المحرر موضوع: حوار من صلب الواقع  (زيارة 2941 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل كمال لازار بطرس

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 160
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
حوار من صلب الواقع
« في: 14:39 30/11/2018 »
 
                                 
 إنْ شئتم فانصتوا لهذه المحاورة التي جرت بين مربٍّ فاضل وابنه الوحيد، الذي بذل جهداً كبيراً في تربيته وتعليمه، على أمل أن يضمن له في المستقبل حياة فيها شيء من الكرامة، ولم يهدأ له بال، إلاّ بعد نيله شهادة مرموقة من إحدى الجامعات العريقة، ممّا جعله في حكم المتيقّن من أداء رسالته على أكمل وجه، ولكن وقائع هذه المحاورة تشير إلى عكس ذلك تماماً.     
 أنصتوا جيداً، فقد يكون أحدكم طرفاً فيها، أو طرفيها..
 يا أبي، لو صَحَّت مقاضاة الوالد لَقاضيتك!.
 * أنا ؟!
 ولَحكمت عليك بالفشل المؤبد ..
 * عليَّ ؟
 لقد جئتَ بي إلى هذه الدنيا في زمنٍ ليس زمني، وفي عصر ليس عصري، فأنا، ومن هو على شاكلتي من أبناء جيلي، غرباء، لا وجود لنا في هذا العالم التائه، المضلَّل..
 أ تذكر يوم غششت _ لأول مرة _ في الامتحان، كيف ضربتني ضرباً موجعاً، ترك آثارَه في أنحاءَ كثيرةٍ من جسمي؟
 *  أذكر..
 تلك كانت آخر مرة أغش فيها، فلم أغش بعدها أبداً..
 وهل تذكر يوم كذبت عليك وخدعتك، كيف منعت عني الطعام والشراب لمدة يوم كامل؟
 *  أذكر ..
 لم أكذب بعدها أبداً، ولم أخدع بعدها أحداً..
 و تذكر يوم مددت يدي إلى جيبك، فوضعتني في غرفة مظلمة حتى صباح اليوم التالي؟
 * أذكر ..
 توقفت عن السرقة بعدها، وقطعت عهداً على نفسي، ألّا أمدَّ يدي إلى مالٍ ليس لي..
 وهل تذكر يوم كنت تشجعني على القراءة، وعلى البحث عن المعرفة في الكتب، لكي أفهم الحياة أكثر وأعرف حقيقة الأشياء، وأدرك معنى الوجود؟ 
 *  أذكر
 لم أعِرْ التوافه بالاً منذ ذلك الحين، وسرت في طريق الجد، الذي لا يقبل بغير الاستقامة..
 أ تذكر.. وتذكر.. وتذكر .....؟
 * وهل هذه رذائل، يا بني؟       
 رذائل ؟ .. سمّها معوقات، عراقيل ، سمّها ما شئت..
 لقد نجح كل الذين غشوا، والذين انحرفوا، والذين اصطادوا في الماء العكر ..
 أما أنا وأمثالي، فنجلس كل يوم، نرمي صنّارات أمانينا في الهواء الطلق، فلا نصطاد غير الخيبة والفشل..
 أين المفر للصادقين في عالم كاذب، للأمناء في دنيا خؤونة، للأنقياء في زمن المخزيات ؟
 أين أضع استقامتي بين هذه الخطوط المتعرجة والملتوية ؟
 أين أهرب من الجد، الذي طبع حياتي فصار جزءاً مني ؟
 أين أخبِّئ نزاهتي في غابات المراوغة والاحتيال والوصولية، والغدر؟
 ما هو محلّي من الإعراب الاجتماعي والإنساني في عصـرٍ تدهور فيه الضمير، واندثرت فيه القيم الإنسانية؟
  * اسمع يا بنيَّ ، لن أعطيك جرعةً أخرى من فلسفتي العقيمة، كما تتهمني..
 لن أقول لك طوبى للغرباء، للأنقياء، للفقراء .. طوبى لطيّبي القلب والسريرة ..
 لن أقول شيئاً من هذا، ولكن سأوجز لك، وأترك لك أن تستشف من الإيجاز ما تستشف ..
 مُسهباً، كنت أعدك لبحبوحةٍ في الرزق .. لرغدٍ في العيش .. لغنىً في النفس .. لغنىً في العاطفة، وقلت لك: لا تسرق، لا تكذب، لا تخن، لا تغش، لا تظلم .. وسأظل أقول لك اليوم ما قلته لك بالأمس .. لن أتراجع ولن أندم، ولكن ما باليد حيلة يا ولدي من مواجهة الواقع .. الواقع، يا حبيبي وليس الحقيقة، فالواقع طارئ وزائل، والحقيقة أزلية، أبدية..
 كنت موقناً من أمر واحد، هو أنّ الأرض تدور، ولم أدرِ بعد هذه الحفنة من السنين أنّ كلَّ شيءٍ وُضِعَ في حلبة الدوران، وصار يدور، فليست الأرض وحدها هي التي تدور، بل الناس، والأشياء، والأفكار، وحتى القيم والمثل، هي الأخرى أخذت تدور.. كل شيء يدور، يدور، ولكن للأسف الشديد، إلى الوراء!

