المحرر موضوع: كيف وضعنا أنفسنا بين فكّ المجلس وكماشة الحركة  (زيارة 1088 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل سـلوان سـاكو

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 454
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
كيف وضعنا أنفسنا بين فكّ المجلس وكمَاشة الحركة.
ما أقربنا اليوم كَمكّون أصيل وعريق من مكونات الهوية العراقية المدنية( من المدينة)، حيث كان لهم حضور مشهودا له على جميع الساحات الثقافية والسياسية والاقتصادية، من كهفْ أفلاطون الشهير، وهؤلاء الأشخاص الأربعة الذين كُبلوا منذُ نعومة أظافرهم بسلاسل وأغلال على أعناقهم وأيديهم وأرجلهم، فظلوا ينظرون بتجاه واحد فقط من أمامهم، ومن خلفهم، أيَّ خلف الجدِار، ومن جهة آخرى كانت هناك مجموعة تُحرك عرائس خشبية مختلفة الأشكال؛ أرنب، قطّ، عصفور، مُسلطينَ نور السراج عليها، فتظهر على الجهة الثانية من الحائط المُقابل للمساجين ظِلال وخيالّ، فيعتقد هؤلاء المساكين أن هذا هو عالمهم الحقيقي، عالم الخيال، ولا يوجد عالم موازي آخر له، وبطريقة ما يستطيع واحد من الأربعة  الإفلات من الأغلال والسلاسل، والخروج من الكهف إلى العالم الخارجي، فَيرى إن العالم غير ذلك الذي كانوا به، شمس، طبيعة، مياه، غيوم، بشر،  فيعود ليخبر زملائه بِمَا شاهد وعاين، ولكن الثلاثة الباقية في غَياهّب الكهف اتهمته بالجنون والكفر، فأردوه قتيلا على الفور، لإنه شاهد وشَّهد الحقيقة كاملة، بدون ظلال، وبقوا هم في غيهم يعمهون.
 نحنّ اليوم اقرب ما نكون لهؤلاء المساجين القابعين في غياهب الكهف، لا نُعاين غير تلك الِظلال الزائفة التي تعكسها علينا الأحزاب والحركات السياسية الرخوة بشكلها العام، المجلس الشعبي، الحركة الديموقراطية الآشورية زوعا، أبناء النّهرين، والزعُماء لهذه الفعاليات هُمْ العرائس التي تُحرك عن بعد. ونحن بدورنا إيضاً لا نُشاهد غير الظلال، أو بمعنى أكثر دقةّ، لا مقدرة لدينا على الخروج من النفقّ الذي وضعتنا به هذا الأحزاب والحركات، حيث تَموضَعَنا داخل نظرية الكهف بعمقْ.
 من اليوم، وأن مرَ وقتً طويل نسبيا، يجب أنّ نُعيد بناء الأفكار السابقة وقراءة الحقائق من وجهة نظر ثانية، مع الآخذ بالتاريخ العريق للحضارة المسيحية في بلاد ما بين النهرين، والنهوض بالوعي العام لهذه الشريحة المغبونة، وليس الجالية كما اطلق عليهم رئيس الوزارء السابق نوري المالكي الغير مأسوف عليه، المهمشة والمركونة جانباً كإطار إحطياطي لسيارة مستهلكة، مع دَئب الحكومة العراقية والأحزاب بكل عناوينها لتقليل وعزل وإقصاء هذه الشريحة والمكون الأصيل من المشهد السياسي والأجتماعي والحياتيْ والعلميْ، واليد الآثمة التي تُنفذ هذه الأجندة القذرة هي الميليشيات التابعة لهذه  الأحزاب، التي هي الحكومة نفسها، والتي ما فتئت تقتل وتُهجر وتفتك بهذه الجماعة التي سكنت البلاد من فجر الحضارة، ولكن مع كل هذا فالمسؤولية لا تقع فقط على عاتق هؤلاء، فنحن أيضا تتحمل جزءا من هذه المسؤولية، لأننا تماهينا وتماشينا مع تيارات وقوى سياسية لمَ ولنَ تكن في مستوى هذه المهمة الخطيرة والمسؤولية الجسيمة، حيث دأبت منذُ البداية  على التقليل من قدرة هذا المكون، أليس الأمر مستغرب اليوم حقا، وبعد مرور كل هذه السنوات العِجّاف كيف وضعنا أنفسنا بين المجلس الشعبي والحركة الديمقراطية الآشورية زورعا وحركة أبناء النهرين وغيرهم، فالحركة الديموقراطية الآشورية زوعا ومن تأسيسها ضلت حركة مغمورة لم تؤدي أيّ دور يُذكر، لا حين كانت في جبال كردستان، ولا بعد الأحتلال، أكثر ما وصلوا له هو ثلاثة مقاعد معطوبة في البرلمان العراقي العاجز أصلاً، وهذه الكراسي إيضا سحبت منهم بعد أخفاقهم هم ذاتهم، وليس بسبب الكلداني ريان وقائمته المزعومة بابليون، وَإِن جاء فكردة فعل للوضع الشاذ القائم، فكيف نفسر أذا ميليشيا مسلحة شيعية بلباس مسيحي كلداني!