المحرر موضوع: في الثقافة ... ماذا يعني الوعي ؟؟  (زيارة 899 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل خوشابا سولاقا

  • عضو مميز جدا
  • *****
  • مشاركة: 2340
    • مشاهدة الملف الشخصي
في الثقافة ... ماذا يعني الوعي ؟؟
خوشابا سولاقا
إن ما يميز الكائن البشري " الإنسان " عن بقية الكائنات الحية الأخرى في الطبيعة هو امتلاكه لما نسميه " الوعي " والذي هو النتاج الطبيعي لنشاط الدماغ البشري الذي يستلم الأشارات الصادرة من الأفعال وردودها من محيطه الخارجي عن طريق الحواس الخمسة ليحللها ومن ثم بصوغها وفق نسقٍ محدد ليعكسها كسلوك إنساني بوعي عقلي متحكم به ومسيطر عليه وغير خاضع لإرادة فعل الغريزة كما هو عليه الحال لدى غيره من الكائنات الحية الأخرى في الطبيعة .
هذا الوعي الذي من خلاله يستطيع الإنسان أن يفهم ماهية الأشياء ودوافع الأفعال التي تحصل من حوله ، وسلوك من تعيش معه من الكائنات التي تشاركه الحياة في الطبيعة ، ويفهم ما يدور حوله من النشاطات والافعال في الحياة الاجتماعية ويميز فيما بينها دون سواه من الكائنات الأخرى التي تُسيّرها وتُوجهها وتتحكم بأفعالها وردود أفعالها الغرائز المختلفة مثل غريزة إشباع الجوع والعطش والدفاع عن النفس وغيرها ، ومن خلال الوعي يحدد الانسان لنفسه رأياً بكل فعل من الأفعال التي تصدر من حوله مهما كانت مصادرها وطبيعتها ، ويكَّون له موقف تجاهها وتجاه ما يحصل من الظواهر الاجتماعية والطبيعية ، والوعي بالتالي لدى الانسان هو عبارة عن رد فعله كإنسان تجاه كل الأفعال والظواهر في الطبيعة والمجتمع ، وكذلك هو رد فعله تجاه بني جنسه كفرد في الحياة الاجتماعية وكيفية التعامل والتعايش والتآلف مع تلك الأفعال جميعها وتطويعها وتوجيهها والسيطرة عليها وتسخيرها ووضعها في خدمته كإنسان أو كفرد ، وبالنظر للتميز الفريد الذي ينفرد به الانسان ألا وهو إمتلاكه للوعي العقلي دون غيره من الكائنات الحية هو الذي يعطيه السيادة المطلقة والتحكم  بحركة تطور الحياة الاجتماعية ، وهنا نحاول أن نقدم ولو بشكل مبسط ومقتضب تعريف وشرح عن مفهوم الوعي وأشكاله المختلفة .
الوعي الحقيقي : هو ما يتكون لدى الإنسان من أفكار ووجهات نظر ومفاهيم وانطباعات عن الحياة الاجتماعية وعن الطبيعة وظواهرها من حوله في مختلف نواحيها وجوانبها المتنوعة المتآلفة والمتوافقة منها أحياناً والمتصارعة والمتناقضة منها أحياناً أخرى في عملية التطور التاريخي للحياة الاجتماعية والطبيعية على حدٍ سواء تجعله قادراً على فهم كل الأفعال وردود الأفعال الصادرة من محيطه الطبيعي والاجتماعي ، والتمييز فيما بينها وأستيعابها ومن ثم التعامل معها بالشكل الذي تخدم أغراضه وتطلعاته المستقبلية .
الوعي الزائف : يتكون الوعي الزائف عندما تكون أفكار الأنسان ووجهات نظره وانطباعاته ومفاهيمه التي تكونت لديه غير متطابقة وغير مستوفية  لفهم ما يحصل في محيط الواقع المادي الحي للحياة من حوله ، أي عندما تكون الأفكار ووجهات النظر والمفاهيم التي تكونت لديه جامدة وقاصرة وغير واقعية وموضوعية وفعالة في متابعة حركة تطور هذا الواقع تاريخياً على امتداد مراحل الزمن .
الوعي الجزئي : يتكون الوعي الجزئي عندما تكون أفكار الإنسان ووجهات نظره وانطباعاته ومفاهيمه مقتصرة على جوانب أو نواحي معينة ومحددة من الحياة دون غيرها من الجوانب الأخرى ، أوغير شاملة لكل الجوانب والنواحي المترابطة بشكل جدلي والتي تؤثر وتتأثر ببعضها البعض في عملية التطور التاريخي للحياة .