 

غير متصل جان يلدا خوشابا

  • عضو مميز
  • ****
  • مشاركة: 1830
  • منتديات عنكاوا
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
رد: حوار من صلب الواقع
« رد #1 في: 15:49 30/11/2018 »

الأخ كمال لازار بطرس المحترم
تحية
كنّا بشوقاً لقلمك مثلما نحن بشوقاً للتعارف ومعرفتك أكثر
  ونحن وغيرنا من محبي نشاطاتك التي نعترض على قلتها
كنّا  ننتظر إسهاماتك التي تأخذنا ولو لمدة خارج المواضيع المعروفة في هذا الموقع العزيز .

فقلما يكتب أحدنا للتهذيب والتعليم وبمحبة  وبصراحة وواقعية  وأنت  منهم
 الواقع  اخي الكريم
اننا في مصيدة الزمن والواقع مرير بل انه العلقم يحاصرنا ويعذب الكثير من  الكتّاب الجادين على ما يمر ويجري في هذا الدنيا وكيف يختلف الواقع مع ما تعلمناه  .     

تحت  الاقتباس الذي أراه  حقيقة
وفيه تقول   
القيّم والمثل هي الأخرى تدور ...
ولكن للأسف الشديد ، تدور الى الوراء
إنتهى  الاقتباس

وهنا أتوقف وانا مذهول وكأنني جالس على تلة  مطلة على المدينة وأنظر بحزن وقلباً مفجوع على الناس يتحركون ولكن الى الوراء .
أتوقف واقول تحية
والبقية تأتي

جاني   

غير متصل شمعون كوسـا

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 219
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
رد: حوار من صلب الواقع
« رد #2 في: 12:50 02/12/2018 »
اخي كمال

قرات مقالك مرتين واهنئك على الاخراج الشيّق ،انه يعبر عن واقع مرير كان موجودا منذ الازل ولكنه تفاقم في هذه الازمنة الاخيرة . الحل يكمن دوما في توصل الانسان الى الوعي ، فلو كان جميع الوالِدين ضربوا اولادهم عندما غشوا ، ومنعوا عنهم الطعام والشراب اذا كذبوا ، ووضعوهم في غرفة مظلمة ولو لساعة واحدة اذا مدّوا يدهم للسرقة ، واذا كانوا قد شجعوهم ودعوهم لتوسيع افكارهم عبر القراءة والاطلاع والتحليل والبحث والتفكير ، لكنا قد حققنا مجتمعا يجد فيه سعادته كل من تربى مثلك على هذه المبادئ والمفاهيم والقيم.
فعلا كما قال مربيك الفاضل ، ان واقع هؤلاء زائل وينتهي بالندم ، وبالمقابل فان الانسان الفاضل الذي اتّبع توجيهات مربيك لا يتعرض ابدا الى تبكيت الضمير المؤلم ، وفي النهاية كما يقال : لا يصحّ الاّ الصحّ .
ان ما كتبته جميل بجمال تربيتك وهو مفيد للكثير من النفوس.

