المحرر موضوع: موت المسيح وقيامته في قصائد بدر شاكر السياب  (زيارة 1178 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل نزار حنا الديراني

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 326
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
موت المسيح وقيامته
في قصائد بدر شاكر السياب
نزار حنا الديراني

لم يكن إتهام النقاد للشعر العربي الحديث بأنهم ( أي الشعراء) نسفوا الموروث الأدبي من خلال إخلالهم بالقوانين العروضية بنظام التفعيلة الواحدة وحده بل وكما يقول الناقد جبرا ابراهيم جبرا  أنهم طرحوا موضوعات ورموز دخيلة على روح التراث العربي وهم يستشهدون بالتضمينات الوثنية وبالمفاهيم المسيحية بشأن الخطيئة والصلب والبعث . مما حدى بلجنة الشعر في القاهرة  أن تلتمس من المجلس الأعلى للفنون أن تفرض رقابة مباشرة على نشر الشعر الحديث ولم ينصب هذا الهجوم على الخلفية الجمالية حسب بل ذهب الى أبعد من ذلك حين عقد صلة بين النقد الثقافي والأخلاقي والجمالي وبين التضمينات الدينية .
لقد شهد الوطن العربي تطورات واسعة بعد الحرب العالمية الثانية عندما كان الشارع العربي يغلي بمشاعر التمرد والرفض سواء على الصعيد السياسي أو على الصعيد الأدبي وأصبحت سنة 1948 سنة حاسمة في تاريخ الوطن العربي الحديث . حيث شهدت نكبة فلسطين وشهدت إنهيار المجتمع العربي التقليدي  .
من خلال نمو الحركات الشعبية وإنهيار بعض الحكومات الرجعية . وكانت بداية أنهيار نظام التفعيلة وبلوغ الرومانسية ذروتها من خلال الأرهاصات الحاصلة في مجال التجديد الشعري كمحاولة الدكتور لويس عوض لأبتكار أوزانا جديدة وترجمة علي أحمد باكثير لمسرحية شكسبير وتجارب بدر شاكر السياب ونازك الملائكة وغيرهم من الشعراء ... ولا غرابة أن تكون التضمينات المسيحية والأساطير القديمة قد تخطت خطوتها الأولى نحو تغلغل رموزها الى روح التراث العربي من خلال ترجمة تجارب الشعراء الغربيين ولا سيما الأنكليزي والفرنسي الى الشعر العربي كما شهدت الفترة ايضا تسرب الفكر الماركسي الى المنطقة ...ولا غرابة أيضا أن يكون بدرا واحد من الشعراء الذين حملو هذه الراية ليمزج الأساطير العراقية القديمة والتضمينات المسيحية المكتسبة مع التراث العربي ليجعل من الموت انبعاث جديد للقصيدة العربية الحديثة عساه أن يكون أنبعاثا مماثلا للواقع العربي .
لقد تحول الموت في شعره الى أسطورة وأصبح المسيح وتموز فداء الأسطورة . ومن أجل دراسة ذلك لا بد من الإشارة الى تلك الأرضية الخصبة التي مكنت الشاعر من حمل هذه الراية وذلك من خلال دراسة سريعة على حياته الأجتماعية والأدبية من جهة والى مصادر ثقافته من جهة ثانية .
اولا :حياته
        لم تكن ولادة الشاعر سنة 1926 وفي قرية صغيرة مثل جيكور - من أعمال البصرة - إلا ولادة صراع قاس مع الزمن ... فقد ماتت والدته وهو صغير وعلى أثر ذلك تزوج والده فيقول:
          أبي منه جردتني النساء                                      وأمي طواها الردى المعجل
   وما لي من الدهر إلا رضاك                               فرحماك فالدهر لا يعدل
فرعته جدته التي هي أيضا ماتت فكانت صدمة ثانية في حياته لذا نراه يقول في قصيدة رثاء جدتي :
    جدتي من أبث بعدك شكواي      طواني الأسى وقل معيني
  أنت يا من فتحت قلبك بالأمس      لحبي أوصدت قبرك دوني
  فقليل علي أن أذرف الدمع      ويقضي علي طول أنيني
  ليتني لم أكن رأيتك من قبل      ولم ألق منك عطف حنون
لقد كانت حياته مأساة حقا , كانت صراع بين القيم والواقع بين الماضي والحاضر  إنه يرفض أن يقبل الواقعي لأنه مؤلم ... لأنه الموت ...لأنه فراق أمه وأبيه وجدته ... وكانت سببا لأن يحب لبيبة التي تكبره سبع سنوات ذلك الحب الذي لم يدوم طويلا .
