وداعا د.دوريت صائغ
فإِذا حَيِينا فلِلرَّبِّ نَحْيا، وإِذا مُتْنا فلِلرَّبِّ نَموت: سَواءٌ حَيِينا أَم مُتْنا فإِنَّنا لِلرَّبّ” (رو14/8).
إنه الموت هذا الحدث التراجيدي ،ألذي يجعلنا نقف أمامه صامتين مندهشين ،حيث تتبعثر كلماتنا ،وتقف حائرةمحاولةً العبور ،ولكنها تبقى عاجزة ، سوف نجمعها ، ما تبعثر منها وما عصى ، ايها المراة الفاضلة لتقف امامك وتنحني وتعبر عن شديد حزننا وألمنا بفراقك وعميق عزاءنا ، أنك ستكونين مع الابرار والصالحين وكما يقول سيدنا المسيح :ـ
(إنجيل متى 18: 3) «اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنْ لَمْ تَرْجِعُوا وَتَصِيرُوا مِثْلَ الاطفال فَلَنْ تَدْخُلُوا مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ
ولأنك كنت تحملين قلب طفل في براءته وتسامحه ومحبته وبساطته. كنت كالفراشة رقيقة في احساسها وخفيفة الظل , كنت الام التي تعيش لغيرها و لم تفكر يوما في نفسها كنت دائما تفكرين بمن حولك متنقلة كالفراشة لتنثريها أملا وفرحاً وعرائس السكر لكل من حولك كنت قليلة الشكوى والتذمر.
كانت صحتها ونفسها اخر ماتفكر به كانت أمُ عظيمة وزوجة صالحة كانت تبدا صباحها في السادسة، لتبدا بخدمة اهل بيتها وتلبية طلباتهم وهي قد تجاوزت الثمانين من عمرها لتذهب الى الفراش في ساعة متاخرة على ان يمنحها الرب يوما اخر للخدمة والعطاء .وكانت وهي في ازمتها مع السرطان الذي لم يمهلها طويلا شهرا ونصف ,تسال عن ادوية زوجها ومتطلباته لم تعرف ماهو الزعل كانت كتلة من المشاعر والتسامح والتواضع تمشي على قدمين. كانت تبادر الى الاعتذار وان اخطاوا بحقها كنت بسيطة ومحبة ومتواضعة الى درجة تجعل المقابل يحس باهميته وكانت تملك نعمة النسيان لكل من اخطاوا بحقها . من النادر ان تجد انسان مصاب بهذا المرض الخبيث (سرطان البنكرياس) ويتصرف بشكل طبيعي جدا ويمارس حياته اليومية , كانت تمتلك فرحا داخليا غريبا لايتاثر او يتزعزع بالموت. الكثير ممن زاروها اعتقدوا انهم جاءوا لمواساتها وهي امام هذا المرض فوجودا إنها هي من تعطيهم الامل ممزوجا بالفرح والتفاؤل ..
الدكتورة دوريت هي اول طبيبة اسنان عراقية تتعين في البصرة عام 1959 بعد تخرجها من كلية طب الاسنان جامعة بغداد عام 1959 واقترانه بالدكتور افرام صائغ المتخرج من كلية الطب في نفس العام. تعينت في العيادات الشعبية في مدينة البصرة وكانت ترفض فتح عيادة خاصة لها وكانت تفتخر دائما بانها كانت تعالج 60 مريضا يوميا. ومن اجمل المواقف الانسانية للمرحومة اثناء ادائها لعملها طيلة سنوات الخدمة ,انه زارها احد نزلاء السجن الذي كان مقابل العيادة الشعبية وكان برفقة رجل الامن لانه محكوم بالاعدام ولم يبقى لتنقيذ الحكم سوى شهر وعدة ايام وكان يعاني من الم في اسنانه . قامت الدكتورة دوريت باجراء فحص كامل لاسنانه وعالجت مايمكن معالجته في الجلسة الاولى على امل ان يعود في الاسبوع التالي لتستمر الجلسات لغاية اتمام علاج جميع الاسنان, فتدخل ضابط الامن ليخبر الدكتورة بان لاتتعب نفسها لانه سوف يعدم بعد اقل من شهرين فاصرت بحزم ان تتم عملها وتعالج اسنانه بعد ان اتصلت بمدير السجن لانه جزء من واجبها, واتمت كل العلاجات قبل تنفيذ حكم الاعدام بايام .وردا للجميل ووفاءا لاخلاصها طلب السجين ان يزور الدكتورة قبل تنفيذ حكم الاعدام ليقدم لها تحفة فنية من صنع يديه وبها اسم الدكتورة معبرا عن شكره وامتنانه لروحها الطيبة وموقفها الانساني الرائع والشجاع.
بحزن عميق وألم نودع المرحومة الدكتورة دوريت صائغ ،لايسعنا ونحن نقف امام جسدك إلا ان نقول لروحك الطاهرة تلك الروح التي كانت منتظرة ذلك الوقت السعيد الذي فيه تنطلق من رباطات الجسد , قد فارقتنا جسدا ، لكن روحها المؤمنة والصابرة والمثابرة والتي كانت لاتفارقها وهي امام هذا الامتحان الصعب سوف نتذكر كلماتها وقوة ايمانها وروحها المليئة بمحبة الانسان . رجاءنا انك نائمة ونومك قد يطول قليلا على امل ان تلتقي بمحبيك واهلك بعد زمن يطول او يقصر .
د.عامر ملوكا