الكلدان والآشوريون والسريان المعاصرون
وصراع التسمية - 1
==============================
أبرم شبيراعنوان هذا الموضوع هو لكتاب (الكلدان والآشوريون والسريان المعاصرون وصراع التسمية – تحليل سوسيولوجي) للإستاذ الأكاديمي الدكتور عبدالله مرقس رابي.
===============================================================
أثناء مراسلاتنا الودية والفكرية بيننا سألني رابي فيما إذا حصلت وقرأت كتابه المنوه أعلاه، فقلت نعم حصلت عليه من مكتبة آشور بانيبال التابعة لمؤسسة الإتحاد الآشوري العالمي في شيكاغو وأثار إهتمامي الكبير به وأنني مزمع على أن أكتب بعض الملاحظات والتعليقات عليه. وفي أحدى رسائله قال رابي " ارجو ان تكون حر بأرائك عنه – أي الكتاب - اذ يهمنى ما الذي وقعت به من اخطاء تحليلية اكثر من اي شيء". وفي مكان آخر قال رابي "نعم صديقي العزيز قبول النقد البناء مثلما تفضلتم به هو أساس تطوير الباحث اي كان نفسه فالعلم هو تراكمات للمعلومات المعرفية لدى الباحث يتلقاها من الجميع، والا اذا تقوقع الباحث او المفكر على نفسه ويرى فقط انه سيد الفكر فذلك باحث فاشل لا محال" وإنطلاقاً من هذه المبادئ وتلبية لطلب رابي كتبت هذه الصفحات وأمل أن تكون وافية للإيفاء بعهدي للدكتور. وقبل بيان أية ملاحظات أو تعليقات رغبت أن أوكد على حقيقتين:
الأولى: أن الغالبية من شعبنا، وأقصد الكلدان، لها بنية ثقافية أكثر بكثير من غيرهم من أبناء شعبنا. ولكن مما يؤسف له بأنه من النادر جداً أن لم يكن معدوما أستخدام هذه البنية الثقافية في الدراسات التي تخص المسائل القومية لشعبنا بل في معظمه تم تكريسه للدراسات الدينية والكنسية أو للمسائل الوطنية العراقية العامة. والسبب يعود وبالدرجة الأولى إلى ضعف أو أنعدام الوعي القومي بين الكلدان أو ظهوره متأخراً. ولكن مع كل هذا يشكل رابي عبدالله إستثناءاً خاصا في هذه الحالة حيث أتيحت له ظروف المهجر الإنكباب على الدراسات السوسيولوجية والسياسية التي تخص شعبنا بكل أقسامه وتفرعاته وأستخدم معارفه الأكاديمية والمنهجية في علم الإجتماع والإجتماع السياسي في تناول الكثير من المسائل القومية. وكتابه هذا هو نموذج جيد في هذا السياق.
الثانية: عادات سيئة تعلمناها من العرب خاصة العراقيين منهم، ومن هذه العادات قلة القراءة والإهتمام بالكتب والبحوث والدراسات، والأسوء من كل هذا نقلنا هذه العادات السيئة إلى بلدان المهجر المعروفة بشغف شعوبها في القراءة. فنحن بجميع أقسام شعبنا أبطال في الأنترنيت وتصفية الحسابات الشخصية وبعضها تسلك أسلوب الإهانة الشخصية، وبالتالي ينعدم تقريباً قراءة قارئ أو مثقف لكتاب معين يخص مسألة شعبنا ويعلق عليه أو ينتقده إنتقاداً علمياً موضوعيا. وعلى العموم هذه السطور تأتي في سياق سد ثغرة بسيطة في هذا المجال وبادرة أرجو أن تكون مدخلاً لغيرنا للولوج في هذا المجال الثقافي الذي نفتقر إليه.
الكتاب ضخم، مقارنة بالكتب التي تخص شعبنا، وفيه مواضيع واسعة ومتعددة يصعب المسك برأس الخيط والبدء بالكتابة عنه في صفحات قليلة. ومن أجل الخروج من هذا المأزق سأحاول تقليل صفحات هذا الموضوع عن طريق تقسيمه إلى جزئين: في اول الأمر أتناول الكتاب من حيث الشكل ثم في القسم الثاني أتطرق إليه من حيث المضمون.
