المحرر موضوع: النساء المسيحيات الأرامل في يعقوبية إدلب ...تقرير مركز (لينداو) الألماني  (زيارة 1653 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل عنكاوا دوت كوم

  • مشرف
  • عضو مميز متقدم
  • ***
  • مشاركة: 37773
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
النساء المسيحيات الأرامل في يعقوبية إدلب

عنكاوا دوت كوم/مركز لينداو الطبي: أحمد طلب الناصر

مركز (لينداو) الألماني

اليعقوبية، قرية صغيرة وادعة، تقع في ريف إدلب الغربي شمال سوريا، بالقرب من الحدود التركية.

تركت الحرب في سوريا آثاراً وجروحاً لا تندمل؛ منها ما تعرضت له كلّ من بهية وجوزفين وفوميا وعزيزة بشكلٍ قاسٍ.

النساء الأربع هنّ من المسيحيات، أرامل، وقليل من يعلم بما يحدث هناك؛ فقبل الحرب كان أغلب سكان اليعقوبية من أبناء الدين المسيحي الذين يعيشون جنباً إلى جنب مع بقية أبناء الشعب السوري متعدّد الديانات والمذاهب.

لم نكن لنعرف حالة تلك القرية ونسوتها اليوم لولا الدكتور المهندس عدنان وحّود، العالِم السوري، ذلك الجندي المجهول الذي تخلّى عن راحته الجسدية والماديّة في سبيل العمل الطبّي والإغاثي في الداخل السوري الخاضع لسيطرة المعارضة، لا سيما في ريفي إدلب وحلب.

وعن الدكتور وحّود، لنا وقفة وافية للحديث عن عمله وإنجازاته العلمية والإنسانية ضمن المشهد السوري والعالمي منذ ما قبل الانتفاضة السورية.

في أثناء إحدى زياراته الدورية لمركز (لينداو) الطبي في اليعقوبية، علم الدكتور وحّود بوجود النسوة الأرامل، وشرع سريعاً لتقديم المعونات لهن. واليعقوبية هي البلدة الثالثة التي أنشأ فيها وحّود مركزاً من أصل سبعة مراكز طبية ألمانية في الداخل السوري؛ عندها تواصل مع مختار القرية، المسيحي آنذاك الذي غادر سوريا في ما بعد إلى تركيا ثم إلى بلجيكا بسبب الضغوط وظروف أسرته.

يعيش اليوم في اليعقوبية قرابة سبعة آلاف نسمة. نصفهم مسيحيون والنصف الآخر مسلمون نازحون من مناطق سورية عدّة.

وفي حرب فصائل المعارضة مع جيش النظام السوري، وقع المسيحيون بين جبهات القتال. ما أدّى إلى فقدان عدد من الأسر لمعيلها؛ وآخرون مثل الأب الفرنسيسكاني حنا جلوف خُطِفوا من قبل بعض المتشدّدين.

    في المركز الطبي، حيث يعمل المسيحيون والمسلمون جنباً إلى جنب:

رجل الدين المُختطف، حالفه الحظ بعد أن قضى أياماً عدة محبوساً، تركه مختطفوه ليعود إلى الدير في القنية قرب اليعقوبية؛ ومنذ ذلك الحين يولي الأب حنا عناية خاصة بالنساء، لا سيما المتضررات منهن من جراء الحرب وفقدانهن أقرباءهن. وخلال جولته الأخيرة للمركز الطبي في اليعقوبية، تعرف وحّود في القرية على الأب حنّا، وبعد ملاحظته للوضع البائس المحيط بإحدى النساء، تحمل إجازة في الأدب العربي، وتسعى بكل الوسائل لتؤمن دخلاً مالياً يعين أسرتها على أساسيات الحياة، قرر الدكتور تعيينها متدربة تمريض في البداية، ثم تسلّمت عملها ممرضة في المركز الطبي؛ وكان حالها كحال الصيدلانية ومساعدة التنظيف.

