المحرر موضوع: واقع و مستقبل المكونات الصغيرة العراق  (زيارة 1290 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل سامي المالح

  • ادارة الموقع
  • عضو فعال جدا
  • *
  • مشاركة: 164
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
واقع و مستقبل المكونات الصغيرة العراق
سامي المالح

العملية السياسية  في العراق، عملية المحاصصة والتوافقات والاتفاقات الطائفية والقومية، تدفع الدولة الفاشلة، عاما بعد آخر، الى المزيد من الأزمات والتعقيدات والصراعات ودوامات التدخلات الخارجية، وتعرض المواطن للمزيد من الأذلال والحرمان من ابسط مقومات الحياة الكريمة، وتحاصر حياته اليومية بالقلق والخوف والفساد والكذب و اليأس والنفاق الديني والمزايدات الطائفية والقومية.
من أكوام المآسي والاوجاع والكوارث التي عاشها الشعب العراقي، بعد سقوط الصنم، كانت حصة المكونات الصغيرة/ الأقليات الاثنية والدينية، هي حصة الأسد كما يقال. ذلك لأن العملية السياسية المشوهة التي انتجت دستورا مكبلا بالتمييز والشريعة والاستعلاء الديني والقومي والغزير بالتناقضات وعقد الصراع المستعصية، لم توفر الأمن والاستقرار في البلد، ولم تكن مشروعا لبناء دولة المواطنة والقانون والمؤسسات، ولم تفلح في حماية المكونات الصغيرة المسالمة، التي تفتقد مستلزمات  مواجهة الارهاب والدفاع عن النفس ومقاومة شهوات الفساد والتغيير الديمغرافي والنعرات العنصرية للقوى الطائفية والقومية المهيمنة بالمال الحرام المنهوب وبمسلحيها وميليشياتها وبتوظيفها المناطقية والعشائرية والمؤسسات والمراكز الدينية.
 من المعروف، وكما أثبتت تجارب الكثير من البلدان الديمقراطية المستقرة والمزدهرة، ان أقرار وممارسة حق المواطنة المتكافئة وضمان ممارسة الحقوق المشروعة للمكونات الصغيرة في البلدان والمجتمعات، مرهون بطبيعة النظام السياسي والاستقرار وأحترام القانون وحقوق الأنسان والحريات الأساسية وتطور العملية الديمقراطية و ترسيخ قيمها الأساسية (المواطنة المتكافئة، سيادة القانون ومساواة الكل في الحقوق والواجبات دون اي تمييز مهما كان، حرية الرأي والمعتقد والتعبير والتعايش والتضامن).
من أشد الكوارث والمصائب التي تعرض لها العراق كوطن والعراقيين من كل الانتماءات، وأشدها تأثيرا على المستقبل، وكنتيجة طبيعية لفكر وسياسات وفساد قوى الاسلام السياسي والقوى القومية ونظام المحاصصة والفساد، هي أضعاف روح المواطنة وأسس التعايش و التضامن والثقة بين المكونات العراقية من جهة وتغذية وتأجيج الروح الطائفية والتعصب المقيت وصراع الهويات من جهة اخرى.
أن ما تعرض له المسيحيون والايزيديون والتركمان والصابئة المندائيون والشبك والكاكائيون من الجرائم والاهوال، خلال الخمسة عشر عاما الماضية، نسف في الواقع، الى حد كبير ومخيف، قاعدة وأسس تواجدها التاريخي وتطلعها للعيش بأمان وسلام وكرامة وثقة بالمستقبل. ان النفاق والاكاذيب اليومية والتشدق بديمقراطية مزيفة لم تعد تنطلي على احد، فالاعمال والمواقف والسياسات على الارض في كل العراق، هي التي تتحكم بواقع هذه المكونات وتدفعها للنزوح المعذب والهجرة القاتلة، وتحطم ثقتها بالسلطات والمؤسسات الفاسدة والاحزاب والقوى السياسية المنشغلة بالصراعات الانانية الضيقة وبضمان حصصها من جسد وثروات البلد.
لقد وصلت صلافة القوى الاسلامية والقومية في البلد الى حد الاستحواذ المباشر على ارادة شعوب هذه المكونات، والى الاستيلاء بشتى الطرق على اصواتها في الانتخابات المشوهة من خلال القوانين والتشريعات الجائرة، ومن خلال صناعة مجموعة من الاحزاب والتشكيلات الكارتونية الكاريكاتيرية الفاسدة المنتفعة المرتبطة والموالية لها. ففي بغداد مثلا تفتقت مخيلة القوى والاحزاب الشيعية لتتمادى للمرة الاولى في التاريخ في تنصيب وتتويج شيوخ وقادة ميليشيات للمسيحيين. وفي كردستان، وكما يعرف الجميع، وتحدث عنه قادة من الحزبين الحاكمين في اكثر من مناسبة، وكما سمعته انا شخصيا منهم في أكثر من لقاء، هناك أشخاص وعوائل ودكاكين واحزاب معروفة  ومكشوفة جيدا صنعتها  احزاب السلطة وتغذيها منذ عقود من المال العام، وظيفتها الوحيدة لا تتعدى المزايدة قوميا على شعبها المغلوب على امره وتمزيق اوصاله دون خجل او حياء.
قد يبدو المرء متطرفا، حينما يؤكد، انه لمن السذاجة التعويل على قوى العملية السياسية ونتائج الانتخابات المشوهة و تشكيل الحكومة الجديدة، التعويل عليها للأرتقاء الى مستوى المسؤولية والبدأ بأصلاحات جذرية حقيقية، وتغيير جوهر وطبيعة العملية السياسية في البلد لتغدو عملية بناء واعمار وتربية وتعليم وصحة وخدمات وامن واستقرار وازدهار وتعايش و اصرار على وضع أسس صحيحة قوية صلبة لمستقبل واعد. في الواقع، ليس من الصعب على اي أنسان واعي مهتم ومتابع ادراك وفهم أستحالة حدوث هكذا أرتقاء وتغييرات وتطورات، لسبب واضح وحاسم هو  أن حصول ذلك سينهي دور هذه القوى والاحزاب وسيقضي عليها حتما، لأن وجودها وأستأثارها بالسلطات ونهب البلد مقترن بشكل عضوي بأفكارها وطبيعتها وبطائفيتها وقوميتها وتوافق مصالحها ونفاقها وفسادها المستشري، وبتواصل وأستمرار سعيها بكل الطرق والوسائل الى تجهيل الشعب وتعطيل العملية التربوية والتعليم والى القضاء على الحريات الأساسية والمعرفة والثقافة والفن والجمال والامل، و أصرارها على وأد وخنق كل تطلع الى النهوض والتحرك السلمي والمدني بغية التغيير والتطور في كل المجالات وعلى كل المستويات.