من حيث الشكل:
=========
بدءأ بعنوان الكتاب المثير للإنتباه لكونه يتناول موضوع ساخن على الساحة القومية لشعبنا (الكلداني السرياني الآشوري)، وجدت في كلمة (صراع) كحطب مضافاً على سخونة الموضوع ليعطي إنطباعاً بأن هناك حرب وقتال بين أقسام شعبنا على التسمية في حين ما هو إلا إختلاف فكري وتاريخي أن لم نقل مصلحي وذاتي. وحتى هذا "الإختلاف" على التسمية لا يملك مقومات الإرتقاء إلى مستوى الصراع خاصة أثناء الإنتخابات البرلمانية في المركز او الإقليم حيث يتوحد الإختلاف تحت التسمية المركبة "الكلدان السريان الآشوريون" الذي فاز ويفوز بمعظم كراسي البرلمانين المركزي والإقليمي ليؤكد وحدة شعبنا، على الأقل من الناحية الرسمية، رغم إختلاف التسميات. فكان الأجدر برأيي ان تكون كلمة (مشكلة التسمية أو مسألة التسمية أو الإختلاف في التسمية القومية) بدلا من الصراع. وحتى لو تسايرنا مع رابي في قبول كلمة (الصراع) فأنه كان يستوجب أن تكون العبارة (صراع التسميات) وليس (صراع التسمية) بصيغة المفرد، لأن الصراع يكون بين طرفين أو أكثر لا سيما هناك ثلاث تسميات لشعبنا المعاصر والصراع هو بينهم حول التسمية. صحيح هو أن رابي يشرح مفهوم الصراع في الفصل الرابع – أسباب صراع التسمية (ص 132) إلا أن كل التفسيرات والمضامين للصراع التي يعطيها رابي تصل في خاتمة المطاف إلى مفهوم الحرب أو القتال بين مجموعتين أو أكثر.
الكتاب كما هو مذكور في عنوانه هو (تحليل سوسيولوجي) فكان من المفضل أن يكون (دراسة سوسيولوجية) لأن التحليل يعطي إنطباعاً كونه بحث معين وفي موضوع محدد ومركز وبصفحات قد تكون قليلة. ولكن (الدراسة) لها دلالات واسعة ومتعددة وبتفاصيل مسبهة ومعتمدة على مصادر كثيرة، وهي الصفات التي نجدها في كتاب رابي. وإستكمالا لهذه الشكليات المطلوبة في نشر أي كتاب، كان من الضروري أن يُذكر أسم ناشر الكتاب أو المطبعة وعنوانه وسبيل الإتصال به ليتسنى للمهتمين بالموضوع إقتناء نسخة منه. ولكن يظهر بأن رابي شخصياً تحمل عناء جميع الجوانب المالية والفكرية والفنية لطباعة الكتاب ونشره. ولكن مع هذا فللمهتمين بالموضوع يمكنهم الحصول على الكتاب سواء من مكتبة آشور بانيبال المذكورة في أعلاه أو من المركز الثقافي الآشوري في نوهدرا (حاليا دهوك) أو في بعض الأبرشيات لكنائسنا في المهجر أو الإتصال شخصيا بالدكتور عبدالله رابي.
الكتاب يقع في 360 صفحة من القطع المتوسط وبين دفتيه مقدمة مع ستة فصول بعدة أقسام ومباحث وأجزاء أضافة إلى ملحق رقم (1) – كان من الأجدر عدم ذكر رقم (1) في الكتاب لأنه الملحق الوحيد وليس هناك ملحق رقم (2). الملحق يتضمن جداول طويلة عن (المناطق البابلية والكلدانية التي شملها الترحيل الجماعي وإلى أين أستقرت). أستهلكت هذه الجداول (10) صفحات من الكتاب، وهي جميعها مستمدة من كتاب ( سفر الخروج الكلداني) للمؤرخ الأستاذ حبيب حنونا فكان من الأفضل الإكتفاء بذكر الكتاب والإشارة إليه وذلك إختصاراً لصفحات الكتاب. قبل سنوات كتبتُ بعض الملاحظات والأراء عن كتاب المؤرخ الأستاذ حبيب حنونا ويمكن الإطلاع عليها في موقع عنكاوه، الرابط:
http://www.ankawa.com/forum/index.php?topic=770167.0كما أعتمد رابي على مراجع عديدة ومتنوعة متبعاً أسلوبه الأكاديمي في البحث والدراسة الذي اعتاد عليه في فترة كونه أستاذا لعلم الإجتماع في الجامعات والمعاهد العراقية قبل مغادرته أرض الوطن إلى المهجر. يبدأ الفصل الأول بـ "الإطار المفاهيمي" شارحاً معنى كل من القومية والأثنية والعرق والأمة والشعب والهوية. أما في الفصل الثاني (التطور الحضاري في بلاد النهرين) فيسرد رابي عشرين حضارة أو شعب أو مجموعة بشرية بما فيهم الحضارات الآشورية والكلدانية والأرامية التي تعاقبت على حكم بلاد ما بين النهرين. وفي الفصل الثالث "حصيلة التنوع الحضاري في بلاد النهرين" يتناول رابي مواضيع متعددة منها مفهوم الحضارة، إلإنتشار الحضاري والتغير الإجتماعي، العوامل المؤدية إلى التغير الحضاري مبتدءاً أولا: بـ "الصراعات (الحروب)" ص 86 – هنا عند رابي مفهوم الصراع هو الحرب، يؤيد ما ذهبنا أعلاه في أعلاه بأعتبار الصراع يعطي معنى الحرب أو القتال -. وثانيا الإبداعات الفكرية، ثم ثالثا: قوة الإرتباط بين أفراد المجتمع ورابعاً: الهجرة، وخامساً: التجارة. ثم يبحث عن اللغة بأعتبارها أهم نتائج التلاقح الحضاري وبعد ذلك يتسائل عن كيفية حدوث عملية الإقتباس الحضاري.
