المحرر موضوع: الوقت أثمن ما نملك  (زيارة 1632 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل المطران مار يوسف توما

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 86
    • مشاهدة الملف الشخصي
الوقت أثمن ما نملك
« في: 22:41 27/08/2018 »
الوقت أثمن ما نملك
+ المطران يوسف توما
كان لدى من عادة الرومان مقولة "انتهز الفرصة" باللاتينية (carpe diem). أو اغتنم هذا اليوم، وهي مقطع من قصيدة للشاعر هوراس (65 ق.م – 8 ق.م). أي اغتنم هذا اليوم ولا تهتم كثيرًا بالمستقبل، فالمستقبل غير معروف، وعلى المرء أن يخفض توقعاته وينشغل بأحواله. التركيز هنا إذن على تجنب الهموم والاستفادة من الوقت المتاح فهو سريع الزوال.
مع ذلك، يبقى الوقت في حد ذاته غير واضح المعالم، وقد احتار المفكرون والعلماء في جميع الأزمنة بتعريفه. فنحن فقط من يعطيه معنى من خلال تخيلاتنا ومشاعرنا. وإن كان الإنسان قد حاول أن ينظمه ويقيسه، لكنه اعتمد فقط على عناصر الفلك واقتبس منها قياس الأوقات والأزمنة وصنع ساعات شمسية ورملية ومائية ثم جاءت الآلات الميكانيكية التي صنعت في القرن 14م. على أي حال كان الاعتماد منذ القدم على دوران الأرض حول الشمس (للسنين والفصول والأشهر) وعلى دوران القمر حول الأرض (نشكر الله أن ليس لدينا خمسين قمرا كما هو حال كوكب المشتري - جوبيتر) للأشهر القمرية، وأخيرا على دوران الأرض حول نفسها لقياس ساعات النهار والليل، كل هذا منتظم جدا ومريح بحيث عبرنا منه إلى قياس الأحداث الأخرى.
ما أريد تبيانه في هذه الأسطر ليست المؤشرات الميكانيكية للوقت وإنما محتوى شعورنا بالوقت بالذات.
لنفترض أنك تستطيع أن تحتوي كل شيء بنظرة واحدة، وصولا الى وضع يجعلك تشعر وتعي الوقت من خلال نبض قلبك أو إيقاع تنفّسك أو حتى الجسيمات التي تكوّن الموجات الفائقة في الكون. فإذا ما استغنيتَ عن الأسلوب التقليدي أعني: اعتماد الشمس والقمر والأرض فقط، ستختبر أن الوقت مجرد أحاسيس حيث يصير هو نفسُه تحت سيطرتك فتصبح قادرا على التحكم فيه وفي معانيه الخفية.
إن كان كل من الشمس والقمر والأرض هي مجرد أحداث، عبدها آباؤنا ثم هجروها، وفي هذا تقدّم ساعدنا على التخلص من التبعية لها، إذ كان كهنة الفراعنة مرعوبين كل ليلة خوفا من عدم عودة شروق الشمس في اليوم التالي، إلى جانب أمور أخرى كثيرة تكمن على مستوى الطاقة كالخوف من انطفاء النار لدى بعض الأديان، أو نهاية عصر البترول في أيامنا. لكن المهم هي مشاعر الوعي والمعرفة لدينا إزاء الأحداث الروتينية المتكررة، إذ يمكننا خلق ميكانيكية أخرى جديدة لو أردنا!
لنأخذ مثلا: إن كان أسلافنا لآلاف السنين معتمدين على الشمس والقمر ودوران الأرض، حتى جاء اختراع الكهرباء فتحرّرنا من تبعية الشمس والقمر ودوران الأرض وتغير الوقت واختلط النهار بالليل وتغيّرت سرعة سفرنا وأمور أخرى كثيرة اختزلنا بها الوقت في الاتصال والمعلومة. والآن لنفترض أن أحدنا يستطيع الامساك بتدفق وعيه الفردي الخاص، حينئذ سيجد أن الوقت يصبح تحت سيطرته، فيمكنه أن يدرك أن معنى كلمة "الخلق" ليس تبعية للمادة (وروتينها)، وإنما عبارة عن شعور ووعي يتجاوز المادة. سيمكنه من اختراع مسائل وتفاعلات جديدة لم يعرفها أحد من قبل. الخلق ليس مجرد صناعة تتكرر إنما قدرة يمنحها الخالق لنا للتجاوز، قال المسيح: "من آمن بي يعمل هو أيضا الأعمال التي أعملها أنا بل يعمل أعمالا أعظم منها" (يو 14: 12).
تأمل الإنسان فاخترع دينيا وعلميا أشياء جديدة كي يصل إلى سر تلك القوّة التي من حولنا فأصبحت طبيعية وبديهية اليوم، لكن الإنسان أخذ وقتا طويلا قبل أن يصل إليها. الآن أيضا لا يزال أمامنا الكثير، نحتاج التوصّل إلى الدخول في الفكر الشامل الذي فيه كل روعة، فنحتضن بفكرنا جميع الكائنات الحية من بشر وحيوانات ونباتات بل حتى أصغر تفاصيلها كإيقاع التنفس والشمّ والاستشعار والتفاعل ضمن هذه المجموعة الهائلة العجيبة. أن نفهم أننا هنا كي نكمل عمل الخلق بفكر ووعي، عقلنا بمثابة زناد أعطانا إياه الخالق فنتمكن من أن نبدع، أخذناه مجانا لنعطيه مجانا (متى 10: 8). وإذا ما استطعنا مثلا قراءة تأثير الفراشة على عملية الخلق كلها سنفهم (مثلما فهم القديس فرنسيس الأسيزي في نشيده تجاه عناصر الطبيعة). المشكلة أن الكثيرين اليوم يجهلون هذه القدرة التي أعطيت لنا، لا لكي ندمر المحيط الحيوي ونطلق عليه اسم "التقدّم". في حين، هذا المحيط الحيوي هو أساسي لقوانا العقلية والشخصية، لكي يصير فكرا وشعورا مليئا بالعواطف والشكر تجاه كل كائن حيّ يتنفس.
منذ اختراع الآلات المقرّبة كالمكروسكوب استكشفنا عوالم أصغر وأصغر كأنما هبطنا في كوكب آخر كنا نجهله تماما، ووقفنا بين اللامتناهي في الصغر حائرين كما كنا قد وقفنا قبلها أمام اللامتناهي في الكبر، فازدادت حيرتنا وقمنا بتطوير الالكترونيات والآلات الهائلة، وبسبب تراكم المعارف، تاه البعض منا، كمن يقف أمام مائدة "البوفيه" المفتوح يحتار ماذا يأكل، فتراجع مجال الإيمان القديم لديه، أو صارت التكنولوجيا هي الإيمان، يأخذ بالانتشار، مع سقوط تلقائي للإيمان بالقوى العقلية الشخصية. هؤلاء لا يريدون أن يشعروا بالآخرين وبالكون بل بأنفسهم فقط. يريدون أن يكونوا جامعي معلومات دون أي شعور شمولي يحتضن ما قدّمه الخالق لنا جميعا!
إن هذا الفصل بين المعرفة والشعور يقود إلى حالة خوف جبان لدى من لم يعد يثق في نفسه. يريد من الآخرين أن يحاربوا من أجله ويحلوا مشاكله. بل صرنا اليوم بشرية تريد من الآلات (والروبوتات) القيام بكل شيء مكانها، صارت هي المهمة وضُحي بالبشرية التي فقدت إيمانَها بحقوقها وقواها وأهميتها. كانوا في الماضي يضعون التعاويذ على الأطفال ثم صاروا يعلقونها على الثلاجة والسيارة، أي تحولوا من الخوف على البشر إلى الخوف على المال والآلة.
سار حكيم شاب في طريق طويل يقصد معلما عجوزا يسكن الجبال كي يتلقى منه بعض كلمات الحكمة. عبر الغابات والأنهار والبحيرات والجبال وصادف الآلاف من الأحياء في طريقه...، وكان مدفوعا بعواطف ومشاعر الشكر للهواء الذي يتنفس فأحسّ بقيمة روحه. شعر بأن الوقت بالنسبة إليه كان يعني "الروح" وتذكر قول المسيح: "فالريح (الروح) تهبّ حيث تشاء" (يو 3: 8). وكلما ملأ رئتيه بالهواء ازداد حماسًا وامتزجت لديه العواطف الملهِمة، وتشجّع في توجّهه إلى فهم شامل لمسار الطبيعة. وهناك توقف ولم يكمِل بحثه عن معلمه، لقد صار هو نفسه المعلم في مسار شعور هائل بالكون، عن طريق تنفسّه للروح الحيّ. فأصبح الوقت لديه شعورا وجدانيا عميقا بالخروج من ذاته والاتصال بالكل.
25 آب 2018


