المحرر موضوع: عن دار الرافدين صدر كتابي الموسوم تاريخ يهود الخليج  (زيارة 765 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل نبيل عبد الأمير الربيعي

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 304
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
عن دار الرافدين صدر كتابي الموسوم تاريخ يهود الخليج
نبيل عبد الأمير الربيعي

من خلال متابعة تاريخ استقرارهم في منطقة الخليج كقبائل تهوّدت أو من خلال الهجرات الأخيرة منذ القرن السابع عشر, تم تتبع أصول الأقلية اليهودية التي استقرت حديثاً في منطقة الخليج العربي, كما سلط الضوء على اعدادهم وأسرهم وشخصياتهم المهمة التي كان لها الدور الكبير في المجال الاقتصادي والاجتماعي, وعلاقاتهم الجيدة مع السكان المحليين.
علماً أن المصادر التاريخية المختلفة محلياً قد أغفلت تقديم معلومات دقيقة عن تاريخ الأقلية اليهودية في منطقة الخليج, واغفلت بشكل متعمد تقديم المعلومات المغلوطة لتأريخ هذه الأقلية وعلاقاتها مع المجتمعات المحلية, لكن بعد هذا الغبن والاجحاف الذي اصاب أحد مكونات المجتمع الخليجي لا بد من ازاحت الستار عن جزء من التاريخ المسكوت عنه عمداً, من خلال متابعة المصادر التاريخية المهمة لرجال الرحلات والمستشرقين ومن عمل مستشاراً من الأوروبيين في منطقة الخليج وكتب مذكراته مثل تشارلز بلجريف وآخرين.
منذُ زمن قريب أهتم الباحثون والأكاديميون والإثنوغرافيون في منطقة الشرق الأوسط عامة وفي منطقة الخليج خاصة, بتركيزهم الرئيسي بدراسة قضايا المكونات والأثنيات وعلاقتها بالمجتمع العربي وبالطابع الإسلامي, وعلى الرغم من شروع ثلة من الباحثين في الاهتمام بإعادة النظر والتدقيق في فحص الجوانب المتعلقة بتاريخ الأقليات العرقية والدينية وبمظاهر حياتها في المنطقة, فإن مكانة الأقليات الدينية واليهود على وجه الخصوص قد وقع تجاهلها إلى حدٍ كبير في هذا التاريخ, وخاصة بالنسبة لعلماء الأنثروبولوجيا المنحدرين من أصول مسلمة, حيث ظلت البحوث المتعلقة بيهود الشرق الأوسط وبكل ما يتصل بحياة اليهود تعتبر في نطاق التابوهات, أي المحرمات الممنوعة, والأسباب التي اتخذت مثل هذا الموقف واضحة, إذ يمكن وصف الباحث الإثنوغرافي الذي ينكب على إجراء البحوث حول مواضيع اليهود في العالم العربي بالمؤيد للصهيونية والمنافح عنها, مما قد يشكل وصمة عار لا يمكن أن تخلو من عواقب مهنية وشخصية محمودة للمعني بأمرها.
إن غالبية أبناء المكون اليهودي في منطقة الخليج العربي قد جاءوا من عدة مناطق مجاورة لمنطقة الخليج منها : العراق, بلاد فارس, الهند, اليمن, ارمينيا, افغانستان, وكردستان, كان السبب الرئيسي لهجرة بعض أبناء الأقلية اليهودية من مناطق استقرارهم لمنطقة الخليج العربي هو الاستقرار الاقتصادي والسياسي والأمني وما يتصف به مجتمع الخليج بالتسامح الديني, ووجود سلطة محلية واستعمارية قد وفرت الحماية لهم, باعتبارهم رعايا, ومن ثم تشابه الانشطة الاقتصادية لأبناء الأقلية اليهودية في منطقة الخليج العربي, كما عمل بعض أبناء الأقلية بالشراكة مع العديد من التجار المحليين, وقد كانت اماكن سكناهم قرب مراكز المدن الرئيسية ونشاطها التجاري, لا كأحياء خاصة بهم مثل «الجيتو».
اعتمدت الأقلية اليهودية على رفع المستوى التعليمي لأبنائها, وقد كان للإرسالية العربية الأمريكية الدور في ذلك, من خلال افتتاح مدارس للبنين والبنات في أغلب مناطق الخليج, منها «البحرين, عُمان, الكويت», فضلاً عن توافر المدارس الحكومية مطلع القرن العشرين, وبعض المدارس التي انشئت في دور العبادة اليهودية, فضلاً عن إرسال بعض الأسر اليهودية الموسورة ابنائها للدراسة في الخارج, كما كان لأبناء الأقلية الاهتمام بالانضمام للأندية الثقافية والاجتماعية والرياضية, والاندماج مع المجتمع الخليجي واكتساب بعض عاداتهم وتقاليهم من خلال المأكل والملبس, وكان لهم حرية الممارسة الدينية وإدارة الشعائر, والاحتفال بأعيادهم ومناسباتهم دون مضايقات.