إلا أنه أستطاع من إنهاء دراسته الأبتدائية والثانوية فألتحق بكلية دار المعلمين العالية ببغداد حيث درس ولمدة سنتين اللغة العربية وبعدها سنتين اللغة الانكليزية الى أن تخرج سنة 1948 ومن خلال دراسته في الدار تأثر بالشعراء شيلي , كيتس وتميز شعره بهذه الفترة بالرومانسية من خلال ديوانه أزهار ذابلة سنة 1947 وأساطير الذي صدر سنة 1950 . فكانت رومانسيته نتيجة للظروف التي مر بها أولا وللظروف السياسية التي كان يمر بها العراق والتي كانت من الأسباب التي دفعته للأنضمام الى الحزب الشيوعي سنة1945 وبقي في الحزب لمدة 8 سنوات أي حتى سنة 1952 حيث كلفته تجربته الكثير من خلال إضطهاده وتشرده إلا أنه في الوقت ذاته أفاد منها من خلال تحول الموت - موت أمه وجدته - الى موت الكثير من شعبه جوعا ومرضا كما يقول في قصيدته انشودة المطر:
   وفي العراق جوع
   وينثر الغلال فيه موسم الحصاد
   لتشبع الغربان والجراد
   وتطحن الشوان والحجر
فكان لابد له أن يبحث لا عن خلاص نفسه بل خلاص شعبه ... من خلال فادي يعطي نفسه من أجل الآخرين . رغم كل ذلك كان يواصل مطالعته مما أتاحت له على التعرف الى الشعراء الغربيين أمثال ستيفن سبندر, روبرت بروك , وليم هنري, أدغار ألن بو , فتحول شعره من الرومانسية الى الواقعية ومن خلال قصائده (فجر السلام- حفار القبور- الاسلحة والأطفال)  وبعد سنة 1950 تخطى الشاعر خطوة أخرى من خلال تاثره بكل من الشاعر ت . س.إليوت والشاعرة أديث ستويل . إلا أن بدرا لم يكن واقعيا أشتراكيا بمعنى الكلمة فقد كان مثاليا وهذه المثالية كما يقول النقاد قادته الى التمرد على الشيوعية حيث أستقيل من الحزب سنة 1952 وفي المرحلة التي تلت إنفصاله من الحزب تحول الموت في شعره الى أسطورة وأصبح المسيح وتموز فداءه وأستطاع من خلالها أن يتحد بالفادي الذي كان يبحث عنه دوما والذي كان يتقمص تموز حينا والمسيح في أغلب الأحيان لذا كان يرى في نضاله دم المسيح يسيل من على الصليب ليمتزج مع ذلك العرق المتساقط من جباه الفلاحين والكادحين والمناضلين وتعتبر هذه المرحلة أي منذ سنة 1952 وحتى سنة 1960 العصر الذهبي في شعره لقد بلغ ذروة مجده وثبتت ريادته للشعر الحر بجدارة وخاصة في ديوانه أنشودة المطر وصنفت قصائده في هذه الفترة من حياته بالواقعية الجديدة أي التموزية إلا أنه بعد سنة 1960 أنكمش الشاعر على ذاته وشلت حركته الى أن وافاه الأجل سنة 1964 في مستشفى الكويت نتيجة لمرضه عن عمر يناهز 38 سنة. وتتجلى ذاتيته من خلال دواوينــه ( العبد الغريق 1962, منزل الأقنان1963, شناشيل أبنة الجلبي 1964, إقبال 1965, )
مصادر ثقافة الشاعر
رفد الشاعر ثقافته من ثلاث مصادر وهي :
1- الأساطير الشرقية : كان تأثر بدر بالشعراء الغربيين وخصوصا أديث ستويل و.(ت.س.إليوت) قد ألهب نار الأساطير في داخله , تلك الأساطير التي تغلغلت في قصائدهم من خلال الناقد جيمس فريزر وخصوصا كتابه الغصن الذهبي . وكانت ترجمة الناقد جبرا ابراهيم جبرا لفصلين من هذا الكتاب في مجلة الفصول الأربعة سنة 1954 قد مهدت له الطريق لأرتوائه من هذه الأساطير وإطلاعه على ديانات بلاد ما بين النهرين التي كانت تعتقد إن موت الإله تموز هو السبب في موت الطبيعة الأمر الذي كان يؤدي بهم الى تقديم القرابين والصلوات لتعود الحياة الى آلهتهم التي بدورها تعيد الخصوبة والتجدد . الإنسان العراقي القديم كان يبني أساطيره على المتناقضات ( الموت والبعث, الخصب واليباب , الفرح والحزن ...) وكان ( المطر , النهر, الربيع ...) رموز الخصوبة أما (تموز وعشتار) فهي رموز الولادة والحياة . فأستفاد الشاعر كثيرا من هذه الرموز .
