المحرر موضوع: علم الآشوريات وتزييف الحقائق التاريخية (12)  (زيارة 5456 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل جميل حــنا

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 166
    • مشاهدة الملف الشخصي
علم الآشوريات وتزييف الحقائق التاريخية (12)   
     

الدكتور جميل حنا
(آشورالوطن حقيقة تاريخية وأزلية في الكون,كما الشعب الآشوري حقيقة تاريخية وأزلية.بلاد آشور والشعب الآشوري عنوان ورمز أرقى حضارة وثقافة عرفها تاريخ الإنسانية.التي بنت أعظم حضارة مزدهرة على أرض بلاد ما بين النهرين.والحقائق التاريخية تنطق بهاالحجارة والآثاروفن العمران والكتابات المكتشفةعلى أرضه.والمكتشفات العلمية والأدبية والفلكية والفلسفية وكافة العلوم الأخرى,التي منحت للبشرية جمعاء أعظم الخدمات الجبارة في سلم الرقي الثقافي والحضاري للإنسانية.والعلوم المزدهرة بكافة مجالاتها الأجتماعية والعسكرية وبناء الدولة والسلطة والقوانين والتعليم والفلسفة والآداب والفنون والعمران والعادات والتقاليد والأعياد والعائلة وعلوم البيئة والزراعة وأمورأخرى كثيرة كل هذه الأسس الحضارية فخر للإنسانية.وهذا الموروث الحضاري والثقافي لبلاد آشور فخروكنز وزينة مملوء به أشهر المتاحف ومعاهد الأبحاث التاريخية والجامعات العالمية العريقة)
في هذا الجزء سأواصل تكملة البحث عن الوضع الزراعي في بلاد ما بين النهرين لتكتمل الصورة وبشكل عام عن الظروف السائدة آنذاك. والأهتمام بهذا القطاع الهام جداً في حياة الإنسان في بلاد آشور سواءً على الصعيد الفردي اوعلى مستوى البلاط الملكي من ناحية التوجيه الأقتصادي وتوفيرالسلة الغذائية وتأمين الأمن الغذائي لسكان الأمبراطورية والتحديات والمخاطر التي كانت تواجه هذا الفرع  الأساسي في حياة البلد.
البستنة وإنتاج الفواكه
البساتين منحت بهاءً وجمالاً رائعاً إضافياً لروعة الحضارة في بلاد ما بين النهرين، والفاكهة طعماً لذيذاً آخر على المائدة.زراعة البساتين وإنتاج الفواكه كان منتشراً في كافة أنحاء بلاد ما بين النهرين وحسب المعتقدات السائدة في الأمبراطورية, كان البستاني يتمتع ببركة  خاصة من الآلهة.وقد عرفت بساتين الأشجار المثمرة بالسومرية غيس- سار وباللغة الأكادية كيرو.
كانت أشجار النخيل أقدم الأشجارالمزروعة في البلاد وأكثرها انتشاراً وكانت تسمى غيشيمار  بالسومرية وباللغة الأكادية غيشيمارو.وأنتشر النخيل من الجنوب نحو الشمال كان إنتاجه في الجنوب أفضل من الشمال بسبب الأحوال الجوية إلا أن حدود أنتشار الأشجارفي المناطق الشمالية  في العهود القديمة كان أكثر مما هو عليه اليوم.
كان التمر يشكل غذاءً أساسياً في وجبة الأكل للشعب، أشجار النخيل كانت تحتاج إلى معدلات درجات حرارة 21- 23 وإلى رطوبة تربة مناسبة، لذلك تم زراعتها بالقرب من ضفاف الأنهر. وتكاثرالأشجار تم بواسطة العُقل(جزء من الفرع) وأمكن التمييز بين جنس الشجر ذكر أم أنثى.احتاجت الشجرة الناضجة إلى مساحة عشرة م² وكان يتم التلقيح الاصطناعي لأنثى شجرة النخيل، كما يذكرهيرودتس في كتابه (حرب الإغريق- والفرس) شجر نخيل واحد كان كافياً لـ 60- 70 شجرة نخيل.