حافظت الأقلية اليهودية في منطقة الخليج العربي على علاقات متميزة مع السلطات المحلية, إلا أن الأقلية اليهودية لم يكن لهم مساهمة في الحياة السياسية مع العلم أن أبناء هذه الأقلية قد عملوا في وظائف ومناصب حكومية.
بعد عقود من العيش والاستقرار في منطقة الخليج العربي, عانت الأقلية اليهودية من مقاطعة اقتصادية واجتماعية من قبل السكان المحليين بعد عام 1948م وهو عام التقسيم لفلسطين بقرار من الأمم المتحدة, مما أدى إلى هجرتهم من اغلب مناطق الخليج العربي إلا قلّة قلّيلة بقيت في البحرين ولحد هذه اللحظة, بسبب سياسة السلطات الجيدة معهم. كما لعبت الصحف والمجلات المحلية والعربية دوراً كبيراً في الدعوة لمقاطة الأقلية اليهودية واضطهادها من خلال التحريض والعداء لكل ما هو يهودي تأثراً بالفكر القومي المستشري في تلك الحقبة الزمنية, لذلك كان خيارهم الأول الهجرة إلى الدول الأوروبية أو إلى إسرائيل.
ومن خلال البحث والتقصي عن الأسباب الحقيقية وراء هجرة يهود منطقة الشرق الأوسط عامة ومنطقة الخليج خاصة, يحق لنا التساؤل عن كيفية تقييم وتقدير هذه المعطيات التاريخية والإثنوغرافية وتحليلها؟ ما هي مناهج وتحيُّزات السرد الاستعماري وما بعد الاستعماري المؤطر للخطاب التاريخي المتعلق بيهود الخليج بصفة خاصة وبيهود الشرق الأوسط بشكل عام؟ ما هو دور الباحثين الوطنيين لحقبة ما بعد الاستعمار في إعادة الكتابة عن هذه المجموعات والمكونات الأثنية؟ وإذا ما أقدمنا على استخدام مزيج من روايات الرحالة الأوروبيين والشهادات المحلية, كيف ينبغي فهم هذه المصادر على الرغم مما يكتنفها من تناقضات مزعومة ومن عدم الدقة المحتملة؟ ومنذُ اليوم الذي أتخذ يهود منطقة الشرق الأوسط قرارهم بالهجرة ومغادرة المنطقة اتجاه أوروبا أو في اتجاه إسرائيل, وترك أسواقهم ومحلاتهم وبيوتهم وأعمالهم التجارية والحرفية, فإن المثل الشائع لهذه الظاهرة يقول, «فإن سوقاً بلا يهود هو مثل الخبز دون ملح», وعدم وجود الملح الذي كانوا يضيفون مادته إلى الاقتصاديات المحلية والإقليمية, كان الباعة المتجولون وغيرهم من التجار اليهود في جميع أرجاء مناطق الخليج العربي يتبادلون سلعهم التجارية, ويصرفونها متنقلين بين هذه المراكز الحضرية الأساسية والتجمعات البشرية القروية الأساسية المنبثة في جميع أنحاء مناطق الخليج, والذكرى الوحيدة المتبقية عن وجودهم هو مقابرهم, وتذكرنا مدافنهم بزمن اليهود ومكانتهم الاجتماعية.
تم تقسيم الكتاب إلى ثلاث فصول, احتوى الفصل الأول تاريخ الاستقرار اليهودي في منطقة الخليج العربي, وتضمن مبحثين, المبحث الأول حول تاريخ الخليج العربي قبل وبعد الغزو الأوروبي, والمبحث الثاني تضمن الجذور التاريخية ليهود الجزيرة العربية, وأهمية الكتب الدينية المقدسة لدى الأقلية اليهودية في منطقة الخليج العربي, أما الفصل الثاني فقد احتوى على خمسة مباحث, المبحث الأول تضمن تاريخ الأقلية اليهودية في الجزيرة العربية, والمبحث الثاني احتوى على تاريخ الطائفة اليهودية في مملكة البحرين, وهجرة الأقلية اليهودية إلى البحرين عام 1872م, وأماكن تواجدهم الطائفة اليهودية في البحرين, وأشهر الأسر اليهودية في البحرين, وعلاقة الأقلية اليهودية بالسلطات المحلية, والنشاط التجاري والاقتصادي ليهود البحرين, والوضع التعليمي لهم, والأوضاع الاجتماعية ليهود البحرين والتسامح الديني, وحالات اعتناق الديانة المتبادلة, ويهود البحرين وعلاقتهم بالصهيونية بعد قرار التقسيم, وما حصل من مقاطعة اقتصادية واجتماعية ليهود البحرين, وموقف يهود البحرين من إسرائيل, والهجرات اليهودية من البحرين وأسبابها, وواقع الطائفة اليهودية في الوقت الراهن.
