المحرر موضوع: اقليم كردستان ومستقبل المسيحيين في العراق  (زيارة 2018 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل سامي المالح

  • ادارة الموقع
  • عضو فعال جدا
  • *
  • مشاركة: 164
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
اقليم كردستان ومستقبل المسيحيين في العراق

سامي بهنام المالح
ستوكهولم 9 ايار2007



في ظل الانفلات الامني والفوضى السائدة  وتصعيد الارهاب، يتعرض المسيحيون في العراق الى اضطهاد مزدوج. فهم ينالون حصتهم من القتل والخطف و التشريد حالهم حال المواطنين العراقين الابرياء، ولكنهم يتعرضون، في الوقت ذاته، الى ابشع حملة اضطهاد وقمع وقتل وتهجير وسلب الاموال والممتلكات والتهديد اليومي باعتناق الاسلام ودفع الجزية لكونهم مسيحين فقط.
ان ما جرى ويجري بحق المسيحيين، وامام مرأى ومسمع السلطات العراقية والقوى السياسية الاسلامية و المراجع و القوى العلمانية الاخرى، يعد جريمة بشعة ضد جزء اصيل من النسيج العراقي. وهي جريمة منظمة تستهدف قتل المسيحين واذلالهم وحرمانهم من حرياتهم وحقوقهم الدينية والقومية والاجتماعية و اجبارهم بالتالي الى ترك الوطن والهروب الى المجهول.
من الواضح، ان العقل الظلامي والاصوليين المتعصبين والقوميين المتطرفين، يرون في قيم التسامح و المحبة والحوار وحب الوطن واحترام الانسان والتعايش الاخوي التي يتشبع بها المسيحيون في العراق، عدوا يقف في طريقهم وقوة ضد ارهابهم وحقدهم ومشروعهم المريض المتخلف.
ان المسيحيين (الكلدان السريان الاشورين والارمن) و اخوتهم الصابئة المندائيين والايزيدين، هم جزء هام واصيل من الطيف العراقي، يدافعون عن الوطن و يتحملون المسؤولية لبنائه وازدهاره باخلاص، و من حقهم مطالبة الدولة ومؤسساتها الامنية بتحمل المسؤولية الكاملة عن حمايتهم، كما من حقهم المطالبة بكامل حقوقهم الدستورية وبما يضمن لهم حقوق المواطنة من الدرجة الاولى ورفض التهميش والتميز و الاذلال.
ان ما يميز اقليم كردستان، بخلاف الظروف السائدة في باقي اجزاء العراق، هو توفر الامان والاستقرار من جهة، والتعايش الاخوي بين المسلمين والمسيحيين والايزيديين والصابئة وبين مختلف القوميات من الاكراد والعرب والكلدان السريان الاشوريين والتركمان والارمن من جهة اخرى.
نعم ان الاستقرار والتعايش الاخوي هو ما يميز الاقليم و يجعله ملجأ امنا لكل الهاربين من جحيم الارهاب، رغم وجود بعض الحوادث المتفرقة هنا وهناك.
العلاقات التي تربط بين المسيحيين واشقائهم الاكراد هي علاقات عميقة وتاريخية. علاقات  نمت و تطورت من خلال مواجهة الاضطهاد و المصير المشترك، ولاسيما بعد تاسيس الدولة العراقية الحديثة و استيعاب دروس وعبركوارث وماسي الحرب الكونية الاولى ومغبة الوقوع في شباك خطط العدو المشترك. لقد نمت هذه العلاقات بنمو الوعي الوطني والتضامن والنضال المشترك من اجل الحرية و الحقوق القومية المشروعة وضد ظلم واضطهاد وحروب الانظمة الشوفينية المتعاقبة. واخيرا فان هذه العلاقات تترسخ بنمو الوعي الديمقراطي وثقافة قبول الاخر، واحترام الخصوصية الدينية و القومية للكلدان السريان الاشورين، وسعي النخب الكردية القومية على توفير المناخ الطبيعي والايجابي لبناء اقليم مشترك في اطار وطن مشترك يتمتع فيه الجميع بنفس الحقوق و الواجبات.
