المحرر موضوع: صحيفة الزمان العراقية في أرمينيا.. (الزمان) تتجول في بلد الكنائس والمتاحف والمشاهير (1)  (زيارة 882 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل Sound of Soul

  • الاداري الذهبي
  • عضو مميز متقدم
  • *******
  • مشاركة: 13100
  • الجنس: أنثى
  • اردت العيش كما تريد نفسي فعاشت نفسي كما يريد زماني
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • http://www.ankawa.com/forum/index.php/board,53.0.html






 عنكاوا كوم \ ملحق أزتاك العربي للشؤون الأرمنية




أحمد عبد المجيد

سألني صديق مقيم في اسطنبول: لماذا لم تختر تركيا، هذه المرة، وقلت: لانني اريد اكتشاف ارض لم تطأها قدمي. ولذلك كنت على موعد مع ارمينيا البلد الغارق في الماضي، بكل ما تعنيه الكلمة من معنى.

فهو غارق في مشكلة مع تركيا عمرها اكثر من قرن من الزمان ودأب على نقل تركتها الدموية الثقيلة الى الجيل الحالي، فعمدت السلطات الارمينية على جعلها ذاكرة متقدة لن تغيب احداثها عن الضمير الجمعي تؤسس عليها مسوغات القطيعة مع الجار الذي لا يفصله عنها سوى جبل شامخ هو ارارات. وتقول الاستعادة الدينية ان سفينة نبي الله نوح رست على قمته وهي تحمل من كل زوجين اثنين. ولكي تكتمل اجراءات هذه العملية، التي لا تستقيم، في رأيي، مع الطبيعة الجغرافية لبلدين متجاورين تجمعهما حدود مشتركة طويلة وتاريخ حافل من العلاقات الضاربة في القدم يمكن الاطلاع على بعض وقائعها في المتحف المسمى (الجينوسايد) او الابادة الجماعية، المقام على ارض تتسع لقيام دولة بحجم الفاتيكان. ولابد هنا من العودة الى التاريخ للاطلاع على الطبيعة المعقدة بالنسبة للحدود بين تركيا وارمينيا. فقد اسفر تفكك الإمبراطوريتين العثمانية والروسية في نهاية الحرب العالمية الأولى عن خلق  عدد من الدول الجديدة. ففي أيار 1918  أعلنت أرمينيا الشرقية استقلالها كجمهورية، بعد أن كانت جزءا من الإمبراطورية الروسية، وفي نيسان 1920  أمر الحلفاء المنتصرون، وهم يفككون الإمبراطورية العثمانية، بضم أرمينيا الغربية إلى الجمهورية الجديدة وبتعيين الرئيس الأمريكي وودرو ويلسون للتحكيم في قضية الحدود بين تركيا (التي خلفت الامبراطورية العثمانية) وأرمينيا. وفي تشرين ثان 1920  وضع ويلسون خريطة الحدود، على أساس مجموعة متنوعة من العوامل الجغرافية والديموغرافية والعرقية والتاريخية، التي جُمعت تحت إشراف الجيش الأمريكي من قبل الشعبة الطوبوغرافية في دائرة المسح الجغرافي الأمريكية. ومع ذلك، فإن معاهدة سيفر، التي اشترطت استقلالية أرمينيا واعترفت بتحكيم ويلسون، لم تُبرم أبدا. ثم أطاح القوميون الأتراك بقيادة مصطفى كمال اتاتورك بنظام السلطنة التركي، وأقاموا الجمهورية وغزوا أرمينيا، وفي النهاية أجبروها على التخلي عن الكثير من الأراضي التي كانت قد مُنحت للدولة الجديدة، إثر تحكيم ويلسون. كما غزت القوات الروسية البلشفية أرمينيا أيضا وضمت ما تبقى من الجمهورية المتداعية إلى الاتحاد السوفياتي الجديد. ولعلها مصادفة اني وصلت العاصمة الارمينية يريفان تزامنا مع حدثين سياسيين ينطويان على كثير من المعاني. فغداة زيارتي تابعت عبر التلفزيون الخطاب اللاهب الذي القاه رئيس الوزراء الارميني (الجديد) الصحفي السابق البالغ من العمر 43 عاماً نيكول باشينيان، وسط تجمع مليوني شهدته ساحة المتحف الوطني وسط العاصمة، وتعهد فيه بمواصلة جهود حكومته في ملاحقة مافيات الفساد وتحقيق حلم الغالبية بالعدالة والحرية والاستقرار الاجتماعي، وابلغني محام ارميني من اصل سوري التقيته عند نصب الموسيقار الكبير ارام خاشدوريان في ساحة دار الاوبرا، ان باشينيان يحظى بتأييد شعبي واسع وانه محبوب من الغالبية واستطاع خلال المئة يوم الماضية من توليه منصبه الاطاحة بكبار الفاسدين واستعادة نحو مئة مليون دولار استحوذوا عليها بالسرقة والاحتيال. وهذا الرقم يبدو كبيرا او لا يستهان به بالنسبة لبلد ذي ميزانية متواضعة تعتمد مصادرها على السياحة والزراعة والمساعدات الخارجية وبعض ثروات الخام، كأرمينيا.



