د. بولص شير
و اخيراً اقرت المحكمة الاتحادية نتائج العد و الفرز اليدوي ، التي جاءت مطابقة لما أعلنته المفوضية العليا المستقلة في العراق بداية. و قدر تعلق الامر بمرشحي الكوتا المسيحية بقت كما كانت و لم تتغير برغم المحاولات التي كانت تستهدف تغيير مقاعد بغداد . وفِي ضوء ذلك بإمكاننا القول انه ولاول مرة منذ ٢٠٠٣ اَي بعد التخلص من النظام البائد يتمكن الكلدان من ايصال اكثر من نائب لهم الى سدة البرلمان العراقي عبر قوائم مختلفة متنافسة على المقاعد الخمسة المخصصة للكوتا المسيحية.
حيث كما هو معلوم الان فقد فاز احد مرشحي قائمة ائتلاف الكلدان و فاز كلداني اخر ضمن قائمة بابليون، ، اضافة الى مقعد كركوك حيث حازت عليه كلدانية ضمن قائمة حزب المجلس الشعبي. اَي ان للكلدان في هذه الدورة ثلاثة نواب و مقعدين لبقية الاخوة من المكون المسيحي احدهم من نصيب الاخوة الاشوريون و ذلك عن محافظة دهوك عبر قائمة الرافدين، و الاخر للاخوة السريان في إطار قائمة البابليون.
بداية اود ان اهنئ الاخوة النواب الفائزين متمنياً لهم النجاح في المهمة الشاقة التي كلفوا بها من قبل ناخبيهم . بكل تأكيد انها مهمة ليست سهلة لا بل عويصة و معقدة تعقد المشهد العراقي الشائك و المبهم، ناهيك عن الوضع الخاص الذي يواجهه المسيحييون من الكلدان و الاشوريون و السريان في عراق اليوم حيث المجهول ينتظرهم و لا امل لهم سوى المعقود جزئياً على ما يحقق لهم نوابهم في البرلمان والامل بتشكيل حكومة جديدة وطنية عابرة للطوائف و المحاصصة .
لاشك ان نواب الكلدان خاصةً و الكلدان بشكل عام كسابق عهدهم ينظرون الى نفسهم جزءاً من العراق وطناً و شعباً، فما بالك النظر الى اخوتهم في الدين فهم لم يفرقوا و لن يفرقوا بين الكلداني و الاشوري و السرياني و يعتبرون من واجبهم خدمة الجميع من منطلق واحد ، منطلق الوجود المصيري المشترك على ارض الآباء و الاجداد.
الكثيرين من اخوتنا يشك في إمكانية نوابنا على تقديم خدمات لبني جلدتهم لمحدودية عددهم أولاً ولخضوعهم لتأثيرات خارجية ثانياً وثالثاً لانهم يمارسون نشاطهم و عملهم بين حيتان همّ غالبيتهم النيل من وجودنا و التنكيل بأُصلاء العراق احفاد بناة حضارة وادي الرافدين. فعلاً عملهم في هذا الوسيط يضاعف الجهد المطلوب منهم كما و قد يعرض حياتهم للخطر. نعم قد يكونون محقين في كل ذلك ولكن هل الحل يكمن في الاستسلام والخنوع ام التكيف و التفكير بطرق و أساليب جديدة/قديمة لتحقيق برامجهم و مشاريعهم الانتخابية. .
اعتقد من اجل يتمكن نواب الكلدان خاصة و بقية النواب عن الكوتا المسيحية عامةً من الدفاع عن حقوق الكلدان و الاشوريون و السريان و تحقيق مطاليبهم المشروعة يتوجب عليهم الاستفادة من تجارب الدورات الماضية و اخص بالذكر هنا التفرق و التشتت و المناوشات الجانبية التي سادت لا بل طغت على العلاقة بين نوابنا و الذي انعكس سلباً على دورهم ونتج عنه الاخفاق في تأدية مهامهم. نعم في هذه الدورة نتوقع ، شيئاً اخر مخالف تماماً ، نتوقع منهم التآلف و التعاون فيما بينهم خاصة الغالبية منهم كلدان و لا أتوقع منافسة اخرى بينهم سوى التسابق لتقديم الأفضل للعراق شعباً و وطناً عامةً و كذا للكلدان و لبقية ابناء الاثنيات العرقية الأصلاء.
