لماذا يتم ترويج الاخبار الكاذبة (Fake News)؟
جورج منصور"ان الغاية من نشر او اشاعة الاخبار والتقارير الملفقة والوهمية هذه الايام، هو الحصول على نتائج وردود افعال تتناسب مع الاهداف المرسومة لها والتي تحمل ابعادا سياسية وتشكل مصدرا للنشر المتعمد الملتبس. وقد تحولت في العقود الاخيرة الى اختصاص تمارسه شركات او جماعات تكسب عيشها وتحقق ارباحا طائلة. لقد تم العمل باسلوب ترويج الاخبار الكاذبة منذ ازمان بعيدة، إلا ان تطور وسائل الاعلام الجماهيرية وتزايد مواقع التواصل الاجتماعي بشكل هائل جعل من السهولة جدا نشر مثل هذه الانواع من الاخبار والتقارير لجماهير واسعة من المتلقين".*
اتابع منذ فترة ما تنشره وكالة سكاي برس من اخبار كاذبة، مثيرة وبعيدة عن المصداقية ووهمية تماما. ومن اجل ان لا اجافي الحقيقة واطرح الامور كما جاءت في موقع الوكالة دون رتوش، اعرض للقارئ ثلاثة تقارير حول ثلاث شخصيات، عراقية وامريكية وسعودية:
التقريرالاول نشر في يوم الاثنين 20 تشرين الثاني 2017 تحت مانشيت كبير يحمل عنوان (تقرير بريطاني يكشف حياة الجعفري ايام المعارضة بلندن) نقلا عن تقرير مزعوم لمراسل صحيفة ألاندبندنت البريطانية في بغداد باتريك كوكبرن على انه نشر في افتتاحية الاندنبدندنت تحت عنوان: "وزير الخارجية العراقي مريض نفسي أخذ معونات اجتماعية". وقد عززت الوكالة تقريرها بصور من تقريرللصحيفة المذكورة على طريقة (سكرين شات).
يقول تقرير الوكالة "نقلا" عن الاندبندنت: " وزير الخارجية العراقي إبراهيم الاشيقر الجعفري عاش في لندن لفترات طويلة.... خلال ماتسمى بالمعارضة استلم معونات من الحكومة البريطانية لإنه عانى من الاكتئاب الشديد والاضطرابات النفسية" وانه "فشل في عمله الطبي لعدم تمكنه من إجتياز الإختبار اللازم، لحالته النفسية الصعبة والدقيقة التي حولته الى لجنة طبية بريطانية متخصصة أصدرت تقريرها النهائي، وشخصت حالته بكونه يعيش هستيريا حادة تقتضي منعه من العمل، وإحالته للتقاعد وصرف رواتب الضمان الإجتماعي ليعيش حياته بهدوء بعيدا عن التوتر في الجزر البريطانية".
ويزيد التقرير، ان الجعفري الذي كان اسمه ابراهيم احمد الاشيقر تحول للعمل كمرافق وواعظ ديني لحملات الحج للاجئين العراقيين القادمين من بريطانيا وإسكندنافيا مودعاً حياة الطب والسياسة" وأردف الصحفي البريطاني مستغرباً، إنتقال الجعفري من المعارضة إلى السلطة، بالقول انه "حين يتحول متقاعد نفسي لرئيس حكومة في بلد مثل العراق، فتصوروا الكارثة".
ويؤكد التقرير"كانت فترة حكم الجعفري من أبشع فترات الحكم في العراق، حيث جرت فصول دموية وكوارث إنسانية رهيبة، حتى أضطرت الأوضاع المتدهورة الأميركان للضغط من أجل إقالة الجعفري وإسناد السلطة لنائبه في حزب الدعوة نوري المالكي صيف العام 2006".
ويتابع التقرير "نقلا" عن مراسل الصحيفة:" لقد التقيت ابراهيم الجعفري في عام ٢٠٠٢ في لندن بمهمة صحافية، حين كان في المعارضة ويعمل في مركز ديني وعلمت وقتها انه يقرأ على النساء في المركز وذكر لي انه يمر بضائقة مالية صعبة لان المبلغ الذي يستلمه من البلدية لا تسد حاجاته".