فعاليات عفوية


وكان التجمع المليوني، الذي سبق وصولي الى يريفان، قد شهد فعاليات شعبية عفوية، احاطني بتفاصيلها صديق مقيم في ارمينيا منذ بعض الوقت. وقد حضر مع اصدقاء دعوه الى المناسبة، فرقص وهتف خلالها الجميع بمن فيهم صديقي، برغم ان لا ناقة ولا جمل له في وجود باشينيان او غيره على رأس السلطة في بلاد لا يعرف العراقيون، فضلا عن العرب، عنها الا بعض المشتركات التي استقوها من مواطنيهم الارمن في بلدانهم، والذين نزح اغلبهم الى جمهورية ارمينيا وسط اغراءات الحصول على الجنسية والامان وممارسة طقوس الطائفة اليعقوبية. وعند مراجعتي لتفاصيل الاجراءات الصارمة والسريعة التي اتخذها رئيس الوزراء الارميني خلال المئة يوم وجدت ان ابرزها هو الاطاحة بقائدي الشرطة والامن الوطني حيث يبدو ان رأس الافعى (الفساد) تتمثل فيهما، وانه استطاع المضي باجراءات مكافحة مافيا الفساد بفضل قراره الشجاع. فقد مهد له ايضا الطريق نحو تصفية بؤر استنزاف موارد الكمارك، وبالتالي زيادة مداخيل الميزانية العامة منها. وبعبارة اوضح فان باشينيان ورث تركة ثقيلة لكنه بإرادة معززة بتأييد شعبي واسع، قضى على رؤوس ما يصطلح عليه بالدولة العميقة في البلاد واستعاد هيبة الحكومة التي كانت مفقودة، قبله، او مغيبة تحت مسميات وعناوين حزبية تقليدية. والعبرة في تجربة باشينيان هي امكانية اي قائد سياسي يتولى مسؤولية رفيعة ان يحقق انجازات مهمة، اذا توافرت لديه مقومات تؤهله لاتخاذ قرارات حاسمة، حتى لو كانت من طراز القضاء على الاحتيال والفساد الراسخين. وكان البرلمان الارميني انتخب زعيم المعارضة باشينيان رئيسا للوزراء بعدما قاد احتجاجات واسعة ضد الحزب الحاكم استمرت اسابيع، ما شكل تحولا في المشهد السياسي في البلاد، وصوت لصالح باشينيان يومها 59 نائبا مقابل 42  عارضوا موقفه. ووعد باشينيان قبيل جلسة التصويت بضمان (عودة الحياة الى طبيعتها في البلاد، ولن يكون هناك فساد في ارمينيا)، وقال (سنطوي للمرة الاخيرة صفحة الاضطهاد السياسي). واما الحدث الثاني الذي شهدته في هذه الزيارة الى ارمينيا، فهو قيام المستشارة الالمانية انيجلا ميركل بزيارة ارمينيا في اطار جولة شملت كييف وتبليسي فضلا عن يريفان واستغرقت نحو  24 ساعة. وقد عدت الزيارة جزءا من الدعم الاوربي لارمينيا بعد التحول الذي شهدته على يد باشينيان، حيث لجأ الى ديمقراطية تحريك الشارع على حساب التمثيل البرلماني الناجم عن الاقتراع الحر، كما تعد في رأيي رسالة الى روسيا وتركيا اللتين يطاردهما شبح الماضي ازاء هذا البلد المنسلخ عن الاتحاد السوفياتي السابق، ومازال كل شيء فيه، بدءا من مبانيه العملاقة ولغته الدارجة ورموز حقبه السابقة