غير متصل الياس متي منصور

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 564
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
رد: الوقت أثمن ما نملك
« رد #1 في: 10:11 28/08/2018 »
بارخ مار
نعم
الإبداع لحظة لازمنية  ...
والخلق  يصلح لكل زمان ومكان  بل له طاقة لاتستنفذ  تبقى حيّا فينا
لذا التكرار يقتل الإبداع ، والنقل والاقتباس يعطل المدارك والحواس
بديعة هي ملاحظاتك: كانوا يعلقون التعاويذ على الأطفال خوفاً عليهم، والآن بعد ان تحول الانسان عبداً للمادة
تمكن الزمن منه بل امتلكه !!
مع حبنا
الياس منصور


 

غير متصل maanA

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 236
    • مشاهدة الملف الشخصي
رد: الوقت أثمن ما نملك
« رد #2 في: 21:53 28/08/2018 »
وبما ان ذلك كذلك..فالوقت يداهم..ابناء شعبنا المظلومين..لغرض استرجاع.. حقوقهم الضائعة..واموالهم المنهوبة..فتوجب على قادة شعبنا السياسيين والروحيين..التوجه للامم المتحدة..للمطالبة الجادة..واستقطاع..التعويضات من اموال حكومة بغداد..واعادتها الى المتضرريين...لكي يتمكن المهجرون في الداخل والخارج..من استعادة حياتهم الطبيعية واعادة بنائها مرة اخرى..وكذلك ينطبق الكلام على بقية الاقليات