قراءة نقدية في بحث الدكتورة بروين بدري توفيق الموسوم
" كنيسة عراقية تاريخية تحاول أن تشرئب برأسها وتنفض غبار الزمن"
ايفان جانينشرت الباحثة التأريخية الدكتورة بروين بدري توفيق" دكتوراة في تاريخ أديرة شمالي بلاد النهرين"، بحثاً تحت عنوان " كنيسة عراقية تاريخية تحاول أن تشرئب برأسها وتنفض غبار الزمن"، في العدد 58 من مجلة رديا كلدايا، وهي مجلة فصلية ثقافية عامة تصدرها جمعية الثقافة الكلدانية ـ عنكاوا، الصادر في أيلول 2018.
البحث الذي نشرته هو دراسة تأريخية عن كنيسة مار كيوركيس الواقعة في قرية بيديال، القرية الآشورية الوحيدة الصامدة في قضاء ميركةسور. البحث يقوم على فرضية مردها أن إسم كنيسة القرية الحقيقي هو (ماريشوع) وليس مار كيوركيس .
ففي الوقت الذي أشد على أيادي الباحثة وأقرانها ممن يولون إهتماماً بتراثنا الآشوري المسيحي كأحد أعرق الشعوب ، أسجل مجموعة من الملاحظات والأخطاء العلمية الأكاديمية والتاريخية التي سقطت فيها الباحثة، متمنياً أن تتقبل الباحثة مادونته بصدر رحب وفي ذات الوقت تجيب على التساؤولات التي أثرتها من خلال هذه القراءة.
1- في البداية سنبدأ بموقع الكنيسة، حيث تقول الباحثة وفي الصفحة (30)، أن كنيسة مار كيوركيس في قرية بيديال تقع على تل مرتفع يبدو أنه كان مقبرة قديمة. إلا أنه وبحسب معلوماتنا وماأكده لنا أبناء القرية، الكنيسة لم تشيد على أية مقبرة، فنحن كمسيحين نقدس موتانا ونحترم مدافنهم فكيف بنا أن نبني كنيسة للرب فوق مدافنهم؟ أما فيما يخص التل الذي تتحدث عنه الباحثة، فالتل المذكور ماهو إلا مزيج من تل طبيعي وبقايا أنقاض الكنيسة القديمة التي فجرها النظام البعثي السابق إبان حملة الأنفال سيئة الصيت التي طالت القرية عام 1987. وما أن بزغت شمس الحرية حتى شمر أبناء وبنات بيديال وديانا وهاوديان على سواعدهم وبهمة الآب الشهيد بنيامين هرمز إبن القرية وشرعوا بإعادة بناء القرية بإمكاناتهم المادية المحدودة ليشمخ عليها صليب المسيح مرة ثانية.
وفي الصفحة 30 و34 تتحدث الباحثة عن وجود قبر لشخصية مهمة أو قديس بنيت عليه الكنيسة، أو إن القبر كان يقع خلف الجدار الشرقي للكنيسة ولما بنيت الكنيسة صار داخلاً فيها دون سائر القبور، ومازال القبر موجوداً قرب مذبح الكنيسة. وهنا أعود لأذكر الباحثة بأن أبناء القرية ونحن كزائرين لم نرى أي شيء يعلل هذا التحليل غير المنطقي، وما الجزء الذي تتحدث عنه الباحثة متوهمة أنه قبر إلا جزء من بناء الكنيسة، ومع ذلك سنقدم أربعة حقائق تدحض تحليل الكاتبة ونترك القرار والحكم للقاريء الكريم: أولاً : قرية بيديال القديمة كانت تقع في أسفل موقع القرية الحالي، ولازالت أثار القرية القديمة واضحة للعيان، والمنطقة التي بنيت الكنيسة فيها كانت منطقة خالية، وبمرور الزمن قام سكان القرية بتحويل الأرض التي تقع خلف الكنيسة إلى مدفن، كما أكد لي أبناء القرية بأن العوائل التي تحبذ أن تدفن موتاها داخل باحة الكنيسة كان عليها شراء قطعة الأرض المخصصة للدفن، وثمن قطعة الأرض كان عبارة عن تقديم ذبيحة للقديس مار كيوركيس. ثانياً: الكنيسة القديمة كما أسلفنا تم تفجيرها نهاية ثمانينيات القرن المنصرم، والبناء الذي تتحدث عنه الباحثة بناء حديث كلياً. ثالثاً: قبل سنوات دخلت عصابة من اللصوص حرم الكنيسة ونقبت في أرضها باحثة عن أثار أو مواد ثمينة متوهمة كما إدعت الباحثة وجود مقبرة أو قبر لقديس، إلا أن ظنونهم قد خابت، رابعاً: إعتمدت الباحثة في تحليلها هذا على القصة المتناقلة شفاهياً بين أهالي القرية والتي تدعي وجود قبر لقديس وهذه القصة تفتقر لعنصر التوثيق العلمي. وأظن بأن هذه الحقائق كافية لدحض فكرة وجود قبر في الكنيسة.
2- تقول الكاتبة في الصفحة رقم 36 حرفياً: " كان شموئيل جميل قد وجد قرية قرب بيديال، تسمى(شباتي)". في حين جميع الآشوريين المنحدرين من تركيا والملمين بجغرافية المنطقة يعرفون أن قرية " شباطي" التي تعنيها الدكتورة تقع داخل الأراضي التركية وليست قريبة من بيديال، والقرية في الأصل قريبة من قرية مار إيشو القرية التي كانت مركزاً أسقفياً للمطران مار يوسف خنانيشو.
