الكلدان والآشوريون والسريان المعاصرون
وصراع التسمية - 3
===================================
أبرم شبيرا
عنوان هذا الموضوع هو لكتاب (الكلدان والآشوريون والسريان المعاصرون وصراع التسمية – تحليل سوسيولوجي) للإستاذ الأكاديمي الدكتور عبدالله مرقس رابي.
====================================================
في القسم الثاني من الموضوع تطرقنا إلى بعض الفصول من الكتاب، أنظر:
http://www.ankawa.com/forum/index.php?topic=914703.0وفي هذا القسم الثالث نتطرق إلى الفصول المتبقية مع خاتمة بسيطة توصلنا إليها من خلال مطالعتنا على الكتاب. بدءاً بالفصل الرابع: (أسباب صراع التسمية – ص 136) التي يراها رابي هي المؤدية إلى الصراع، وهو لُب الموضوع وجوهره. فيفصلها رابي ويصنفها إلى أحدى عشر عاملا وتبين له بأنها في جميعها، معتمدا على تجربته الشخصية، متداخلة ومرتبطة بعضها بالبعض. ففي العامل الأول (ما يكتبه الكتاب) يرى رابي بأن معظم المؤلفات والمقالات والكتب كلها تقريباٌ تفتقر إلى البحث العلمي الصحيح وفي غالبيتها أما هي كتابات متأثرة بالأيديولوجية السياسية والتي "تشمل المقالات والمؤلفات التي كتبت من قبل المنتمين إلى الأحزاب السياسية للأثنيات الثلاث" (ص 139)، وهذا أمر طبيعي برأينا لا غبار عليه، لأن معظم أحزاب العالم تحاول تطويع أو تسخير أو تفسير كل ما يمكن من أجل أيديولوجية الحزب ولكن الواقع الحالي لأحزابنا السياسية غير ذلك. فمن الملاحظ بأن معظمها، خاصة الرئيسية والفاعلية، هي خارج إطار صراع التسمية، أن صح القول، بعد أن أتفقوا تقريباً على وحدة التسمية المركبة في "الكلدان السريان الآشوريين" فهم على العكس مما يطرحه رابي، أي هم عامل وحدة وتفاهم حول التسمية، على الأقل في المرحلة السياسية الراهنة وكمنهج أو أسلوب للمطالبة المنطقية بحقوقنا القومية، فهم ليسوا عامل في صراع التسمية.
ومن الكتابات التي تشكل عامل من عوامل صراع حول التمسية يجدها رابي في إفتقادها إلى الموضوعية والمنهجية أو هي كتابات مشوه كتبت من قبل غير الإختصاصيين (ص 140)، وهي حالة سبق وأن أشرنا إليها في القسم الأول من هذا الموضوع عندما ذكرنا بأن معظم الإختصاصيين والأكاديميين يبتعدون عن تناول مواضيع مهمة وساخنة على ساحتنا القومية وليس بالآمر الغريب أن تترك الساحة، خاصة الساحة الإنترنيتية السهلة الوصول إليها وإستخدامها، من قبل غير المختصين والتي معظمها هي "كتابات الهواة" كما بصفها رابي، والشاهد على ذلك الردود التي وردت على القسمين الأول والثاني من هذا الموضوع والتي في معظمها لا علاقة لها بصلب الموضوع. ويستمر رابي بخصوص هذه الكتابات فيقول "ساهمت بدرجة كبيرة في تشويه المفاهيم المرتبطة بالتسمية وخلقت نوعا من العقدة، وثم كان لها الدور الكبير في خلق الصراع الفكري المحتدم بين الأثنيات الثلاث" (ص 145). غير أن برأينا تأثير هذه الكتابات ليس بتلك الخطورة التي يذكرها رابي فهي لم تكن أكثر من كتابات آنية التأثير ولا نعتقد بأنه كان لها دوراً كبيراً ومؤثراً في تأجيج الصراع ولم يأخذها شعبنا، خاصة المعنيين بالأمر، مأخذ الجدية والإيمان بها.