أما المبحث الثالث, فقد تضمن تاريخ وجود الطائفة اليهودية في سلطنة عُمان, وواقع المجتمع العُماني والتسامح الديني, والنشاط التجاري للأقلية اليهودية في عُمان, ودور الإرسالية العربية الأمريكية وتأثيرها في مجال التعليم, وعلاقة يهود عًمان بالسلطات المحلية, وأسباب هجرة الأقلية اليهودية من عُمان. أما المبحث الرابع فقد احتوى تاريخ الوجود للطائفة اليهودية في الأحساء, والعوامل التي ساعدت على استقرار اليهود في الأحساء, ودور الأنشطة التجارية ليهود الأحساء, والدعوة لإقامة دولة يهودية في المنطقة الأحساء, والأسباب التي دعت إلى هجرة الأقلية اليهودية من الأحساء.
أما المبحث الخامس, فقد تضمن تاريخ الطائفة اليهودية في الكويت وأماكن سكنهم, وأشهر الأسر اليهودية في الكويت, وعلاقة الأقلية اليهودية بالسلطات المحلية, ودور المجتمع الكويتي في التسامح الديني, وأهمية النشاط التجاري ليهود الكويت, ودور مدارس الأقلية اليهودية في تطوير مجال التعليم في الكويت, ودور الفنان والملحن صالح الكويتي لولادة المدرسة الموسيقية, وأسباب هجرة الأقلية اليهودية من الكويت.
أما الفصل الثالث فقد احتوى على ثلاث مباحث, المبحث الأول تضمن, أهمية العبادات والأعياد والطقوس الدينية عند يهود الخليج, ومن ضمنها الشعائر وأماكن العبادة, وأهمية التقويم السنوي وتحديد اليوم الأول من الشهر, وأهمية يوم السبت لدى اليهود بعامة. أما المبحث الثاني فقد تضمن الأعياد الدينية المهمة لدى أبناء الأقلية اليهودية في منطقة الخليج, والمبحث الثالث تضمن النظم الشرعية والعادات والتقاليد, من زواج وطلاق ووفاة, وأماكن مقابر الطائفة اليهودية في الخليج العربي, والعادات والتقاليد الاجتماعية ليهود الخليج, وأخيراً ملحق الصور والوثائق.
علينا كباحثين في تأريخ الأقليات والأثنيات في منطقة الشرق الأوسط, من خلال الاعتماد على مصادر ومراجع متنوعة, وبسبب عدم توافر الوثائق فقد اعتمدت على المصادر الأجنبية والعربية والصحف والمجلات فكانت كثيرة ومتنوعة, وأهمها كان كتاب «اليهود في البلدان الإسلامية 1850-1950م» لصموئيل أتينجر, ومذكرات «تشارلز بلجريف», وكتاب «عمان في صفحات التاريخ» لروبين بيدويل, وكتاب «عرب الخليج في ضوء مصادر شركة الهند الشرقية» وكتاب «مبارك الصباح مؤسس الكويت الحديثة» لسلوت, وكتاب «واحة الإحساء» لفيدال, وكتاب «رحلة إلى عمان» لويندل فيليبس, وكتاب «تاريخ السيد سعيد سلطان عمان» لفينزنزو, وموسوعة «دليل الخليج» لوريمر, وكتاب «الكويت قبل النفط» لستانلي ماليري, وكتاب «الخليج بلدانه وقبائله» لمايلز, وكتاب «لمحة تاريخية عن المباني الأرية في مسقط» لهولي, وكتاب «تاريخ عُمان» لجيمس ولستد, وكتاب «صحار عبر التاريخ» لأندرو ويليامسون.
أما المصادر العربية فكان من اهمها كتاب «اليهود في الخليج» للباحث يوسف علي المطيري, وكتاب«اليهود في الكويت» لحمزة عليان, وكتاب «يهود البحرين» لعلي الجلاوي, وموسوعة «اليهود واليهودية والصهيونية» لعبد الوهاب المسيري, وكتاب «الحُرَف والمهن والأنشطة التجارية القديمة في الكويت» لمحمد عبد الهادي جمال, وكتاب «ابحاث في اليهودية والصهيونية» لأحمد سوسة, و«أعلام اليهود في العراق» لمير بصري, وكتاب «يهود البلاد العربية» لعلي إبراهيم عبدة وخيرية قاسمية, وكتاب «نزهة المشتاق في تاريخ يهود العراق» ليوسف غنيمة, وكتاب «اليهود في الشرق الأوسط» لمأمون كيوان.
كما اعتمد في كتابي هذا بشكل كبير على المجلات والصحف الصادرة في الخليج منها مجلة الإيمان, ومجلة البعثة, ومجلة صوت البحرين, وجريدة الأنباء, وجريدة القبس, وصحف أخرى.
أخيراً أقدم جزيل شكري إلى الأستاذ الشاعر جبار الكواز الذي بادر بقراءة مقدمة الكتاب بعيون ثاقبة متمرسة, وأجرى عليها بقلمه التصحيحات اللغوية والنحوية, وقوّم الكثير منها, اتمنى أن ينال الكتاب استحسان القارئ, ولا ادعي أني وصلت بلوغ الكمال في الكتاب, فالنص ميزة البشر.