هل حقّـــــا أن الغرب متاهتنــــا ؟
دأب معظمنا نتتداول مقولة أن تقاليدنا وعاداتنا وإرثنا الحضاري من " لغة وطقس " في طريقها الى الزوال والنسيان وما هو الاّ عقد أو عقدين قادمين ويكون أولادنا وأحفادنا قد أندمجوا وذابوا في حضارة وتقاليد الشعوب والأثنيات والثقافات التي عاشوا فيها .
هذا كلام منطقي جدا ليس فقط بالنسبة للأجيال الناشئة القادمة " وهذا أكيد " ولكن حتى الأجيال التي خطّ معظم شعرها الشيب تحاول التأقلم والدخول من شبابيك الحضارة الجديدة الموهومة ، وهذا مع الأسف ليس حديث العهد في سلوكنا نحن الكلدان ، له جذور حتى حينما كنا في العراق فأهالي عشرات القرى الكلدانية التي جرى ترحيلها أثناء الحرب مع الأكراد معظمها سكن في مدينة الموصل أنبهروا باللغة العربية ومعظمهم ترك لغته ولغة أجداده الكلدانية وأخذ يحاول التلفّظ بالكلمات العربية بالرغم من أنه لا يتقهنا حتى في محادثاته مع أخوته الآخرين من الكلدان وأفراد عائلته معتبرا ذلك نوع من الرقي والتطور في شخصيته .
ولكن ما الحل ؟ وهل يوجد أمل ؟
برأيي " المتواضع " المشكلة كبيرة بسبب لا مبالاتنا نحن الكلدان وضعف شعورنا القومي وقبولنا بالأمر الواقع وبسرعة وعدم إعارة أيّة أهمية لثوابتنا القومية أسوة ببقية الأمم والشعوب ، وأستسلامنا السريع للأمر الواقع ، هناك مثال ترددت في ذكره ، ولكن كما يقال " الأمثال تضرب ولا تقاس " وأعتذر وحاشا من شخوصكم الكريمة ، من المعروف أن الحمار حينما يرى ذئبا ، من شدة خوفه وفزعه يجمد ولا يستطيع أن يتحرك أو يبدي أية مقاومة أو حتى الهروب ، فيهجم عليه الذئب وعلى راحته يبدأ بتناول وجبته الدسمة .
نعم أعترف وأكرر أن المشكلة أكبر من إمكانياتنا حتى لجيل الشباب الذي وصل الى هذه البلدان وهو يحمل إرث حضارته ولغته وطقوسه ، ولكن سرعان ما يدفعها جانبا ويهرول نحو الثقافة الغربية متباهيا ومنبهرا بها ، والأمر سوف يكون أصعب أضعافا بالنسبة للجيل الذي ولد في هذه البلدان ودرس في مدارسها وبلغتها وعاداتها وتقاليدها وأصبحت لغته الأم وتقاليد آبائه وأجداده أمرا غريبا عليه وصار كل شيئ مجرد أساطير قديمة إذا ما سمعها من والديه وأخوته الكبار وأصبحت الحريّة والوسائل المتاحة لممارستها مقتصرة حسب تفكيره بوسائل الراحة والترفيه وليس الأستفادة من الوسائل الأخرى التي توفرها دولته الجديدة في تثقيف وتطوير قابلياته العلمية في الأستفادة من الجامعات الكثيرة والتسهيلات التي تقدمها لبناء مستقبل جيد للطالب بالدراسة والبحث .