2- الشعراء الغربيين : يقول الشاعر بدر شاكر السياب
( تأثرت في بداية حياتي الشعرية من الشعراء الغربيين شيلي , كيتس, إليوت, سيتويل ...) لقد كان تاثير أديث ستويل واضحا على الشاعر من خلال ديوانها ( انشودة الوردة) الحاوي على 103 قصيدة كتبتها الشاعرة بين سنة 1920 وحتى 1947 حيث صدر ديوانها سنة 1949 والذي كان يصور خراب لندن سنة 1940جراء قصف الألمان وتجلى تاثيره من خلال ديوانه ( أنشودة المطر) وخاصة في قصائده أنشودة المطر, من رؤيا فوكاي, الأسلحة والأطفال ... الذي كتبها بين سنة 1955-1960 وقد أعترف الشاعر بذلك من خلال قوله:
( الطريقة التي أكتب فيها أغلب قصائدي هي مزيج من طريقة أبي تمام وطريقة أديث ستويل من خلال إدخال عنصر الثقافة والأستعانة بالأساطير والتاريخ والتضمين في كتابة الشعر ) .
أما تاثير ت. س. إليوت فكان من خلال قصيدته الأرض اليباب التي كانت تصور له يباب الوجود المعاصر فكان لابد من الخلاص ... ولكن من أين يأتي الخلاص إن لم يكن هناك فداء ... كانت تلك أرضية خصبة لبدر لينطلق منها في تجسيد فداء المسيح ... فأخذ عن إليوت مفاهيم الخراب والخصوبة والموت والميلاد كعناصر ثابتة يبني عليها قصائده... فتقمص بطله دور الإله تموز ذلك الإله الذي بموته وأنبعاثه تعود الحياة الى الطبيعة ... ذلك الإله الذي قتل بأنياب الخنزير :
   ناب الخنزير يشق يدي
   ويغور لظاه الى كبدي
   ودمي يتدفق ينساب
إن كانت الأرض في ( الأرض اليباب) لإليوت تتحسر الى قطرة ماء إلا أنها في أنشودة المطر كانت الأرض تطوف بالمطر . ولكن في كلا القصيدتين كان هناك خراب وفي كلاهما حاجة ماسة الى مخلص .
3- الكتاب المقدس
----------    : أصبح الكتاب المقدس بعهديه ( القديم والجديد) من أكثر المصادر أهمية لدى بدر شاكر السياب وخصوصا في قصائده التموزية تلك التي أخذت فكرة الموت والبعث رقعة واسعة من مساحتها , فأخذ من العهد القديم قصة هابيل وقابيل التي جسدت الصراع والأنانية والعداء بين الأنسان وأخيه الأنسان حيث يقول في قصيدته من رؤيا فوكاي:
   قابيل باق وإن صارت حجارته                                  سيفا وإن عاد نارا سيفه الخدم
   ورد هابيل ما قاضاه بارئه عن خلقه ثم ردت بأسمه الأمم
وفي موضع آخر يقول :
   الموت في البيوت يولد
   يولد قابيل لكي ينتزع الحياة
   فيظلم الغد
وكذلك أستفاد من رموز قصة سادوم وعامور وإمراة لوط وقصة آدم وحاوة .
أما من العهد الجديد أستعار السياب تلك الرموز المرتبطة بآلام المسيح وبعثه والسير فوق الماء وأحياء لعازر وشفاء البرص والعميان ... كما أخذ من فكرة العشاء الرباني الكثير من أفكاره ورموزه كتحول الجسد الى الخبز والدم الى الخمر حيث أصبح موت المسيح ذبيحة للأنسان من أجل غفران الخطايا والخلاص من الخطيئة المميتة لذا نراه يقول في قصيدته جيكور والمدينة:
   دمي ذلك الماء هل تشربونه
   ولحمي هو الخبز لو تأكلونه
وكذلك في قصيدته مرثية الآلهة:
   كفى كل ثغر كان يدعوه جوعه               إله أحاطته المدى والأصابع
  دمي هذه الخمر التي تشربونها              ولحمي هو الخبز الذي نال جائع
حيث صنع السياب من هذه الأفكار صرخته وإنتظاره لولادة جديدة وهو يقول:
   أميت فيهتف المسيح
   من بعد أن يزحزح الحجر
   هلم يا عازر
لقد توهم الأستاذ عبد الجبار عباس عندما أعتقد بان المسيحية هي مجرد اللون الذي يصبغ الصورة لأنه يعتقد ان الجذور الأولى لفكرة التضحية تمتد الى ما كان يسمعه من القصص الشعبية الدينية إضافة الى ما أكتسبه من مطالعاته في قصائد الرثاء العربية. فأنا أرى خلاف ذلك لأنه لم نجد أي أثر لذلك في قصائده وخاصة التموزية بل جاء من خلال تشبعه بالمفاهيم التي أكتسبها من مطالعاته المستمرة في الأدب الغربي الذي مهدت له الطريق لأكتشافه الكتاب المقدس وإرتوائه منه مما أدت بفكرة التضحية المسيحية أن تلازمه بشخص المسيح.