ليس خافيا على احد، أن احد اهم أسباب أستمرار العملية السياسية وتراكم الفشل والاوجاع، هو ان قوى المعارضة والمواجهة، القوى المدنية العاملة من أجل بناء دولة علمانية متحررة من أغلال الدين وقيود الشريعة ومخالب رجال الدين وحلفائهم من الفاسدين، دولة مواطنة وقانون، هي للاسف قوى ضعيفة ومتفككة. ولعله من الهام في هذا الصدد التأكيد بأن أحد مظاهر ضعف الحركة المدنية الديمقراطية والتحرك الجماهيري هو عدم الاهتمام الجدي بمشاكل المكونات الصغيرة والالتفات الى وتبني قضاياها والدفاع عن وجودها وحقوقها المشروعة. فرغم التحركات والمظاهرات والانتفاضات والتضحيات الغالية التي قدمها ويقدمها شباب اعزل في مختلف محافظات العراق، لاتزال الحركة الجماهيرية محدودة المدى والتأثير، ولقد اثبتت الايام والتجارب وآخرها في البصرة، بأنها لاتزال بأمس الحاجة الى:
تنظيم افضل وأكثر ديناميكية، تطوير الادوات والاساليب، برنامج واضح محرك جامع لكل الطاقات والقدرات، وأخيرا الى قيادة مخلصة شجاعة ثابتة متحررة من تأثيرات المرجعيات ونفوذ القوى المهيمنة، قيادة وفية حتى النهاية لتطلعات الملايين من المحرومين الفقراء من الاطفال والشباب والنساء المغيبين والمخدوعين وأبناء المكونات الصغيرة المنكوبة.
لا يمكن ان نخدع انفسنا، فليل العراق طويل، وان الاقليات ستعاني المزيد والمزيد. فعبثا تحاول احزاب هذه المكونات المشاركة في العملية السياسية والانتخابات وفي اعمال البرلمانات والحكومات المتعاقبة منذ عقد ونصف ان تخدع نفسها وتخدع شعوبها. فأغلب هذه الاحزاب التي أصيبت بنفس داء وامراض احزاب العملية السياسية المزمنة الخبيثة، والتي انتفعت واعتاشت على فتاة فساد القوى المهيمنة وحصلت على بعض الكراسي البرلمانية من كوتا مشوهة وبعض الحقائب الوزارية والوظائف الشكلية، لم ولن تفلح في ضمان الامان الحقيقي والتكافؤ والحقوق المشروعة لشعوبها ومعالجة المشاكل التاريخية المتراكمة وتحقيق انجاز مهم يذكر يوقف وينهي مأساتها. ليس هذا الاقرار الموجع من باب التشاؤم والدعوة للاستسلام. كلا، أنه أقرار بواقع مر وموجع، واقع تعيس تعيشه هذه المكونات يوميا، واقع من الهام جدا أقراره بموضوعية ومصداقية واستيعابه ومعرفة وتلمس مكامنه. ذلك للانطلاق منه كما هو، سعيا لأيجاد المخارج وتحديد المواقف الصائبة و لوضع الحلول والسياسات البديلة.
أن مصير المكونات الصغيرة ومستقبلها في العراق، الدولة الفاشلة، مرتبط بشكل وثيق بمدى نجاح كل الجهود الخيرة لتنظيم وتطوير حركة جماهيرية مدنية، حركة جامعة واسعة فعالة ومؤثرة ، حركة ترتقي لتصبح معارضة لجوهر وطبيعة العملية السياسية في البلد. فمستقبل مشرق لكل المكونات في العراق يكمن في بناء دولة معاصرة، دولة مواطنة وقانون، دولة علمانية مزدهرة لا مكان فيها للتمييز والغاء الآخر. تضحيات ونضال هذه المكونات من اجل الحقوق القومية والدينية والثقافية المشروعة كاملة، ومن اجل الحريات والمواطنة المتكافئة منذ اكثر من قرن، بعد تشكل الدولة العراقية، كان نضالا وطنيا و رافدا أساسيا ومهما من روافد نضال كل مكونات الشعب العراقي من اجل الاستقلال والحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية وبناء دولة مدنية علمانية معاصرة مزدهرة.
وفي هذه المرحلة المصيرية، حيث تتعرض هذه المكونات الى تهديد لنسف وجودها وقلعها من جذورها واجبارها على الهروب والهجرة القاتلة، على ابناء هذه المكونات أن تسابق الزمن من اجل:
- توحيد صفوفها  وخطابها وجمع كل طاقاتها وامكاناتها، و صياغة أهدافها الواضحة بأستقلالية وارادة حرة. ورفض الوصاية وتأثير المجموعات والاحزاب المنتفعة والانتهازية التي أثبت تاريخها بأنها لا تفكر ولا تعمل الا لمصالحها الضيقة الانانية التافهة.
- الاستمرار في العمل على التعريف بأوضاعها، بخطاب وبصوت واحد مفهوم وموضوعي،  في كل المحافل الدولية والمناسبات، لكسب الرأي العام العالمي وتضامن الشعوب و المؤسسات والدول ذات النفوذ والتأثير.
- العمل الدؤوب على نبذ التعصب الديني والقومي والتقوقع واليأس، والدعوة المستمرة للحوار وتقوية أسس التعايش بين الشعوب الشقيقة وكل المكونات في المجتمع، التي في اغلبها كانت ولاتزال ضحية للدكتاتورية والنفاق الديني والاسلام السياسي والتعصب القومي والصراعات على النهب والنفوذ والسلطات الفاسدة.
- ان تقف بثبات في خندق القوى والحركات والفعاليات المدنية، التي لا بد لها ان تنمو وتكبر وتتجاوز ضعفها وتفككها، خندق كل الجماهير في كل مكان في رفضها ومقاومتها للفساد والمحاصصة والطائفية وكل أشكال التعصب والتمييز، خندق العمل بصبر واصرار للأرتقاء الى مستوى طرح برنامج واقعي بديل لبناء دولة مدنية معافية ناجحة في العراق، دولة قانون ومواطنة ودستور علماني يضمن حقوق وامن وكرامة الجميع دون أستثناء، الكل من كلا الجنسين، من كل المكونات، صغيرها وكبيرها، من كل الاديان والاثنيات والطوائف والمناطق.
 


