المحرر موضوع: هناك فقدتُ عذريتي  (زيارة 1689 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل نبيل جميل

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 258
  • الجنس: ذكر
    • مشاهدة الملف الشخصي
هناك فقدتُ عذريتي
« في: 12:05 04/09/2018 »
هناك فقدتُ عذريتي
[/size]

   لا زلتُ أذكر تلك الفتاة الجميلة رغم مرور ثلاث عقود على ذلك اليوم الذي رأيتها فيه. وكنتُ في ذلك اليوم أجلس في عيادة مختبر التحليلات المرضية في بغداد الجديدة، حين دخلت هذه الفتاة.
   شدّتني إلى عينيها نظرة غريبة مذعورة تبحث بلهفة في عيني عن النجدة، رغم مرور كل هذه السنين لا زالت هذه النظرة محفورة في ذهني وأصبحت جزءاً مني. لم تكن وحدها، كانت معها أختها حين طلبت مني وبصوت منفعل:
-   أرجو يا دكتور أن تعمل لنا هذا الفحص.
   أخذتُ ورقة الطبيبة من يدها، وقد كتبت Pregnancy Test أي فحص الحمل، ولكن فوجئت ولأول مرة تكتب الطبيبة (ف. ي.) باللون الأحمر (VIRGIN !!!) أي أنها عذراء ...!!!
لم يكن الأمر بهذه البساطة وأنا أواجه هذه الحالة للمرة الأولى .. لذا طلبتُ منها أن تملأ العبوة الخاصة للتحليل بالبول.  وحال إستلامي للعينة، قمتُ بإجراء الفحص وخلال دقيقتين ظهرت النتيجة وكانت (Positive موجبة) أي إنها "حامل" ...!
   قمتُ بطباعة النتيجة، وناديت الفتاة وجاءتني، ولم يكن وجهها هو وجه الفتاة التي رأيتها منذ لحظات وإنما وجه إمرأة عجوز شاخت قبل الآوان ورسم الحزن على وجهها تعبيراً غريباً أشبه بوجوه الموتى. أعطيتُ لها الظرف، وقالت لي بصوت مشروخ:
-   طمنّي دكتور ما هي النتيجة الله يخليك ..!؟
-   قلتُ لها: لا أستطيع أخبارك بالنتيجة فهذه مهمة طبيبتك وهي التي ستخبركِ.
   هزّت رأسها بخجل وكست عينيها الذابلتين سحابة أوحت بدموع سالت وجفت في ذات الوقت. سكتت دقيقة كيما تسترجع أنفاسها بعد غصّة، ثم غادرت العيادة بعد أن أعطتني أجرة التحليل، وأنا صامت حائر مفكّر مترقب، بل ومتأكد بأن هناك كلام سيبدأ لاحقاً. وبعد هنيهة عادت الفتاة مرة أخرى وبيدها ورقة جديدة من الطبيبة، ولما أستلمت الورقة أحسستُ بقطرات من الدموع السخينة قد تساقطت على يدي من أجفانها. وكأن أجفانها شفاه تجيبني بالدموع عن ونّة ألم. وهذه المرة طلبت الطبيبة إجراء فحص Vaginal Swab for Culture & Sensitivity Test أي مسحة مع زرع وفحص الحساسية، وطلبتُ من زميلة لي في المختبر بإجراء المسحة لها. وهذا التحليل يتطلب أنتظار لمدة ثلاثة أيام، لذا ناديت الفتاة وأخبرتها وأنا أكتب لها إيصالاً بإستلام النتيجة في اليوم الثالث. ونظرت الفتاة إليّ متنهدة وقد تهلل وجهها وترقرت الدموع في عينيها، وباحت أجفانها بسرائر نفسها ثم قالت بهدوء سحري:
-   إن نفسي حزينة ومتألمة، وقد وجدت الراحة بإنضمام روحي إلى روح أخرى تماثلها بالشعور وهذا ما وجدته فيك يا دكتور. هكذا هي حكايتي عندما تعرفت على طالب في المرحلة الرابعة في حفلة التعارف للطلبة الجدد في الكلية، عند بدء العام الدراسي وأنا طالبة في السنة الأولى من كلية الإدارة والأقتصاد في جامعة المستنصرية ببغداد. وبعدها أستدرجني وأغواني للخروج سوية - بعد أن كنتُ أحلمُ بتحقيق الطموح والوصول إلى ربيع الحريّة في الحياة الجامعية - إلى جزيرة بغداد السياحية، و"هناك فقدتُ عذريتي" في أحدى اللقاءات الساخنة.
