المحرر موضوع: التناقض الآشــوري بين الفكــر والواقــع  (زيارة 1384 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل خوشابا سولاقا

  • عضو مميز جدا
  • *****
  • مشاركة: 2340
    • مشاهدة الملف الشخصي
التناقض الآشــوري بين الفكــر والواقــع
خوشــابا ســولاقا
كما هو معروف أن شكل وطبيعة النظام الأقتصادي والأجتماعي لأي مجتمع بشري يشكل البنى التحتية لواقع ذلك المجتمع ويشكل الفكر والثقافة بكل مكوناتها من آداب وفنون وطقوس وتقاليد وعادات وخصوصيات قومية وعقائدية البنى الفوقية له والتي هي انعكاساً للبنى التحتية  وليس نقيضاً لها كما هو حالنا نحن الآشوريين اليوم ، وبالرغم من حساسية طرح ومناقشة وتحليل هذا الموضوع عند البعض من أبناء أمتنا عند التطرق إليه بالشكل المباشر وكما هو واقع الحال لكونه مؤسف ومؤلم من جهة ولكون ما نتطرق إليه لا ينسجم ولا يتماشى مع رؤية البعض من مثقفينا الآشوريين للموضوع من جهة ثانية ، إلا أنه بالقدر نفسه لهو من الأهمية بمكان لأن نتناوله بالمباشر بموضوعية وواقعية من دون مراعاة لأية اعتبارات أخرى ومزاجات شخصية مهما كان وزنها وموقعها في المجتمع الآشوري لغرض وضع النقاط على الحروف ووضع الأصبع على الجُرح النازف الذي تعاني منه أمتنا الآشورية ، وكما ينبغي تعرية حالة هذا التناقض والأزدواجية التي يعيشونها أبنائُنا الآشوريين لمعرفة الذات كما هي من دون رتوش تجميلية أو بالعكس منها وذلك لفضح ريائنا ونفاقنا وكذبنا ودجلنا القومي كمرجعيات سياسية وكنسية واجتماعية بشكل خاص وكمجتمع بشكل عام بين ما يفكرون به ويتحدثون عنه ليلاً ونهاراً في كل المناسبات صادعين رؤوس سامعيهم بصراخهم وعويلهم وبكائهم على أطلال آثار أبائهم وأجدادهم في آشور ونينوى وبابل ونمرود وبين ما يفعلونه في واقعهم تجاه بعضهم البعض تحت واجهات التسمية القومية والمذهبية اللاهوتية الكنسية لتدمير وهدم ذلك الصرح التاريخي لتراث حضارة أبائهم وأجدادهم القدامى .
 إنه حقاً ووفق كل المعايير والمقاييس الاجتماعية والفكرية والقانونية وحتى الأخلاقية تناقض صارخ ومخجل وإزدواجية مقرفة تُدمي منها القلوب وتُدمع لها العيون فأين دور وفعل الضمير القومي لنا الذي نتشدق به جهاراً ونهاراً بين هذا وذاك يا أبناء أمة آشـــور الآيلة الى الزوال والأنقراض في متاهات المهاجر الغريبة وأنتم نياماً نوم أهل الكهف !!؟؟ ماذا سيكون جوابكم مستقبلاً لأبنائكم وأحفادكم والتاريخ إذا سألوكم عن ما آلت إليه أمتهم ؟؟ ، هذا إن بقى في ذاكرتهم ووعيهم شيءً أسمه الأمة الآشــورية التي صدعتم بها رؤوسهم عندما كانوا أطفالاً صغار ؟؟ .
الجميع رجالاً ونساءً شباباً وشيباً فتياناً واطفالاً في كل أماكن تواجدهم وفي لقاءاتهم في المناسبات العامة والخاصة وكل جلساتهم في المقاهي وحانات الشرب واللهو وحتى وهم على موائد الأفطار والغداء والعشاء وفي كنائسهم وهم يؤدون الصلاة لربهم وربما حتى في أحلامهم وهم نياماً في فراشهم يتحدثون بأعلى صوتهم بحرقة ومرارة مع ترقرق الدموع في حدقات عيونهم عن مجد وعظمة حضارة أبائهم وأجدادهم الآشوريين القدامي وفضل تلك الحضارة العريقة على البشرية جمعاء ، وهذا شيء لا ينكر بأنه شعور جميل وطيب وهو ما يجعل الانسان يلتصق أكثر وبقوة واصرار بجذوره وتاريخه ووطنه وينمي في كيانه استعداده للتضحية من أجل استمرار آصالة الأنتماء الى تلك الأمة وحضارتها في أرضها التاريخية ، أي بمعنى الوطن التاريخي ، هذه الخصال هي ما جعلت أبناء أمتنا الآشورية عندما كانوا مقيمين في أرضهم في قصباتهم وبلداتهم وقراهم الصغيرة والمعزولة في وديان الجبال الشاهقة يتميزون به عن المجتمعات الأخرى التي تشاركهم العيش لأن يحافظوا على وجودهم القومي وتراثهم وثقافتهم وعاداتهم وتقاليدهم ولغتهم وكل خصوصياتهم القومية قبل أن ينتقلوا للعيش في حضائر وحضائن المدن الكبرى التي جعلهم العيش فيها يشعرون بنوع من الغربة وعدم الانسجام مع شركائهم المختلفين عنهم في أمور ومعتقدات كثيرة ، إضافة الى دور الغرباء من المستعمرين الغربيين الذين غذوا ونموا وعززوا فيهم شعور عدم الرضى واستحالة التعايش مع شركائهم المختلفين عنهم قومياً ودينياً لغرض في أنفسهم ، لذلك بدأوا بالبحث عن بديل آخر أكثر قرباً منهم وأكثر انسجاماً  مع معتقداتهم الدينية وبعض خصوصياتهم الانسانية والاجتماعية من دون أن يدركوا بأنهم وضعوا أنفسهم بواقعهم الجديد هذا في تناقض مع ما كانوا وما زالوا يفكرون به من انتمائهم القومي والحضاري والتاريخي ، وبالنتيجة أصبحوا غرباء عن الوطن الأم وحتى عن الأوطان البديلة وحتى غرباء عن حقيقة مشاعرهم الداخلية ويعيشون حالة من الصراع النفسي بين الهروب من ماضيهم العتيد الذي يلاحقهم في كل خطواتهم وبين أرضاء متطلبات واقعهم الجديد في المهجر ، إنها في الحقيقة ازدواجية الحياة الصعبة للموائمة والملائمة بين ما هو راسخ ومتجذر في الذهن والمشاعر والأحاسيس الانسانية في الكيان الانساني للفرد الآشوري وبين ما يُمني نفسه به بكل تناقضاته المفروضة على الحياة على أساس القبول بالأمر الواقع  كما هو كتحصيل حاصل .