الدور الحاسم والفاعل في تأجيج الصراع على التسمية أن لم يكن الوحيد أو الرئيسي هو الكنيسة أو كتابات رجال الدين وتصريحاتهم التي يشير إليها رابي (ص 145). ونشاطر رابي في هذا العامل المهم والحاسم في تأجيج الصراع حول التسمية سواء أكانت بمضمونها الديني أو تلبيسها بعباءة قومية. لهذا السبب يخصص رابي (23) صحفة للإشارة إلى هذه الكتابات والتصريحات. فبعد سرد طويل عن الكتب والمواضيع التي كتبها رجال الدين (بحدود 30 كتاب ومقالة)، يقول رابي "وهكذا يبدو الغموض وعدم الدقة جلياً في إستخدام رجال الدين من الأثنيات الثلاث الكلدانية والأشورية والسريانية للمصطلحات التسموية الأثنية، حيث التناقضات فيما بينهم جميعاً، بين من هم أكليروس الكنيسة الواحدة أو عند الكاتب الواحد نفسه، مما يدل على إسهام هؤلاء في تنمية عقدة التسمية واثارة الصراع بين المهتمين بالشؤون القومية والأحزاب السياسية" (ص 167). وجزماً نعتقد بأن إختلاف رجال الدين حول التسمية أو "الصراع" حولها ما هو في جوهره ومضمونه إختلاف لاهوتي وإيماني لفروع كنيسة المشرق وليس قومي.
وهنا إذا كان رابي ينصف كنيسة المشرق الآشورية بإشارته إلى كونها أكثر فاعلية في إنماء الشعور القومي الآشوري، فأنه من جانب آخر يستوجب الإشارة أيضا إلى أن لهذا الشعور جانب وحدوي قومي، خاصة في تصريحات مثلث الرحمات مار دنخا الرابع بطريرك كنيسة المشرق الآشورية السابق، الذي كان يصرح دائماً بأن أبناء الطوائف الكلدانية والسريانية هم جزء من الأمة الآشورية، أي أن هناك منهج نحو الوحدة القومية ووحدة التسمية، سواء أتفقنا مع قداسته حول التسمية الآشورية أم لا. وعلى العكس من هذا نرى في بقية بطاركة فروع كنيسة المشرق، فكل واحد منهم يؤكد على تسميته المفردة من دون أية إشارة إلى الوحدة القومية لأبناء فروع كنيسة المشرق ووحدة التسمية، سواء أكانت كلدانية أو سريانية. أي بعبارة أخرى قد يجوز لنا القول بأن رجال الكنيستين الكلدانية والسريانية لعبوا دوراً أكثر فاعلية في تأجيج الصراع ليس حول التسمية، خاصة بعد أن ألبست كل تسمية لباس قومي، وإنما أيضا في تأكيد الإختلافات وتجنب الإشارة إلى المقومات المشتركة بين "الإثنيات" الثلاث التي تؤكد في التحليل الأخير كونهم قومية واحدة رغم إختلاف تسميتهم وطائفتهم.
ثم يجد رابي في "الإعتماد على كتابات المستشرقين" عاملاً آخر من عوامل المؤدية إلى صراع التسمية لأنها لم تكن دقيقة وعلمية وبالأخص منها القديمة وذلك لعدم معرفة هؤلاء القادمين من الغرب بطبيعة البلد وحياة الشعب... فأصبحوا إلى حد ما سببا في تشويه المفهوم القومي والأثني لسكان بلاد النهرين... فكانت كتاباتهم سبباً في نشوء عقدة التسمية (ص170). وهكذا يستمر رابي في تبيان العوامل المؤثرة منها "الرجوع إلى التاريخ والإشتقاقات اللغوية" ويسرد وبشكل مفرط نوع ما في الرجوع إلى ما كتبه البعض عن هذه الأثنيات الثلاث، وكذلك في "إستخدام المنطق القديم في التحليل. ويسرف بصفحات في تفسير المنطق القديم والذي بإعتقادنا أطاله كثيراً وأخذه بعيداً عن جوهر الموضوع ولم يكن لها علاقة مباشرة مع صلب موضوع الكتاب. ويواصل رابي ذكر هذه العوامل حتى يصل إلى "الإنشقاق الكنسي" (ص 205)، حيث لم نجد فيه ما هو جديد عن المعروف في تاريخ إنشقاق كنيسة المشرق لذا يخصص رابي (4) صفحات فقط لهذا الموضوع الذي في رأينا الجازم كان، إي إنشقاق الكنيسة، العامل الرئيسي والحاسم في إختلاف التسمية بين أبناء الشعب الواحد، فكان هو "رأس البلوه" كما يقال. عامل مهم كان يجب على رابي أن يفصل أكثر عن هذا الدور وتحت نفس العنوان "الإنشاق الكنسي" وليس في مكان آخر، كما فعل في الصفحات السابقة.