أنها مشكلة كبيرة أكرر مرة أخرى ، ولكن الأستسلام السريع لها هي المشكلة الأكبر ، وهي موجودة لدى معظم الشعوب والأثنيات الأخرى ولكن لديهم " على الأقل محاولات وكفاح " لتأجيلها أو تأخيرها ، أعرف هنا في كندا أصدقاء أحبهم وأحترمهم من أخوتنا الأرمن ، جميع أطفالهم المولودين هنا يتكلمون بلغة آبائهم " الأرمنية " في بيوتهم رغم أن دراستهم بالأنكليزية في المدارس ، وهناك في كنائسهم مدرسة لتعليم اللغة الأرمنية بأشراف رعاة كنيستهم ، لذلك جميعهم يقرأون ويكتبون بلغتهم ، وأعتقد هذا الأمر موجود أيضا لدى أخوتنا أبناء الكنيستين الآشوريتين ، وجهود سيادة المطران مار ميلس في أستراليا واضحة للجميع لدرجة تأسيسه حتى كلية لدراسة " اللغة الآرامية – اللهجة الشرقية "
أما المثال التالي وهو ما نحلم به في أحلامنا فقط وهو :
من بين أبناء جاليتنا الكلدانية هنا في تورنتو ، مجموعة شباب كلدان لهم تنظيم فيما بينهم أطلقوا عليه " تنظيم الطلبة الكلدان الجامعيين " ( Chaldean Canadian Student Association) من جامعتي تورونتو و يورك ، معظمهم درسوا اللغة الكلدانية في المدرسة الكلدانية التابعة للكنيسة في عهد " المثلث الرحمات مار يوحنا زورا " يحملون هموم الكلدان بجدارة مما دفع أحدهم أن يسأل بروفيسور يدرسهم في الجامعة وهو يهودي السؤال التالي :
" ما هو السر في تماسك المجتمع اليهودي أينما كان وفي أية دولة عاش "
أجاب البروفيسور وقال " اللغـــــة و الطقـــــس " أينما كان اليهودي لا بد وأن يتعلم لغته العبرية وأينما كان ومهما كانت ثقافة المجتمع الذي يعيش فيه ، لا بد وأن يحافظ على تقاليد مجتمعه اليهودي المستمد من الشريعة والتوراة والناموس وعهـــدة الآباء .
أنه نداء لكل من يحترم تاريخ أمته الكلدانية ولغتها المقدسة وطقوسها التي بنيت عليها كنيسة المشرق العريقة التي لا مثيل لها في جميع الكنائس الأخرى لأنها من نتاج دماء آباء كنيستنا الشهداء من نتاج مار شمعون برصباعي ومار ماروثا ومار أفرام فضلا عن مزامير داود الملهمة بالروح القدس من القرن الرابع الميلادي
أنه نفس النداء أيضا الذي أطلقه المجمع الفاتيكاني الثاني فيما يتعلق بالكنائس الشرقية في فصل " المحافظة على تراث الكنائس الشرقية الروحي " حينما يؤكد .
" إن التاريخ والتقاليد والمؤسسات الكنسية العديدة تشهد شهادة عالية كم للكنائس الشرقية من خدمات جلى في سبيل الكنيسة الجامعة ، لهذا لا يقدم المجمع المقدس فقط التقدير والثناء الذي يحق لهذا التراث الكنسي والروحي، ولكنه يعتبره أيضاً وبقوة تراث كنيسة المسيح باسرها. لهذا يعلن بطريقة رسمية أن من حق الكنائس الشرقية والكنائس الغربية بل من واجبها، أن تحكم نفسها وفقاً لأنظمتها الخاصة الذاتية. وليعلم الشرقيون كلهم علماً يقيناً أنه بإستطاعتهم بل يجب عليهم أن يحفظوا دوماً طقوسهم الليتورجية الشرعية ونظامهم، وألا تطرأ عليها تغييرات الا ّ بسبب تقدمهم الذاتي والعضوي. وعلى الشرقيين بالذات أن يحافظوا إذاً على هذه الأشياء كلها بكل أمانة. وعليهم أيضاً أن يحصلوا فيها معرفة أحسن، وأن يمارسوها ممارسة أكمل. وإذا ما أبعدوا عنها إضطرارياً، بفعل ظروف الزمان والأشخاص، فليجتهدوا أن يرجعوا الى تقاليد أجدادهم "