وانتهاء بعلاقته التجارية، يخضع لحسابات المراجعة وتحولات السياسة الدولية المدفوعة في الغالب من الضغط الامريكي والدهاء البريطاني. ويمكن تلمس التأثير الملحوظ في خريطة الاوضاع في ارمينيا من حجم الحضور الامريكي البريطاني عبر مؤسسات المجتمع المدني والمشاريع الثقافية، وكذلك من الايحاء الذي يدل عليه وجود اكبر مباني السفارات تقوم على الارض الارمينية تحملان العلمين الامريكي والبريطاني، وتكفي الاشارة الى ان الاخيرة تقع الى جوار مبنيي الحكومة الارمينية ورئاسة الجمهورية في احد اهم الشوارع في يريفان. لقد تسببت زيارة ميركل باختناقات مرورية نادرة الحدوث في شوارع العاصمة وسار موكبها وسط مظاهر شبه احتفالية بينها برتوكولية كتعليق الاعلام الالمانية، بالوانها الاسود والاحمر والأصفر والارمينية بالوانها الازرق والاحمر والبرتقالي على الاعمدة، فضلا عن تعطيل سير المركبات في ابرز شرايين حركة المرور داخل المدينة، وقت الظهيرة. وكنت على متن الطائرة التي اقلتنا الى بغداد نستعد للاقلاع عندما غادرت ميركل مطار يريفان متجهة الى اذربيجان. وتسببت بحجز الركاب لنحو  45 دقيقة داخل الطائرة فتأخر موعد اقلاعها وسط حالة من الاستياء والاختناق داخل الطائرة نتيجة ما اعلن عن (وجود حركة على مدرج الطائرات يحول دون اقلاع الرحلة رقم 793). وتكمن اهمية زيارة ميركل الى ارمينيا في انها اول زيارة رسمية لمستشار الماني على الاطلاق. واجرت مباحثات ذات طبيعة مصيرية بالنسبة للاتحاد الاوربي ولدول جنوب القوقاز حيث تفقدت في جورجيا الخط الحدودي الاداري الذي يفصل المنطقة التي تديرها تبليسي عن الاقليمين الانفصاليين ابخازيا واوسيتيا الجنوبية. واكدت ميركل دعمها لجورجيا امام روسيا التي دخلت في حرب دموية معها. وقالت مصادر ان (جولة ميركل تعد مهمة جدا لان المنطقة المشمولة بزيارتها منطقة جاذبة لالمانيا بسبب ثرائها بالمواد الخام). ومن مظاهر الدعم الذي قدمته ميركل الى يريفان قيامها بزيارة النصب التذكاري (تشيستر ناكبريد)، لتكريم ضحايا الابادة الجماعية الارمينية، فضلا عن زيارة مركز تومو للتكنولوجيا الابداعية، وبالمقابل فان زيارة المستشارة الالمانية جورجيا، في اليوم التالي، حملت ذات الاهمية اذ أن روسيا تقدم الحماية العسكرية للمنطقتين الانفصاليتين، واعترفت باستقلالهما عقب الحرب التي وقعت عام2008 . ومنذ ذلك الحين، تدعم روسيا المنطقتين بمساعدات مالية تقدر بالمليارات. ولا يزال هناك قوات روسية منتشرة في المنطقتين، رغم إبرام اتفاقية سلام بوساطة الاتحاد الأوروبي. ووفقا للقانون الدولي، فإن المنطقتين تابعتان لجورجيا. وكانت ميركل قالت في مستهل زيارتها لتبليسي انها تتبنى تصنيف