وعلى نفس المنوال في "الأيديولوجيات السياسية" يسرف رابي بشكل مفرط في ذكر العشرات من الأحزاب السياسية ومنها أحزاب شعبنا لبيان دورها في صراع التسمية (ص209). في حين من المعروف بأن معظم أحزابنا هي صغيرة وليس لها أي دور مؤثرة لا على الساحة القومية ولا على مسألة صراع التسمية. بعكس حزبين أو ثلاثة منهم والتي هي أحزاب رئيسية وفاعلة ولها دور مؤثر على الساحة السياسية القومية ومنه موضوع التسمية. ولكن، كما سبق الإشارة إليه، بأن هذه الأحزاب هي خارج عملية صراع التسمية خاصة بعد أن أتفقوا جميعاً على التسمية المركبة (الكلدان السريان الآشوريون). وحسنا فعل رابي عندما أشارة إلى تطور موقف هذه الأحزاب بخصوص التسمية من التسمية المفردة إلى التسمية المركبة حسب تطور الأوضاع السياسية لأبناء شعبنا في الوطن.
يرى رابي في اللغة عامل آخر من العوامل الأساسية في تشويه الهوية الأثنية بالنسبة للأثنيات الثلاث بإعتبارها أحدى المقومات الأساسية للأثنية ... (ص225). يؤكد رابي أن كل أثنية تطلق على لغتها نفس تسمية أثنيتها، هكذا الحال مع اللغة الآشورية بالنسبة للآشوريين والكلدانية بالنسبة للكدان والسريانية بالنسبة للسريان، ولكن بالمقابل يجب أن ندرك الدور الفاعل للكنيسة في تسمية اللغة حيث كل فرع من فروع كنيسة المشرق يطلق على لغته بنفس تسمية كنيسته والذي هو بالأساس المصدر الأساسي لكل أثنية في تسمية لغتها. وعلى العموم، ونحن نتحدث عن الموضوعية والمنهج العلمي الذي يتبعه رابي في دراسته هذه، فإن الضرورة تفرض علينا، مهما كانت أثنيتنا وإنتماؤنا الكنسي القول بأن "السريانية" هي التسمية الشاملة للجميع والمعترف بها دوليا وفي جميع البحوث والدراسات اللغوية، سواء قبلناها أم رفضناها، كما هي التسمية المعتمدة رسمياً سواء من قبل الحكومات أو من قبل أحزابنا السياسية النشطة والفاعلة على الساحة القومية، خاصة المشاركة في هياكل النظام العراقي. كما هناك الكثير من المؤسسات والأكاديميات ومدارس وجمعيات وإتحادات وبنفس التسمية السريانية. ومن الملاحظ بأن بعض "المتطرفين" من الآشوريين يصرون على أن الأسم الصحيح لهذه اللغة هو آشورية وليس سريانية، جاهلين أو متجاهلين المعنى الحقيقي للسريانية أو السرياني.
وهكذا إذا تجاهلنا التعليق على العوامل الأخرى التي يذكرها رابي من تداخل المفاهيم المرتبطة بالقومية والإعلام ونصل إلى عامل الترسبات التاريخية السابقة للحكومات والأمية الحضارية للعراقيين عن الأثنيات الثلاث نرى بأن رابي يتناقض مع الواقع الحالي للأعضاء البرلمانيين. إذ يقول "فعلى سبيل المثال العمل الإنفرادي لأعضاء البرلمان الممثلين للأثنيات الثلاث، وتناقض تصريحاتهم بشأن مسألة الحكم الذاتي ومسألة حماية أبناء الأثنيات الثلاث في سهل نينوى وإختلافهم في الميل نحو الحكومة المركزية أم حكومة الإقليم، كل هذه النتائج لعبت دورا مهما في تنمية عقدة التسمية وثم الصراع الفكري بينهم، لأنها جعلت الأحزاب والقادة ينشغلون بالمصالح الشخصية تأثراً بطبيعة النظام السياسي غير المتستقر، ومن الجانب الآخر فشلوا في توحيد خطابهم. فالإتفاق على الخطاب والمواقف الموحدة ستكون سبيلاً مساعداً بدرجة كبيرة على التخفيف من حدة الصراع حول التسمية" (ص 235). للحق أقول حاولت أن أفهم هذه الفقرة ومن جوانب عديدة لم أجد أية دلالة واضحة مباشرة أو غير مباشرة عن دور الممثلين البرلمانيين في عملية الصراع حول التسمية. صحيح هو ما ذكره رابي بالإختلافات والتناقضات التي بينهم ولكن لاعلاقة لها بالتسمية إطلاقا لأن جميعهم متفقين على التسمية المركبة "الكلدان السريان الآشوريون". وإذا تركنا عامل التفاوت في الوعي القومي بين الأثنيات الثلاث بدون تعليق، نرى في عامل التعصب والحقيقة بأن رابي يفرغ كل مخزونه الأكاديمي ومعارفه في هذا الحقل بشرح مفصل وصل إلى (10) صفحات لمجرد أن يبين تأثيره في عملية صراع التسمية، وهو أمر لم نجده ضروري في هذا الشرح المفصل الذي "أكل" صفحات طويلة من الكتاب.