اتوقع منهم تشكيل تحالف و تكوين كتلة عابرة للتقسيمات الاثنية و العرقية التي ما فتئت تنخر قوانا و تهدد وجودنا و تمنح الفرصة للمتربصين النيل من انتماءنا و تأريخنا و حضارتنا. نواتها نواب الكلدان الثلاثة ، ببساطة لأنهم كلدان و بكل تأكيد الاخ الاشوري والسرياني مرحب بهم بين صفوفهم و هذه ستكون الخطوة الاولى لتجاوز تركة الماضي الثقيل و فرض احترامنا على الآخرين و بداية تحقيق نجاحات و إنجازات ملحوظة.
رب سائل هنا يسأل ! و ما دور الولاءات الحزبية و المناطقية و الطائفية؟ و ما هو تأثير و انعكاس ذلك على التآلف و التحالف؟ حسب علمي ان النواب الكلدان في البرلمان باستثناء النائبة عن كركوك باعتبارها عضوة في حزب المجلس الشعبي وحتى الاخ السرياني مستقلون حزبيا و لا ولاء لهم لغير الوطن و الكلدان كقومية و أمة، و اذا كانوا حقاً كذلك فهل من الصعب التعاون و التحالف فيما بينهم؟ شخصياً أكون مستغرباً و غير مصدقاً اذا اخفقوا في تحقيق نواة هذا التحالف الذي اتوقع ان يصبح عامل تشجيع و حافز ليلم شمل الجميع على أساس برنامج عمل شامل و واضح .
و قد يثار استفسار آخر : كيف لخصوم الأمس ان يلتقوا و يتحالفوا اليوم ؟و هل ذلك ممكن فعلاً ؟ للجواب على ذلك دعونا نختبر تجارب الشعوب التي سبقتنا في مضمار السياسة و التحالفات و ممارسة الانتخابات. الديمقراطيات الغربية تقدم لنا الدليل القاطع على إمكانية تحقيق ذلك. نعم تجد الأحزاب و الكتل و هي تخوض الانتخابات تنهش احدها الاخر لا بل منتسبي الحزب الواحد لاختيار مرشحه للانتخابات من بين أعضاؤه يخوض تجربة قاسية و منافسة شديدة بين المرشحين و لكن ما ان تستقر الامور و وترسي أمور الحزب على المرشح الفائز حتى تجد الجميع ينسون ما حصل بينهم و يؤازرون و يقدمون خدماتهم وخدمات أنصارهم و مؤيديهم للمرشح الفائز.
قد يكون من الصعب استيعاب هذا الامر في مجتمعاتنا الشرقية التي بالكاد بدأت بخوض هذه التجربة و لكن حريُ بِنَا نحن الكلدان ان نقدم المثل الرائع في تناسي بغضاء الامس و تجاوز كراهيات و خلافات ما قبل الانتخابات ان وجدت و نفتح صفحة جديدة اساسها الاتفاق على خدمة شعبنا من خلال تحقيق شعارات القوائم الانتخابية و بنود برامجها.
تحقيق هكذا مهمة ليست بالامر الهين لكنها ممكنة و ما على رؤساء الكتل و القوائم الانتخابية الكلدانية الا المبادرة للجلوس علي طاولة المفاوضات للاتفاق على أسس سليمة لهذا التحالف ليكون مستديماً و مثمراً لما فيه مصلحة الكلدان و بقية الاثنيات العرقية الرافدينية. وفيما اذا تحقق ذلك فسيكون قفزة نوعية في عمل و نضال الاثنيات في العراق و سيعتبره الكلدان خطوة الى الامام و يسجل في تأريخهم المشرق.
وإذا كان لي ان اقترح اول بند ومحور للتحالف والعمل على انجازه في الدورة البرلمانية المقبلة ، سأقترح ان يكون إلغاء الكوتا المسيحية و تحريرها من طابعها الديني و تحويلها الى كوتا قومية واحدة خاصة بالكلدان و اخرى للآشوريين و ثالثة لاخوتنا السريان في حالة عدم وجود تناقض دستوري لعدم ورود اسمهم في الدستور. ضافة الى المطالبة بزيادة مقاعدنا تناسبا مع أعدادنا و و وفقاً لإحصاءات وزارة التخطيط، أسوة بأخوتنا الأرمن ، والتركمان ، وشخصيا متفائل من إمكانيات تحقيق هذا الهدف ليصبح اول إنجازات تحالف كتلتنا البرلمانية و فاتحة الطريق لخدمات اكبر للعراقيين و ابناء المكونات الأصلية في العراق. كل التوفيق والنجاح للنواب الكرام و هم مقبلين على عملهم و أداءهم في الدورة البرلمانية القادمة.