جورجيا كدولة آمنة وليست مصدرا للاجئين، مضيفة انه (بعد تحرير تأشيرة الاتحاد الاوربي امام المواطنين الجورجيين تقدم الكثيرون منهم بطلب اللجوء الى المانيا، على الرغم من ندرة عدد من اعترفت بهم السلطات الالمانية كلاجئين). واشارت الى (تراجع اعداد اللاجئين القادمين من جورجيا ثانية، وذلك بفضل مساعدة الحكومة الجورجية). واكد رئيس وزراء جورجيا ماموكا باختادزه خلال مؤتمر صحفي مشترك رغبة بلاده في ان تصبح عضوا بالاتحاد الاوربي وحلف شمال الاطلسي (الناتو) وقال (لكن ليس لدينا اوهام فعندنا الكثير مما يجب عمله ونحن جزء من الحضارة الاوربية). وتسعى جورجيا منذ سنوات الى عضوية الاتحاد الاوربي، وكمدخل لذلك قامت ببعض الاجراءات من بينها مكافحة ظاهرة الهجرة عبرها الى اوربا، وكان عراقيون اقاموا في جورجيا قد استفادوا من تسهيلات حكومية فاشتروا اراضي او استثمارات عقارية للحصول على حق الاقامة، لكن تبليسي اوقفت تلك التسهيلات ومنعت التدفق العراقي القادم اليها عبر السفرات السياحية في الغالب. وعشية سفري الى ارمينيا اعتزمت الحصول على بعض المعلومات المفيدة عن البلد ولكن لم يمدني موقع يوكيبديا سوى ببعض المعلومات السياحية والتاريخية، في الغالب، ولا تعدو كونها جمعا من مصادر بعضها قديم او غير رصين وبعضها مقتضب يحتاج الى تحقيق. وعزمت زيارة تلال تشاخكا دزور وقصر اجاينياك وسوق الفنون (فيرنيزاج يريفان) ومتحف مار تيروس او ساريان، لكن برنامجا واقعيا وضعه لي صديقي الدكتور عدنان ابو السعد، الزائر الدائم والمحب المعجب بأرمينيا قادني الى مواقع سياحية واثرية اكثر اهمية، ولاسيما في المدن التي تحتضن قلاعا وكنائس ضاربة في القدم، ومن بينها اشيميادين، المدينة الزراعية التي تحتفظ بكنيسة مشيدة في العام 680  ميلادية، وكنيسة مع ملحقات لاهوتية عملاقة محاطة بساحات وحدائق وقاعات لدراسة اللاهوت مزينة بأشجار الاكاسيا. وهذه الكنيسة شملها اعمار وتأهيل، ورأينا ايادي العمال الماهرين تشتغل بسقوفها وجدرانها ونصبت في اجزاء من محرابها اليات بناء شاهقة لترميم الرسوم والزجاجيات المزدانة بها. وتبرز للعيان مدينة اشيميادين، نظيفة تحظى برعاية بلدية وخدمات وبعض المباني الحكومية اللائقة. ويبدو ان طبيعة هذا المحط السياحي كانت عاملا في الرعاية الحكومية التي خصصت لها، فضلا عن الثقل الديني الذي يتمتع به اساقفة الكنيستين، وقد توافد اليهما جمهور واسع من الزائرين بعضهم حجاج مسيحيون وبعضهم تواقون للاطلاع على روحانيات المدن وحياتها، وصادف ان مجموعة سياحية لبنانية كانت في زيارة قاعة ملحقة بالكنيسة لاقامة مراسم التعميذ، الذي لم نزر كنيسة الا وقد وجدنا احتفالا عائليا بشأنه.