عامل مهم آخر يذكره رابي في صراع التسمية وهو (التفاوت في الوعي القومي بين الأثنيات الثلاث( - ص 235 - مؤكداً بأن الآشوريين سبق الكلدان والسريان في مسألة الوعي القومي والتحفيز وإثارة المشاعر القومية، مع أشارة بسيطة إلى دور السريان والكلدان في هذه المسألة، في حين يجب ذكره بأن معظم إن لم يكن جميع رواد الفكر القومي والتوعية القومية كانوا من أتباع الكنائس السريانية والأرذثوكسية والكلدانية وأعلنوا قولاً وفعلاً إنتمائهم الصميمي إلى القومية الآشورية وبعضهم أستشهدوا في سبيلها. بعكس الكلدان والسريان اللذان لم يظهر مثل هذا الوعي فيهما إلا بشكل متأخر. ويرجع رابي سبب سبق الآشوريين في الوعي القومي إلى عدة عوامل منها ظهور الأحزاب القومية السياسية والإضطهادات التي تعرضوا إليها، ثم يرى رابي في التنشئة الإجتماعية للآشوريين عامل آخر في هذه المسألة خاصة تسمية أبنائهم بأسماء تاريخية وقومية وهي التنشئة التي غابت عن السريان والكلدان وكذلك كان الإعلام الآشوري عامل آخر في تنمية الشعور القومي الآشوري. ودور رجال الدين الآشوريون كان له من الأهمية أكثر بكثير من رجال الدين الكلدان والسريان الذين أبتعدوا تقريباً عن هذه المسألة. هذا ناهيك عن طرح الآشوريين قضيتهم على المحافل الدولية. فكان على رابي بعد ذكر هذه العوامل أن يؤكد على طغيان التسمية الآشورية على السطح السياسي ليس لمجتمعنا بل على الساحة العراقية أيضا خاصة منذ الربع الأول من القرن الماضي، وأبتعاد الكلدان والسريان عن الآشوريين وتجنب التسمية نهائياً خاصة أثناء مذبحة سميل وما أعقبها من نتائج سياسية وقانونية وإجتماعية وديموغرافية على الآشوريين، وقد فصلنا في هذا الموضوع في كتابنا المعنون (عقدة الخوف من السياسة في المجتمع الآشوري – دراسة سوسيوسياسية في السلوك القومي الآشوري).
يعود رابي مرة أخرى ليفرغ جعبته الأكاديمية عند التفصيل في (التعصب والحقيقة – ص 240) كعامل مهم وكبير في تأجيج صراع التسمية وسبب أساسي لنشؤئها والذي هو الآخر مرتبط وناتج عن تفاعل العوامل السابقة. ولكن من الملاحظ بأن مثل هذا التعصب لم يكن فاعلاً أو ظاهرا على السطح إلا بعد عام 2003 وبداية تأسيس الكلدان والسريان لأحزابهم السياسية ومنظماتهم المختلفة، فأزدحمت الساحة السياسية لشعبنا بأحزاب متنافسة أو متناحرة وحتى بنشاطات غير دينية لفروع كنيسة المشرق من أجل الحصول على موقع أو مكسب من هنا أو هناك، أما التعصب قبل عام 2003، وإن كان، فهو طائفي أوعشائري أو قريوي ولم يكن قومي.