ثم يضيف مُعد التقرير إلى "اما اليوم فالجعفري يملك عقار في ضواحي لندن، إشتراه بمبلغ مليون وأربعمائة ألف باون في العام 2011 والعقار حالياً يقيم بـ 4 مليون باوند أي ما يعادل 6.5 مليون دولار".
ويخلص التقرير الى ان "الجعفري عندما يزور بريطانيا فأنه يدخل بجنسيته البريطانية لكونه مواطن بريطاني عاش في
لندن قرابة 12 عام، وليس بصفته مسؤول او مواطن عراقي". هذا بمجمله جاء في تقرير وكالة سكاي برس.
منذ الوهلة الاولى، اثار التقرير شكوكي ووجدته غير قابل للتصديق وبعيدا عن المصداقية، حتى في فبركته الاعلامية، اولا لانه اساءة كبيرة لشخصية سياسية ووزير خارجية العراق، ثانيا ان نشر تقرير من هذا القبيل يضرب كل الاعراف الدبلوماسية التي تعتمدها و تشتهر بها بريطانيا عرض الحائط، ثالثا التقرير إساءة متعمدة للعلاقات البريطانية العراقية وما سيترتب على ذلك من تبعات دبلوماسية وقانونية. لهذا لم اتمكن من استيعاب ان تقريرا بهذه المباشرة ومليئا بالاتهامات، يمكن لصحيفة رصينة مثل الاندبندنت ان تقوم بنشره.
وبعد ان تداولته العديد من الصحف ومواقع التواصل الاجتماعي، نقلا عن وكالة سكاي برس، ونال الكثير من التعليقات والتفاعلات التي تدخل في خانة الصراعات والاجواء السياسية المكهربة في العراق، وجدت من المفيد التحري عن حقيقة التقرير ومدى مصداقيته، فقمت بالكتابة الى ثلاث شخصيات مدرجة عناوينها الالكترونية في موقع وكالة سكاي برس، احدهم في بغداد والاخر في بيروت والثالث في عمان، سألتهم ان يدلوني على تقرير صحيفة الاندبندنت؟ طالبا منهم تزويدي بنسخة من التقرير باللغة الانكليزية.
ولكن بعد ان طال انتظاري دون ان اتلقى ردا من اي منهم، كتبت الى صحيفة الاندبندنت مرفقا رسالتي بتقرير وكالة سكاي برس ومستفسرا عن مدى صحة نشره في الصحيفة البريطانية المرموقة؟ فجاء الرد سريعا وواضحا، نافيا على الاطلاق نشر مثل هذا التقرير، معتبرا ان الامر غريب جدا وان السكرين شات (لقطة الشاشة) مزور، وان حجم حروف العنوان المنشور في وكالة سكاي برس غير صحيحة تماما كما ان حروف العنوان الفرعي متناثرة ومليئة بالاخطاء والهفوات الغريبة. مؤكدا، انه "بعد الاطلاع على تقارير مراسلنا باتريك المنشورة لدينا، لم نجد انه تناول موضوعا يخص وزير الخارجية العراقي. كما ان محرك الكوكل لم يسعفنا بشيئ يتعلق بهذا الخصوص".
التقرير الثاني نشرته الوكالة يوم الخميس 14 كانون اول 2017 خلال "متابعة" اخبارية جاء فيها:
"أطلق النائب الجمهوري البارز، دان جونسون، الذي يمثل ولاية كنتاكي، الرصاص على نفسه، ليل الأربعاء ، بعد اتهامه بالتحرش الجنسي بفتاة قاصر.
وقال دوني تانيل قائد شرطة بوليت، إن جونسون البالغ من العمر 57 عاما، أوقف سيارته في الشارع وترجل منها واتجه إلى جسر ماونت واشنطن، ثم أطلق الرصاص على نفسه أثناء وقوفه فوق الجسر..