احتفال عائلي



وصادف ايضا في الكنيسة الاولى ان اقيم احتفال عائلي بعرس بدت مظاهر البحبوحة على ملابس واستعدادات القائمين عليه. فالعريس والعروس يستقلان سيارة بيضاء مكشوفة ويحيطان بهما مصورون بكامرات تلفزيونية وفوتوغرافية، لتوثيق احدى اهم محطات حياة الانسان الراغب بدخول عش الزوجية (الذهبي). وكل ذلك يجري وسط طقوس دينية توقد فيها الشموع لطلب النذور وتزدان منصة الاقتران بالزهور الطبيعية، فيما يتقلد الاب راعي الكنيسة انجيل الوشاح المزخرف المخصص لمراسم الزواج وينثر الماء المقدس على العروسين والحضور لشمولهما بالبركة الربانية. وكنت ميالا الى استثمار اي زيارة الى مواقع الكنائس بشراء شمعة او اكثر (من قبيل الاهداء) لايقادها في ما يعرف بـ (المذبح) وهو يستقبل يوميا الاف المصلين، ما يعني ان الحوض المعدني الذي تغرس فيه يظل مضاء طيلة النهار وبعض اجزاء من الليل. وابواب الكنائس لا تغلق وهي لا تكتفي بان تزرع الطمأنينة والايمان في نفوس الزائرين بل تنشر في النفوس طبائع الخير والتواضع من خلال السلوك اليومي الذي يمارسه رجال الدين استلهاما لتعاليم سيدنا المسيح بن مريم عليه السلام، ورأيت جلهم من الشبان، مع اولئك الذين يتقاطرون على منابرهم تقربا الى الله ورغبة في رضا السيدة العذراء. ولا تبعد مدينة اشيميادين عن يريفان سوى 23  كيلومترا ويحفل الطريق اليها بمزارع العنب والفواكة، وتقع فيها بعض المستوطنات الزراعية التي يعمد سكانها الى وضع منتجاتهم في مداخل بيوتهم او بساتينهم، لبيعها للقادمين. ويتمتع طعم الفواكه الارمينية بنكهة طيبة وتحتوي على كميات من الماء الحلو مما يجعل مذاقها العام مختلفا عن سواها، ولاسيما تلك التي تستورد الينا في العراق، فأنت تذوق حبة مشمش واحدة تم قطفها من الأراضي الأرمنية تكفي على ما يبدو لتتعرف على ثقافة البلاد الأصيلة والقديمة، فإن فاكهة برونوس الشهيرة موجودة في أرمينيا منذ أكثر من 3000  عام. ويتيح ارتفاع نصف الأراضي الأرمنية ما فوق الـ 2000  متر عن سطح البحر، إمكانية زراعة فواكه وخضر متنوعة. ولا تكتمل المائدة الأرمنية دون وجود الخضر: باذنجان، قرع، فول، بازلاء، وحتى الفواكه مثل المشمش والرمان والعنب والخوخ، كلها تدخل في الأطباق المطبوخة مع اللحمة أو السمك. ويظن بعض العراقيين ان المشمش الضارب الى الاخضرار هو ايراني