3- جاء في الصفحة 36 مايلي:" وقد ذكر فييه "وتقصد به الأب جان فييه الدومنيكي" أن هناك إنجيل مخطوط وكتاب صلاة دعاء قريء عند وفاة القس وردة بن لعازر كتب في قرية بيديال". وهنا أطلب من الباحثة أن تزودنا برقم الصفحة التي إستقت منها المعلومة كوني راجعت الكتاب ولم أجد ماذكرته.
4- أما في الصفحة 36 فتكتب الباحثة قائلة:" فقادنا هذا إلى التوصل إلى أن منطقة (بيديال)، فيها دير كان يسمى دير (مار إيشوع)، وهو مقر كرسي مار حنا يشوع النسطوري، كونه أحد المطارنة الذين توارثوا هذا اللقب من عائلة (أبونا) الشهيرة".
ومن يقرأ هذه الأسطر من الآشوريين أو الملمين بتأريخ الكنيسة الشرقية الآشورية، سيتضح له مدى جهل الباحثة بتأريخ كنيسة المشرق وجغرافيتها، لأن قداسة المطران مار يوسف خنانيشوع كان يسكن قرية مار إيشو بمنطقة شمدينان في تركيا، والكرسي الأسقفي كان في ذات القرية، وهذا الخلط بين القرى ظلل الباحثة وألقى بنتائجه السلبية على تحليلاتها وإستنتاجاتها، لا بل دحض بحثها كلياً.
5- وتمضي الباحثة في خطأها لتقول في الصفحة 36 :" أما كنيسة مار يشوع مقر مطرانية حنايشوع فتبعد عن القرية ( أي بيديال)، وكنيستها بنصف ساعة". وهنا أطلب من الباحثة أن تحصل على خارطة للقرى الآشورية وتحدد فيها موقع مطرانية كنيسة المشرق في شمدينان التي كان يترأسها قداسة المطران مار يوسف خنانيشوع لترى بعينها وتلتمس هول الخطأ الذي إقترفته بتحليلها هذا.
6- وفي نفس الصفحة السابقة تضيف الدكتورة :" كان لايارد قد ذكر في سنة 1850 عند زيارته هذه الكنيسة في (بيديال)". حسب معلوماتي فإن لايارد لم يزر قرية بيديال، بل زار القرى الآشورية الموجودة في جنوب شرق تركيا الحالية، لكن للتأكيد والإستفادة أرجوا من الدكتورة أن تنشر لنا إسم كتاب لايارد ورقم الصفحة.
7- وتستمر الكاتبة وتكتب في الصفحة 37 مانصه :" وإذ نجح (أي الأنبا شموئيل) في تحويل كنائس راوندوز وماحولها من القرى إليها (القصد هنا تحويل الكنائس النسطورية إلى الكاثوليكية). وفي الحقيقة أن هذا الرجل أي الأنبا شموئيل جميل الذي جاء مبشراً بالمذهب الكاثوليكي بين النساطرة لم يحول أي كنيسة في راوندوز من المذهب النسطوري إلى الكاثوليكي، لأن راوندوز يومها كانت خاوية من المسيحيين. وعندما نقرأ مادونه الأنبا شموئيل جميل في كتابه وتحديداً الصفحة 17 نلحظ أنه مر براوندوز ووصفها فقط، ثم توجه نحو ديانا ونجح في تحويل المسيحيين فيها إلى المذهب الكاثوليكي على حد زعمه، وبعدها ترك ديانا نحو القرى الآشورية المسيحية على الحدود التركية. ولاأدري لماذا تُقول الدكتورة الأنبا شموئيل ما لم يقوله ويدونه.
8- وفي نفس الصفحة تكتب:" أن الأنبا شموئيل جميل قد فشل فيما يخص كنيسة بيديال لرفضها هذا التحول دون أخذ موافقة مركز الكنيسة الشرقية في قوجانس".
وهنا تعود الباحثة لتقع في نفس الخطأ الذي بنت عليه بحثها، لأن الأنبا شموئيل جميل لم يزر قرية بيديال قط، بل توجه نحو القرى الآشورية التي كانت موجودة داخل أراضي تركيا الحالية وإلتقى بزعماء الكنيسة ومنهم مار يوسف خنانيشوع والبطريرك مارشمعون روئيل العشرون (1860-1903) وتباحثا بموضوع الوحدة الكنسية.
9- كون الباحثة أكاديمية وتحمل شهادة الدكتوراة كان عليها أن تدرك وهي تدرك إصول البحث العلمي الأكاديمي، فلا يجوز الغور في تفاصيل موضوع تأريخي والكشف عن حقائق مهمة تغير إسم كنيسة تأريخية بجرة قلم، دون الإشارة إلى المصادر والمراجع التي إعتمدتها في تحليلها. لذا أطلب من الدكتورة الفاضلة نشر أسماء المصادر التي إعتمدت عليها مع أرقام الصفحات. وعتبي أيضاً على أسرة مجلة رديا كلدايا لنشرها مثل هكذا موضوع دون ذكر المصادر المعتمدة.
وفي النهاية أدعو الدكتورة بروين إلى إعادة النظر فيما كتبته وتصحيح أخطائها، لأنها ببحثها هذا لم تعمل على مساعدة قرية بيديال وكنيستها لتشرئب رأسها وتنفض غبار الزمن عنها، بل حاولت تشويه تأريخ أهم معلم فيها ألا وهو شفيع القرية مار كيوركيس .