المحرر موضوع: العطاء المسيحى للغة العربية  (زيارة 596 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل عنكاوا دوت كوم

  • مشرف
  • عضو مميز متقدم
  • ***
  • مشاركة: 37773
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
العطاء المسيحى للغة العربية


عنكاوا دوت كوم/ الشروق/إكرام لمعي

فى اليوم العالمى للغة العربية والتى أعلنته الأمم المتحدة 24 ديسمبر عقدت جامعة سيناء مع رابطة الجامعات الإسلامية ندوة قادها د. حسن راتب رئيس مجلس الأمناء بالجامعة وتحدث فيها الأستاذ إسماعيل شاهين الأمين العام لرابطة الجامعات الإسلامية، ودعيت لأتحدث عن «العطاء المسيحى للغة العربية وأردت أن أشارك قرائى بمختصر لكلمتى والتى بدأتها بالقول إن العطاء المسيحى للغة العربية لم يبدأ عند دخول الإسلام مصر والشرق الأوسط لكنه بدأ قبل ذلك بكثير فقد كان هناك مسيحيون عرب فى الجزيرة العربية وهناك دراسة مهمة عن المسيحيين العرب قبل عام 600 م قام بها د. عبدالمسيح اسطفانوس يقول فيها: «إن ظهور الإسلام لم يقض على المسيحية، لكن انتشاره جعل هناك تلاقحا بين الثقافة المسيحية والإسلام وقد اهتم المسيحيون العرب بتطوير العربية وتحسينها لأغراض أدبية ودينية قبل ظهور الإسلام. وأن الدراسة المدققة تؤكد أن الخط العربى بصفة خاصة نشأ وتطور فى أحضان المسيحيين وحرصوا على الاحتفاظ به وظلوا أوفياء للغة حتى الآن. يرى الأب سمير خليل اليسوعى، أنه لا أحد من العلماء يشك أن الخط العربى يرجع إلى أصل مسيحى». ويؤكد جواد على، أن الذين كتبوا بالقلم العربى الشمالى، الذى أخذ منه قلم مكة، هم من العرب النصارى، خاصة رجال الدين لحاجتهم إلى الكتابة فى تعليم أولاد النصارى وتثقيفهم، ويسرد «لويس شيخو» بعضا من أبيات لشعراء المسيحية مازال يرددها البعض حتى الآن، ففى قصة تتعلق بـ«حنظلة الطائى» قال «شريك بن عمر»: فإن يك صدر هذا اليوم ولى/ فإن غدا لناظره قريب «وهناك بعض من أخبار شعراء المسيحية الأوائل، مثل «حنظلة الطائى» و«هند بنت النعمان» التى كان لها دير باسمها فى الحيرة بالعراق و«عدى بن زيد العبادى» والذى كان شعره يعكس إحساسا إنسانيا مسيحيا، والأعشى الكبير، الذى فضله «يعود» على سائر شعراء جيله، وانتظمت أوزانه الشعرية وأصبحت موسيقاها محببة إلى كل الآذان، وقصائده تصور أفكار إنسان مسيحى، يدعو فيها إلى تعاليم مسيحية و«أمية بن الصلت» الذى أطلع على التوراة والأناجيل، وفى شعره الكثير من مقتبسات الكتب المقدسة و«عمرو بن كلثوم» الشاعر المسيحى الشجاع، وكان يعرف العربية كتابة وتدوينا و«قس بن ساعدة» الذى عرفوا منه أخلاقه وإيمانه بالمسيحية. وقد اختلف الدارسون حول وجود ترجمة عربية للكتب المقدسة ترجع إلى ما قبل الإسلام من عدمه فلم يستبعد الدكتور «جواد على» وجود ترجمات للكتاب المقدس فى الحيرة، لما عرف عنها من تقدم فى الثقافة والتعليم.