الاصل مستورد، لكنه حلو المذاق لا يرتقي اليه مشمش باللون المعتاد الفاقع (اللاحق) كما نسميه. ويقال ان طبيعة الارض تجعل الزرع يتسم بمزايا خاصة به، برغم ان ارمينيا لا تمتلك نهرا باستثناء جداول صغيرة تنبع من الجبال القريبة في بعض الاصقاع البعيدة عن العاصمة، بل تعتمد بشكل حاسم على مياه الامطار والثلوج. لكنها تتمتع بجو مشمس حار خلال شهري تموز واب من كل عام، ولا تكسر درجات حرارته سوى نسمات رياح طيبة تهب فتجعل طقس مناطق الفيء باردا او منعشا شبيهاً بربيع العراق. وباستثناء مياه الامطار والثلوج التي تهبط على مدار الشتاء في معظم ارجاء ارمينيا فانها تستفيد من مياه بحيرتين، الاولى صغيرة تقع وسط يريفان وتسمى باسمها والثانية في منتجع سفان. وهي بحيرة كبرى تتشكل على هيئة حدوة حصان ومحاطة بسلسلة جبال تسكوها اشجار خضراء تشمخ في اعالي احدها كنيسة رائعة من مخلفات العهود السحيقة ايضا. واذا كانت هذه البحيرة قد خضعت لقواعد الاستثمار السياحي في بعض منشآتها كالمطاعم ومواقف السيارات والمباني السياحية فان البحيرة الاولى القائمة وسط العاصمة. لايبدو عليها اي مظهر من الاهتمام البلدي، فقد زحفت عليها بعض مظاهر التجاوزات. وبنيت على ضفتها المقابلة للطريق العام المقبل من المطار الدولي عوامتان كبيرتان تدلان على نفوذ صاحبيها. وخشيت وانا اتطلع اليهما ان تجتاح قوى النفوذ او الدولة العميقة، هذه البحيرة برغم صدق وعود رئيس الوزراء الجديد، فتحيطها من جميع الارجاء ويصبح من المتعذر على العين رؤية مياهها التي زحف اليها البردي والقصب والاحراش فيما تسبح على سطح مياهها طيور النورس. وقلت في نفسي ان على السيد باشينيان ان ينتبه لمحاولات استغفال الحكومة او الاعيب السياسيين فيتم فسح المجال (للحواسم) للاستحواذ على احدى الفرص النادرة، كما حصل عندنا في العراق حيث تم البناء على اراضي الاخرين والاستحواذ على املاك الدولة والمال العام او شرائها بثمن بخس في افضل الاحوال. ان من حظ ارمينيا ان تستيقظ على احوالها بعد قرون من الحوادث شهدتها حدودها، وكانت محط اطماع الاخرين بها. ففي كل حقبة تاريخية تشهد هذه الرقعة من الارض مأساة او اكثر، ومنذ ان اعلنت نفسها جمهورية مستقلة بعد انهيار الاتحاد السوفياتي في العام  1992 شهدت اوضاعا صعبة تمثلت بتوترات حدودية وعمليات اختراق امريكية
.