كانت كميات محصول التمرالناضج ونوعيته يختلف من منطقة إلى أخرى.حيث بلغ كمية الإنتاج من 120- 300ل للشجرة الواحدة .وكانت أشهر أنواع التمر التلموني (البحريني).شجرة النخيل حافظت على قدرتها الإنتاجية لفترة 70عام،وكتاب العصور القديمة يذكروا بأنه تم الاستفادة من شجرة النخيل ب 360طريقة.وأهم الأستخدامات كانت المادة الغذائية والمشروبات والبناء.وقد تم استهلاك التمر طازجاً ومجففاً،واستخرج من عصيره العسل والنبيذ ومن سائل الشجرة مشروبات خفيفة مرطبة، ولب التمر المجفف استعمل للتدفئة، وفي حال تبليله بالماء يقدم علفاً للماشية.صنع منه الحصيره والحبال والخيوط واستخدم في البناء...الخ  وتم الاستفادة من ظل شجرة النخيل بزراعة الخضروات تحتها، لذلك أطلق عل ىشجرة النخل تسمية ملك الأشجار وتم توصيفها وتعظيمها في الإبداعات الأدبية والملاحم في ذلك العصر: ملحمة مبارزة شجرة النخيل والطرفاء تنتهي على الشكل التالي
وعلى أغصاني تنمو الثمار بغزارة (
                                       ليفرح اليتامى والأرامل
تعلمين جيداً بأن الفقير يعيش عليها ثلاثة أشهر)
بالإضافة إلى شجرة النخيل كانت الأحوال الجوية ملائمة بشكل جيد لشجرة التين، وقدمت ثمارها على أطباق الاحتفالات لاستهلاكها، وخشبها كان مرغوباً جداً عند النجارين.
انتشر زراعة التين على وجه الخصوص في شمال بابل وفي أشور وأنتج العنب وكانت النبتة الواحدة تعطي إنتاج 8- 100عنقود. وكان العنب يستهلك طازجاً أو يعصر، وكانت تخلط مع كمية من الماء ويستهلك كشراب مرطب.عرف خمسة أنواع من النبيذ في ثلاثة مواصفات، وكان النبيذ الأحمرالأكثر انتشارا، واعتبر أجود الأنواع تلك التي تنتج في سفوح الجبال.
ومن أشجار الفواكه المعروفة في بساتين بلاد ما بين النهرين التفاح- الكمثرى-و الرمان الذي يعد ثمرة رمز الحياة وما زالت تحمل هذه الرمزية حتى وقتنا الحالي وكانت الأكثر إنتشاراً بعد النخيل.كما كانت زراعة وأنتاج الكرز- اللوز- التوت- الإجاص- الخوخ- الفستق- السفرجل من أشجار الفواكه المنتشرة.
الملك سنحاريب استوطن شجرة الزيتون في بلاد ما بين النهرين,ولا نملك معلومات دقيقة  حتى الآن عن إنتاج الحمضيات، وفي كل الأحوال لقد تم العثور في نيبورعلى بذور الحمضيات.
ومن النباتات المثيرة للجدل نبات الصوف (القطن) التي استوطنها الملك سنحاريب العظيم وقد أهتم بكافة أنواع العلوم وكان بارعاً فيها وقد شملت معارفه العلمية مجالات حيوية هامة جداً مثل الهندسة الميكانيكية والزراعية حيث دفع عجلة التطورالتكنولوجي بشكل مدهش إلى الأمام.وكذلك تشييد منشأت هائلة مثل المعابد والهياكل والقصور والأبنية العامة التي أقامها في مختلف مدن الإمبراطورية.وكذلك الأعمال الإنشائية الهيدروليكية التي عمل بتنفيذها في كافة أنحاء البلاد.إلا أن أعظم مكسب نالته المدنية الحديثة من مجهودات هذه الأعمال الزراعية هو توطين  بذرة (القطن) في بلدان الشرق الآوسط.الذي بقي هو والصوف الحيواني إلى ما قبل نصف قرن المادتين الأساسيتين لعمل الثياب والأثاث في العالم وإليك ما دونه في هذا الصدد:
 (وكان هناك حاجة إلى ماء جاركثير جداً من مياه الدلاء يومياً، فأمرت بأن تعمل أسلاك وأوعية من النحاس. وبدلاً من إقامة أسس الأجر
الطيني نصبت أعمدة ضخمة وعوارض خشبية فوق الآبار وعبر الأراضي وحدائق الزينة والخضروات).
العمل الزراعي احتاج بشكل عام إلى بذل العناية والعمل المتواصل للحصول على إنتاج غزير يفي بحاجات المنتج والمستهلك في آن واحد.
