المحرر موضوع: التَداعي السًياقي لخارجِ النَصِّ. الكائناتُ الهامشيةُ في نصوصِ(موشي بولص موشي)  (زيارة 1781 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل موشي بولص موشي

  • عضو
  • *
  • مشاركة: 22
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
التَداعي السًياقي لخارجِ النَصِّ.
الكائناتُ الهامشيةُ في نصوصِ(موشي بولص موشي)
                                                                     
عدنان أبو أندلس
 
     استميحكم عُذرا،إنهُ القاصُّ” موشي” يُمثلُ لِدًي استمراريةَ الحياةِ بحدً ذاتِها؛ في بنيتِها السًياقيةِ،وليس"النَصية"التي حذرنا منها أصحابَ النظرياتِ الأدبيةِ الحديثةِ "كلُّ شيءٍ داخلُ النَصِّ" لذا سأتسلّل خارجَها،ولن التزمَ بنظريةِ"موتُ المؤلِّفِ" لـ(رولان بارت) ولو أنّ النظريةَ لا تعني إلغاءَ المؤلّفِ أو حذفَه من الذاكرةِ،إنّما تهدفُ إلى تحريرِ"النَصّ" من سلطةِ الطرفِ المهيمنِ المتمثّلِ بالأبِ \ المؤلف،أمّا عندي لا هذا ولا ذاك،بل أجزمتُ أنْ أخترقَها لساعةٍ فقط،قدْ يُسمحُ لي أولاً: بـالعذرِ،فهي سياقية ربما: ثانيًا،ولأجلِ هذهِ السَيرةِ السَرديةِ التي تُبنى عليهِ،كأساسٍ لها: ثالثًا،لذا عِندي لا يموتُ المؤلفُ،بل أشحنهُ بمتلازمةِ "لازاروس" كي أحييهِ" وسوف أكملُها، وبعدها لهُ الخيارُ، فهذهِ الانطباعيةُ التأثريةُ وجدتُها ملائمةً لقراءتي التي استشفيتُ منها الكثيرَ منَ أحوالِ القاصِّ ونفسيتهِ التي وجدتْني ملازمًا لها وأنْ أبدي الرأيَ بغضِّ النظرِ عن كونِهِ صديقي .
هو صديقي،نعم؛الذي عرفتهُ حينما كان سعرُ عُلبةِ الكبريتِ"الشًخاطة " بـ5 فلوس، ومنذُ أن كانتِ العصافيرُ لا تُغادرُ شجرةَ  شاطرلو" المُعمرةَ  وحيثُ كان الرهطُ السَاهرُ المختـلطُ من الجنسين في نزهةٍ ممتعةٍ"funfair" في شارع "تكساس" يتجولُ في ذلك الليلِ بكلِّ حُريةٍ وأمانٍ. نعم منذُ ذلك الوقتِ صادقتهُ فوجدتهُ كما الآن،مُتْرعًا بالطيبةِ حدَّ الخُرافةِ،ومملوءًا بالمسكنةِ حدّ الفَـقرِ،شعورٌ مكتنفٌ بصرخةِ المسًكونِ بالصمتِ،فمن استقراءِ طقوسهِ اليوميةِ واستقصائيةِ روحيتهِ الغائرةِ بالطيبةِ واستنطاقِ صمتهِ الضاجِّ بالتَوحّدِ واستنباطِ ما تغورُ بأعماقهِ من نقاوةٍ أصفى من" ناقوط الحِب"، قدْ لا تستغربُ أوصافهُ أبدًا،لو تتحسّسُ حين تلقاهُ في الشارعِ أو البيتِ،الدائرةِ أو المقهى،فذاك"هو هو"على الهواءِ مباشرةً،أجمعُها في وصفٍ شمولي"أريحية متناهية"في كلِّ الأمورِ،هي حياتهُ هذهِ دونما تبدّل؛ومنذُ أنْ توطدتْ علاقتي بهِ وحتى كتابة هذهِ الأسطرِ،لم يكدرْ خاطرَ صديقٍ أو يكسرْ نفسيةَ أحدٍ من أبناءِ جنسهِ،علاقةٌ متينةٌ من الروابطِ المشتركةِ ودًّا مع الجميعِ،أما إذا كان هناك طارئٌ قدْ حدثَ على صداقتهِ الغريبةِ خارج هذا السياقِ "أي"المخلوقات" الهامشية" الكائناتُ الأخرى. فهذا بحثٌ آخرُ من التعجّبِ الذي يرصدهُ الغائبُ عنهُ، لكنهُ الحاضرُ عندي"معرفةً"!.