أجواء قلقة



وتقول بعض المصادر ان الولايات المتحدة استغلت الاجواء القلقة لاستدراج نحو تسعة ملايين ارمني الى اراضيها، فيما لا يتجاوز عددهم في البلاد الام حاليا، سوى نحو مليونين او اقل. واضطرت حكومات سابقة الى اجراءات لتشجيع الارمن في الدول العربية للاقامة في بلد الاباء والاجداد والديانة، وخلال رحلتي على متن الطائرة الارمينية من بغداد تعرفت على طبيب عراقي يعمل بمستشفى الحياة راهبات ببغداد كان يجلس في مقعد الى جانبي. وفوجئت بانه يحمل جواز سفر ارمينياً وقال انه مزدوج الجنسية ويتمتع بحقوق مواطن اصلي، الا ان مواطنا ارمينياً اخر اسرني قائلا ان هذه العملية محاولة مكشوفة لافراغ البلدان من الارمن، ولاسيما الكفاءات العلمية منهم. وعلى ذكر القدرات العلمية والابداعية التي يتمتع بها الارمن، فان المراجع تشير الى ان اول من اخترع خلاط الماء المستخدم في الحمامات والمطابخ هو ارمني، وان الخبز البغدادي المشهور في موائدنا (الصمون)، هو من صنع شخص ارمني اسمه (سيمون)، وقد جرى تحول اسمه الى (صمون) وان مخترع الكرسي المدولب (المتحرك) هو ارمني ومخترع شاحنة خلط الاسمنت (الخباطة) وجهاز البخاخ الذي يمد مرضى الربو بشحنة من الهواء المساعد هما ارمنيان. وتطول القائمة اذا اضفنا اليها موسيقيين ومطربين ورسامين واطباء. وفي العراق لدينا كالوست كولبنكيان صاحب الخمسة بالمئة من موارد النفط، والذي ارتبطت بعض المشاريع الثقافية والصروح العلمية والرياضية باسمه، ولدينا بياتريس اوهانسيان عازفة البيانو الشهيرة الراحلة، والمغنية البصرية سيتا هاكوبيان. ويقول الاديب ابراهيم البهرزي في مدونته على الانترنت بعنوان البهاء الارمني الغائب (مما نذكر في بعقوبة عائلة ايشخان وهي عائلة ارمنية طيبة أنجبت واحدا من المخرجين العراقيين الأوائل وهو اواديس ايشخان والمعروف فنيا باسم ( حكمت لبيب)، والذي صور واخرج فيلما في مدينة بعقوبة بعنوان قطار الساعة 7 بطولة الفنان سعدي يونس ومكي البدري وكريم عوّاد اضافة الى مجموعة من فناني بعقوبة مطلع الستينات ، كما اخرج فيلما اخر في بيروت وهاجر بعدها الى هوليوود ليعمل هناك مساعد مخرج في العديد من الأفلام). وتنتصب وسط ساحة دار الاوبرا بمبانيها وقاعاتها وجمال حدائقها في يريفان تماثيل موبانس تومانياس الشاعر الارمني والموسيقار سبيتانيان والموسيقار ارام خاشدوريان، الذي احيط تمثاله بحديقة صغيرة على اشهر شوارع العاصمة وتطلق من مكبرات مثبتة في الارض مقطوعات من مؤلفاته السمفونية بينها موسيقى رقصة السيوف، التي استوحاها من انتظار طويل في منزل الرسام السريالي سلفادور دالي، ويتحدث عنها بعض الارمن باعجاب وجرى تمثيل وقائعها بفيديو من الرسوم المتحركة شاهدته عبر يوتيوب. وهذه الموسيقى ملحمة من الملاحم الرائعة التي يحول فيها الشخص الوقت الضائع والاهمال المقصود الى عمل مفيد وعنوان ثقافي بارز سرعان ما يتحول الى ارث تتباهى به الدول. ويحفل تاريخ السينما الارمنية باسماء مخرجين بارزين مثل سيرجي براجنوف وهو مخرج افلام كلاسيكية اساسية في القرن العشرين انجز فيلم (ظلال اسلاف منسيين) في العام 1964 الذي اوصله الى الشهرة العالمية وفيلم (لوحات كييف الجدارية) المناهض للحرب وقد منع عرضه عام 1965 وفيلم (لون الرمان) الذي صوره في ارمينيا عام 1969. وهو اهم افلامه على الاطلاق ومنع من الاخراج على مدى 15 عاما.  وتعكس افلام سيرجي الفن السوفياتي قبل السقوط المدوي.