إذاً كان العمل في القطاع االزراعي وإنتاج المحاصل الزراعية على العموم  مرهقاً ويتطلب الصبر. فإن بعض القطاعات الزراعية لزم أمر إنتاجه جهداً وعملاً زائداً أكثر من بقية الفروع كما هو الحال لدى إنتاج نباتات الزينة والخضروات. وكانت كتب التخصص في الإنتاج الزراعي تقدم الإرشادات الزراعية اللازمة وخطوات سير العمل في الأرض الزراعية, بدءاً من تهيئة الأرض وحرثها وحفرالأثلام وإنجاز الأعمال الأخرى عزق الأرض- الحفر بالرفش- السقاية-القطف- مكافحة الحشرات والقوارض والأمراض...ألخ وحتى في عصرنا الحاضر وفي أكثر البلدان تطوراً تستخدم ذات المبادىء العلمية الأساسية التي أبدعها أبناء بلاد ما بين النهرين مع فارق تكنولوجي عصري بأستخدام آلات أكثر تطوراً في الحقل الزراعي.
البساتين وحدائق الزينة في بلاد ما بين النهرين أخذت شهرة فائقة منذ نشأتها حتى يومنا هذا, وذلك بفضل الخبرة الفنية والزوق الرفيع بزراعة أشجار الزينة والشجيرات والنباتات بأنواعها وتصنيفها وتوزيعها بشكل جمالي رائع على أرض الحديقة, وكذلك إقامة الأحواض والمدارج المختلفة وموزعة بشكل هندسي رائع.حيث تقدم للزائر إلى تلك الحدائق راحة نفس وإعجاب فائق بالتنسيق المدهش .ومن أهم الأعمال في هذا الخصوص كانت السقاية الدائمة، وتقليم الأشجار،ولكن من الأشياء المحيرة للمختصين حتى في عصرنا الحالي هو كيفية رفع المياه إلى الحدائق المعلقة وسقي النباتات وقد ظهرت بهذا الخصوص نظريات عديدة (حول طريقة رفع المياه) ولكن من المؤكد أنهم كانوا يملكون تقنية عالية في الهيدروديناميكية لرفع المياه إلى أعلا الأبراج.
من أهم الحدائق الشهيرة التي ذيع صيتها إلى خارج حدود الإمبراطورية حدائق بابل وكذلك جنائن نينوى التي شيدها الملك سنحاريب,حيث ورد وصفها في بعض الكتابات أقام الملك مصاطب على أقواس الجدران،زرعت بالأشجار والشجيرات والزهور، وتم بناء الأبنية من القرميد والإسفلت لذلك لم تصاب الأبنية بأضرار بسبب سقي النباتات.
استمر الاهتمام بالحدائق في مختلف عهود الإمبراطورية وكانت نباتات الزينة تستخدم في الاحتفالات الدينية وتوضع على مائدة الملك للزينة كانت أزهارالرمان مرغوبة، وأنواع ورد الجوري والزنبق وشقائق النعمان (شُقَّار)...الخ وكثير من المنحوتات والألواح الجدارية يشاهد عليها أنواع مختلفة من الزهور التي تشكل احد عناصر الزينة عليها.     
كانت حدائق ملك بابل مردوخ مشهورة بما تضمها من أنواع الخضروات مثل الجزر- الفجل- الخيار- اللفت- شلخم الأحمر ومن التوابل الأخرى الزعفران- الكزبرة.كما عرفوا الخشخاش ونوع مشابهه للفول استخدم كمنبه (قهوة) النعناع والشمندر السكري وبهار الكمون كان الثوم والبصل أكثر أنواع الخضروات المنتشرة.     
المستنقعات وزراعة القصب
عمل سكان بلاد ما بين النهرين كل ما بوسعهم للاستفادة من مصادرالثروة المتوفرة، لتحسين أحوالهم الحياتية، وتوظيف الخامات الوطنية والمستوردة لازدهار الوطن وتقدمه. وبذلوا جهداً كبيراً بتسخير الطبيعة لتأمين الحاجات الضرورية لأجل رفع مستوى المعيشة. لذلك نرى كثير من الملوك يحثون أعوانهم ويصدرون آوامرهم بغزو والاستفادة من كل القطاعات الاقتصادية المتوفرة تحت إدارتهم. 
