قراءة نقدية في التحليل السوسيولوجي لكتاب الكلدان والآشوريون والسريان المعاصرون وصراع التسمية
عنوان الكتاب هو
(الكلدان والآشوريون والسريان المعاصرون وصراع التسمية - تحليل سوسيولوجي-) وهو من تأليف الدكتور عبدالله مرقس رابي. مكتبتي تضم هذا الكتاب وكنت كلما سنحت الفرصة اتصفحه لأقرأ اجزاء من هنا وهناك. وفي احدى رحلاتي اخذته معي ضمن مجموعة من الكتب ليكون رفيقاً في الرحلة ، ولكن صعوبة فهم المضمون والمصطلحات الصعبة مع عدم ملائمة الجو ومطباته لم تكن عاملاً مشجعاً لأتمامه حتى تحولت لآخر اسهل فهماً ليغدي أنيسي في رحلة جوية تقارب الثلاث ساعات. مرة اخرى عاد الكتاب الى ليأخذ مكانه الآمن في مكتبتي المتواضعة، لا بل الهادئة لقلة انشغالي بها في عصر الأنترنت والفيس بوك .نعم هكذا اصبح عصرنا نبحث عن السهل السلس الذي لا يتعب الذهن فنحن لسنا طلاب دراسات عليا انما نحن قراء في زمن الأنشغالات العديدة . ان كان هذا الذي حصل لي لقراءة هذا الكتاب فأنا متأكد ان هذا الذي حصل لكثيرين غيرى ولم ينهوا قراءة الكتاب.
علي الوردي كتب 18 مؤلفاً ضخما عناوينها كلها واضحة ،ومرة تسنى لي وانا يافع القراءة في احد اجزاء كتابه المشهور "لمحات من تاريخ العراق الحديث" وكنت كخديعة القمرالذي يسرع بين الغيوم امر على الأسطر من غير توقف لأني لم اجد مصطلحاً لم افهمه وكان الشوق يأخذني لأشبع فضولي لنَهْم المزيد ، لكن للأسف كنت قد استعرت الكتاب من صديق ولم يكن لي الوقت الكافي لأنهائه.
قبل مباشرتي في كتابة هذه القراءة كنت قد اتطّلعتُ في عنكاوا كوم على مقال كتبه في ثلاثة اجزاء الكاتب المعروف ابرم شبيرا ( الرابط ادناه ). قرأتها بشغف وامعان ورغم اني اتفقت مع الكاتب شبيرا في ملاحظاته حول الكتاب ، لكن تحسست الأزدواجية والدبلوماسية بينه وبين المؤلف مما اضاع الكثير من النقاط المهمة التي يجب ان يتشبث بها الناقد كي يكون موضوعياً وغير مجاملاً خاصة لكتاب من عنوانه هو عن مصير امة عرفت الضياع لقرون عديدة.
وهنا اود ان اسجل المحاورة التي وردت بين الكاتبين بهذا الخصوص:
أبرم شبيرا
: ..علما بأنه ليس لي صلة قرابة به ولا مصلحة لي معه غير أنني أعرف بأنه كلداني وأنا آشوري ولكن ... نعم... ولكن... كلانا ننتمي صميمياً إلى أمة واحدة.
د.عبدالله رابي
: نعم انك اشوري وانا كلداني لنا مشاعر اثنية انتمائية انما نحن ابناء امة وشعب واحد.ولذا رأيت ان ادلو ان الآخر بدلوي ليس في الرد لكن في مقال منفصل
سحبتُ الكتاب من مكانه الآمن في مكتبتي ورحت أقرأ فيه بأمعان، لكن هذه المرة كلما صادفني مصطلح لا افهمه استعنت سريعاً بالأستاذ كَوكَل وهكذا تخطيت حواجز مثل السوسيولوجي والأنثروبولوجي والأثنية والأطار المفاهيمي للبحث و المحكات ومقدمة كبرى ومقدمة صغرى، وغيرها كثيرة من المصطلحات التي لم يتسنى لمعظمنا الأطلاع عليها.
لكن يبقى السؤال لماذا اعتمدها كاتبنا الموقر في كتاب من المفترض ان يكون للعامة من القراء، لمن لا يفرق بين الدين والقومية، لواحد يظن ان السورايي تعني المسيحي. كيف يا رابي تُعلم هؤلاء طريق الصواب ماذا تنفع المصطلحات الصعبة هذه معهم ؟ السورايي مصطلح شعبي وهام لهكذا كتاب لكنك تفاديته عن قصد اوغير قصد، وانت في هذا غير محق.
لنبدأ من العنوان والغلافين والمقدمة التي هي زبدة الكتاب.