ويقول النقاد ان افلامه تعد ظاهرة لا تشبه اية ظاهرة اخرى في الفن. وعرف ادباء وفنانون ملكوا الشهرة في العراق بينهم الناقد والمترجم الراحل يوسف عبد المسيح ثروت والموسيقار ارام بابوخيان الذي كان احد ابرز اعمدة الفرقة السمفونية العراقية، واسعفني الناقد والكاتب حسام الانصاري، وهو من الرعيل الاول في الفرقة السمفونية الوطنية العراقية وقد ألف كتابا عنها عام 2012  بمعلومات اضافية عن اعضاء الفرقة بينهم من زملائه الارمن الذين عملوا منذ تأسيسها رسميا عام 1862 عازفو الكمان نوبار باشتكيان وآرام بابوخيان والبير نارنيان وعازف الجلو هاكوب قومجيان. وفي مجال التمثيل برزت قديسة المسرح العراقي ازادوهي صموئيل والمخرج الرائد الراحل كارلو هارتيون والفنان التشكيلي ارداش كاكافيان. اما على الصعيد الرياضي، كما يقول البهرزي في مدونته (فترد اسماء حققت للعراق انجازات مهمة يقف في مقدمتها جيريز كايان بطل العراق في كمال الاجسام اوائل الخمسينات وبطل الدراجات الشهير تاجريان ولاعب كرة القدم ارا همرسوم). وفي مجال الصناعة يبرز الصناعي المشهور فارتان كراييت الذي اسس اول مصنع للمشروبات الغازية في العراق والتاجر والصناعي الشهير نعوم سركيس الذي يقال انه اول من بنى منزلا في الشطرة وسكن فيه وتبعه الناس لتكون الشطرة ذلك القضاء الجميل). ويعتقد ان للارمن ريادة السبق في ظهور فن ومهنة التصوير الفوتوغرافي في العراق وتحفل المهنة باسماء رواد امثال امري سليم صاحب ستوديو قرطبة، الصديق المولع بصور العهد الملكي، والذي مازال مصوره (الاستوديو) خاصته يدار من قبل نجله رامي في بارك السعدون، والمصور خاجيك وارشاك والمصور البارز جان اوهانيس جاكوفييان صاحب ستوديو بابل الشهير او مصور الرؤساء. وكنت قد اجريت معه مقابلة صحفية طويلة نشرت على حلقات في مجلة (التضامن) اللندنية ثم جمعتها في كتاب صدر لي عام 1987 بعنوان (خمسة رؤساء عراقيين)، بتشجيع من رئيس تحرير المجلة الاستاذ فؤاد مطر. ومازلت اتذكر قوله عندما التقط لي صورة شخصية (شوف سيدي سألتقط لك صورة لا تحصل على اجمل منها في حياتك). وصدق الرجل. وبرغم هذا الارث الفوتوغرافي في حياة الارمن فاني فوجئت باهمال المهنة في ارمينيا ابان زيارتي لها. فقد مكثت اياما اتجول بحثا عن محل لتكبير صورتين التقطتهما بكامرة هاتفي النقال للعائلة الارمنية التي اقمت في منزلها. وبعد شق الانفس اكتشفت محلا يزاول فيه شاب هذه المهنة ورأيت ان ضرورات الانخراط في المدارس وانجاز الوثائق المدرسية وغيرها، دفعته الى ممارسة التصوير. ولتأكيد عراقة مصوره فان الواجهة الزجاجية (فيترينة) المحل تحفظ كاميرا قديمة تقف على مساند ثلاثة ويعلوها صندوق اسود من النوع الذي ظلت استوديوهات بغداد والمحافظات تحتفظ به وتستخدمه لاظهار صور بالاسود والابيض، الى وقت قريب.

 ويورد البهرزي اسماء رواد اخرين فِي مجال الصحة والطب ويقول (لا تخلو مدينة عراقية من رواد الطب الأرمن وفِي مقدمتهم الدكتورة آنه ستيان اول طبيبة عراقية والدكتور ارا درزي الذي اصبح وكيلا لوزير الصحة البريطاني ومسؤولا عن التأمين الصحي في بريطانيا، وعلى صعيد الأدب والثقافة يبرز المؤرخ الكبير يعقوب سركيس صاحب المؤلف المتميز مباحث عراقية.

وفِي صعيد العمل السياسي يبرز اسم المناضل النقابي اليساري ارا خاجادور الذي كتب عنه الدكتور عبد الحسين شعبان في جريدة (الزمان) دراسة طويلة نشرت علي حلقات.

ويواصل البهرزي (اما على صعيد المهن والحرف والمطاعم والصناعات الوطنية فمن الصعب جدا احصاء عدد الأرمـــن من رواد هذه الاعمال ، بل ان مامن مهنة الا وأبدع فيها الأرمن).

((يتبع))










http://www.ankawa.org/vshare/view/10418/god-bless

ما دام هناك في السماء من يحميني ليس هنا في الارض من يكسرني
ربي لا ادري ما تحمله لي الايام لكن ثقتي بانك معي تكفيني
http://www.ankawa.com/forum/index.php/topic,603190.0.html
ايميل ادارة منتدى الهجرةsound@ankawa.com