وكثير من الرسائل الملكية المكتشفة تبين بأن الملوك كانوا يتباهون بالمشاريع المنجزة في عهدهم وإحدى تلك الرسائل بهذا الخصوص رسالة الملك سنحاريب يذكر فيها التالي:
((وفي أسفل المدينة (جنوبها) نشأت حدائق أعشاب وأشجار مثمرة- ثروة الجبال وكل البلاد، جئت بها من أجل رعيتي. نهر الخوشر (الخوصر) الذي كانت مياهه تجري منذ القديم- تحول مستواه. ولم يكن أي من الملوك أبائي قد أقام سداً لتلك المياه عندما تصب في دجلة. ولزيادة غلة الحقول الزراعية عند حدود مدينة (كسيري) وخلال البساتين في سواقي الإرواء وعند رؤوس مدن (وزعشتار) و(صولي) و(شيبانيبا) وجدت بركا فوسعت ينابيعها الضيقة، ووجهتها نحو الخزان.ومن أجل تحقيق مجرى لهذه المياه من خلال الجبال الشديدة الانحدار، شققت الأمكنة الوعرة بالفؤوس، وجهت جريان الماء إلى سهل نينوى، قويت أفنيتها، ورفعت ضفتيها بركام كارتفاع الجبل، وحولت المياه إليها وإكمالاً لمشروعي هذا وصلتها بمياه (الخوصر). أضفت مياهها إليه إضافة إليه إضافة أبدية جعلت كل البساتين تسقى في موسم الحر وفي الشتاء آلاف من الحقول المنتشرة في السهول وما يليها سقيتها سنوياً. ولإيقاف طغيان الماء عليها، قمت بعمل مستنقع وزرعت فيه أجمات من القصب لتأوي إليها طيور (اليكورو) والخنازير البرية ووحوش الغابة أطلقتها الكروم وكل شجرة تحمل ثمراً، كل نبت، كان ينمو فيها بوفرة، شجرة التوت والسرو من نتاج البساتين. والقصب في الدغل الذي هو المستنقع قطعته واستخدمته طبق المرام في بناء قصوري المنيعة)
مما ورد في الرسالة نرى إن الاستفادة من المستنقعات كانت عديدة ما زالت المستنقعات منتشرة بكثرة في المناطق الجنوبية كان نمو القصب بكميات غزيرة، أتاح للشعب الاستفادة من هذه المادة الخام، استعمل جزء منه للتدفئة وقسم آخر صنع منه السهام الرماح، واستخدم كأداة قياس الأطوال (غانوم- القصب)استخدم كوحدة قياس ودخل من اللغة الإغريقية واللاتينية إلى اللغة الفرنسية أيضا.ً
استعمل كأداة للكتابة- وآلة موسيقية، واستخرج منه الدواء والعطور. كما كان مادة أساسية في العمران (البناء المبني من الطابوق) وتقوية حظائر المواشي. وجهز من القصب الحصيره (تفرش به أرض البيت) وكانت دارجة ومرغوبة جداً، وما تزال منتشرة في سوريا والعراق ومناطق أخرى في العالم، وصنع من القصب أنواع السلائل (سلة) واستعمل كحواجز- سور- حائط وكوسيلة نقل مائي، والمستنقعات الجنوبية كانت تقدم المأوى للصيادين، ويسكنها حتى الآن الناس.والموسوعة البابلية الكبيرة تحوي اسم القصب واستخداماته في ثمانمائة طريقة.
إحدى الرسائل التي تم كشفها في مكتبة ماري من القرن الثامن عشر قبل الميلاد، يذكر القصب كمادة غذائية منقذة لحياة البشر وأيضاً المواشي في أوقات المحن والشدائد التي تحل بالوطن أوجزء منه.
تربية المواشي
تربية المواشي كانت تشكل إحدى الدعائم الاقتصادية للبلد، وكانت الثروة الحيوانية تضاهي في أهميتها المنتوجات الزراعية لأنها ذو فوائد عديدة حيث تشكل مورداً غذائياً عالي القيمة ومتنوع  (اللحم- الحليب- اللبن- الجبن- السمن) والاستفادة من صوفها وجلدها ووبرها في الصناعة، ويستعمل كحيوانات للعمل في الحراثة والجر والمواصلات ودراسة القمح...الخ
الرعي كان أساس حياة قبائل الرحل والنشاط الرئيسي في حياتهم، والرعاة كانوا يعيشون بعيداً عن الحياة الحضر،وكما نقرئ في الملحمة الموجهة للآلهة شاماش.
(للذي بعيداً عن أهله، للذي بعيداً عن مدينته،
في البراري المرعبة يركع أمامك الراعي،
الراعي المسحوق، الراعي الذي هجمه الأعداء،
أتضرع إليك...أه شماش)
مهنة الرعاة كان محفوفاً بالمخاطر ومليء بالمشاق، وقانون حمورابي يذكرهم (251- 265- 266-267
الوثائق الصادرة من عهد نبوخذ نصر تأكد على حماية القطعان الكبيرة، حيث كان يرافق الرعاة رماة القوس والنشاب، واعتبر الراعي الموثوق رمز الإنسان الصالح، واستخدم كلمة الراعي كصفة تسبق اسم الملوك. استخدم البقر في المزارع الحراثة ودرس الحبوب وللنقل بالأضافة للاستفادة من الحليب ومشتقاته، لم يستهلك السكان لحم البقر، إلا بكميات قليلة، بينما كان شائعاً في الأوساط المقتدرة، وكان يقدم كذبيحة للآلهة في المعابد.
