا أن وظف بشكل جيد بحيث يخدم مصلحة البلد والشعب، والخروج من نفق الماسونية والصهيونية والإمبريالية، وهذا الفلم الهندي السخيف الذي عاف عليه الزمان وأصبح في خبر كان. ويجب أيضا أن نستبعد مسألة ثروات العراق التي لا تنضب في الوقت الحاضر على الأقل لكي لا تشوش على الفكرة الأساسية، وأن أمريكا أحتلت العراق بهدف النفط وحده، وأنها ضحت بأكثر من 4421 عسكري، قضى 3492 منهم خلال مشاركتهم في الأعمال القتالية، بينما بلغ عدد الذين أُصيبوا جرَّاء العمليات 32000 شخصا، وقد أنفقت مع نهاية العام 2011 مبلغ 1.8 تريليون دولار على الأقل، وذلك بناء على النفقات الفعلية المعلنة من قبل وزارة الخزانة الأمريكية على تمويل الحرب وهذا ما أيده البروفسور جوزيف ستيغليتز عالم الاقتصاد الحائز على جائزة نوبل، من أجل النفط والكبريت، ووهم الزئبق الأحمر الذي يصرح البعض بكل جرأة أنه موجود في جنوب العراق على شكل بحيرات كبيرة.
الرتمْ في الطرح هو أن الولايات المتحدة الأمريكي ومن حقبة الرئيس رونالد ريغان في الفترة من 1981 إلى 1989، اتخذت من تيار المحافظين الجدد Neoconservatism خطاً نسقياً لها وفِي سياستها الخارجية، وأصبحت تركب هذه الموجة الفكرية الفلسفية الخطيرة ذات البُعد الاستراتيجي بعيد المدى. والواقع أنهم بدأوا باستغلال الدين لترويج مصالحهم كما سنرى لاحقاً. وأول من نظر لهذا الفكر هو ليو شتراوس (1899 - 1973)، وهو فيلسوف أمريكي يهودي من أصل ألماني، يعده البعض الملهم الأول لأيديولوجيا للمحافظين الجدد، وهم أيَّ المحافظين، مجموعة من اليساريين التروتسكيين الماركسيين، ملحدين في الصميم، وبالرغم من أن بوش الأبن لا ينتمي شخصيا لهم ومؤمن، إلا أنه تأثر بهم لاحقاً وفِي سياساتهم أشد تأثير. انقلبوا هؤلاء المجموعة ضد الليبرالية الأمريكية، وضدْ الاتحاد السوفيتي وقت ذاك، وطالبوا من إدارة ريغان باستخدام القوة المفرطة مع الاتحاد السوفيتي من أجل إسقاط النظام الشيوعي، وكان ابطال هذا الطرح أسماء لطالما رنةْ في أذان العراقيين من إيام حرب الكويت 1990، كرونالد رامسفيلد، وديك شيني، وزلماي خليل زاده، وريتشارد بيرل، وليس صدفة أبداً أن تُعاد الأسماء في حرب عام 2003، ولكن بسيناريو جديد هذه المرة ويظل المبدأ والهدف واحد، وهم غير التماميه المسيحية، وتيار المسيحية المُتصهينة الفاعلْ بقوة في أوساط النخبة الامريكية، والذين يعتقدون ويؤمنون أنه يجب دعم إسرائيل بكل قوة من أجل مجيء المسيح مرة ثانية. من أهم من نظر للمحافظين الجدد بعد شتراوس من الجيل الجديد، برنارد لوس وآلن بلوم وفؤاد عجمي، وهذا الأخير صاحب فكرة إسقاط القومية العربية، وهي أردء ما صنعه العرب حسب قوله (أخطر إيديولوجيا بعد زوال الشيوعية ويجب إزالتها وإسقاط طغاة العالم العربي الذين يحكمون باسمها). نشأت هذه المجموعات على إيدي مجموعة من اعضاء حزب الديموقراطي الرافضين للسياسة العامة في واشنطن في السبعينات، ‏ وانشقوا عن الحزب الديموقراطي، والتحقوا بالحزب الجمهوري، ومرة أخرى ليس صدفة أن جميع الحروب العالمية يخوضها الجمهوريون، رحبت بهم حكومة ريغان كما قُلنا، وبدأ شتراوس مما اعتبره نقائص الليبرالية والتي اعتبرها النتيجة المنطقية للأفكار الفلسفية للحداثة وما بعد الحداثة، وهذه اشتملت على ميل داخلي نحو النسبية الذي تؤدي إلى العدمية في المحصلة الأخيرة. انشغلَ ليو شتراوس بالفلسفة السياسية ما قبل الحديثة على وجهّ الخصوص، من اليونان، أفلاطون بالتحديد، مروراً بالفارابي وابن ميمون حتى العصر الحديث، (يقول شتراوس (ما كان يشغل بالَ روسو هو حاجة كلّ فرد إلى مجتمع جمهوري (Republican