المحرر موضوع: مجلة "الثقافة الجديدة" سفر التنوير العراقي  (زيارة 1403 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل الحزب الشيوعي العراقي

  • عضو مميز
  • ****
  • مشاركة: 1291
    • مشاهدة الملف الشخصي
مجلة "الثقافة الجديدة" سفر التنوير العراقي

فاضل ثامر
لم تكن مجلة "الثقافة الجديدة"، منذ صدور عددها الاول عام 1953، مجرد مجلة ثقافية اعتيادية، مثل بقية المجلات التي صدرت وإنما هي منبر قوي ومؤثر وتنويري للثقافة العراقية ظل يضيء الطريق أمام أجيال من المثقفين والمناضلين الاجتماعيين منذ الخمسينات وحتى يومنا هذا.
لم تكن المجلة تحظى بهذه المكانة، لو لم تكن تنطلق من قاعدة وعي اجتماعي وسياسي متجذر، يعبر عن تطلعات الشعب العراقي التي كان اليسار العراقي منذ الخمسينات أيرز من جسدها في شعاراته وممارساته وبرنامجه وبشكل خاس تلك التي مثلها الحزب الشيوعي العراقي منذ تأٍسيسه عام 1934، وربما يمتد الى عشرينات القرن الماضي في كتابات وممارسات وأنشطة الحلقات الماركسية المبكرة التي كان من أبرز ممثليها المفكر حسين الرحال.
ويشرفني اني كنت تلميذ من تلامذة مجلة "الثقافة الجديدة" حيث تعلمت منها الكثير في مجال السياسة والثقافة والحياة، وكنت دائما – مع آلاف القراء- اترقب صدور أعدادها الجديدة ومنذ الخمسينات عندما كنت طالبا في الثانوية كنت أحرص على إقتناء اعداد المجلة الثلاثة وقراءتها والتعلم منها وبعد ثورة الرابع عشر من تموز عام 1958، وجدت نفسي قريبا من المجلة عنندما بدأت النشر فيها من خلال دراستين مترجمتين بالاشتراك مع الصحفي والكاتب والمترجم المرحوم سليم عبد الامير حمدان (الذي كان يكتب تحت الاسم المستعار "مازن" الدراسة الاولى كانت عن "البرجوازية الوطنية وحركة التحرر الوطني"، كتبها (كيا نوري) سكرتير حزب تودا (الحزب الشيوعي) آنذاك ونشرتها مجلة قضايا السلم والاشتراكية، في طبعتها الانكليزية قبل أن تترجم الى العربية world Marxist review، أما الدراسة الثانية فكانت تدور حول حركات التحرر الوطني بعد الاستقلال كتبها الكاتب البريطاني رالف فوكس، وقد أثارت الدراستان المترجمتان في حينها ضجة كبيرة، بسبب احتدام الحوار آنذاك حول مهمات حركات التحرر في مرحلة ما بعد الاستقلال ودور البرجوازية الوطنية في تلك المرحلة مما حدا بالمجلة للاتصال بي ومعرفة المصدر الذي استقيت منه الدراستين، وعكفت المجلة بعدها على ترجمة معظم دراسات المحور الذي نشرته مجلة قضايا السلم والديمقراطية آنذاك حول حركة التحرر كما أعادت جريدة "اتحاد الشعب" إعادة نشر تلك الدراستين في صفحاتها وتحولت الى مادة للتثقيف الحزبي الداخلي داخل منظمات الحزب الشيوعي العراقي.
واتذكر اني خضت نقاشا حادا مع بعض الطلبة في كليتي الاداب والعلوم في احد الاقسام الداخلية حول المفاهيم الاساسية لتلك الدراستين، وصوبت الكثير من التصورات الخاطئة، أمام دهشة الاخرين الذين لاحظو إني كنت استظهر الكثير من مقاطع تلك الدراستين، دون أن أكشف آنذاك بأني كنت المترجم الرئيسي بالتعاون مع زميلي سليم عبد الامير حمدان في ترجمة تلك الدراستين.