عندما نأتي ونطبق ما ورد في أعلاه على واقع حياة الآشوريين في مواطنهم الأصلية نجدهم كما ذكرنا يتكلمون كثيراً عن الوطن التاريخي وعن حضارتهم العريقة وتراثهم الفكري وأثره الكبير في الحضارات الانسانية إلا أنه نجدهم في المقابل قليلي وشحيحي في عملهم من أجل تحقيق وترسيخ ما يتكلمون عنه كثيراً وبلا حدود وفي ذات الوقت نجدهم شديدي الرغبة والأندفاع نحو الهجرة في ظل وجود أسباب وعدمها وترك الوطن لأتفه الأسباب والمبالغة في أكثرها وتهويلها أو اختلاقها في أحيان كثيرة لا نعرف دوافع أغلب الناس من وراء هذا السلوك الذي يفضي في النهاية المحتملة الى إنقراضهم كأمة من الوجود ، ونرى أبنائها اليوم يتوسلون على أبواب السفارات والقنصليات الأجنبة طلباً للهجرة واستعطاف مشاعر الآخرين لقبولهم وإيوائهم في بلدانهم كلاجئين لا مأوى لهم يقيهم برد الشتاء وحر الصيف ، إنه حقاً الخيار الصعب المجهول لمستقبل أمة تدعي بأنها تريد الأنبعاث واستعادة مجدها التاريخي في كيان خاص بها قائم بذاته ، وهي لا تدرك مخاطر وتداعيات خيار الهجرة على مصير الوجود القومي لها في الوطن والمهجر معاً .... هذا هو التناقض بعينه وتلك هي الأزدواجية في السلوك الغير متحضر بين ما تفكر به أبناء أمتنا الآشورية عند الكلام عن التاريخ والآصالة والحضارة والحقوق القومية وغيرها من الأحلام الوردية وبين لهاثهم وتوسلاتهم على أبواب القنصليات والسفارات الأجنبية طلباً للهجرة أينما يكون المكان !!! .
هذه هي ازدواجية وتناقض الموقف في رؤية الفرد الآشوري مع ما يريده ويتمناه  ويحلم به وبين ما يفعله ويقوم به في واقعه على الأرض . هذا التناقض وهذه الأزدواجية بين الفكر وبين السلوك تؤشر على عبثية وعشوائية الانسان الآشوري المعاصر وفقدانه لبوصلة التوجه وغياب الوعي والنضوج الفكري القومي الحقيقي لديه لمعرفة ما يريده وما يناسبه من أهداف على المدى الأستراتيجي للنضال القومي والعمل السياسي والاجتماعي الآشوري .
عندما نُقّيَم الهجرة لا بد لنا أن نُقييمها من خلال النظر إليها من منظارين مختلفين ، فعند النظر اليها بمنظار الفرد أي هجرة الفرد وعائلته لأي سببٍ كان وكل ما يهمه من أمور من دون ربط ذاته بأمة فعندها تكون كل الأسباب والأعذار والمبررات التي تدفع الانسان الفرد لأن يهاجر وطنه التاريخي مقبولة ومبررة ولا عتب عليه ، أما عند النظر الى الهجرة بمنظار الأمة على ضوء بقائها أو انقراضها من الوجود كما هو حال هجرتنا لأرض الوطن فعندها يختلف الأمر كلياً وجذرياً وسوف تكون كل الأعذار والأسباب والمبررات موضع عدم الرضا والقبول من وجهة النظر القومية والقانونية والاخلاقية والانسانية ، لأن في مثل هذا الوضع سوف نكون أمام خيارين لا ثالث لهما وهما رفض الهجرة على حساب بقاء الوجود القومي لأمتنا في أرض الأباء والأجداد التاريخية ، أو قبول الهجرة على حساب انقراض الوجود القومي للأمة في ارضنا التاريخية وانصهار المهاجرين منا قومياً واجتماعياً وسلوكياً في بودقة مجتمعات المهاجر 
إن أغلب الأباء والأمهات المولودين في الوطن والمقيمين حالياً في المهاجر يعانون ويقاسون كثيراً من سلوكيات أبنائهم وأحفادهم المولودين أو المتربين في المهاجر حيث هناك بون GAP  شاسع بينهما في كل شيء ، من هنا تبدأ الخطوة الأولى الى جانب عدم التحدث بلغة الأم نحو الأنصهار القومي والضياع الاجتماعي لكل خصوصياتنا القومية ، لقد صدمتنا صورة مسجلة فيديووياً للدبكة الفلوكلورية الآشورية من الكونفينشن الآشوري ما قبل الآخير المُقام في ولاية أريزونا الأمريكية والمرسلة إلينا من قبل أحد الأصدقاء الطيبين مشكوراً ، بأي زيٍ كانت !!! أكيد لم يكن الزي الآشوري الفلكلوري المعتاد كما قد يتوقع البعض ، هذه المظاهر وغيرها من السلوكيات الغريبة هي مؤشرات واضحة لمستقبل أبناء أمتنا في المهاجر وأين سوف ينتهي بهم الدهر !!! ، كانت الصورة تعبيراً وتجسيداً حقيقياً لنموذج الأنصهار المتوقع في مجتمعات المهجر فكراً ونهجاً وعملاً .
هكذا هو التناقض الذي يعيشه الانسان الآشوري وازدواجيته بين القول والفعل وهو ما يقودنا الى الزوال والأنقراض والأنصهار مستقبلاً ، متى نستفيق من هذه الغفوة ونعود الى رشدنا لنرى طريقنا في الحياة لننقذ ما يمكن إنقاذه من مجد أجدادنا العِظام في أحضان الوطن التاريخي ؟؟؟ .   