أما الفصل الرابع (أسباب صراع التسمية) فيشمل مواضيع عديدة تشكل جوهر ومضمون الكتاب فيحصر أسباب هذا الصراع في، أولا: ما يكتبه الكُتاب، بما فيها 1- الكتابات المتأثرة بالأيديولوجيات السياسية، 2- تفتقد الكتابات إلى الموضوعية والمنهجية و 3- تشويه الكتابات من قبل غير الإختصاصيين - هنا يشذ رابي عن منهجه الأكاديمي في البحث حيث لا يجوز أعطاء النتيجة أو الصفة مقدما في العنوان (مثل تفتقد وتشويه) فهذه الصفات يجب أن تكون خلاصة وإستنتاج للموضوع وليس في المقدمة أو في العنوان). ثم يستمر رابي في البحث عن أسباب صراع التسمية فوجد في 4 –: كتابات رجال الدين وتصريحاتهم ثم في 5- الإعتماد على كتابات المستشرقين. ومن أسباب صراع التسمية يذكر في ثانيا: الرجوع إلى التاريخ والإشتقاقات اللغوية وكيفية تدوين التاريخ. وهكذا يستمر رابي في ذكر هذه الأسباب منها ثالثاً: إستخدام المنطق القديم في التحليل، ورابعاً: الإنشقاق الكنسي، وخامساً: الأيديولوجيات السياسية، وسادساً: اللغة وعلاقتها بالتسمية، وسابعاً: تداخل المفاهيم المرتبطة بالقومية، وثامناً: الإعلام، وتاسعاً: الترسبات التاريخية السابقة للحكومات والأمية الحضارية، وعاشراً: التفاوت في الوعي القومي بين الأثنيات الثلاث، وحادي عشر: التعصب والحقيقة.
وفي الفصل الخامس يستعرض رابي تداعيات صراع التسمية، ويحصرها في أولاً: مسألة تعاطي الحكومات مع الأقليات، وثانيا: تشتت العمل السياسي، وثالثا: فقدان الثقة بالأحزاب، ورابعاً: الإحباط في نيل حقوق الأثنيات الثلاث، وخامساً: التأثير في العلاقة بين رجال الدين والعلمانيين، وسادساً: التأثير في الوحدة الكنسية بين الكنائس المشرقية، وسابعاً: تسمية اللغة، وثامناً: الجدال الفكري العقيم – مرة أخرى يشذ رابي عن أسلوبه المنهجي الأكاديمي في وصف الجدال الفكري بالعقيم والذي يستوجب أن يكون من ضمن إستنتاجه في البحث عن الجدال الفكري - ثم تاسعاً: التهميش، وينهي هذا الفصل بـ "الإضطهادات المتكررة والهجرة".
أما في الفصل السادس (نحو معالجة سوسيولوجية توفيقية) يسعى رابي إلى إيجاد هذه المعالجة في عدة محاور منها العرقي والجغرافي واللغوي والديني – كان المفضل أن يكون كنسي - والإجتماعي ثم يتطرق إلى الشعور بالإنتماء الأثني ودوافع هذه الإنتماء وكيفية تكوين دافع الإنتماء إلى الجماعة الأثنية وعن كيفية حدوث التنشئة الإجتماعية عند الفرد لتُنمي دافع الإنتماء. ثم يختم الكتاب بالملحق رقم (1) والمصادر والهوامش.
يظهر بأنني أسرفت في بيان الجانب الشكلي للكتاب، وليس المغزى من هذا الإسراف إلا أعطاء صورة واضحة بقدر المستطاع عن الكتاب خاصة وأنه غير متوفر عند الكثير من القراء. ولنا موعد مع مضمون الكتاب في القسم الثاني.