--استعرتُ اعلاه نسخة صورة غلافَيّ الكتاب من مقال الكاتب ابرم شبيرا ، مشكوراً --
المؤلف في العنوان المختار يوحي للقاري بوجود ثلاث قوميات متصارعة فيما بينها وكل منها قائمة بذاتها ولا يمكن الجمع بينها ولذا ثمة واوات فاصلة بينها. وهو في متن الكِتاب يسمي هذه القوميات بالاثنيات في الغالب، ولكن احياناً يطلق عليها اسم القوميات رغم انه له في الكتاب تعريف لكل منهما، ص 13 ص 36 . وهكذا فأن عنوان الكتاب مُربك فلو سلمنا جدلاً ان هذه هي قوميات كل منها قائمة بذاتها كما يعتقد رابي فماذا لو استبدلناها بثلاث اخرى مثل العرب والتركمان والكرد. ولنقرأ العنوان بعد ذلك ونُحللهُ فالذي نَلحظه مدى الأرباك فيه ليقول لنا القاريء الكريم عن اي صراع تتحدث يا صاح؟؟ البقية اتركها لذهن القارئ الفطن.
ملحوظة اود هنا ذكرها حول اعتقاد المؤلف وجود هذه الأثنيات منفصلة عبر تاريخ العراق ، فان حضرة الدكتور عبدالله يذكر في ص73
" ولأستمرار الحروب بين الدولتين الصفوية والعثمانية تعرض المسيحيون بمختلف طوائفهم وأثنياتهم الى الأضطهاد والقتل والتشريد.." وفي ص 95 يكتب
" في الربع الأول من القرن السابع الميلادي... هو الغزو العربي لنشر الديانة الأسلامية فطال هذا التأثير شعب بلاد النهرين المسيحيين من الكلدان والآشوريين والآراميين فاما قتلوا او تشردوا او دخلوا الأسلام. " هذا التصنيف الأثني غير معهود عليه الا بعد 2003 م، ولا ادري كيف سمح حضرة الدكتور توظيف هذا التصنيف هنا. وبالمناسبة لاحظت ان الدكتورعبدالله كثيراً ما يستعيض عن السريان بالآراميين والكلدان بالبابليين، اما الآشوريون فأبقاهم كما هم!!
بعد كل هذا اطلعتُ على المقدمة الطويلة التي هي زبدة الكتاب الذي سوف نأتي على تفاصيله، لكن فقط اقف على ملحوظة ذكرها الكاتب انه ومنذ كتابه السابق
(الكلدان المعاصرون والبحث عن الهوية القومية / دراسة سوسيوانثروبولوجية ) تغيرت عنده الكثير من افكاره بسبب تراكم المعلومات والمعرفة نظراً لمتابعته الطويلة لما كُتب عن الموضوع وتوفر مصادر جديدة لديه ، الخ. طبعاً هذا من حق الكاتب ولا يلام عليه لكنه لم يعطينا ولو مثل واحد على هذه التغيرات. فقط متغير واحد لحظته هو تحوله من القومية الى ألأثنية، وهذا عندي امر خطير لأن الأثنية كما هو معروف تتعلق ببيولوجية ودم الفرد ( الجينات )، ولذا فلا عجب ان جينات السيد عادل بقال ص 198 كانت نحو الشمال : قوقازي- ايطالي يوناني وشرق اوسطي. وبعيداً عن الجنوب: اليمن، جزيرة العرب والخليج الكلدي ( كما اسماه الكاتب ). هنا تناقض بين تعريف القومية الأثنية ص 16 حيث يؤكد الكاتب على رابطة الدم واصراره على نظرية النشوء العائلي او الأجتماعي . واي نَقر على كلمة الأثنية في انسكلوبيديا الأستاذ العجيب كَوكَل نجده يعطينا تعريفاً يؤكد السلف والعْرق ولذا كان من الواجب ان تظهر النتائج لفحص عادل بقال الكلداني بأتجاه الجنوب حيث موطن الكلدان ، لكن التيجة جاءت على النقيض. انا اعرف قصد الدكتور عبدالله هنا من انه لا يمكن الأعتماد على التاريخ والجغرافية في تقريرالأثنية، ولكنه يوقع نفسه في معضلة.