لم يكن يعلم حينها أن عدداً كبيراً من المسيحيات السوريات في اليعقوبية وما حولها صعبٌ للغاية، إلا بعد حديثه مع العاملات في المركز ومع الأب حنا. كثيرات منهن تخطين سن السبعين ويعشن وحيدات، وأحياناً يرسل لهن أولادهن المغتربون مساعدة ما. لكنهن يعتمدن في الأغلب على المساعدة الوحيدة المقدمة من الدير الفرنسيسكاني.

يعلّق وحود: في هذه المناطق من سوريا لا يحصل الإنسان على أي معاشات تقاعدية أو ما شابهها، لقد تحطم كل ما له صلة بالإنسانية، إنها الحرب بكل بساطة.

ومن دون تأخر، قرر وحّود، المسلم الألماني ذو الأصول السورية، أن يقدم لعدد منهن مساعدة مالية شهرية. وتعبيراً عن شكرها، قدمت جوزفين هدية، قماشاً رهيفاً، غطاء طاولة قامت بشغله يدوياً عندما كان بصرها يساعدها على ذلك؛ صاحبة الـ 76 عاماً لها اليوم أخ وحيداً يكبرها، وقد قضت سنوات طويلة تمارس الأعمال اليدوية البيتية لتكسب من خلالها لقمة العيش. لكن الآن، وبعد أن أصبح بصرها ضعيفاً، مع انعدام وجود طبيب عيون في اليعقوبية لتذهب إليه، أصبحت عاجزة عن العمل.

مصير مشابه تشارك به الخياطة بهية، أبناؤها الأربعة يعيشون اليوم في مدينتي حلب واللاذقية الواقعتين تحت سيطرة النظام السوري، ولا يستطيعون تقديم المساعدة لوالدتهم؛ ومنذ أن ضعف بصر بهية لم تستطع ممارسة مهنة الخياطة، وتعيش في هذه الأيام من مساعدة الدير.

وبعد التعاون مع الأب حنا، يقوم وحود بمساعدة 25 أرملة من خلال دفعات شهرية قيمتها 50 دولار، وقد لقيت تلك المساعدات من النساء كثيراً من الشكر لحصولهن على هذه المعونة المنتظمة، هذا ما شعر به وحود بعد لقائه بهنّ وبالأب حنا جلوف، أواسط ديسمبر/ كانون الأول المنصرم.

كانت النسوة تجتمعن لتجهيز الاحتفال بعيد الميلاد المجيد الأخير، فما يجمعهن هو الفرح بقدوم هذا العيد الديني والاجتماعي بغض النظر عن الأوضاع المحيطة. وكان أهالي القرية من السوريين (الكاثوليك) يؤدّون صلاتهم الأولى عادةً في المساء المتأخر من يوم 24 كانون الأول/ ديسمبر، ولكن بسبب الأوضاع الأمنية المحيطة أضحت تلك الصلاة تقام بشكل مبكّر في الخامسة من بعد الظهر، كما أبلغ الأب حنّا الدكتور وحّود.

    هدايا عيد الميلاد المجيد

يقول وحّود: في اليوم الأول والثاني لعيد الميلاد، يتبادل المسيحيون في اليعقوبية وما حولها الزيارات والتهاني مع الأقرباء والأصدقاء بعد الصلاة في الكنيسة، وكذلك يتبادلون هدايا عيد الميلاد في السادس من كانون الثاني/ يناير من العام الجديد تيمناً بالقديسيين الملوك الثلاثة الذين قدموا الهدايا للمسيح المولود الجديد، هكذا هي عادات الكاثوليك وأعرافهم في سوريا.

وبالإشارة إلى السؤال في ما إذا كان للمسيحيات أمان ورغبات خاصة بمناسبة عيد الميلاد، يجيب وحّود: هن سعيدات حين يجدن من يهتم بهن، فهذا كفيل بشعورهن في الوجود والذاكرة؛ بخصوص المستقبل، هن لا ينتظرن الكثير، فالناس يعتريهم العجز تجاه الحرب، وهذا الشيء لا يخص المسيحيين في اليعقوبية فحسب.