من الطبيعي ان يكون الاقليم ملجئا امنا للمسيحيين الهاربين من بغداد والبصرة والموصل وغيرها من المناطق الساخنة. فان اغلب ابناء هذا الشعب يعودون في الحقيقة الى مناطق سكناهم الاصلية والى قراهم و بلداتهم، ويتطلعون الى توفير مستلزمات الحياة والى العمل والانتاج والمساهمة بما يمتلكونه من العلوم والمعرفة والثقافة والخبرات والقيم في بناء الاقليم و تطوره.
ان ما يتيح هذه العودة ويجعلها طبيعية وايجابية هو موقف السلطات الكردية وتوفر الامن، بالاضافة الى الموقف المشرف للشعب الكردي وتضامنه وتفهمه وحرصه على تطوير العلاقات الاخوية المتكافئة و قبول الشراكة والعيش المشترك.
ان مستقبل المسيحيين في العراق مرتبط الى حد كبير بصيانة و تطوير الاوضاع و المناخ المتوفر في اقليم كردستان. حيث ان استمرار تدهور الاوضاع في اجزاء العراق الاخرى، و تمادي الارهابيين الظلاميين في اضطهاد المسيحيين، و استمرار عجز الدولة واجهزتها عن حمايتهم، سيضطر الالاف من العوائل المسيحية الى الهروب و اللجوء الى مناطقها التاريخية في الاقليم ومناطق سهل نينوى المتاخمة، والتي هي في الواقع في حماية قوات الاقليم من الناحية العملية.
فتبني سياسة ستراتيجية وتوجه واضح و معلن لدعم المسيحيين والتضامن معهم في محنتهم المؤلمة من قبل الحكومة و الاحزاب و القوى السياسية و في مقدمتها الحزب الديمقراطي الكردستاني و الاتحاد الوطني الكردستاني، وضمان حقوقهم الدينية و القومية دستوريا  في كردستان، امر ضروري واساسي. انه امر هام جدا لخلق الثقة و تغذية الامل لدى شعبنا المسيحي، وهام جدا ايضا لتحديد الاليات واتحاذ الاجراءات اللازمة من قبل المؤسسات المختصة لا ستيعاب الاعداد المتزايدة من العوائل الهاربة الى المنطقة و توفير السكن و االعمل و مستلزمات الحياة العادية الاخرى.
من المعلوم، ان ثمة عمل كبير انجز و ثمة جزء اخر تحت الانجازيشرف عليه السيد سركيس اغا جان وزير مالية الاقليم  لمساعدة الالاف من العوائل المشردة وتوفير السكن لها، يستحق التقدير والتثمين.
غير ان هذا العمل القومي المهم، لوحده، لا يمكن ان يفي بالغرض ولا يغطي الحاجة المتزايدة. فأن حجم الماساة في ازدياد مضطرد، ولا بد من اتخاذ اجراءات كبيرة على مستوى الدولة والاقليم وحتى الاستعانة بالمعونات والمساعدات الدولية عند الحاجة.
العراق الجريح، وشعوبه المتاخية، بحاجة ماسة الى اقليم كردستان امن ومستقر. الى اقليم يكون نموذجا للمعايشة وقبول الاخر واحترام المواطنة بغض النظرعن كل الانتماءات، اقليم يقف مع محنة كل العراقيين و يساهم في معالجة الوضع الامني في كل الوطن، اقليم يعزز الاخوة بين كل الاديان والقوميات والطوائف، اقليم يحترم حقوق الانسان ويسعى لتطوير الديمقراطية والعدالة الاجتماعية ويضع الانسان وتطوره وحريته و كرامته قبل كل شيْ، اقليم يسود فيه القانون وتعلو سلطته على سلطة الاحزاب ومؤسسات الدولة المختلفة.

ان المسيحيين الكلدان السريان الاشوريين كانوا وسيبقون ابدا امكانات وطاقات وقوة، لا يمكن الاستغناء عنها، في خدمة بناء و تطوير الاقليم وعموم العراق، وسيبقون رغم كل ما يتعرضون اليه، نبراسا لنشر قيم الحب والحوار والتسامح والاخوة والامل، متشبثين بالوطن العزيز وبمستقبله المشرق.