حجة الدكتور عبداالله وعبرهذا الكتاب يحسب الكلدان اثنية قائمة بذاتها وفق التحليل السوسيولوجي ص 134 والذي يذكر فيه :
" فتنشأ التسمية التي تطلق على جماعتهم واتي تلقوها من اسرهم منذ الصغر معهم بمرور الزمن بحيث تصبح جزءاً من تفكيرهم فينطقون بها لا شعورياً اي بدون وضع المقدمات والشرح لأجابة. فلو سألني احد ما هي هويتك الأثنية؟ ففي الحال تكون اجابتي: كلداني ، وهكذا بالنسبة الى الآشوري والسرياني او الكوردي او العربي" . سؤالي هنا للدكتور هو لماذا انا والألوف الذين تربوا في كنف عوائل تظنها كلدانية وسريانية نرفض ان نقول اننا كلدان او سريان هل نحن مغفلون لأننا لا نلتزم بقواعد علم الأجتماع الذي يحسبه الدكتور الآمر والناهي في تقرير القومية؟ ان قبلنا بهكذا نظرية فان النتيجة هي ليس فقط وجود ثلاث قوميات بل العشرات منها لأن هناك عوائل ملتزمة في تربيتها بالأنتماء العشائري او القروي او المذهبي. وفي ظروف الغربة والعيش في كنف الأجانب لا اظن ان التنشئة العائلية ستكون كلدانية او آشورية فهل يعني هذا زوال هذه الأثنيات وضياع دلالة الجينات.
الفرد المسيحي " سورايا " في العراق او سوريا او تركيا او ايران ليس بحاجة الى هكذا تنظير. فهو يعرف مشاعره ويعرف مقومات القومية ودرسها في المدرسة وهي ليست بالطريقة التي ذُكرت في هذا الكتاب.
في البيت الذي نشأتُ انا فيه كنا نسمي الآثوريين نسطورنايّ وكانت ثمة قطيعة طائفية تمنعنا من دخول كنائسهم وأعرف جيداً انهم بالمقابل كانوا هم يسموننا بابايّ وقليبايي مما كان يمنعهم من دخول كنائسنا . لا حاجة لي للترجمة هنا فكل القراء يعرفون الكلمات ومعناها بالعربية لأن بالأصل اكتب في منتدى يجمع روادها قومية واحدة وكلامي موجه الى افراد هذه القومية. لكن سؤالي هل كل الذي تلقيناه في الصغر هو قانون وثابت الى الأبد، الم يكن ذلك خطاءاً ويجب ان نرفضه ؟؟ انا شخصياً لم ادخل كنيسة آثورية/ نسطورية الا بعد وصولي الى شيكاغو وبعد ان تجاوزت الثلاثين، وكم كان تعجبي ان نظام ( طقسا) قداسهم هو نفس نظام قداسنا. قصدي هنا ان تنشئتنا كانت مذهبية وخاطئة فهل من الصواب ان تقرر مصيرنا القومي؟؟ نحن نعرف ان الذي يبنى على الخطأ هو خاطيء! الغريب و العجيب والمتناقض في هذا الأمر ان الدكتور عبدالله في ص 237 يناقض نفسه في كون تربيته قومية كلدانية حين يقارن التنشئة الآشورية بالتنشئة الكلدانية والسريانية فيقول:
" بينما لا نلاحظ هذا التوجه في التنشئة الأجتماعية في الأسرة السريانية والكلدانية، فلم تُعِر الأسرة هنا اهتماماً بالمشاعر القومية وتنميتها والتشجيع للأنتماء الى الأحزاب السياسية ، بل تقف موقف اللامبالاة من هه الظاهرة ولا يزال." والسؤال هنا كيف يدَّعي الدكتور عبدالله ان تنشئته كانت قومية كلدانية، وان كانت لا شعورية فلماذا يلتزم بها الآن!!
الكلدان القدامى كثيراً ما يشار اليهم بالبابليين الحديثين (بابل الحديثة) وكانوا كما ورد في هذا الكتاب
"آخر سلطة وطنية" ص 130 حكمت القسم الجنوبي من بلاد النهرين. وفي هذا الصدد ايضاً يقول الدكتور عبدالله ان سلطان الكلدان في عهد نبوخذ نصر
"وصل الى مصر غرباً وحدود افغانستان الحالية شرقاً "، وهذا أمر لم اقرأه من قبل ولست ادري من اي مصدر من مصادر الكتاب البالغ عددها 192 اقتبس هذه المعلومة. سبق لي وأن قرأت في كتابات الكلدان المعاصرين يذكرون بفخر ان الكلدان هم آخر سلطة وطنية حكموا العراق وهذا لا اراه صحيحاً لأن الكلدان في الحقيقة تآمروا مع الأجنبي الميدي لأسقاط الآشوريين الذين فقط حكمهم الزاهر دام اكثر من الف عام ويخجل الوطني العراقي المعاصر من نفسه حين يدخل اي متحف يضم آثارهم. وبالمقارنة نجد ان الكلدان حكموا بابل لمدة 83 سنة بقوتها وضعفها وكان نبوخذ نصر الملك الوحيد ذا شأن كبير ازدهرت فيه امبراطوريته التي لم تتعدى في مساحتها نصف مساحة امبراطورية الآشوريين.