الوعي الطبقي : يكون هذا الوعي وعياً طبقياً محدداً عندما يرتبط بمصالح ومنافع طبقية معينة وقتية ، كأن تعي طبقة الأقطاعيين ضرورة استمرار سيطرتها واستغلالها لطبقة فقراء الفلاحين المعدومين في استثمار الأرض وخيراتها من دون أن تأخذ بنظر الإعتبار مصلحة طبقة الفلاحين العاملين في الأرض والمنتجين لخيراتها المادية بأن تكون شريكة لها ( طبقة الأقطاعيين ) بشكل ما وأن تكون لها  حصة فيما تنتجه جهودها من تلك الخيرات ، أي بمعنى أن طبقة الأقطاعيين تؤمن بأن كل ما تنتجه الأرض من خيرات مادية تعود بالتالي الى من يمتلكها وليس الى من يفلحها ويزرعها ويسقيها ويجمعها .
كذلك تعي الطبقة البرجوازية الرأسمالية الصناعية ضرورة استمرار استغلالها واستثمارها لجهود الطبقة العاملة في مصانعها ومعاملها وورشها الصناعية ومشاريعها الانتاجية لتعظيم فائض القيمة لصالحها من دون مراعاتها للحقوق الطبيعية والقانونية وضمان مستقبل تلك الطبقة التي تُشغل تلك المصانع والمعامل والورش والمشاريع وتنتج ما تنتجه من خيرات مادية بأن تكون شريكة لها فيما تنتجه وأن يكون لها حصة منصفة فيها ، بل تسعى من خلال استغلالها الظالم للطبقة العاملة على مضاعفة فائض القيمة لقوة عمل الطبقة العاملة لزيادة أرباحها على حساب إفقار وبؤس هذه الطبقة التي لا تمتلك غير قوة عملها في عملية الأنتاج الرأسمالي الصناعي ، حيث يؤدي ذلك الى زيادة الطبقة البرجوازية الرأسمالية ثراءً وظلماً وزيادة الطبقة العاملة فقراً وبؤساً وشقاءً ، وهذا هو العامل الثوري الفعال الذي يُنَضج الظروف الموضوعية والذاتية للطبقة المستَغَلة لتفجير ثورة إجتماعية شاملة ضد ظالميها لتغيير النظام الأجتماعي القائم وإقامة نظام أجتماعي جديد أكثر عدلاً وإنصافاً ويقلص من هوة الفوارق الاجتماعية بين الطبقتين الاجتماعيتين مالكي وسائل الأنتاج والعاملين على تشغيل تلك الوسائل .
وعي التحرر من الظلم : كذلك هناك وعي تفرضه الضرورة الإنسانية لخلق القدر الأكبر من العدالة الاجتماعية والانصاف والمساواة بين الطبقات الاجتماعية المختلفة في المجتمع الإنساني التي تشترك في عملية الأنتاج للخيرات المادية له ، مثلاً كأن تعي طبقتي الفلاحين والعمال المنتجتين للخيرات المادية للمجتمع ضرورة تحررها من الأستغلال الظالم لطبقتي الأقطاعيين والبرجوازيين الرأسماليين الصناعيين ونيل كامل حقوقهما التي تجعلهما تعيشان بكرامة من دون مذلة وبؤس وشضف العيش مع ضمانهما لحقوق طبقتي الأقطاعيين والبرجوازيين الرأسمالين الصناعيين لتضييق هوة تفاوت مستوى المعيشة وشروط الحياة الحرة الكريمة بينهما وليس المساواة الكاملة في كل شيء كما قد يعتقد البعض ، بل ضمان العيش بكرامة للجميع من دون مصادرة وهدر لإنسانية الإنسان لأي طرف من أطراف عملية الانتاج للخيرات المادية للمجتمع وفق مضمون نظرية العقد الأجتماعي بين الطبقات الاجتماعية المتناقضة مصالحها لخلق نمط من التوازن الاجتماعي المقبول في المجتمع .