وبعد تلك الحادثة ضاقت بي الدنيا التي غيّرت مجرى حياتي، أصبحتُ لا أطيق أحداً .. ولا أجدُ بنفسي الرغبة في أي شئ .. فقدتُ الإحساس بالأمان .. وكرهتُ التعامل مع من حولي .. بكيتُ كثيراً وكنتُ لا أنام .. كان التفكير يقتلني أينما كنت وأينما ذهبت !! كيف أتصرف وكيف أخرج من هذه المصيبة .. ماذا أخبر أهلي وماذا أقول لهم  ..
وزاد همّي مع الأيام حتى أصبح كابوساً ثقيلاً لا أستطيع البوح به لأحد .. وندمتُ على كل ما فعلت وكأن ما أصابني كان عقاباً لي على هذا التمادي في علاقة تعدت مراحل الإعجاب !!
بقيتُ أكثر من شهرين أحمل ألمي بقلبي وأدعوا الله أن يستر عليّ .. مما أستدعاني أن أطلب منه مراراً أن يتقدم لأهلي ليطلب يدي، وهنا كانت الصعقة عندما قال لي:
-   أمضيتُ سبعة سنوات في هذه الكلية وأنا ألعب لعبتي بإصطياد ما يحلو لي من طالبات السنة الأولى، فمن سلمت نفسها لا تصلح أن تكون لي زوجة .. هذه غلطتكِ وبرضاتكِ وأنا لم أجبركِ على شئ ...!
   بقيتُ أنا محدقاً إلى وجهها مصغياً لأنفاسها المتقطعة صامتاً متألماً معها ولها، ولم تكن في جعبتي من ألفاظ سوى هذه:
-   إن قلب المرأة ينازع طويلاً ولكنه لا يموت .. روحها ربيع الفصول .. وحبها نبع الحياة ...
   فحجبت وجهها بيديها، وألتفتت صامتة حائرة مودّعة لي، وكأني بها تقول: "لتكن مشيئتك يارب".
   أنها حكاية موجعة تتكرر للأسف في مجتمعنا العربي الذي لا زال له هذه النظرة السلبية للمرأة، وهي نظرة غير طبيعية نتجت عن ضغوط المجتمع الذكوري وكبته لنموها. الذي يشجع على أن تكون المرأة أداة جنس، ويعلّم لتكون جسداً فقط. ونجد أيضاً بأن المجتمع العربي يحدد صفات الأنوثة في المرأة لتكون في خدمة الرجل وإرضاؤه. أي أن تتميز الأنوثة في المرأة بصفات الخدم المطيعين المستسلمين الضعفاء، أما الرجولة فهي أن يتميز الرجل بصفات الأسياد من قوة إيجابية وحزم وعقل وحكمة. ومن هنا أستمد المجتمع مفهوم الشرف من هذه النظرة. شرف الفتاة هي مثل عود الكبريت يشعل لمرة واحدة وبعدها تنتهي وتلقى في المزبلة، أما شرف الرجل فيمكن أن يشعل عشرات بل مئات المرات ولا يستهلك أبداً. فمأساة هذه الفتاة وغيرها لم تتوقف عند هذه النظرة فحسب بل أن قوانين وشرائع هذا المجتمع لم ولن تنصفها. هي واحدة من ضحايا التناقض بين العادات والأعراف والقوانين والدين.
   ما أود قوله، بأن معظم الكتابات أو المعلومات التي تكتب عن المرأة هي بأقلام الرجال، وهذه كلها ليست تعبيراً دقيقاً عن "حقيقة" المرأة بقدر ما هي "وجهة نظر" الرجل في المرأة، وما أكبر الفارق بين الحقيقة وبين وجهة النظر. فمهما كنتُ ملماً وقريباً من هذه الحالة أو غيرها من الحالات التي تخص المرأة، سوف لن أنقل حقيقة مشاعر المرأة وما ينازع قلبها وما تحمله في أحشائها من ألم ومرارة وغصّة. لا شك أن هذه القصة الحقيقية تفرض علينا أن نكتب عنها لكوننا مسؤولون جميعاً عن هذا الظلم الذي يلحق بالمرأة اليوم كما هو بالأمس. فأنا رجل وجريمتنا لمن يدّعون الرجولة بأننا ندرك مدى تعاستنا وثقل آثامنا وذنوبنا تجاه من تعطينا الحياة وتكمّلنا بالمحبة. أما أنتِ أيتها المرأة، فأيقظي قلبكِ وأحكمي ضميركِ فالذئاب الخاطفة تعجّ في الحقول المترعة.     
 