غير متصل farhadhakeem

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 99
  • الجنس: ذكر
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
رد: حوار من صلب الواقع
« رد #3 في: 23:33 02/12/2018 »
تحية أحترام وتقدير لكم أستاذي العزيز كمال.. أحييكم على هذا السرد الجميل والوصف الدقيق والمقارنة الرائعة بين جيلين وعصرين مختلفين. مع كل الأسف لما وصل أليه واقع الحال لكن تبقى نصائح ومبادئ الأب هي الباقية مع ندرتها في زمننا الحالي، وتبقى الأخلاق والضمير هي المقياس الأساسي لأنسانية الشخص.
Farhad Hakeem

غير متصل كمال لازار بطرس

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 160
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
رد: حوار من صلب الواقع
« رد #4 في: 16:01 03/12/2018 »
الأخ جان يلدا خوشابا المحترم..
تحية عطرة..
قبل كل شيء أعتذر كثيراً عن هذا التأخير، بسبب انشغالي في التحضير للاحتفال بمرور عشرين عاماً على تأسيس جمعيتنا ( جمعية الثقافة الكلدانية )..
كل الشكر والامتنان لكم على مروركم الكريم، وعلى هذا الكرم الحاتمي في اللطف، وعلى هذه السلة الجميلة من المشاعر النبيلة..
أما عن سبب شحة كتاباتي - في الحقيقة، أنا لا زلت تحت تأثير الفراغ الذي تركه المرحوم والدي في حياتي، وأحاول جاهداً التكيف مع الواقع الجديد الذي فرضه رحيله وغيابه.. من جهة أخرى، إنَّ طبيعة كتاباتي تفرض عليَّ التأني، وانتقاء النافع من المواضيع الهادفة التي تهم حياة الناس، أحاول من خلالها أن أنقل نبض الشارع إلى القارئ، لذلك تراني أختار مواضيعي وعناويني على مهل، بعناية فائقة..
كل التقدير لكم، مع أسمى مشاعري..
      أخوكم / كمال 

غير متصل كمال لازار بطرس

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 160
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
رد: حوار من صلب الواقع
« رد #5 في: 14:33 04/12/2018 »
الأخ شمعون المحترم..
تحية طيبة..
مروركم البهي يعطر هذه الصفحة على الدوام..
شكري الجزيل لكم على تفاعلكم الواضح مع المقال، وعلى إشادتكم به..
ما تناوله المقال إنَّما يعبر عن حالة الإحباط التي يعيشها المواطن، بعد أن تسلل اليأس والقنوط إلى داخله، في هذا الزمن المرتبك، زمن المخزيات، الذي اختلت فيه المقاييس، فانقلبت رأساً على عقب..
 نحن في زمنٍ، تراجعت فيه منظومة القيم بشكل رهيب، فتحول كل جميل إلى قبيح، والعكس صحيح، وصار اللون الأسود سيد الألوان، فلا مكان للون الأخضر بعد الآن..
تقديري لشخصكم الكريم..
   أخوكم / كمال

غير متصل كمال لازار بطرس

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 160
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
رد: حوار من صلب الواقع
« رد #6 في: 13:59 05/12/2018 »
أخي الدكتور فرهاد المحترم..
تحية بعطر الورد..
لا شك في أنَّ مروركم الكريم قد أضاء هذه الصفحة، وزادها زهواً و جمالاً..
لكم وافر الشكر والامتنان على كلماتكم الرقيقة وأحاسيسكم الكريمة، وعلى هذا الإطراء، والتفاعل مع موضوع المقال..
أخي العزيز / واقع حالنا يقول: ( كُتِبَ عليكم العذاب )، هذا الواقع المرير أخذ يفرض نفسه علينا منذ حين، فطبع حياتنا، وصار يلازمنا،  وبتنا نعيشه يومياً وتفصيلياً، فما نراه ونلمسه من ظواهر سلبية مدانة، هو نتيجة حتمية، بل طبيعية لما آلت إليه الأمور في هذا البلد..
حفظكم الله والعائلة الكريمة من كل مكروه، وأغدق عليكم من نعمة الصحة وراحة البال ..
دمتم لنا ودامت مودتكم..
    أخوكم / كمال