***
فى الوقت الذى كتب فيه «ابن النديم» فهرسته «سنة 988 م» كانت ترجمة كل من العهدين القديم والجديد للكتاب المقدس موجودة فى العربية فى أكثر من تعريب. بعد دخول الإسلام استعانت الدولة الأموية فى الشام بالمسيحيين فى إدارة شئونها فقد استعان معاوية بسرجون بن منصور رئيسا للديوان، وقنان بن متى كاتبا، وابن أثال طبيبا كما يقول أحمد أمين فى كتابه ضحى الإسلام. ومن العلماء المعروفين فى ذلك العصر نذكر يعقوب الرهاوى ( 640 – 708 م ) الذى ترجم كثيرا من كتاب الإلهيات اليونانى. ولهذا الرجل فضل كبير فى تعليم الناشئة من المسلمين حيث تردد النصارى أولا فى تعليمهم حتى أصدر يعقوب الرهاوى فتواه فى إجازة تعليم غير المسلمين التعليم الراقى. بدخول عمرو بن العاص مصر قام بإعادة البطريرك المصرى بنيامين الذى كان هاربا فى الصحراء من وجه الرومان ومنذ تلك اللحظة التاريخية المهمة تمصر العرب المسلمين وتزاوج العرب والمصريين فحدث تحول ثقافى ملحوظ فى تكوين الهوية المصرية حيث تكون نسيج ثقافى عربى إسلامى فى صيغة مصرية متفردة يختلف تماما عما كان عليه العرب القادمون من شبه الجزيرة وتنامى وتعمق مع الزمن حيث أسهم المسيحيون العرب فى الحضارة العربية وازداد هذا اتساعا ورسوخا تحت حكم الخلافة العباسية حيث قام أبو جعفر المنصور باستقدام الطبيب جورجيس بن بختيشوع إلى بغداد. وظلت أسرة «بختيشوع» ثلاثة قرون تتمتع بمكانة كبرى لدى الخلفاء العباسيين ووزرائهم وعلمائهم للاستفادة من علمهم فى الفلسفة والطب واللغات، مما أسهم فى بناء صرح الحضارة العربية الإسلامية كما أن عمالقة حركة الترجمة كانوا فلاسفة ومفكرين مسيحيين أمثال «قسطا بن لوقا» و«حنين بن إسحق» و«يحيى بن عدى» و«تيموثاوس الأول» و«أبى فرج بن الطيب» وغيرهم ومن المعروف تاريخيا أن الخليفة العباسى المأمون كان قد أسس «دار الحكمة» فى مدينة بغداد، ودار الحكمة هى دار نشر اهتمت بنقل التراث الفلسفى غير العربى إلى اللغة العربية وقد برع فى دار الحكمة بشكل خاص «حنين بن إسحق»، العالم السريانى الذى كان يتقن ثلاث لغات إلى جانب السريانية: «الفارسية، واليونانية، والعربية» وقد قام بترجمة العديد من الكتب إلى العربية مثل كتاب «السياسة» لأفلاطون من اليونانية إلى العربية، وفى عهد المأمون «81 ــ 833 م» ترجم «الحجاج بن يوسف بن مطر الحاسب» وهو نسطورى من الكوفة، من اللغة السريانية إلى اللغة العربية الكتب التسعة من العناصر لإقليدس. إن السواد الأعظم من هؤلاء النصارى كانوا من مصر. فى هذا الزمن البديع نشأ علم الكلام الإسلامى وهو المقابل لعلم اللاهوت المسيحى.