وفي الفصل الخامس (تداعيات صراع التسمية - ص249- ص273)، يرى رابي بأن "أهم وأبرز تلك النتائج والتداعيات والتي تم أستقراؤها هي الأخرى من الواقع السياسي للأحزاب السياسية والعلاقات القائمة بينهم من جهة ومع الأحزاب الأخرى والحكومة العراقية وإقليم كردستان من جهة أخرى، وما توصلت من تحليل نُشر في عهود سابقة والتركيز على ما نشر في السنوات العشرة الماضية من قبل المفكرين والمهتمين بالشؤون القومية" حيث يرى رابي هذه التداعليات في: أولا: مسألة تعاطي الحكومات مع الأثنيات، وثانيا: تشتت العمل السياسي، وثالثا: فقدان الثقة بالأحزاب، ورابعاً" الإحباط في نيل حقوق الأثنيات الثلاث، وخامساً: التأثير في العلاقة بين رجال الدين والعلمانيين، وسادساً: التأثير على الوحدة الكنسية بين الكنائس المشرقية، وسابعاً: تسمية اللغة، وثامناً: الجدال الفكري العقيم، وتاسعاً: التهميش، وعاشراً: الإضطهادات المتكررة والهجرة. فكل هذه النتائج أثرت بشكل مباشر على مجتمعنا لتخلق نوع من خيبة ألأمل في التفاهم والثبوت على تسمية موحدة، فإنتاب جميعهم الشعور بالتشاؤم والإحباط. وهنا من الضروري أن نذكر بأن مثل هذا الشعور لم يكن ظاهرا وفاعلاً إلا بعد عجز أحزابنا السياسية ومنظماتنا القومية وكنائسنا من الصمود أمام التحديات المميتة التي نتجت من جراء جرائم داعش الإرهابي وتحقيق الحد الإدنى من المطالب القومية خاصة بعد أن أعطت الحكومتين المركزية والإقليمية آذان صماء لهذه المطالب.
يرى رابي بأن الحكومات تعاملت مع "الأثنيات الثلاث" على أساسي ديني وعدم التعاطي معهم على أساس أثني أو قومي وأعتبرتهم كمسيحيين، وإذا كان وبحق يرجع رابي سبب ذلك إلى عدم إتفاق الأثنيات الثلاث على تسمية موحدة، ولكن من جهة أخرى يجب أن لا نرمي كل ذلك على عدم إتفاق الأثنيات الثلاث على تسمية قومية موحدة لأن بالأساس والجوهر هذه الحكومات لا تعترف بالجانب القومي لهذه الأثنيات حيث هناك مسائل مهمة ومصيرية مشتركة بين هذه الأثنيات لا علاقة لها بالتسمية ولكن الحكومات تتجاهلها ولم تعطي لها آذان صاغية، والأمثل كثيرة في هذا السياق. يعود رابي مرة أخرى ليؤكد بأن صراع التسمية كان سبب في التشتت السياسي، وهذا أمر لا يمكن أعتباره شاملاً ومطلقا حيث كما سبق وأن ذكرنا بأن الأحزاب الرئيسية والفاعلية متفقة على التسمية المركبة الموحدة، فإشارة رابي إلى بعض الأحزاب التي تتمسك تمسكاً مستميتاً بالتسمتها المفردة، هي أحزاب هامشية صغير التي لا دور فاعل لها على الساحة السياسية ولا في التشتت السياسي. أما بخصوص فقدان الثقة بالأحزاب السياسية فمرجعها الأول والأخير ليس التسمية وإنما عجزها عن تحقيق الحد الإدنى من المطالب القومية ولهوثها نحو المصالح الشخصية والخاصة.
يضع رابي الأصبع على جرح التسمية عندما يؤكد دور فروع كنيسة المشرق في تأجيج الصراع التسموي الناجم من خلال التمسك كل فرع بتسميته الكنسية والتي كان لها أثر أيضا في عدم الإتفاق على تسمية لغة هذا الشعب. في الحقيقة أستغرب من ربط رابي صراع التسمية بالإضطهات المتكررة والهجرة حيث يرى بأن عدم الوحدة في التسمية إدى إلى تشتت القوى والإمكانيات التي تمتعت بها هذه الأثنيات، لا أدري عن أية إمكانيات يتحدث رابي في مثل هذه التحديات المميتة والتي يشرحها بشكل مفصل من دون أن يكون لها تأثير على موضوع الكتاب في صراع التسمية، على العكس من هذا حيث كان لهذه الإضطهادات خاصة في المرحلة الداعشية نوع من التأثير أنعكس في تضامن الأحزاب، خاصة الكبيرة والفاعلة وقيام بعض التحالفات، مثل تجمع التنظيمات السياسية الكلدانية السريانية الآشورية الذي نخرت المصالح التحزبية بجسمه وشلته، وفي تقارب فروع كنيسة المشرق أو الكنائس العراقية وتشكيل مجلس الطوائف المسيحية في العراق.