تربية الأبقار كانت مكلفة كان يحتاج إلى مساحات مراعي كافية وإلى 2.5ل. من الحبوب يومياً. والثيران تم الاستفادة منها في الأعمال المذكورة أعلاه وكان يقدمونها كذبيحة للآلهة في المعابد والبعض الآخر يربى لإكثار النسل. تربية الأبقار والعناية بها احتاج إلى إنشاء حظائر تحميها أثناء الليل والشتاء القارص وكانت أحدى طرق تحسين النسل يتم  بإدخال ثيران برية إلى الحظائر كانت ترعى مع قطعان البقر.
كانت الأغنام والماعز أكثر انتشاراً تربيتها كان أقل كلفة من الأبقار،لأن كمية الأعلاف التي قدمت إليها كان بمقدار 1كغ من الحبوب.كان صوفها غزيراً وقرونها حلزونية وذيل ثخين والقطعان المربية من هذه الأجناس كانت تنسب إلى سهول أوروك وأمورو,كانت الأغنام تجمع في قطعان كبيرة.البعض كان يملك أعداداً قليلة جداً لتسد حاجاتهم المنزلية والبعض الآخركان يملك أعداد كبيرة وقطعان الأغنام كانت عرضة للأمراض والحشرات الطفيلية وكانت النفوق أحياناً بنسبة عالية يكاد يقضي على جميع القطعان.
تربية الأغنام لم يكن للاستفادة من صفوفها فحسب،حيث كان موسم الجز الرئيسي في بداية الصيف  وإنما أيضاً الاستفادة من لحمها. ولحم الخروف كان وجبة رئيسية على موائد المأكولات الاحتفالية.وما زالت هذه العادة دارجة حتى أيامنا هذه في بلاد ما بين النهرين.
جلود الغنم والماعز كانت سلعة هامة، جهز منها وعاء لنقل السوائل (القِرَب)، واستخدم كمنطاد سباحة (الطوف)، كما ربط عدداً من القِرب المنفوخة بعضها مع البعض تستخدم لتأمين قدرة العوم في القوارب المسماة (كيليك) والتي كانت بمثابة وسائل للمواصلات في الأنهار.
وكان الخنزير يربى بأعداد كبيرة في بلاد مابين النهرين بالرغم من الموقف السلبي من هذا الحيوان حيث أعد الخنزير من الحيوانات القذرة وكما يؤكد على ذلك المثل السومري (الخنزير دائماً قذر، أينما حل ترك خلفه خنزرة، يلوث الطرق وينشر العدوى).بالرغم من ذلك كما ذكر كان يربى بأعداد كبيرة وفي بعض الأماكن كانت الحظائر تضم المئات منه. واستهلك لحم الخنزير واستفاد من الشحم أيضاً، وكان لحم الخنزير يقدم كذبيحة في المعابد وفي نفس الوقت كان يحرم لحم الخنزير في بعض أيام السنة.
الحمير- الخيل- البغل- الجمل
الحمير كان أداة نقل هامة للبضائع التجارية بين كافة المناطق داخل الإمبراطورية وخارجها حيث استعمل الحمير للحمل والنقل والجر. تم تهجين الحمير وتربيته من الحمار البري الذي كان يشبه الحصان كثيراً،و كان رأسه صغير واذنانه قصيرة ، وأما الحمار الوحشي الإفريقي، رأسه كبير وأذنانه كبيرة طويلة.وتذكر المصادر من ذلك العصر عن ثلاثة أنواع من الحمير الرمادي، الأبيض، والأشهب ما تزال تعيش في بلاد ما بين النهرين. الحمير حيوان شره للعلف لذلك يستهلك كميات كبيرة من الأعلاف،ولكن كان يستفاد منه في مجالات عديدة هامةحيث كان يتنقل في المناطق الوعرة والجبلية بسهولة واستخدم كأداة مواصلات في الجيوش بجانب الخيل.