الموت والبعث
يقول السياب في رسالة بعثها الى صديقه يوسف الخال في 4/4/1959:
(( إنني أعتقد بان بعث الأنسان بعد موته هو أكبر أنتصار له على الفناء والعدم , إنه حين يبعث يكتسب صفة من صفات الإله)) .
بعد تمرده على الشيوعية أخذ السياب من الأيمان القوة الفاعلة في نضاله وأخذ من المسيح رمزا في صراعاته إلا أن ضعفه وتردده أمام هذا الجبروت جعلاه يتساءل:
   من الذي يسمع أشعاري
   فإن صمت الموت في داري
   والليل في ناري
   من الذي يحمل عبئ الصليب
من خلال دراستنا لقصائد بدر شاكر السياب نجد لا تخلو قصيدة من قصائده التموزية من آثار لفكرة التضحية وخصوصا في ديوانه أنشودة المطر , تلك الفكرة التي جاءت كنتيجة لمزج فكرة التضحية العراقية القديمة والتي كانت مرتبطة بالأسطورة الزراعية المرتبطة بموت الإله تموز وفكرة التضحية المسيحية والمنبثقة بموت المسيح وبعثه . الأولى كانت من أجل عودة الخصوبة للأرض أما الثانية فهي من أجل خلاص البشر وغفرانه من الخطيئة المميتة ومن أجل نشر السلام والعدل في العالم.
إن كان خلاص الأنسان في أدب وادي الرافدين يأتي عن طريق التضحية التي يقدمها الإله تموز:
   تموز لولا موته الدامي
   ما كان من عام الى عام
   يحيى فيحيي بالدم الآخرين
إلا أنها لدى الصينيين تأتي من خلال مزج الحديد بالدم من أجل صناعة الناقوس:
   لمن , لمن يدق كونغاي كونغاي
   أهم بالرحيل في غرناطة الضجر؟
   فأضطرت الرياح والغدير والقمر؟
   أم سمر المسيح بالصليب فأنتصر
   وأنبتت دماؤه الورود في الصخر
   أم أنها دماء كونغاي
وإذا كان نوح قد سخر كل الأمكانيات من أجل خلاصه وعائلته , إلا أن المسيح سخر كل شئ من أجل الأنسان الى حد قدم ذاته فداء" من أجل خلاص البشر لذا نراه يقول في قصيدته سفر أيوب:
   وأمتد نحو القبر درب: باب
   من خشب الصليب , فالمسيح
   مات, وفي الطوفان ضل نوح
وفي قصيدته النهر والموت يقول:
   أود لو غرقت في دمي الى القرار
   لأحمل العبء مع البشر
   وأبعث الحياة , أن موتي إنتصار
نجد ان السياب أستطاع أن يجعل من هذه الأساطير أن تنبض بنبضات مسيحية ووظف رموزها ( عشتار, تموز, طوفان, كونغاي...) من أجل ذلك.