إنَّ المحورَ الأساسيَّ والمحركَ الدائرَ لنصوصهِ هي مفرداتٌ هامشيةٌ لمخلوقاتٍ يزجُّها كي تأتلفَ حياتياً،فتدورُ في فلكِ توظيفهِ كأساسِ بنيانٍ، هي نفسُها التي تدورُ في نصٍ ما، وعلى الأرجحِ يقحمُها باستهلال أو خاتمةٍ،فالاستهلالُ والخاتمةُ وما بينهما\ المتنُ – فالاستهلالُ – هُمَا الهالةُ التي تُبنى عليها اللمحةُ الأُولى وتستقرُّ عندها الذهنيةُ،وإذا قرَّبنا الفكرةَ أكثرَ بالمفردةِ \ المحورية \ الملائمة ، فإنَّ ذائقةَ المتلقي– الفاعل القِرائي هو من يقرِّرها ويقُرها،فحتمًا ستكونُ" الخاتمةُ"الأشملَ والأهمَ"،لما لها من رنينٍ خاصٍّ \ استذكار في عمقِ الذاكرةِ" للمتلقي"،لهذا يبني القاصُّ"موشي" في معماريةٍ \ هندسيةٍ بنائيةٍ،وبناؤه يتطلبُ أدواتٍ رصينةً متماسكةً،لهذا يتـناولُها باحترافيةٍ وانْتقاءٍ كي يكونَ لها رنينٌ حين تماوجُها مع نغماتٍ هادئةٍ منسابةٍ في خواطرهِ حتى تسري حرارةُ الإيقاعِ وخاصةً بالخواطرِ ذاتِ الضربةِ \ الكبسةِ المتوترةِ بالصعودِ الصوتيِّ، لذا أرادَ لها أن تكونَ وفقَ قياساتٍ بمؤشرٍ مفتوحِ الدرجاتِ وبتداعٍ سياقيٍّ حُرٍّ،لكنها غائرةٌ بـ" الماضوية" بالتَحفّزِ والدَهشةِ معًا،والضربةُ التي تؤولُ إلى النهايةِ المتوخاةِ في الاستدراجِ العينيِّ .
للقاصِّ خصوصيةٌ متفرّدةٌ في طرحِ موضوعاتٍ وبمفرداتٍ منتقاةٍ أكثرها من اليومي ليعكسَ أسلوبَه بذائقةٍ يستسيغها القُراءُ،يحملُ سياقاتِ مفارقةٍ \ أضداد \ إختلاف \ معاكسة \ فهذهِ العُدّةُ تميّزهُ عن باقي الأدباءِ فأكثر إصداراتهِ" مجاميعه" كُلهُّا هي ماضويةٌ بسرديتِها وذاكرتِها الخصبةِ واستعادتُها تتطلبُ منهُ الروحيةَ المتلهفةَ للتداعي الذي ركَّز عليهِ، بدءًا؛تراهُ يشتغلُ على الأضدادِ،وتحميلُ النَصِّ على معادلةِ \ النقيض \ الأضداد \ التصادم،لما لها من دلالاتٍ تعاشقُ بالرغمِ مِن استحالتِها،لذا تتوالدُ منها الدهشة الذهنية، يعني"غير المعقولِ"– لكنهُ يبررُها بـاستحالةِ الممكنِ.وفي كتابهِ"أشدُّ أقواسِ الظلامِ إشراقاً" هذهِ العنونةُ هي بحدِّ ذاتِها استحالةٌ،يقولُ: في نصِّ (البلبل ُالفتَّانُ/ ص 44 ) يصنعُ شَرابَهُ الخاصَّ ثم يرشفُهُ على دفعاتٍ لينطلقَ بعدها منتشيًا مغردًا بلا انقطاعٍ …"استمراريةٌ وديمومةٌ بفعلِ منشِّطٍ ومحرِّكٍ للعاطفةِ" .