السومريون لم يذكروا كثيراً الحصان في مصادرهم وسمي لديهم باسم (انسي كورا) الحصان الجبلي ويعني ذلك اسم الحصان باللغة الحورية والحصان ظهر وجوده في بلاد ما بين النهرين بدءاً من أواخر الألف الثالث قبل الميلاد واعتبر عبر الأزمان الطويلة من الكماليات.
ولا يوجد ذكر الحصان في شريعة حمورابي. تربية الحصان في بابل تم أثناء عهد الكاشيين، وبشكل واسع الانتشار حتى وضع ذلك بالملك الحثي حاتوسيليس الثالث أن يكتب إلى زميله ملك بابل قاذشمان- إنليل الثاني (في بلد شقيقتي عدد الأحصنة أكثر من القش) زوجين من الأحصنة كان يشكل ثروة طائلة كما تشير رسالة حاكم قاتنا للملك إكالانوم إلى كمية الفضة التي تكفي لشراء 50عبدا.ً
(أنت ملك عظيم! طلبت مني حصانين، أمنيتك أرسلتها لك وأنت بعثت لي 20 مانون من الرصاص، لا يبدو أنك تريد أن نتصالح حيث أرسلت كمية قليلة من الرصاص.إذ أنك لم تكن ترسل لي قط شيئاً، أقسم بأبي الإله، لما كان قلبي حزيناً ثمن الحصان، مثله عندما في قاتنا 600 شيقلوم فضة وأنت ترسل لي 20 مانو رصاص...)تربية الحصان كانت تتم بأعداد كبيرة في الاصطبلات،الملكية ,هيرودوتوس يذكر في كتابه (حروب الإغريق- الفرس) أعداد خيالية.
تربية الحصان تطلب العناية الفائقة من حيث كمية ونوعية الأعلاف (شهرياً 60ل. من الشعير) والاهتمام والمراقبة الدائمة واعتبر حيوانا لجر العربات الحربية والصيد وكمطية للخيالة، كما تبينها التماثيل الآشورية. واشترط على أن تكون الخيول المستخدمة في الأعمال العسكرية غير مروضة مطلقاً وكما تؤكد على ذلك رسالة الملك سركون الثاني حيث يقول: (فيما يخص الشعب الذي يعيش في تلك المنطقة، في بلاد أوراتو،...فإنهم لا يميلون إلى المهارة في ركوب الخيل فالمهور...التي يربونها لأجل القطع العسكرية الملكية أو يصطاد لها سنوياً قبل أن تؤخذ إلى بلاد (سوبي) لأجل التدريب ورؤية كفاءتها لا يجوز أبداً أن يركب أحد على ظهرها ولا يجوز أن يعلمها أحد من الهجوم أو جر العربات أو التمارين العسكرية.لقد جلب سكان بلاد ما بين النهرين الحصان من المناطق الشرقية والشمالية المجاورة لإمبراطوريتهم وكانت أنواع الخيول مختلفة بحسب مصدرها,وكانت تقدم  أيضاً كقرابين للآلهة.واستخدم الخيول كأدوات قتالية هامة في العمليات العسكرية، لذلك كان يبذل الجهد الدائم لتأمين الخيول اللازمة وذلك بطريقة فرض الجزية أو على شكل غنائم أو بالتبادل مع بعض أنواع السلع والشراء.
الجمل أدخل إلى بلاد ما بين النهرين من الجزيرة العربية لم يكن له اسم محدد، وإنما أطلق عليه حمار البحرالملك أشور بانيبال أثناء حملاته جلب أعداد هائلة من الجمال ذو السنم الواحد من الجزيرة العربية، حيث أصبحت أسعارها زهيدة جداً، والجمال ذوالسنمين جلبت من المناطق الشمالية الباردة، وتم الاستفادة من الجمل في مجالات عديدة.     
البغل استخدم للجر والحمل وللركوب وكانت منتشرة في بلاد ما بين النهرين بأعداد كبيرة، وقد حصل على هذا النوع نتيجة عملية تلقيح الحمير والخيل, والهجين المولود منهم  كان يتمتع بالصفات الثنائية لكلا الجنسين وأعد من الحيوانات الاقتصادية الهامة في العصور القديمة وما زال كذلك في كثير من المناطق في العالم.