كما وظف في قصيدته مرحى غيلان فكرة الميلاد - ميلاد الشمس- عند كهنة أيزيس يوم 25/12من كل سنة من أجل فكرة ولادة المسيح التي تعني لديه ولادة السلام والضياء:
   حيث المسيح يظل ليس يموت أو يحيا..كظل
   كيد بلا عصب, كهيكل ميت, كضحى الجليد
   النور والظلماء فيه متاهتان بلا حدود
   عشتار فيها بلا بعل
   والموت يركض في شوارعها ويهتف: يا نيام
   هبوا , فقد ولد الظلام
   وأنا المسيح , وأنا السلام
حيث أن الشاعر يؤمن أن ولادة المسيح تعني ولادة جديدة لتلك السنابل التي جاءت كنتيجة لموت إله الخير (تموز) :
   فكأن أودية العراق
   فتحت نوافذ من رؤاك على سهادي: كل واد
   وهبته عشتار الأزاهر والثمار. كان روحي
    في تربة الظلماء حبة حنطة وصداك ماء
   أعلنت بعثي يا سماء
   هذا خلودي في الحياة تكمن معناه الدماء
   بابا كان يد المسيح
   فيها كأن جماجم الموتى تبرعم في الضريح
   تموز عاد بكل سنبلة تعابث كل ريح
وكذلك يرى في بعث المسيح بعث جديد للأموات , أنه يمزج بين أسطورة الإله تموز الذي كان ينتظره العراقيون القدامى بفارغ صبر كي يعيد الخصوبة للأرض لتعطي ثمارا" وبين بعث المسيح الذي كان صلبه أنتصارا" وبعثه خلاصا" ... فيه أنتصر البرص والعميان والجياع و... لذا نراه يقول في قصيدته مدينة السندباد:
   خيل للجياع أن كاهل المسيح
   أزاح عن مدفنه الحجر
   فسار يبعث الحياة في الضريح
   ويبرئ الأبرص , أو يجدد البصر؟
وقد أصبح التوافق بين الحياة والموت ذروته في قصائده :
1- المسيح بعد الصلب التي يظللها  جو من الأطمئنان والبهجة , بهجة المضحي الذي صرع بموته أعداءه وتغلغلت دماؤه الى السنابل والماء والعجين وأنتقل بالموت من مجرد فكرة تتأرجح كالظل بين الدجى والنهار الى كنوز وثمار ودفء للأطفال:
   حين عريت جرحي وضمدت جرحا سواه
   حطم السور بيني وبين الإله
ففي قصيدته هذه يوحد السياب بينه وبين المسيح من خلال مونولوج درامي:
   بعدما انزلوني , سمعت الرياح
   في نواح طويل تسف النخيل
   والخطى وهي تنأى .إذن فالجراح
   والصليب الذي سمروني عليه طوال الأصيل
   لم تمتني .وأنصت: كان العويل
   يعبر السهل بيني وبين المدينة
فهو حين يتوحد بالمسيح  وبتموز يحس أن جيكور تمتد حتى حدود الخيال , كل شئ فيها أخضر حتى دجاها وعندما يلمس الدفئ قلبه يجري دمه في ثراها لأن قلبه هو الشمس وهو النور وهو الأرض التي تنبض بالقمح والزهر والماء والثمر , ان هذا القلب هو نفسه تموز وهو في ذات الوقت السيد المسيح الذي سوف يحل في كل من يأكل ويشرب:
  قلبي الشمس اذ تنبض الشمس نورا
  قلبي الأرض , تنبض قمحا, وزهرا", وماء" نميرا   
     قلبي الماء, قلبي السنبل
   موته البعث : يحيا بمن يأكل
   في العجين الذي يستدير
   ويدحى كنهد صغير, كثدي الحياة
   مت بالنار :أحرقت ظلماء طيني, فظل الإله
   كنت بدأً" وفي البدء كان الفقير
   مت, كي يؤكل الخبز بأسمي لكي يزرعوني مع الموسم
   كم حياة سأحيا: ففي كل حفرة
   صرت مستقبلا , صرت بذره,
   صرت جيلا من الناس: في كل قلب دمي
   قطرة منه أو بعض قطرة
فهو هنا يرى قيامة المسيح بعث جديد لقيامة الأموات حين يربط بين أسطورة تموز وقيامة المسيح التي كانت خيبة أمل لليهود:
   هكذا عدت , فأصفر لما رآني يهوذا
   فقد كنت سره
وفي موضع آخر يقول :
   قدم...قدم...قدم
   ألقيت الصخر على صدري
   أو ما صلبوني أمس ...فها أنا في قبري
   فليأتو...إني في قبري
   من يدري...إني...؟ من يدري
   ورفاق يهوذا ؟ من سيصدق ما زعموا
2- في قصيدته مرحى غيلان يكون السياب أكثر قربا حين يعيد خصوبة الأرض بعد عودة تموز الى يد المسيح التي يستنجد فيها :
   بابا... كأن يد المسيح
   فيها, كأن جماجم الموتى تبرعم في الضريح
   تموز عاد بكل سنبلة تعابث كل ريح
3- وهكذا الحال في قصيدته مدينة السندباد وغيرها....
   هكذا عدت, فأصفر لما رآني يهوذا
   فقد كنت سره


غير متصل Adris Jajjoka

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 633
  • الجنس: ذكر
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
الزميل الاْديب نزار حنا الديراني ،                                                                         

من الذي تريد ان تقوله بهذا المنشور ... لطفا ؟!