المستشرقون والآثاريون عرفوا التسمية الكلدانية أكثر من الآشورية والسبب في ظني الى اعتمادهم الى مكتبة الفاتيكان التي بعض معلوماتنا تقول ان روما اسمت القبارصة المتكثلكين بالكلدان عام 1445 م في زمن البابا اوجينوس الرابع. وحتى لايارد مكتشف نينوى حوالي عام 1847 م كثيراً ما يشير الى التسمية الكلدانية لبعض القرى حتى قبل التحول الى الكثلكة. وفي رأي لحين سقوط الدولة العباسية عام 1258 م على يد المغول كان للكلدان او البابليين وجود واقعي في وسط وجنوب العراق وخاصة في بغداد ولكن بتسمية النصارى او السريان، ولكن بعد ذلك اختفوا ولم نعد نسمع عنهم . في رأي الشخصي كان على الدكتور عبدالله تقفي اثر هؤلاء الكلدان وماذا حل بهم قبل ان يشير اليهم بان لهم اثنية خاصة بهم وسكنوا قرى سهل نينوي وبعض القرى الجبلية منذ غابر الأزمان.
شخصياً، احسب الهاربين الكلدان قد توجهوا الى هكاري وجيلو وباز في تركيا الحالية ولذا انثوبولوجيّاً نرى البازيين لحد الآن لدى البعض منهم بشرة داكنة اصلها منطقة حارة على عكس منطقة جنوب شرق تركيا وهكذا الجلوايي الذين بعض اسمائهم عربية لحد الآن. اما الهوزايي فحسب اِفادة المرحوم الكاتب خوشابا حنا هوزايا ان اصلهم هو من الأهواز ، جنوب العراق. الدكتور عبدالله لم يقتفِ هذه الآثار ، واكتفى الأعتماد على مال سمعه من والديه ولا أظن انه كان ذلك صحيحاً، فانا عشت نفس بيئته ولم اسمع احداً في البيت يقول اننا كلدان، بل سمعتهم يقولون اننا سورايي التي شملت المسيحية، وهكذا كنا نعرف انفسنا حين كان احدهم يسألنا وكنا نفرح حين كنا نلتقي مع سورايا آخر نتكلم معه بنفس اللغة ولو كان من طائفة اخرى!
بسب كون الأسم الكلداني معروفاً لدى روما من زمن تحول نساطرة قبرص الى الكثلكة ، كما مرَّ، فقد اتخذت الكنيسة التي تبعت روما عام 1830 م في عهد يوحنان الثامن هرمز، النسطوري سابقاً، اسم الكلدانية لتكون طائفة معترفة بها من قبل السطات العثمانية التي كان عليها التعامل مع الأقليات الساكنة في دولتها. هكذا ظل الكلدان في العراق كطائفة معروفة وليس كأثنية. الغريب في هذا الأمر ان الدكتور ينكرهذا في ص 203 ليعطينا تعريف الطائفة
: "فالطائفة مصطلح اجتماعي تعني به العلوم الأجتماعية: مجموعة من الأفراد تتجانس خصائصهم الأجتماعية والنفسية والأقتصادية والطبقية والدينية." ثم يضيف ان
"التسمية اطلقت على المجموعات الحرفية كطائفة الحدادين وطائفة النجارين .. ثم تحولت لتسمى النقابة." ان كان هذا قد حصل فقد حصل في اوربا .ما لنا واوربا يا دكتور !! هل يصح الآن ان نقول نقابة الشيعة ، نقابة الصابئة، نقابة اليزيدين..الخ حتى يضحك الناس ويستغربون. لقد تمزق العراق الحالي بسسب الطائفية المقيتة وكذا تمزقت امة السورايي بسببها وهناك من يحسبها مجرد نقابة!!
في الغلاف الأول ثمة خطأ فني وهو ان المؤلف لم يذكراسم الفنان الذي صممه. اعرف انه واحد من الكلدان المعاصرين المتعصبين لأثنيته ليس كما لقنته عائلته بل كما واكب الموجة الكلدانية بعد عام 2003. اللون الأزرق الذي يتخذه المتحزبين الكلدان طاغي ثم الخلفية هي باب عشتار وثمة أسد فاغر فمه يريد ان يفزع الثور المجنح الآشوري الصامت الذي هو بنفس حجم الأسد، على عكس ما هو معروف ان الأسد اصغر حجماً من الثور المجنح. السؤال للمصمم وللدكتور عبدالله رابي اين موقع السريان في هذا التصميم . ويبقى السؤال الأهم اين تفسير كلمة المعاصرين وأين التعبييرعن كلمة التحليل الواردة في عنوان الكتاب الذي يجب ان يعامل الأثنيات الثلاث بالتساوي ، لا بالأنحياز لأحداها .