الدواجن
ولقد اهتم سكان بلاد ما بين النهرين بتربية الدواجن وكان لحم الإوز والبط أكلة مفضلة على مائدة البلاد الملكي. وكان يتم صيد الأنواع البرية منه من قبل الصيادين بواسطة شباك وقد هجن سكان البلاد أنواع البط والإو لأجل الاستفادة من لحمها وريشها. وكان يتم تسمينها بواسطة الحبوب، التي كانت تبلل بالماء وتشكل منها عجينة، ويقدم للطيور بكميات زائدة للتسمين السريع والحصول على كبد كبير وكما في الوقت الحاضر يجري في مزارع الإوز خاصة. وأهتم الناس بتربية الحمام أيضأً وتم الاستفادة من لحمه واستخدم البيض في الصناعة التجميلية أو الطبية. ويوجد ذكر للحمام في ملاحم بلاد ما بين النهرين المكتشفة ومنها ملحمة الطوفان البابلية.
الكلاب
عرف سكان بلادما بين النهرين أنواع حيوانات أخرى مثل الكلب، السومريون لم يرغبوه، ولكن الآشوريون استخدموه للصيد, ورافقت الكلاب قطعان المواشي في البراري لحمايتها من الحيوانات المفترسة. وتبين مراسلات ملوك ماري بأن تربية الكلاب تم بناءً على الطلب، أي انه كان هناك إقبال على بعض الأنواع.وحسب قوانين إسنونا كان صاحب الكلب مسؤولاً عن الخسائر أو الأذى الذي يلحقه بالآخرين نتيجة العض.
القط النمّس
عرف سكان بلاد ما بين النهرين الحيوانات الأليفة منذ العصور القديمة أو أنهم عملوا على تهجين الحيوانات البرية لتكون رفيقاً للإنسان تقدم له المنافع الاقتصادية الغذائية والحماية.كانت البلاد وخاصة في الجنوب حيث المناخ الحار كانت الأفاعي والعقارب منتشرة بكثرة، وكانت تسبب متاعب لإنسان ذلك العصر، لذلك نجد أنهم استعملوا القط والنمس وربوهم في البيوت لأجل القضاء على الأفاعي والعقارب والقوارض الأخرى التي تلجأ إلى البيوت.
النحل
العسل اعتبر مادة غذائية جيدة واستخدم كدواء أيضاً، تربية النحل كان معروفاً لسكان بلاد ما بين النهرين منذ القدم ولكن انتشاره بشكل واسع تم في العهود المتأخرة. وفي العهد الآشوري الجديد كان تربية النحل منتشراً بكثرة في أرجاء الإمبراطورية. 
في إحدى الرسائل يفتخر إحدى القادة المحليين لمنطقة الفرات الأوسط من (سوحي) بأنه جلب من جبال الشمال جبال آشور. (نحل ينتج عسل، والذي لم يشاهده أحداً قبلي من أسلافي، لقد وضعتها في حديقة مدينة جبارين.هناك يُجمع العسل والشمع وحسب تعليماتي تعلم البستانيين جمع العسل والشمع))
الصيد
الصيد بين الهواية والحاجة،الآن كما في العهود القديمة كانت تمارس من قبل كافة فئات المجتمع.ولكن شتان ما بين مزاولة الملوك للصيد للترفيه وفي أحسن الأحوال للرياضة، وبين صيد الأسماك والأحياء الأخرى في مياه الأنهار والبحار والبحيرات. والصيد بأشكاله الترفيهي والصيد لتأمين لقمة العيش كان سائداً في الأزمنة الغابرة. وكما يبدو ومن إبداعات الأعمال الفنية الكثيرة المكتشفة في بلاد ما بين النهرين يظهر في كثير من الأعمال الفنية المنجزة مناظر الصيد بأنواعه والعديد منها يمكن مشاهدتها في المتاحف العالمية.
الرسم الوقعي لتلك المشاهد، يقدم صورة حية على فهم كيفية القيام بأعمال الصيد، واستيعاب طريقة الصيد بشكله الحقيقي.اصطادوا الأسد- الفهد- النمر- الغزال- الخنزير البري- البقر الوحشي- الأيل- الذئب- الفيل. ومن الطيور النعام- البجع- الإوز- البط...الخ
الألواح المرسومة على الأغلب تبين بأن الصيد كان من النشاطات الرياضية الترفيهية للملوك. وتشير إليها الكتابات أيضاً كما يذكر تغلات إيل إشار يصف فيها وقائع الصيد في إحدى كتاباته.