Society) من أجل أن يصوغ رغباته وطموحاته تجاه أندادهِ في شكل قوانين) ومن هنا جاءت فكرة الفوضى الخلاقة (Creative chaos)، التي جَهَرت به علنيا كونداليزا رايس وزيرة خارجية جورج بوش في الحقبة الثانية، ومستشارة للأمن القومي في فترة الرئيس بوش الأولى بين عامي 2001 - 2005، والتي أرادت الأدارة الامريكية تطبيقها كنموذج خاص ( Special form) في العراق وكحل ديموقراطي نهائي للأزمات( A democratic solution)، ونمط غير عادي للحكم (Extraordinary pattern)، وهذا الاحتيال على المفردات والدوران على اللّغة كان مقصودا، بحيث يجري فهم حقيقة ما يُقال فقط من قبل قلة متخصصة، دون أن يُفهم من الناس العاديين، و بالتالي دون أن يؤثر على قناعتهم و خضوعهم للنظام السائد. فأمريكا ليست فقط حالة متقدمة جدا لليبرالية البرجوازية هي تعمل على خلق     Global system)  ) نظام عالمي جديد، وهذا ما صرح به جورج بوش الأب في عام 1991  عقب انهيار الاتحاد السوفيتي، و بالتالي تتحمل الولايات المتحدة خطورة عالية على الحفاظ الأمن والسلم العالمي، وهي حسب ليو شتراوس أيضاً يجب أن تتحمل المسؤولية الأخلاقية اتجاه العالم وتخلق نخب هي التي تحكم، وأن كلّف الكثير من الضحايا، يكون التحكم وأن كان من بعيد بيدّ أمريكا، بحيث شكل سياق فكر شتراوس الفلسفي حجر الزاوية في تَسير دفةْ القرارات، وحول موازين القوّة للكتلة الرأس مالية خاصة بعد أن ظل لاعب واحد في الساحة الدولية. وهنُا أزاد الشتراوسيين والذين رَأوْا أن العالم يجب أن يقوده نخبة النخبة أي طبقة الفلاسفة ومن هذا المنطلق صار هناك مفهوم جديد للحكم أو الدولة يختلف مع مفهوم هيجل للدولة المقدسة، وهذا الامر قديم جديد في نفس الوقت حيث اراده أفلاطون في جمهوريته وبعد ذلك الفارابي ومن بعده أبن ميمون لتعزيز فكرة أعمق من ذلك وهي ان المجتمع مقسم بطبعه الى عدة مستويات، الرعاع، المتعلمين مع أنصاف المثقفين، والفلاسفة الحاكمين، أم كيف طوعوا كل هذا ونفذوا هذه الخطط الكبيرة، الجواب إنهم تحالفوا مع الاصولية المسيحية الامريكية في تحقيق مأربِهم وعلى المدار الطويل والأمد البعيد، لأن الدين حسب قولهم سهل التطويع ويدخل كل منزل وبالتالي يسهل ترويج الأفكار عن طريقه. ولا يتصور القارئ الكريم أن الأصولية المسيحية تعني الكلدان أو السريان والاعتراف عند الكاهن، وقداس يوم الأحد ظهرا، وصوم واشتراكات، و شباب وشابات الجوقة، لا أبدا، هي أصولية ظهرت بالأساس كرد فعل ضد الحداثة، وفِي نفس الوقت هي إعادة صياغة للعلاقة بين الدين والسياسة من المنظور المسيحي، وقد نشأت في الغرب مع بلورة حركة الإصلاح الديني، جمعهم مِلاط ومصالح وقاسم مشترك مع المحافظين الجُدد والجمهوريين، حتى تمظهرت على شكل حروب استباقية تخوضها أمريكا باسم كل هذا النسيج الجامع الذي لا يصل أَلاَ لقلة القلة.
وإلى حدّ اليوم هذا التيار موجود في أدارة دونالد ترامب ويعمل بقوة مع أن الرئيس الأخير، ذوّ الميول والعقلية التجارية والسياسية معاً، وأرثهم موجود ولن يزول بسهولة على الأقل خلال الجيلين أو الثلاثة القادمة، وسوف نشهد تغيرات كثيرة في جيوبوليتيك المنطقة، خاصة الشرق الأوسط، مع الأخذ في نظر الاعتبار لجمّ التنين الصيني من الاستحواذ على التجارة العالمية، كل هذا وغيره يطرح سؤال وجيه وعميق، ما هو مستقبل العالم؟، والى أين حدود النظام العالمي الجديد في هذا المأزق الحضاري؟، وكيف سوف تؤول الأمور مع هذا الكمْ الهائل من المنعطفات الاستراتيجية في الصراعات بين القوى العظمى على هذا الكوكب والتي ما انفكت تزداد يوما بعد آخر وانعكاساتها على الواقع العام؟.