وفي كتابِ"أغرابٌ في أرضٍ مألوفةٍ" يقولُ في نصٍّ"عُصفورٌ" ص/ 84: حاولتُ إغراءَهُ بفُتاتِ خبزٍ علِّي أكسبُ ودَّهُ،عَلَى الرغمِ مِن جوعهِ الشَديدِ كلُّ جهودي باءت بالفشلِ.. فغريزتُهُ حذرتهُ من طبيعةِ الإنسانِ الغادرةِ ”. فالغريزةُ،السلوكُ الموروثُ من كونهِ مكتسبًا من البيئةِ المحيطةِ بهِ، فهي نمطيةٌ خالصة. ولهُ أسلوبٌ يشابهُ مفارقاتٍ وومضاتِ الشاعرِ الثّائرِ، صاحبِ اللافتاتِ"أحمد مطر" في بعضٍ منها،لاسيما وأنهُ متأثرٌ بهِ،مما أثّرَ في توظيفهِ. من كتابِ: "الرهانُ الأخيرُ" ونَصُّ"بديهةٌ" ص/ 33 يقول: لَعنةُ اللهِ على البلدانِ \ التي لا يُحترمُ فيها شَيئانِ،الزمنُ وكرامةُ الإنسانِ. ومن الكتابِ نفسهِ ص/57"سَمْسَرةٌ":كانَ غيورًا جِدًا حتًى النَخاعْ \ ولَمّا أفلسَ باعَ ما لا يُباعْ … ونَصٌّ ص/25:" صِراعُ الغرائزِ" المُستـلُّ من كتابِ"وقائعُ أغفلها الزمنُ":يجوبُ مملكتَهُ طُولاً وعُرضًا،مُنهكًا،مُحبطًا،بحثًا عن فريسةٍ أو جيفةٍ يسدُّ بها رمقهُ بعد أن أضناهُ الجوعُ ويكادُ أن يتسببَ في هلاكهِ،فجأةً يشمُّ عن بُعدِ أميالٍ رائحةَ أُنثى من جنسهِ،فيمتلكهُ جوعٌ من نوعٍ آخرَ  .
ـولكتابِ "طائرُ النّارِ" الغرابةُ في العنونةِ المتحفّزةِ حتى بلفظِها، نستلُّ منهُ ص/108 لنصٍّ:" غُرابُ البينِ" "لديَّ كِتابٌ عجيبٌ \ موضوعٌ في صدرِ البيتِ \ لا يحمل ُفلسفةً الإنسانِ \ أو وريقةَ إحصاءِ السكان ِ\ بل يحوي حلًّا سحريًّا\ لمشكلةِ صديقي"كرابيت" \يشكو من سطوةِ الإلهامِ \ وصِراعٍ بين الأصنامِ \ وباءٌ وطَّنهُ المحتلُ \ لعنةُ اللهِ عليهِ \ فيهِ لا يُميِّزُ المُصابُ \ بين الخَلِّ والزيتِ".فيهِ نشمُّ رائحةَ يافطاتِ الشاعرِ كما أسلفتُ"أحمد مطر" .