 (بأمر نينورتا المحبة اصطدت أربعة ثيران برية ناضجة في صحراء بلد ميتان، عند مدينة أرازيقو التي تقع قبل بلد حاني بالقوس والنشاب الضخم المدعم بالحديد، ورماحي ذو الرؤوس الحادة قضيت عليها جلودهم والقرون أخذتها لمدينتي، إلى آشور وقتلت عشرة أفيال ضخمة في أرض حران، وضفاف نهر خابور، وقبضت على أربعة فيلان، جلودهم والعاج أرسلتها مع الأفيال الحية إلى مدينتي أشور، بأمر نينورتا المُحبة، قتلت مائة وعشرون أسداً بهجوم رجولي شجاع وقلب لا يعرف الخوف، بالوقوف على أقدامي قتلتهم جميعاً، وصرعت ثمانمائة منها من عربة الصيد، ومن جميع حيوانات البرية وطيور السماء بكل ضربة موجهة من سهامي صرعت واحداً منها). ومن خلال المراسلات الملكية لبلاط ماري نجد تلميحات لصيد الأرنب- الأيل- الدب. تبين إحدى المراسلات الطويلة بين حاكم المنطقة وبين الملك زمري ليم.
(سيدي أخبرتكم من قبل هكذا كتبت،
قبضت على أسد في مستودع أحد البيوت التابعة لـ أكاكا. إذا أراد سيدي سنحتفظ به في المستودع حتى قدومك وليكتب سيدي أيضاً، إذا رغب أن نرسله إليك، الآن الأسد منذ خمسة أيام في المستودع وقدمنا له خنزير وكلباً لكن لم يأكلها أقول (لربما الأسد حزين) أنا قلق.سأضع الأسد في قفص خشبي وأنقله على ظهر قارب، سآخذه لعند سيدي)
                      صيد الأسماك
صيد الأسماك كان من القطاعات الهامة، وأمن الحاجات الحياتية للعاملين في هذا المجال. واعد صيد الأسماك من المهن البدائية في بلاد ما بين النهرين،منذ الأزمنة الغابرةكانت مياه الخليج والمستنقعات غنية بالثروة السمكية.والصيادون كانوا يصطادون السمك باليد المجردة أو السنارأوالشبك إضافة لذلك كانوا يصطادون السلاحف والسرطانات بأنواعها مع السمك. ومن بقايا الأختام المكتشفة من العهد الآشوري القديم يبين الصيد بالرمح.يذكر سالونين في كتابه جميع أنواع السمك البحري والمياه العذبة في بلاد ما بين النهرين. وأدواة الصيد المستخدمة، ويعدد أنواع المأكولات المصنوعة من السمك، والسومريون حفظوا (تعليب)السمك بعشرة طرق.
صيد الأسماك حق ملكيته كان عائداً بشكل عام إلى البلاط الملكي، وإلى المعابد، وتجارة  السمك كانت مصدر دخل هام للأثنين على حد سواء. إن كميات السمك المصطاد كان يلبي حاجات البلاط والمعابد إضافة لذلك كان يباع من قبل الباعة في الأسواق. وقسم من الناس كان يصطاد السمك لحاجاته الشخصية.
وفي العهد الآشوري الجديد كانت مؤسسات الصيد تشرف وتنظم قوانين وعلاقات الصيد وتوزيع الثروة السمكية، والصيادون اعتبروا فئة اجتماعية هامة. لم تختلف الصورة في الوقت الحاضر عن تلك الأزمنة الغابرة حيث تشكل الثروة السمكية مع كافة الأحياء المائية كنز غذائي عالي القيمة لا يستغنى عنه وهو المصدر الوحيد للعيش لكثير من فئات شعوب مختلفة وخاصة تلك التي تعيش على ضفاف البحار والبحيرات والمستنقعات والعاملين في مجال تجارة الثروة السمكية أو المائية بشكل عام.
إذا ألقينا نظرة عامة على النشاطات التي كانت قائمة قبل ألاف السنين من قبل آسلافنا في بلاد ما بين النهرين لا نجد فارقاً كبيراً إلا في مجال التطور التكنولوجي وإدخال المكننة بشكل واسع في القطاع الزراعي.
المصادر:
1.   A.Salonen , Agricultura mesopotamica nach sumer+akkad.1960,32
2.   A. Ungnad, Babyloniische Briefe aus der zeit der Hammurabi-Dynastie VAB v1m 1934
3.   J. Battero,DADT 11, 1964
4.   R.Borger , die Inschriften Asarhaddons , 1965,35
5.   E.W.Moore , Neo+ Babylonian Business and Administrative Documents ,1965 N.150
6.   S.N.Kramer , Historie
7.   H.W.F. Saggs , Everyday life in Babylnia an Assyria m 1965 ,158-
8.    هنري ساغس, جبروت آشور الذي كان ,ترجمة د. آحو يوسف
9.   J. Klima , Mezopotamia,1976
10.   A.Salonen , Die landfahrzeuge des alten Mesopotamien m1951