على الرغم من أن الفصل السادس (نحو معالجة سوسيولوجية توفيقية – ص 274 – ص 306) فيه الكثير من المفاهيم الفلسفية والسوسيولوجية عالج رابي بعض الوقائع بموجبها، فأنني وجدت من الصعب الدخول في تفاصيلها سواء عجزي عن فهمها أو تجنب إطالة الموضوع. حيث ورد في هذا الفصل الكثير من المفاهيم والأفكار التي تم التطرق إليها في الصفحات السابقة، لا بل بعضها تزيد شرحاً وتفصيلا وبعضها الآخر تؤكدها، وهي مسائل أتركها للقارئ اللبيب عند إقتناءه للكتاب وقراءته، فأكتفي بهذا القدر لإختم هذه الصفحات المطولة بخلاصة وإستنتاج:
خلاصة وإستنتاج:
عبدالله مرقس رابي، إستاذ أكاديمي يحمل شهادة الدكتوراه في فلسفة علم الإجتماع وكان أستاذا في الجامعات والمعاهد العراقية، وهو من أحد أبناء شعبنا الذي كرس معارفه في المهجر في دراسة أوضاع مجتمعنا السياسية والقومية والإجتماعية، في الوقت الذي هناك العشرات من أبناء شعبنا، خاصة في المهجر، الذين يحملون شهادات عليا وفي إختصاصات مهمة ويعيشون في أجواء ديموقراطية توفر كل مستلزمات حرية الفكر والبحث ولكن هم منزويون في زوايا بعيد عن أحوال شعبنا ويعملون في مجالات مختلفة، إن لم يكونوا عاطلين عن العمل ومعتمدين على المعونات الحكومية. صدقني عزيزي القارئ كنت أعرف صديق في أحد بلدان المهجر كان يحمل شهادة الدكتوراه في الاثار ولكن كان يعمل سائق تكسي، والآخر كان يحمل شهادة دكتوراه في الفلسفة وكان يعمل في محل بيع أشرطة الفيديو وغيرهم كثر، مع التأكيد المشدد بأن العمل ليس عيبا أبداً، بل الحسرة هي أن تكون مثل هذه الكفاءات الأكاديمية بعيدة عن أمتنا وبالتالي هي خسارة لها. وفق هذا الواقع، أليس من الحق والعدل أن نشكر رابي عبدالله ونثمن جهوده في الكتابة والبحث في شؤون هذه الأمة، علما بأنه ليس لي صلة قرابة به ولا مصلحة لي معه غير أنني أعرف بأنه كلداني وأنا آشوري ولكن ... نعم... ولكن... كلانا ننتمي صميمياً إلى أمة واحدة.
أما بخصوص الكتاب موضوع البحث، أؤكد مرة أخرى بأنه رغم علميته وأكاديميته فهو مسبه ومطول وعميق في مسائل قد تكون غير مفيدة في المرحلة التي تمر بها أمتنا خاصة فيما يتعلق برغبة أبناءها في المزيد من القراءة وتحديدا المطولة والمسبهة وفي صعوبة تخصيص الوقت الكافي للقراءة، لهذا كان من المفضل أن يتجنب رابي بعض الشروحات والمقدمات المطولة ويقتصد في صفحات الكتاب ليكون أسهل للقراءة والإستفادة منه. صحيح هناك بعض المفردات والمصطلحات التي ذكرها رابي لا نتفق معها مثل الإشارة إلى "الأثنيات الثلاث" عند التطرق إلى أمتنا، ولكن لو لاحظنا بين طيات الكتاب سنجد هناك أشارات مباشرة أو ضمنية بأن هذه الأثنيات الثلاث تشكل قومية واحدة رغم إختلاف التسمية بينهم فالمقومات المشتركة هي الأساس التي تؤكد بأننا أمة واحد. وأخيراً أعيد وأكد شكرنا وتقديرنا لرابي عبدالله على جهوده المضنية في سبيل هذه الأمة، ومن يعتقد بأن ما كتبه في هذه الصفحات هو ترويج للكتاب فأقول نعم وألف نعم لأن مثل هذا الجهد يستوجب الإشارة إليه ليكون سبيلا نحو أيدي أبناء شعبنا.