المحرر موضوع: شاي أم حسين!  (زيارة 908 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل يوسف أبو الفوز

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 680
    • مشاهدة الملف الشخصي
شاي أم حسين!
« في: 18:12 03/09/2018 »
الكَلامُ المُباح (168) 
شاي أم حسين!
يوسف أبو الفوز
طلب مني صديقي الصدوق أبو سكينة، موافاته بتطورات الأوضاع في البصرة، أولا بأول. فكان عليّ اصطحاب حزمة مختارة من الصحف أثناء زيارته لأقرأ له عن أخر التطورات. لم يعد أبو سكينة يصدق بمعظم وسائل الاعلام العراقية، إذ يعتبر العديد منها أبواقا لأحزاب وجماعات سياسية تحاول تمرير رسائل تمويه ودخان لحجب الحقائق:
ـ عمرك كله، شايف واحد حرامي وفاسد ينشر في جريدته أو فضائيته أخبارا فيها مصداقية؟
ضحكنا، ولكن ذلك لم يطل، فأخبار تطورات ما يحصل ويجري في البصرة تزيد القلق يوميا، فالأزمة فيها متعددة الجوانب وتتفاقم بأستمرار لتأخذ أبعاداً خطرة، خصوصا بعد إنتشار الامراض وحالات التسمم حيث الالاف من المواطنين الأبرياء دخلوا الى المستشفيات.
قالت سكينة بغضب: ان الخلل الأساسي سببه فشل الحكومتين الاتحادية والمحلية في توفير الحلول الجذرية للمشاكل التي تعاني منها البصرة على مدى سنوات والتي صارت تزداد تفاقماً مع مرور الزمن.
قال جليل: أعتقد إن الكثير من الحلول متوفر لحل الازمة لو كانت هناك أرادة وطنية حقيقية،  تسعى لرؤية مشتركة تحدد الأولويات وتنهي التقاطعات والتجاذبات بين الحكومة الاتحادية والسلطات في المحافظات في ما يتعلق بتنازع الصلاحيات، إضافة إلى الصراعات الفئوية الضيقة داخل مجالس المحافظات والتي سببت الشلل والتعثر الشديد في العمل مع استشراء الفساد.
سعل أبو جليل وقال بحنق : هذا سمعته منكم أكثر من مرة، اريد أعرف ماذا نعمل تحديدا لحل الازمة، بالعراقي الفصيح شنسوي؟
من مكانه قال أبو سكينة بصوت مترع بالحزن رغم محاولته أن يكون مرحا : شاي .. سوا لنا شاي!
وأبو سكينة هنا ـ عزيزي القاري ـ يعود بنا الى حكاية حقيقية، حصلت في سبعينات القرن الماضي، يوم راحت قطعان ضباع البعث العفلقي تطارد الشيوعيين والديمقراطيين وكل معارض، وتعتقلهم بهدف تصفيتهم جسديا أو انتزاع البراءات السياسية منهم تحت التعذيب والاكراه. وحصل ان أعتقل طالب جامعي شيوعي أسمه "حسين ع". دوهم بيتهم مساء، وهم يتهيئون لتناول العشاء، وأقتيد الشاب حسين بأعقاب البنادق الى سيارات الامن، التي انطلقت مبتعدة تاركة الاب المسن غارقا في الحزن والدهشة، والأم كمن أصابها مس، فراحت تدور في البيت وهي تصرخ:
ــ أويلي وليدي .. شأسوي .. قولوا لي شأسوي؟
ثم التفت لزوجها أبي حسين، الجالس بهدوء، صامتا مفكرا بما يجري، فقد شهد مثل هذه الاحداث عام 1963 ، فالأنظمة القمعية لا تحتمل رأيا معارضا ووجهة نظر مختلفة. صاحت به بحرقة:
ــ أبو حسين.. ليش ساكت.. قول لي. شبيك ساكت؟ مو هذا أبنك الذي أخذوه الامن؟ قول شأسوي ؟ قول شأسوي؟
وبكل هدوء رفع أبو حسين رأسه وقال لها:
ــ سوينا لنا شاي!