محبة اللغة غير الشهادة الحية لها، الأديب قشو ابراهيم نيروا إنموذجا
بدل أن تقول انك تحب أمرا، أحببه
(الأب الراحل د. يوسف حبي)
الأب نويل فرمان السناطي
_________________
قد يكتب كل منا باتجاهات متباينة، لكني أحترم قناعاته ما دامت منبثقة من عمق قناعته، ويعبر عنها بنحو حضاري وباحترام. على أن ما يجمعني به، هو امنية تتحقق فيه، ينفذها ويعيشها، وهي عن اللغة المشتركة بيننا في حضارتنا النهرينية.
لم أجد غيره في مثابرته المتواصلة، في مجال الكتابة على صفحات موقع عنكاوا كوم، ولا على مواقع أخرى. ولا بدّ أنه يوجد غيره في مواقع أخرى، ومجالات أخرى، وبأسلوبهم الخاص ممن لم يحالفني الحظ في معرفتهم، إلا انه بارز للناظر من خلال حضوره في موقع منتشر كموقع عنكاوا، والحق يقال. وهو يعوّض عما نفتقده في عيش وممارسة لغة بلاد ما بين النهرين. ونأمل أن يكون أبا لأجيال متواصلة في هذا المنوال.
لم التق به شخصيا، ولا اعرفه إلا من خلال تحايا تبادلناها من خلال قريب لي، وصديق مشترك، خبير الطباعة والنشر الاعلامي منصور قرياقوس السناطي.
إنه الكاتب قشو ابراهيم نيروا. من الواضح، أنه يعرف جيدا لغة بني طي، ويقرأها ويتفاعل مع ما يطرح بها، بدليل تعليقاته على كل ما يلفت انتباهه ويوحي له بالتعليق.
على أن ما يتفرد به الاستاذ نيروا، استخدامه للأدوات المتاحة في الطباعة على الموقع الالكتروني، وتملكه ناصية اللغة الاعلامية المحكية للغة شعبنا- لشانا خاثا- وهو يستخدمها وبما يبين لنا انها لم تزل لحد الآن لغة عاملة، تجمع تحت كنفها كل من يلهجون بها في البيت والمطبخ والسفرات ومن تصدح حناجرهم بها. مؤكدا بذلك أنها لم تزل لغة معاصرة ولغة حية. ولكن لسان حاله ايضا ينذر في الوقت عينه، أن هذه اللغة، مهما استخدمناها في الأغاني، أو في البيت، ستؤول الى الاختفاء.
وعلى ذكر المطبخ، من لي برابي قشو، بأن يحفز مثاله، أخواتنا المتخصصات في المطبخ، ان يخرجوا ببرنامج تلفزيوني أو باليوتوب عن الطبخ، يعممن في ذلك البرنامج لغة شعبنا، بنحو متوازن مشترك في المفردات قدر الامكان، ولعل ذلك موجود ولم أحظ به لسبب أو آخر.
وعلى ذكر اللغة المحكية المشتركة قدر الامكان لشعبنا، اطلعت على بعض الدراسات تفيد بأن لغة جيراننا ومواطنينا، اللغة العربية الفصحى كادت أن تكون لغة إلى التقهقر، على أساس قلة الذين يلمون فيها، وبسبب اقتصارها على الكتب الدينية للاخوة المسلمين، فلا يفسرها سوى المتخصصون. فيما اصبحت شعوب البلدان العربية، تتكلم لغات متباينة، بين مصر ولبنان وسوريا والعراق، وثمة مسافات شاسعة في الفهم بينها وبين عربية شمالي افريقيا، من المغرب والجزائر وتونس وليبيا (زنقة زنقة)، بحيث أصبح معدل متزايد من ابناء الدول العربية، يجهلون لغتهم الفصحى، باستثناء مفردات الصلاة، ويقدمون الاخبار بها اضاف الى التعليق الرياضي والشعر الغنائي بحسب كل بلد.
وعليه، يقدم الملفان قشو ابراهيم نيروا، لغة قريبة من اللغة الفصحى، سواء الطقسية او الكتابية، مما يسهل على القارئ، أن يرتبط باللغة الأدبية والكتابية. وعلى ذكر اللغة الكتابية، هناك لغويون آخرون، يهتمون بتقديم نسخة للغة المحكية عن الطقوس الكنسية مثل الشماس خيري داويذ تومكا. وهناك جهود جبارة يبذلها الشماس سمير ميخا زوري، وتسانده زوجته بمثابة ذراعه اليمنى، لانجاز ترجمة علمية للأسفار المقدسة لـ... لغة شعبنا، ومنها طاب لي أن استوحي الترتيل المسجل لنصوص الأناجيل.
هناك ايضا الدكتور بشار حنا بطرس بيت خيزو الذي قبل استقراره في استراليا، كان قد انجز في ادمنتون بكندا نسخة جديدة لقاموس اوجين منا، وذلك بالابجدية المتسلسلة للمفردات كما هي وليس من مشتقاتها. كما كان قد أدار محفلا فيسبوكيا واسع النطاق لتعليم لغتنا الأم.
واذ يتناول هذا المقال الدور الريادي الذي يقوم بها رابي قشو، في مجال كتابة المقالات والتعليقات، كنت أود لو ينضم إليه عدد آخر من كتاب المنتديات، وأن تتحول حلبة نقاشاتهم بلغة شعبنا ايضا، ومع دأبنا على قراءتهم أكثر فأكثر، لعلي ولعل غيري سيكونوا أكثر آهلية للتعامل في التعليقات بهذه اللغة، التي لهج بمفرداتها سيدنا يسوع المسيح. وقد ذكرني مثاله العملي، بكلمة لمعلمنا الأب الراحل د. يوسف حبي إذ قال: بدل أن تقول انك تحبب أمرا، أحببه.
هذا المقال، بقي ينتظر ان اظهره للعلن، وفي كل مرة اقرأ للأخ قشو، بقيت اقول لا بد من الكتابة عن هذه الظاهرة، فاللهم أني بلغت. وإذ يسرني أن أورد صفحة من مختاراته، وهي سيرة القديس زيعا، أشد على ايدى هذا الرائد الذي آمل أن أكون يوما ضمن الكثيرين ممن يتوفر لهم ويتهيأ لهم أن يلتحقوا بتجربته النيرة.