الوعي الإنساني الشامل المتقدم : فهو يتضمن تلك الأفكار ووجهات النظر والمفاهيم والثقافات التي تضع مصلحة الإنسان كإنسان فوق كل الأعتبارات الأخرى ، والتي تتطابق وتتوافق مع شروط الواقع المادي الموضوعي في حركته والتي تتطور باستمرار مع تطوره ، لا يحدها في ذلك أية نوازع من قبيل تعصب منهجي جامد ، ولا أي تعصب أثني قومي عنصري شوفيني ، ولا أي تعصب ديني متشدد ومتطرف ، ولا أي تعصب مذهبي طائفي مغالي في أحقاده وكراهيته للآخر المختلف ، ولا أي تعصب طبقي قصير النظر وضيق الأفق ، ولا أي مصلحة مادية عابرة ، وإنما يجب أن يبقى الشعور الإنساني هو المهيمن والمسيطر على كل أفعال وردود أفعال الإنسان والمتحكم بها من أجل بناء الحياة الحرة الكريمة التي تليق بهذا الكائن العظيم الشأن " الانسان " .
بالرغم من أن الوعي الإنساني ينشأ في النهاية كنتيجة حتمية لتأثير العوامل المادية في الحياة على الإنسان ، إلا أنه من الممكن أيضاً أن ينشأ في أحيان أخرى وبالأخص خلال فترات الانتقالات التاريخية من تاريخ تطور المجتمع البشري نتيجة لأنعكاس أفكار ووجهات النظر ومفاهيم تاريخية على الإنسان ذاته .
كل إنسان عاقل هو على درجة معينة من الوعي ، الحقيقي الكامل أو الزائف أو الجزئي  أو الطبقي أو التحررمن الظلم أو الانساني الشامل  ، إلا أن التعليم يبقى يساهم بنصيب ملموس مؤثر في خلق هذا الوعي بالأضافة الى دور تأثيرات العوامل المادية والتاريخية في تكوين الوعي الإنساني وتطويره وتغييره كماً ونوعاً من مستوى أدنى الى مستوى اعلى .
هكذا نرى في النهاية أن الوعي هو حالة إنسانية فكرية متغيرة تتغير بتغيير الحياة وتتوسع حدودها بتوسع مستجدات ومتغيرات وتطورات الحياة الإنسانية نفسها وتتوسع أيضاً بتوسع ونمو رغبة الإنسان الجامحة وطموحاته اللامحدودة الآفاق للمعرفة والعلم لأكتشاف المزيد من أسرار الحياة والطبيعة والكون ، وإن قوة إرادة الإنسان على التفوق والتطلع الى أبعد آفاق المعرفة هي المصدر الملهم لوعيه الخلاق اللامتناهي ..
 بالتالي في الوعي الإنساني تتجسد قوة إرادة الحياة الإنسانية في مواجهة التحديات الكونية بمختلف أشكالها وأنماطها ، وإن اختراعات واكتشافات الإنسان العلمية في العصر الحديث لهي خير دليل على قوة وفعالية وعظمة وعيه على تحقيق التفوق على ما دونه من الكائنات الأخرى ، وقهره لتحديات الطبيعة في صراعه الأزلي معها على امتداد تاريخه الطويل الى أن وصل الى ما وصل إليه اليوم من تطور علمي إعجازي في كل المجالات والحقول العلمية من دون استثناء ومنها عملية غزو الفضاء الكوني اللامتناهي والتي نحن اليوم نتمتع بفوائد تلك الانجازات الرائعة والتي جعلت من كوكبنا قرية صغيرة نصول ونجول فيها بيُسر من خلال كل وسائط النقل والأتصال والمشاهدات المرئية عبر شبكات التلفزة الفضائية الهائلة وشبكات الأنترنيت الغير محدودة القدرة للتواصل الاجتماعي ، حقيقة نحن نعيش اليوم في عصر المعجزات العلمية الحقيقية التي حققها الإنسان العظيم الغير محدود القدرات والذي اعتبره أرقى كائن في الوجود الكوني ، وخالق كل ما يحتاجه في هذه الحياة من وسائل الراحة والتواصل وللعلماء بمختلف إختصاصاتهم مكانة لا يرتقي إليها غيرهم من جلالة العظمة لمن يدرك بوعي ماذا أنتجت عقولهم وماذا قدمت للإنسانية من منجزات جليلة .
وفي الختام نحب أن نقول للقارئ الكريم ، إن الإنسان موجود بوجود وعيه العقلي ومن دون وعيه العقلي فهو غير موجود والوعي هو نتاج الفكر العقلي ، كما لخص ذلك  الفيلسوف الفرنسي العظيم  رينيه ديكارت في قوله المشهور " أنا أفكر إذن أنا موجود " . حيث أن الفكر كما قلنا يشكل العنصر الأهم في عملية تشكيل وخلق الوعي الإنساني . 


       خوشــابا ســولاقا
 بغداد في  8 / أيلول / 2018