في يومِ ما مرَّ من أمامي مسرعًا بعد أن حيّاني كان يحملُ بيدهِ كيسًا أسود ينقطُ ماءً منهُ كمؤونةٍ للعصافيرِ"المزقزقةِ"وأيضًا نستشهدُ من الكتابِ نفسهِ بـ" زُمرةُ العصافيرِ"ص81: "كُلَّما رأتني مُقتربًا من المكانِ المألوفِ لديها،حدّتْ مناقيرَها. فهي تُدرك بالفطرةِ أنها لن ترجعَ خاليةَ الوفاضِ".كما هي أشجانُه الصارخةُ والتي تترقبهُ فوق الأشجارِ، لكن ما إنْ سارَ خطواتٍ حتى تعالتْ خلفَهُ أصواتُ مواءِ القِططِ الشَرهةِ،ألتفتَ نحوها قائلًا: سأجلبُ لكِ منها بعد قليلٍ، صمتتْ؛ وبدأتْ تلحسُ شُعيراتِها بذائقةِ التَّمني، وهي ترقبُهُ بلهفةِ الجوعِ، فعلًا عادَ بعد قليلٍ حاملًا لها الكيسَ نفسَهُ من بقايا الطعامِ الذي تــناولناهُ سويةً من قبلُ،هرعتْ إليهِ من جحورِها ما بين الأدغالِ والحُفرِ والحشوياتِ،جلسَ يوزّعُ عليها بالتساوي فتراهُ فرحًا يزجرُ ويتوعدُ ويُمسدُ على رؤوسِها وهي تلتهمُ بكلِّ الشًراهةِ والزمجرةِ،أنها تُبْدي له نوعًا من التودّدِ،إذْ تقتربُ بشيءٍ من الأمانِ والدلالِ،هو يعملُ على مبدأ "التوازن الانعكاسيّ" "الوسطيةُ " كي يقيسَ \ التعادل \ التذوق الجمالي في بنيةِ النَّص،وكتوظيفٍ مزدوجٍ،حقيقةً،هذهِ الأنسنةُ التي حيَّرتني بطيبتهِ الخارقةِ وكلمتهِ التي يُرددُها دائماً بـ "خطيًة" حتى يطلقها على المجرمِ المحترفِ.
ومن أحاديثهِ عن مخلوقاتهِ التي تَبنَّى تدجينها وتربيتَها وتدريبَها فلكَ ما تسمعُ من غرائبِها بمفارقةٍ صريحةٍ يقولُ: في إحدى الليالي وجدتُ قِطًّا حديثَ الولادةِ مازالَ أعمى تائهًا وسطَ صحراء أطرافِ قضاءِ "الزبير"عندما كُلِّفنا بواجبٍ ما،اصطحبتهُ معي إلى المعسكرِ وكان جائعًا لا يتغذى إلا على الحليبِ،مواؤه المتواصلُ اضطرَّني أن اشتري لهُ رضاعةً وداريتهُ لشهورٍ عدةٍ إلى أن كَبر، وذات ليلةٍ ظَلماء جاءتِ الأوامرُ وارتحلنا سريعًا إلى معسكرٍ آخر في"البرجسية"، وبقيتْ بعضُ أمتعتِنا التي نحتاجُها في معسكرِنا القديمِ، وبعد شهرينِ ذهبتُ لجلبِها من هناك، وحالما دخلتُ المعسكرَ المهجورَ وإلى مكاني الخَربِ،لم أجد سوى الكلابِ الهزيلةِ ترتعُ فيهِ،صفرتُ عفويًا لما جرى للمكان،وفجأةً قفزَ من بين القصبِ والبردي ذلك"الهِرُّ"الأبقعُ وتعلقَ برقبتي يعانقني وأخذَ يلحسُ خديَّ وأنا أبادلُهُ الشعورَ ذاتَه. والبلبلُ الذي كان ينظفُ أسنانيَ المتهالكةَ كلَّ مساءٍ بعدها يغفو قربَ وسادتي وليواصلَ تغريدَه فجرًا عندما يتعتعهُ السُّكْرُ،والكلبُ الذي لا يغادرُ عتبةَ غرفتي حتّى أزجرهُ للمغادرةِ،حدثني يومًا بأنهُ قدْ جمعَ الكلابَ والقططَ على طَبَقٍ واحدٍ ولم تحدثْ مشكلةٌ غريزةٌ  بينهما،هذه الكائناتُ الهامشيةُ يصادقُها ويحسُّ بسحرِ العلاقةِ الحميمةِ معها،ومن أغرب ما شاهدتهُ أنّه: إنْ شحَّتْ بقايا الطعامِ وأنقطعَ الماءُ في الدائرةِ،يطعمُها من عُلبِ السّمكِ،أو من رُزِّ"العنْبر" الذي جلبوهُ لهُ من مدينةِ" المشخاب" أو الصمون التركي الذي ينقعهُ بحليبِ"نيدو" ومن شربت "ميزو" فحدِّثْ ولا حرج، ثـقوا ليس للتهكُّمِ ذكرٌ،هذهِ الموادُ والأطعمةُ هي حقيقةٌ لمستْها يدٌ ورأتْها عينٌ !….
