المحرر موضوع: كنت على موعد للترجمة في مركزٍ لِلّاجئين  (زيارة 966 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل شمعون كوسا

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 200
    • مشاهدة الملف الشخصي
كنت على موعد للترجمة في مركزٍ لِلّاجئين
شمعون كوسا

قبل ايام اضطررت لتوجيه الرسالة الهاتفية التالية لمركز ترجمة ، أعتذر فيها عن عدم تمكني من تلبية حاجتهم :
إني اتصل بكم هذا الصباح ، كي ابلغكم عدم تمكني من تلبية طلبكم في  موعد كنت قد قطعته لكم  بالترجمة ، وذلك لسبب  بسيط جدا ، هو الظهور المفاجئ لثلة كائناتٍ غير منظورة  من فصائل الفيروسات والبكتريا والكائنات المجهرية الضارة الاخرى.   بعض العناصر من هذه القوى الخفيّة استهلّت نشاطاتها بيّ وجعلتني أول هدف يجب تصفيته وبسرعة ، فأمسكت بيّ من اكتافي ،  واقتادتني في مهمة عاجلة نحو  منحدر ينتهي بهاوية سحيقة . دفعتني الشرذمة غير المنظورة الى الهاوية وعادت أدراجها لاستئناف اعمالها الخيرية. لحُسن الحظ كانت هناك شجيرة صغيرة اختارت مسكنها هناك، التقطتني وحالت دون وقوعي ثم قالت : تشبّث بقوة لكي لا تُمسيَ ضيفا على هاوية لم ترحم أيّاً من نزلائها. واضافت ايضا : لا اعرف مدى صمودي في حملك ،  ولكني سأحاول تقريبك الى الشفير ، ولكن حذارِ، هذه المخلوقات التي غزتنا على حين غرّة ، باتت تتجول في كل مكان . إنها جاءت للبطش بالكثيرين من أمثالك ، وإن هبوطك كان سيحقق هدفها ، أعني تفكيكا كاملا لجسمك ، لا سيما وان الكثير من لوالبه قد فقدت تماسكها وغدت منثلمة ، وحتى روابطه أضاعت الكثير من مطاطيتها .
ختمتُ رسالتي لهذا المركز قائلا : انا لا أريد الوصول اليكم على رأس موكب من كائنات لا ترونها ،  وبهذا أكون سببا في الإضرار بصحتكم . فاعذروني .
بعد ان افلحتِ الشجيرة برفعي قليلا وإدنائي من السطح ،إستقمتُ  منهوك القوى ،  واحسست في الوقت ذاته باني لا زلت ، قيد اعتقال بعض هذه الكائنات اللطيفة . فاتجهتُ الى  بيتي محاولا نفض ما تعلق بيّ منها ، وكيف لي ان اعرف بانها استجابت لحركة النفض وغادرت محترمة ذاتها.  وفعلا خشيتي كانت في محلها وصحّ حدسي لان نفرا من هؤلاء الاخوة كانوا قد نفذوا الى الداخل وبدأوا عملياتهم السرية بسرعة .
في تنظيم نشاطهم هذا ، كانوا قد قرروا ان ابدأ بسعال يشتدّ  باطـّراد ،  ويُؤدي بيّ الى  ضيق تنفسٍ ، تعقبه حرارة  .  آخر ما كنتُ أفكر فيه ، هو الذهاب من جديد الى الطبيب ، ولكنه لم يعد لي خيار آخر ، لان السعال طال أمده فاشتد وأطال سهادي ،  وصار الصدر ساحة معركة ، شحت فيها اغلبية الاحتياجات لإداء دور طبيعي .
طرقت باب الطبيب الذي قد كان التقاني عشرات المرات قبل ذلك  ، وكنت اصبحت له حقل اختبارات ، لأنه  سبق وان استخدمني في تطبيق جلّ ما كانوا قد لقّنوه في الطب . وفعلا ، بعد وصف مقتضب ، وقبل البدء بفحصي السريري ، بدا ساهما  يفكر في الفتوى التي عساه اصدارها بحقي هذه المرة . فوصف لي حبوبا فعّالة معروفة، يوصى بها لكل داء لا يجد له الطبيب دواء خاصا . وأنا أتناول شبيه هذا العلاج مستعينا ببخاخة استنشق هذه المادة على شكل غاز .
والطبيب لا يحب النقاش عادة لأنه إذا حدث وأن تجرّأ المريض  بمناقشته أو محاججته ، سيردّ قائلا وبأنَفَة : هل انا الطبيب ام انت ؟ وانا اجيب هنا باننا من كثرة مراجعاتنا ، غدونا نعرف امراضنا وعلاجاتها  افضل  منهم أحيانا ، ولكن بعض الادوية لا يمكن الحصول عليها دون توقيعهم .