كما بدأت الكتابة النقدية في المجلة منذ مطلع سبعينيات القرن الماضي، نشرت مجموعة من الدراسات منها دراسة عن واقعية الكم عند الفنان الراحل محمود صبري، وقد أعجبت أسرة تحرير المجلة آنذاك بالدراسة وعدتها تعبر عن وجهة نظرها، حين وضعت إشارة استهلالية تفيد بأن الدراسة نشرت بالاتفاق مع المجلة وفعل كانت هناك رغبة وخاصة لدى المرحوم الروائي شمران الياسري(أبو كاطع) للكتابة عن البيان الذي أصدره آنذاك الفنان الكبير محمود صبري عن واقعية الكم.
كما نشرت في مطلع السبعينيات قصة مترجمة بالاشتراك مع زوجتي السيدة أمل صالح (ام رنا) تحت عنوان "       الالف"، لكن مشاركتي في القسم الثقافي آنذاك هي التي كانت مصدر فخر لي خاصة وأن جريدة "طريق الشعب" لم تكن قد عادت الى الصدور بعد.
وفي احدى المرات اعترضت على اتجاه المجلة التي كان يرأس تحريرها آنذاك الدكتور صلاح خالص لاتخاذ موقف سلبي من تجربة جيل الستينات، وطالبت بعقد اجتماع لمناقشة ذلك وفعلا عقد ذلك الاجتماع في جو من الصخب والحماسة وكان يقف الى جانبي في الموقف الصديق الناقد ياسين النصير الذي كان قد قدم من البصرة للإقامة في بغداد بينما يقف في الجانب الاخر د. صلاح خالص، ود. سعاد محمد خضر، ود. هاشم الطعان، والاستاذ ألفريد سمعان" وكان ضمن الحاضرين الاستاذ عبد الرزاق الصافي والاستاذ المرحوم شمران الياسري واتذكر اني كنت حادا واتهمت البعض بالجمود العقائدي والتحجر وطلبت اعادة النظر جذريا في موقف المجلة تجاه جيل الستينات مما اضطر المرحوم د. هاشم الطعان، للاحتجاج وطالب من الاستاذ عبد الرزاق الصافي بإيقاف هجماتي وقد انفض الاجتماع دون الوصول الى موقف مشترك، وتقرر عقد اجتماع تكميلي آخر وفعلا أعلن الاستاذ عبد الرزاق الصافي والاستاذ شمران الياسري عن تبني أسرة تحرير المجلة ومن ورائها المكتب السياسي لرأيي الذي طرحته أنا والصديق ياسين النصير وطلب من في ختام الاجتماع أن أكتب مقدمة للقسم الثقافي تعبر عن هذا التوجه الجديد وفعلا أنجزت تلك الورقة التي شغلت أكثر من عشر صفحات واعادة تقييم المرحلة الثقافية والادبية في الستينات، وقد لقي هذا الاتجاه ترحيب الاوساط الادبية والثقافية وأزيلت الحساسيات تجاه تجربة الجيل الستيني، ونظر اليها بوصفها تمثل حالة إحتجاج متمرد ضد ما ساد الستينات من قمع ومصادرة للحريات في ظل انقلاب الثامن من شباط الاسود 1963 وحكم العارفين (عبد السلام وعبد الرحمن).
ومنذ عودة المجلة للصدور بعد سقوط النظام الدكتاتوري عام 2003، شاركت في رفد القسم الثقافي في المجلة بالعشرات من الدراسات النقدية، وكانت مصدر فخر لي، لانها كانت تستقبل بإهتمام ومتابعة الالاف من القراء داخل العراق وخارجه سواء من خلال قراءة النسخة الورقية أو النسخة الرقمية التي اتاحت للقراء المتابعين في كل مكان للاطلاع على كل ما ينشر في المجلة .
شخصيا، أعد مجلة الثقافة الجديدة جزءا اعتز به عضويا من تاريخي الثقافي الشخصي، وهي في الوقت ذاته جزءا عضويا من  سفر الثقافة العراقي ومنبر للتنوير وراية للنضال.