غير متصل اخيقر يوخنا

  • عضو مميز جدا
  • *****
  • مشاركة: 4982
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
رابي سامي المالح
شلاما
كل عام وتنعمون ببركة المسيح
سيدي الكريم
مقالكم  هذا سلط الضوء على الواقع السياسي العام  وخاصة واقع شعبنا والاقليات القومية  الاخرى الاكثر ضررا في الحراك السياسي العراقي ،  ولعل اهم نقطة اراها مفيدة  جدا هو قولكم ( - الاستمرار في العمل على التعريف بأوضاعها، بخطاب وبصوت واحد مفهوم وموضوعي،  في كل المحافل الدولية والمناسبات، لكسب الرأي العام العالمي وتضامن الشعوب و المؤسسات والدول ذات النفوذ والتأثير) انتهى الاقتباس
نعم ان صوتنا يجب  ان يرتفع في المحافل الدولية ليشكل قوة ضاغطة لتحريك الوسط السياسي ذو النزعة المدنية لصالح الجميع 
الرب يبارك
تقبل تحياتي

غير متصل وليد حنا بيداويد

  • عضو مميز جدا
  • *****
  • مشاركة: 3064
    • مشاهدة الملف الشخصي
الأخ سامي المالح المحترم
بعد التحية
سرد جميل ومركز وتحليل واقعي ومسلط الضوء الأحمر على الوضع السياسي الراهن في العراق
انها الحقيقة الكارثية بعد العام 2003 يعيشها العراقي في ظل الحكام الجدد.
تحيتي