ويستطرد وحود: بعد إنشاء النقاط العسكرية التركية حول إدلب وجنوب حلب توقف قصف الطيران الحربي الروسي والسوري بشكل كبير، وهذا ما زرع أملاً نسبياً بالقرب من طريق السلام؛ الناس هناك يأملون كثيراً في الدور الدولي في بسط الأمن والسلام للعبور إلى مجتمع العدالة والقانون.

    من هو عدنان وحّود، وما هو مركز (لينداو) الألماني؟

بعد حصوله على الشهادة الثانوية في العاصمة دمشق، وكان آنذاك صاحب خبرة في مهنة النسيج التي تعلمها من والده، غادر لدراسة الهندسة الميكانيكية والتخصص في علوم النسيج وصناعة آلاته في ألمانيا عام 1971.

حصل عام 1980 على شهادة الماجستير، وسجّلت شركة سولتزر السويسرية أول اختراع باسمه عام 1981 وعام 1983 حصل في المعرض العالمي لآلات النسيج في ميلانو على جائزة صناعة الآلات الميكانيكية والمنشآت الألمانية.

عُيّن مهندس أبحاث في جامعة آخن الهندسية، وعام 1987 حصل على درجة الدكتوراه. في هذه المدّة أجرى عدداً من الأبحاث العلمية ونشرت نتائجها في أوروبا وكثير من دول العالم، وبلغ عددها ثلاثون منشوراً علمياً. وسجل له في ألمانيا ما يقارب 75 اختراعاً، وجرى تسجيل أغلبها في كل من الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا واليابان والصين وتركيا.

عام 2004 حصل على وسام المخترعين في ألمانيا وعام 2011 على وسام الإبداع في معرض تكنولوجيا النسيج في فرانكفورت.

بدأ منذ عام 2012 رحلاته إلى سوريا لتقديم المساعدة للمحتاجين بشكل مباشر، وفي بداية عام 2013 طرح فكرة إنشاء المراكز الطبية، فانطلق العمل في أول مركز باسم مركز لينداو الطبي في تقاد في ريف حلب الغربي الذي يقدم الرعاية الطبية والدواء مجاناً؛ نقلت أخبار المركز إلى الصحافة الألمانية، ما أدى إلى توجه عدد كبير من الألمان بتبرعاتهم إلى هذا المشروع، ليزداد عدد المراكز الطبية إلى سبعة مراكز تنتشر في ريفي حلب وإدلب.

وللدكتور وحّود كتاب، أدبي- علمي، يتحدّث فيه عن سيرته الذاتية وأهم إنجازاته العلمية، عنونه بـ عالم من دمشق.

أما مركز لينداو الطبي في اليعقوبية، فقد نشأ في تشرين الثاني/ نوفمبر من عام 2014، وهو يقدّم الفحص الطبي والدواء مجاناً لجميع أهلها، المسيحيين والنازحين من المسلمين من المناطق الأخرى. ويحتوي المركز على طبيب وصيدلانية وممرضة ومديرة ومساعدة تنظيف، ومنذ أن افتتح هذا المركز استمر عمله من دون انقطاع الى اليوم، ويستقبل هذا المركز 1200 مريض شهرياً؛ ويستمد دعمه المالي لتأمين رواتب الموظفين والأدوية والنفقات العامة من المتبرعين الألمان عن طريق نشاط الدكتور عدنان ومعارفه في ألمانيا، لا سيما من المدينة التي يقيم فيها التي أطلق اسمها على المراكز عرفاناً لأهلها الذين لا يرغبون في ذكر أسمائهم ودعمهم للسوريين، مدينة لينداو.

 
أي نشر، أو إعادة تحرير لهذه المادة، دون الإشارة الى " عنكاوا كوم " يترتب عليه أجراءات قانونية