***
من هنا نستطيع القول إن التأثير المسيحى العربى الأصيل ذى الخلفية المصرية الفرعونية واليونانية أسهم بقوة فى نشأة الفلسفة الإسلامية من خلال الحوار الفقهى اللاهوتى العميق والمستنير والمنفتح. وهكذا نرى أن المسيحيين فى مصر لم يعيشوا مطلقا فى جيتو (مجتمع انعزالى) فى عصر النهضة العربية الحديثة اضطلع المفكرون والأدباء المسيحيون بدور متميز فى الثقافة العربية الإسلامية وكانوا أول من رفع لواء القومية العربية عاليا ضد حملة حركة التتريك العثمانية ونذكر من جملة هؤلاء البارزين على سبيل المثال المعلم بطرس البستانى مؤسس أول مدرسة عربية حديثة وأول معجم عربى مطول حديث باسم محيط المحيط. ومن هؤلاء المسيحيين الذين قدموا عطاءات ثمينة للمكتبة العربية جورجى زيدان مؤسس مجلة الهلال فى عام 1892 التى لاتزال تصدر فى القاهرة حتى اليوم. ومنهم العالم الكبير شبل شميل وسليم وبشارة تقلا مؤسسا صحيفة الأهرام عام 1875 ويعقوب صروف وفارس نمر من مؤسسى مجلة المقتطف التى تخصصت فى البحوث العلمية والفكرية والأدبية الراقية منذ عام 1876 ومنهم ناصيف وإبراهيم اليازجى (1847 – 1871).
***
وفى مطلع العشرينيات من القرن العشرين تشكلت الرابطة القلمية فى نيويورك، على أكتاف نخبة من المسيحيين المهاجرين من بلاد الشام، حيث فجرت أول حركة فكرية أدبية عربية فى العالم الغربى، انتقلت إلى الوطن العربى فشكلت ثورة أدبية طورت اللغة العربية. فقد أصبحت أعمال جبران خليل جبران، أبرز أعضائها، تتصدر واجهات مختلف مكتبات أمريكا وأوروبا، منذ ذلك العصر حتى الآن، باعتبارها من عيون الأدب العالمى. ومن أعضائها الكاتب المعروف ميخائيل نعيمة وعبدالمسيح حداد ورشيد أيوب وندرة حداد ومن جملة المسيحيين الذين لهم دور كبير فى الثقافة العربية والفكر العربى المعاصر، والكفاح الوطنى؛ سلامة موسى وأنطون سعادة وقسطنطين رزيق، وجورج طرابيشى وجورج حبشى وميشيل عفلق وجورج قرم وعزمى بشارة وكلوفيس مقصود وإدوار خراط وناصيف نصار ولويس عوض وكمال اليازجى وأنطون غطاس كرم وغالى شكرى وجورج صليبا وخليل رامز سركيس وفرانسوا باسيلى.
***
لم أجد ختاما لهذه الدراسة أفضل من كلمات الأمير الأردنى الحسن بن طلال فى كتابه «المسيحية فى العالم العربى» لا شك أن المسيحيين العرب هم من أهم أسس الوجود الإسلامى اللاحق لهم زمنيا وخاصة فى بنيانه الحضارى وأنهم مازالوا أحد أهم عناصر هذا الشرق وجوهره ووجودهم فيه حتمى مهما تعاظم التطرف الإسلامى حولهم وعلينا أن نناضل معا كمسيحيين ومسلمين كى تبقى شعلة المسيحية فى الشرق قائمة» ويقول: «لا يدور السؤال الآن حول مستقبل المسيحيين العرب وإنما العرب جميعا ومصيرهم المشترك، إن الفكر العروبى القومى الحضارى هو المؤهل لمواجهة دين (داعش) التكفيرى والتهجيرى الذى ينتهك حرمات الآخرين ومقدساتهم نحتاج لتفسيرات جديدة للكتب المقدسة متجاوزين التفسيرات القديمة التى كتبت فى سياق تاريخى وحضارى مختلف له ظروفه، إن التحولات الكونية والحضارية الواقعة الآن تحتم علينا أن نقدم إجابات لمعطيات العصر لشباب وأجيال تتساءل فى حيرة هاربين من التفاسير القديمة إلى الإلحاد أو اللامعنى».
إنها مسئولية كل عالم دين وكل صاحب قرار سوف يعطى حسابا عن مسئوليته أمام الله.

أي نشر، أو إعادة تحرير لهذه المادة، دون الإشارة الى " عنكاوا كوم " يترتب عليه أجراءات قانونية