وأضاف قائد الشرطة أنه سيتم تشريح جثة السناتور، مرجحا بقوة فرضية الانتحار".
ومن خلال البحث والتقصي عن صحة خبر الانتحار المدعوم لم اجد ذلك لا في الاعلام المكتوب ولا المسموع ولا المرئي، وتبين ان الخبر كذب محض، لا ادري لماذا تسوقه سكاي برس؟؟!!
التقرير الثالث نشر في يوم الجمعة 15 كانون الاول 2017 جاء فيه:
"أكد وزير الخارجية السعودي، «عادل الجبير»، امتلاك بلاده خارطة طريق لإقامة علاقات دبلوماسية كاملة مع (إسرائيل) بعد اتفاق السلام مع الفلسطينيين. واعتبر «الجبير»، في مقابلة مع قناة «فرانس 24»، تابعها «الخليج الجديد»، أن «الإدارة الأمريكية جادة بشأن التوصل لاتفاق سلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، لكنها لا تزال تعمل على تفاصيل خطتها المقترحة". وقال الوزير السعودي إن «الأمريكيين يعملون على أفكار ويتشاورون مع كل الأطراف وبينها السعودية، ويدمجون وجهات النظر التي يعرضها عليهم الجميع». ويضيف التقرير: تصريحات «الجبير»، للقناة الفرنسية، لافتة للنظر؛ إذ تبدو دفاعا عن إدارة «ترامب»، وتزعم إلتزام تلك الإدارة بعملية السلام، رغم قرارها الأخير الاعتراف بمدينة القدس المحتلة عاصمة لـ(إسرائيل)؛ الأمر الذي ضيع كل الجهود الدولية، المتواصلة منذ سنوات، في محاولة لإحياء عملية السلام المجمدة منذ 2014 كما تأتي تلك التصريحات بعد يوم واحد فقط من دعوة وزير الاستخبارات الإسرائيلي «يسرائيل كاتس»، ولي العهد السعودي «محمد بن سلمان» لزيارة (إسرائيل) ووصف «كاتس» السعودية بأنها زعيمة العالم العربى، واقترح أن تكون المملكة الراعية لعملية السلام الإسرائيلية الفلسطينية، مضيفا أن (إسرائيل) ستكون سعيدة بالمشاركة في مثل هذه المفاوضات .... الخ.
بينما نشرت وكالات عربية وعالمية ونقله موقع (ألمسلة) الالكتروني في ذات اليوم 15/12/ 2017، خبرا تحت عنوان:
(الجبير: قرار ترامب خطأ ولا تطبيع مع اسرائيل) جاء في مقتطف منه: انتقد وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، قرار الادارة الامريكية الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، فيما اكد ان المملكة لا تقوم بأي تطبيع لعلاقات بها. وقال الجبير، في تصريحات ادلى بها، الجمعة 15 كانون الاول 2017، في حديث لصحيفة لوموند الفرنسية: ان القيادة كانت قد حذرت الرئيس الاميركي، دونالد ترامب، من مغبة قراره الاخير قبل الاعلان عنه واعتبرته خطأ لانه قرار احادي الجانب ولا يستند الى الشرعية الدولية. واعرب الجبير، عن امله في تراجع الولايات المتحدة عن قرارها وان تواصل العملية السلمية باتجاه قيام دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية.... الخ.
ان القرأة المتأنية للاخبار والتقارير التي تنشر في الاعلام المقروء والمسموع والمرئي وتحليلها والبحث عن مصداقيتها ضرورة في هذه الايام حيث الاخبار الكاذبة تنتشر بسرعة فائقة، شأنها شأن الاشاعة.
-----------------------------------------------------------------------------------------------------------------
*- مقطع من دراسة لكاتب المقال تحت عنوان "الدبلوماسية والاشاعة في المجتمع المدني"، نشرت في كتابي الموسوم (كتابات عن المجتمع المدني والديمقراطية)- الطبعة الاولى اربيل 2009.