، أخفاقٌ جرَّ أخفاقْ آخر، وهكذا كرت السلسلة، كل شيئ تهاوى كأحجار الدينامو ، فشل أكبر من فشل، وفي كل مرة كان هذا الأخفاق وهذا الفشل له ما يبرره في الحديث المُنمق للسياسيين. المجلس الشعبي الكلداني السرياني الآشوري لم يكن أحسن حال من نظيره، فهو ومن تاريخ التأسيس عام 2007 لم يخرج من العباءة الكردية، ولو ذهبَ الى المريخ وعادْ هو صنيعة كردية، وسوف يبقى كذلك تحت غطاءٍ كلداني سرياني آشوري، المهم النتائج تصب في مصلحة من على المدى الطويل، حتى الجمعيات والفعاليات السياسية لم يكن لها مشروع وطني واضح تنهض من خلاله بهذا الارث الحضاري والانساني والثقافي. لم يقدروا جميعهم الأنتقال من روح سكولائية (تلقينية)، إلى فكر عقلاني يساهم في بناء تصورات جديدة لهذا الوطن المنكوب، من خلال سعيهم نحوَّ فهم أعمق لصالح وعي جديد ينبني على مشروع وطني كمنطلق نحو العالم، كل هذا ضاع في غمرة الصراع على المناصب الواهية والكراسي البالية. المؤسف حقاً إن كل ذلك الأرث دخل في الثقب الأسود،  وهنا لا نتحدث عن بائع مشروبات كحولية مسكين في شارع السعدون أو موظف بسيط في وزارة الزراعة، لا نحن نتكلم عن فلاسفة وعلماء كانوا في بلاد ميزوبوتاميا، تنهل منهم ومن ثقافتهم جميع شرائح المجتمع، وكانوا قريبين من مجالس، الملك، الحاكم، السلطان، الأمير، الخليفة، ولهم كلمتهم المسموعة في دواوين الدولة، كيف ذهبَّ علماء بغداد وعمداء بيت الحكمة، أمثال يوحنا بن ماسويه وجبريل بن بختيشوع وحنين بن إسحاق وعبد المسيح بن بُقيلة، والشاعر عَدِيُّ بْنُ زَيْدٍ العِبَادِيُّ التَّمِيمِي، والأكاديمي والمربّي البروفسور متّى عقراوي أول رئيس لجامعة بغداد، والوزير والباحث والاقتصادي يوسف رزق الله غنيمة والصحافي والسياسي روفائيل بطي  وكوركيس عواد وميخائيل عواد، وكثير من العلماء العرب المسيحين. من كان وراء عزل وتناسي هذه القامات التي خدمة الوطن بكل اخلاص، هل ضاع كل هذا للأبد على صخرة الانانية والطمع والجشع؟، وذهبَ ذلك الأرث دون عودة!، وتلاشة ظل تلكُمّ الرجال؟ هل تكسرت الأمواج الثقافية والصروح الفكرية وانتهى عمرها ؟، هل إنقضت تلك الأيام مع رياح الحروب وغبار المعارك إلى الأبد، حقا مع شديدْ الأسف على كل ذلك الميراث الضائع.
كل ما اريد قوله هنا، إن السياسات والفِكّر السابقة لم تعد تجدي نفعاً وسط هذا الكم الهائل من الكذب والرياء والنفاق والفساد المُمارس في العراق الغير مسبوق، يجب خلق نواة جديدة من الأفكار لتحويل أو تحريك  مسار المرحلة التي  نسير عليها، والرهان على ذلك قوتنا العلمية والفكرية والفلسفية، وأن أخذت منا مجهوداً كبيراً ومضاعف ولكن يحب أن نبدأ، والبدأ يكون من الافكار والتي حتماً تؤول إلى أفعال في نهاية الأمر. وهنا يستحضرني قول الكاتب جورج أورويل( الشعب الذي ينتخب الفاسدين والانتهازيين والمحتالين والنهابين والخونة، لا يعتبر ضحية بل شريكا في الجريمة).