عُدت الى البيت حاملا كيسا جديدا من ادوية وصفها  لي علاجا لمدة اسبوع .افرغتُ الجعبة بجانب الكمية التي أستخدمُها  يوميا  وهي ، أربعة عشر علاجا ،  بين صلب وسائل وغازي . بدأت افكر بوضع جدول لتناول هذه الحبوب والتنسيق بينها ، لأني محكوم بها في الصباح والظهيرة  والمساء.  الجدول الذي وضعته لم يأتِ دون عناء ، ولكنه لم يسهّل اموري . فبعد الايماء لبعض الادوية التقدم قليلا ، رأيتها تنتفض وبعضها تراجع خوفا ، وكأنها تلحظ تباشير مأزق كبير وشيك.
 في البداية ، لم أعِ للأمر جيدا ، غير اني  عندما تناولت الحبة الاولى وابتلعتها ، ثبتت الحبة الثانية في مكانها ولم تتحرك رافضة  الامتثال ،  وكأنها تريد القول : ألا تعلم بان صنفنا ، اعني  الحبوب الخضراء ، لا نساكن هذه الحبوب الجديدة ، ان خلافاتنا قديمة جدا . لم أعر اهمية لاعتراضها ، فتناولتها عنوة ، ولكنها بقيت معلقة بالحلق ، الى أن استعنت بقطعة خبز اقتادتها من اذنيها الى الاسفل .
قلتُ في نفسي ، انا لا زلت في الحبة الثانية ، إلامَ  سيؤول امري مع الباقي وهو كثير ؟ لاحظت فعلا باني كلّما صوّبت نظري  الى حبة اخرى ، أراها وقد اختفت.  لا أعرف ما الذي دهى علاجاتي هذه. اين اختفت ؟ بعد قليل لم اجد إلا علاجا واحدا تقدم نحوي قائلا : كان الله بعونك ، هذه الحبوب تقوم  بعلاجك وانت مُرغم على تناولها ، ولكن هل تعرف بانك بتوزيعك اليوم ، اوجدت مناخا لا يُرضي كافة ادويتك، وتأكّدْ باني رأيتُ البعض منها يلبّي الامر مُنتحباً ، ويبقي ساعات يتعذب ويتلوى في معدتك ، وهذا أمر لا يعرف به غيري.
خوف بعض ادويتك النوعية القديمة ناجم من الغزو الذي تعرضت له، ومن العدو الجديد الذي احتل مناطق مهمة داخلك ، وهي غير معتادة على خوض حرب ستكلفها الكثير ، وانها لم تتدرب عليها أصلا  . لذلك انا ادعوك لتنسيق وظائف هذه العلاجات ، حبوبا وسوائل ، بعد دراستها بهدوء. إنها راضية على التعامل معك لان ما تتوخاه هو شفاؤك وضمان راحتك .   فكّر إذن ، واقرأ تعليماتها المكتوبة التي  تفصّل بوضوح كيفية استخدامها ،ة وانتبه لتأثيراتها الجانبية وانفعالاتها مع العلاجات اخرى . إن هذه الادوية النوعية مخصصة  كل واحدة لتصليح عطب معين ، غير ان الطامة الكبرى تكمن في أن الطبيب نفسه لا يأبه ، في الكثير من الاحيان ، لامر هذه التفاعلات .
فبدأت بوضع جدول آخر يتناسب مع متطلبات كل دواء، مُراعيا النوعية والمدة وكيفية الاستخدام. ولكني عند نهاية  كل خطة جديدة ، كنت اعثر على حبوب صغيرة نسيتها ، فصرت  كالذي يركّب اثاثا ، وعند الانتهاء يجد بين يديه قطع  صغيرة لا يعرف اين يضعها !!
بِفضل هذا الاجراء ، رأيت بعد اسبوع ، وكأني خارج من سفينة شبيهة بسفينة نوح ، لانه خفّ صدري واتسع ، وانتهى السعال  وانتهت المعاناة ، ورأيت نعشا مفتوحا ، قد تكدس فوقه جيش كامل  من الفايروسات والبكتيريا التي خرجت وهي جثث هامدة بعد ان خسرت معركتها.
الان ، لا اعرف مدى انتفاع القارئ بهذا الوصفُ المُبالغ به في مشكلة ألمّت بيّ ؟ لا اعرف ، ولكني كعادتي رغبت في الكتابة وقلت :علّـني بكتابتي لمقال  غريب الاطوار، سأجلب انتباه بعض من ستُلقيهم الايام في طريق  اولاد عم ، أو زملاء هذه العصابات المجهرية الظريفة !!!