ربما سائلٌ يسألُ عن سلوكيةِ هذا الشخصِ؟..أهو معتوهٌ أم إنسانٌ هامشيٌّ حياتياً ؟..لا بل أقولُ بكلِّ ثـقةٍ: هو إنسانٌ عالي الرتبةِ،تملؤهُ الإنسانيةُ،هو قارئ"مُنجّمٌ" فلَكيٌّ بامتيازٍ،أخبرني عن حوادثَ جرتْ أحداثُها فِعلاً بما أسرني بها يومًا، قاص وكاتبٌ بارعٌ في رصدِ والتقاطِ اليومياتِ النادرةِ ليوظفَها في إصداراتهِ،وقد صدرتْ لهُ أكثر من ثمانيةِ إصداراتٍ تُعنى بهذهِ الأشكالِ والأجناسِ من الخاطرةِ المضغوطةِ والمقالةِ والخطابِ المعرفيِّ. أذكرُ منها ما يلي:
"طعونٌ في جلالةِ السلطةِ" مقالاتٌ سياسيةٌ/2010- " أشجانٌ هائمةٌ" بجزأينِ  قِصص قصيرة جداً ج1وج2/2011 و2012- " طائرُ النّارِ" خواطرُ/2013- "أمريكا ونهايتُها الوشيكةُ" بحثٌ / 2014- "الرّهانُ الأخيرُ"خواطر/2015- " أغرابٌ في أرضٍ مألوفةٍ " أقاصيصٌ وخواطرُ/ 2016 - "أشَدُّ أقواسِ الظلامِ إشراقًا"أقاصيصٌ وخواطرُ/2017 - "وقائعُ أغفلها الزمنُ" أقاصيص وخواطر/2018 .هذا الشخصُ العجيبُ والغريبُ الأطوارِ بـ "عقلانية" يدهشني حقًّا بقناعةٍ تُبهرني في رفضهِ المادياتِ عمومًا،لا يحزنُ على ما فاتَ وما سيأتي،يعيشُ ليومِه فقط. فمهما بلغَ راتبُهُ بالكادِ يوصلُه نحو عتبةِ نصفِ الشهرِ، يعطي ويصرفُ على الفقراءِ لاسيما أنهُ من عائلةٍ دينية ملتزمةٍ ويحملُ صفةَ القديسِ لكنهُ لا يُصلي، والدهُ كان "شماس"الشخصُ الذي أثق بهِ،لذا اتخذني:"إشبيناً"هو إذا وعدَك وفى،وإذا احتجتهُ يومًا وأوصيتَه بالحضورِ ستجدهُ أمامك بعد لحظاتٍ،فلا تستغربُ حُبَّهُ للحياةِ وما عليها،لهُ خطوطُه البيانيةُ في المرضِ،إنْ مرَّ البلدُ بفوضى فتراهُ ممسكًا بطنَه من الألمِ،وإن سادتِ الأوضاعَ الهدوءُ النسبيُّ يطربُ، ومن الطرائفِ التي عرقلتْ"كروب"من الأصدقاءِ بسفرةٍ إلى أرمينيا: هو الذي قدَّمَ اعتراضَهُ،كونَ البلدِ يمرُّ بأزمةٍ أمنيةٍ ليس بوسعهِ أن يزجَّ قلبَه بفرحٍ مصطنعٍ !.. هو الذي سافرَ إلى" لندن" فلم يعجبهُ المكوثَ هناك سوى أشهرٍ فقط،ثم قفلَ راجعًا إلى أهلهِ بالرُغمِ منَ الحربِ المستعرةِ آنذاك .
هو برغمِ من أحزانهِ، فإنهُ يتلألأُ فرحَ اللقاءِ بمودةٍ كَمن يصادفهُ لأولِ مرةٍ وكما في قولهِ:"تبدو مفاجآتي مزروعةً على طولِ جانبيِّ الطريقِ واللبيبُ وحدهُ يتحسَّسُ السَّارةَ منها" …. ويكملُ: "لن أكونَ كوكبًا يدورُ حول الشَّمسِ وهو غارقٌ في ظلامٍ دامسٍ".. هذا هو الذي أخرجني عنوةً من النَصِّيَّةِ التي لا تقبلُ بغيرِ مساراتِها المرسومةِ أبدًا .