المحرر موضوع: المتنبي عند رفع الستار  (زيارة 1459 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل Janan Kawaja

  • اداري
  • عضو مميز متقدم
  • ***
  • مشاركة: 31322
    • مشاهدة الملف الشخصي
المتنبي عند رفع الستار
« في: 20:13 21/12/2018 »
المتنبي عند رفع الستار
أكتب هذه الكلمات وأنا عائدة من شارع المتنبي في بغداد. هذا الشارع كاد أن يتبدد إلى غير رجعة مع تفجيره في 15 مارس 2007.

ميدل ايست أونلاين/ عنكاوا كوم
بقلم: ميسلون هادي
الحلم موجود
 وجود للندوات وحفلات التوقيع والوقفات الاحتجاجية التي يقوم بها الشيوخ والشباب على قدم وساق
 جدران مقهى الشابندر عادت تمتلئ بصور قديمة لأهم الأحداث التي شهدتها بغداد

اليوم هو الجمعة وأكتب هذه الكلمات وأنا عائدة من شارع المتنبي في بغداد. هذا الشارع كاد أن يتبدد إلى غير رجعة مع تفجيره في الخامس عشر من شهر مارس/آذار عام 2007، فتحول يومذاك إلى ركام بفعل سيارة مفخخة أدت إلى احتراق أهم معالمه الثقافية والحضارية بشكل كامل، وإلى استشهاد الكثير من رجاله ومرتاديه بينهم (خمسة) من أبناء الحاج محمد كاظم الخشالي صاحب مقهى الشابندر الشهير الذي يوفر الأجواء الهادئة لمن يجلس فيه من المثقفين.
صور ذلك التفجير تناقلتها وكالات الأنباء، ولا تزال موجودة على غوغل، أما صوره الآن فتنقلها لكم صفحات الفيس بوك وباقي مواقع التواصل الإجتماعي لتشاهدوا كيف عاد هذا الشارع إلى الحياة مرة أخرى، وكيف امتلأ بالطلاب الباحثين عن مراجع لدراساتهم العليا، أو الأدباء الباحثين عن كتب جديدة صدرت في العراق، أو في أي بلد من بلدان العالم.
كل شئ موجود في شارع المتنبي، من الكتب والموسيقى واللوحات المعروضة في الهواء الطلق، وحتى الندوات وحفلات التوقيع والوقفات الاحتجاجية التي يقوم بها الشيوخ والشباب على قدم وساق.
أما الحاج الخشالي صاحب مقهى الشابندر العريق في شارع المتنبي ببغداد، فلم يعد يستقبل الفضائيات أو الصحفيين بدموع غزيرة حزناً على أولاده الخمسة الذين فقدهم في حادث التفجير، إنما وجد عزاءه الجميل في إعادة افتتاح المقهى واستقبال رواده مجدداً بعد إعادة إعماره ضمن حملة إعادة إعمار شارع المتنبي الذي يقع فيه المقهى. جدرانه عادت تمتلئ بصور قديمة لأهم الأحداث التي شهدتها بغداد، وأخرى لأشهر الشخصيات التي عرفها العراق في عهود مختلفة. ولا يزال صاحبه يمنع لعبة الدومينو في مقهاه لكي يوفر الجو الهادئ للمثقفين الذين يجتمعون فيه يوم الجمعة للدردشة وشرب الشاي وتبادل آخر إصداراتهم، أو لجمهور الشارع الذين يتوقفون عنده بعد جولة ممتعة بين بسطات الكتب ومحلاتها التي تنتظم الشارع من أوله حتى آخره.
أقول لنفسي دائماً، وبعد كل مرة أزور فيها هذا الشارع الذي يجمع النخبة مع الجمهور، بأن (المتنبي) مادام موجوداً فالحلم موجود بأن لا تغيب الشمس عن (بغ داد) التي يعني اسمها بستان الحبيب، فليس بعيداً عن شارع المتنبي يجري نهر دجلة الذي سبق أن حوله المغول إلى اللونين الأسود والأحمر لكثرة مارموا اليه من كتب ممزقة وبشر قتلى. غير أنه عاد يجري والنوارس البيضاء تحلق من فوقه، والناس تنزل إليه لكي ترتقي القوارب التي تنقلها من ضفة الرصافة إلى ضفة الكرخ وبالعكس. دائماً وأنا أصعد الزروق باتجاه العودة، أتلفت إلى شارع المتنبي، وأتخيل ذلك الممثل المسرحي النحيل الذي مثّل مشهداً مؤلماً قبل سنوات بين خرائب الشارع المتفجر، فوضع فوق رأسه صندوقاً خشبياً فارغاً دار به بين أنقاض شارع المتنبي، وهو يجهش بالبكاء.
ذلك المشهد الكابوسي انتهى، ورُفع الستار مرة أخرى عن شارع القراء والشعراء والكتاب الذي  يمرون كل جمعة من تحت تمثال المتنبي، أو يلتئم شملهم حول ساعة القشلة، أو يجلسون داخل المكتبات التي تضج باللقاءات واقداح الشاي. أبتسم وأنا ألتفت من القارب إلى هذا البستان الذي يزهر من جديد بعد كل محنة عظيمة.

إنه مشهد يبدأ وينتهي عند شعب يقدم عربون حبه للحياة من خلال حبه لهذا الشارع الثقافي العريق. وشارع المتنبي لن يكون كما هو عليه الآن لولا وجودنا جميعاً فيه  كل يوم جمعة عند رفع الستار.