نبيل جميل سليمان
فانكوفر - كندا





غير متصل ACF-VICTORIA

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 440
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
رد: هناك فقدتُ عذريتي
« رد #1 في: 17:38 05/09/2018 »
الأستاذ نبيل جميل سليمان المحترم
تحية أخوية.. وبعد
الحقيقة قرأت مقالتكم بعناية فائقة، وهذه القصة ليست الوحيدة التي أطلعت عليها، بل هي المئات من القصص التي راوحت الزمن العاصف القاسي على المجتمع عموماً وعلى المرأة خصوصاً..
أنه حال المجتمعات المتخلفة والنامية في أستغلال المرأة بأبشع ما يمكن من قبل الرجل. وهي حالة شاقة ومؤثرة جداً بحكم المجتمع القاسي على المرأة ذاتها في غياب محاسبة الرجل على الأساس المجتمع الذكوري وعلى حساب الأنوثة ذاتها.
ما نمر به اليوم هي حالة مقززة للنفس البشرية المعطاة المرادفة لكل ما هو حق وعدل، ولكن أين هما الحق والعدل في مجتمع متخلف غير واعي كما هي مجتمعات بلداننا المنحازة للذكورة على حساب الأنوثة؟؟!!..كل شيء مباح للذكر وكل شيء ممنوع للأنثى.
أبهذا الواقع الأليم نتقدم الى الأمام ولو بخطوة واحدة ؟؟!!
الجواب لا والف لا يا لازميلي.. مع أجمل التحيات..
اخوكم
منصور عجمايا
6\9\2018

غير متصل صباح قيا

  • عضو مميز
  • ****
  • مشاركة: 1901
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
رد: هناك فقدتُ عذريتي
« رد #2 في: 20:33 05/09/2018 »
ألأخ نبيل جميل سليمان
 سلام المحبة
ألإقتباس ( -   طمنّي دكتور ما هي النتيجة الله يخليك ..!؟
-   قلتُ لها: لا أستطيع أخبارك بالنتيجة فهذه مهمة طبيبتك وهي التي ستخبركِ. )

لقد صادفت العديد من هذه التجارب خلال عملي وخاصة في المناطق الجنوبية من الوطن
أذكر مراجعة إحدى الفتيات بصحبة امها . بدت لي من خلال الفحص السريري أنها حامل وقد تأكد التشخيص بالفحص المختبري . لكن المصيبة أن الفاحص الذي كان مصرياً فاجأها أمام والدتها بقوله : مبروك مبروك أنت حامل . عادت الوالدة مع الفحص إلى عيادتي بحالة غضب وهي تهدد المختبر وتتهمه بالجهل وخطأ فحوصاته . تعلمت من تلك الواقعة أن أشير للمختبر بعدم إخبار المريض عن النتيجة ولو أن المفروض بالمختبر أن يترك ذلك للطبيب كما أنت فعلت ولكن أحيانا تتغلب العاطفة والمحسوبية على أدبيات المهنة .
كما لاحظت أن معظم عوائل الجنوب لا تقتل لغسل العار بل تستر القضية بطريقة أو أخرى وقد تختلف المناطق في التعامل مع الضحايا من الصبايا وربما تختلف التجمعات المختلفة ضمن المنطقة الواحدة  أيضاً .
في جعبتي أمثلة أخرى قد أعرج عليها مستقبلاً
تحياتي

غير متصل نبيل جميل

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 258
  • الجنس: ذكر
    • مشاهدة الملف الشخصي
رد: هناك فقدتُ عذريتي
« رد #3 في: 09:06 06/09/2018 »
إلى حضرة الأستاذ ناصر عجمايا المحترم
تحية طيبة
بصراحة شديدة لم يطرق ببالي أن أكتب هذه القصة الحقيقية، لولا ما تلقيت من مكالمة مجهولة من بنت عانت ما عانت من ألم وحيرة مما دفعها إلى الإنتحار ومن ثم الهروب من أهلها والآن هي خارج الوطن في أحدى دول الجوار، وهناك أيضاً تعاني المزيد من المرارة.
كل الشكر والتقدير لما أبديته من وصف الحالة التي يمر بها مجتمعنا الشرقي ومن واقع مرير ومؤلم ...
تقبل محبتي واحترامي ...

غير متصل نبيل جميل

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 258
  • الجنس: ذكر
    • مشاهدة الملف الشخصي
رد: هناك فقدتُ عذريتي
« رد #4 في: 09:11 06/09/2018 »
عظيم محبتي وفائق تقديري لحضرة الدكتور صباح قيا المحترم لأختباراتك العملية والواقعية التي تفيد الجميع، للوقوف في نقاط تهمنا لمراجعة الكثير والمثير في عاداتنا وتقاليدنا ...

مودتي وأعتزازي وفائق أحترامي ...