خوشـــابا ســـولاقا
بغداد في 14 أيلول / 2018 م 


غير متصل الياس متي منصور

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 564
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
ألاستاذ العزيز خوشابا سولاقة المحترم
تمام ما تكتبه بواقعية وقلب محروق، لان الذوبان  في مجتمعات الغرب مع الوقت شئ مؤكد
اذاً ما العمل هل هنالك من مخرج ؟
اذا علماً انه لم يبقى في الوطن الام وفق اخر التقديرات سوى ما يقارب مائتا الف انسان
والحبل على الجرار
أتمنى ان لاتكون صراعاتنا الطائفية وعلى التسمية والمناصب
رقص الديك المذبوح !!


غير متصل خوشابا سولاقا

  • عضو مميز جدا
  • *****
  • مشاركة: 2340
    • مشاهدة الملف الشخصي
الى الأخ والصديق العزيز الأستاذ ألياس متي منصور المحترم
تقبلوا محبتنا الأخوية مع خالص تحياتنا الصادقة
شكراً لكم على مروركم الكريم بهذه المداخلة الواقعية .... لقد صدقتم القول إن وضعنا القومي كوجود بات قاب قوسين أو أدنى وهذا ما يثير فينا شجون الألم والحزن خوفاً على الأنقراض والأنصهار في مجتمعات المهاجر الغريبة وبسبب الهجرة العشوائية اللعينة أستنزف وجودنا القومي في أرضنا التاريخية التي لو فقدناها لفقدنا ذاتنا ... إلا أن المشكلة تكمن أن أغلب الذين يبتغون الهجرة لا يدركون بوعي قومي هذه الحقيقة وأن كل ما يعنيهم من الهجرة هو تحقيق رغبات ذاتية وشخصية ... نحن فعلاً الآن منشغلين بالصراعات التسمياتية والمذهبية والمناصب وصرنا فعلاً نرقص كالديك المذبوح !!! كما قلتم ..... دمتم والعائلة الكريمة بخير وسلام .
 
                           محبكم أخوكم وصديقكم : خوشابا سولاقا - بغداد