رأينا الشخصي في هذا ان السريان المعاصرين ليسوا بقومية ولا اثنية، وهذه التسمية عربية استعاروها من الأغريق صرّفوها حسب عربيتهم وأطلقوها على المسيحيين في دولتهم نظراً لأهمية اللغة التي كانوا يكتبون بها ويمارسونها في طقسهم الكنيسي . وحالياً عندي السريان هي ترجمة كلمة السواريي الى العربية، وان كان ذلك ليس قطعياً، لأن العرب بطول تاريخهم لا يستطيعوا لفظ كلمة "سورايي" لا سابقاً ولا حديثاً. طبعاً حسب تفسير الدكتور عبدالله يمكن ان يكون السريان أثنية لأنهم هكذا تعلموا في البيت ، ولكن نسيَّ الدكتور ان هناك سريان كاثوليك في برطلا مثلاً هم اقرب للكلدان من ان يحسبوا مع السريان الأرثذوكس في اثنية واحدة لأن لكل منهما تنشئة عائلية مختلفة ولهجة لغوية مختلفة. ومرة اخرى شخصياً اقول -- لأني لست المقرر-- ان السريان الأرثذوكس يمكن ان يحسبوا على اثنية الآراميين تاريخياً ولهم رمزهم التاريخي الخاص -- جناح نسر مفتوح -- وعلى هذا كان يجب على المؤلف ان يستبدل كلمة السريان ب الآراميين، حيث لهم جغرافيتهم وهوية خاصة ولهم لهجة خاصة يتكلمون بها و لهم نواديهم وأحزابهم السياسية..الخ . عن السريان الأرثذوكس اقول عدا انهم كانوا رواد الفكر القومي الآشوري، فهم الآن مقسمون بين مؤمنين بالآشورية والمنظمة الآثورية الديمقراطية كمثال وبين مؤمنين بالآرامية كالمنظمة الديمقراطية الآرامية كمثال آخر. وكلمة السريان لها من التفسيرات ومن الشمولية ومن الخصوصية ومن الغرابة ما يحير كبار المؤرخين، ومنبعها هو آشوري ثم اغريقي ثم عربي، اما قبولها من ابناء امة السورايي الحاليين فيتفاوت بين راضخ ورافض.
الغلاف الأخير فيه الكثير عن منجزات المؤلف على الصعيدين العلمي والأجتماعي والتي عرفناها من مؤلفاته السابقة وكنت اتمنى ان ارى نبذة وجيزة عن الكتاب او تزكية للكتاب من قبل آخر معروف كما هو مألوف عند الكُتاب الأجانب . لكن بصراحة وهنا اعرف اني سأثير حساسية حضرة الدكتور عبدالله وانا آسف جداً لأني هنا عليَّ أن اكتب نقداً بلا مجاملة ولا دبلوماسية : بنظري ان انتخابه لرئاسة مؤتمرين عالميين للكلدان في ساندييكو وديترويت كان امراً خارجاً عن ارادته، فقد انتُخب بسبب شهادته العليا والنتائج لم تكن ايجابية بل زادت الهوة بين ابناء الأمة الواحدة، وهذا أمر لا يسجل لصالح رئيس المؤتمر . لا اريد ان اسهب في الموضوع لكن لي تحفظاتي على المؤتمرين المذكورين.
نعم اسلوب الدكتورعبدالله راق وشفاف واعتمد المنهجية والعلمية والطُرقية مع التحليل السوسيولوجي الذي يشمل مجموعة من الأفراد الذين تربطهم الهوية المشتركة ويتوافقون على شعور ومنسجمين مع بعضهم البعض ولهم اهداف مشتركة وهم متواصلون مع بعضهم البعض اينما عاشوا سواء في موطنهم الاصلي او اوربا او امريكا او استراليا وهكذا قَسَّم اثنياته الى كلدانية وسريانية وآشورية . هنا اطرح اسئلتي ان كان هذا النشؤء الذي اشار اليه الدكتور في صفحة 134 يشمل الكلدان فما باله ان قلتُ له انه يشمل الكلدان والآشوريين معاً. كلنا حضرنا في الغربة حفلات فيها الذين نسميهم كلدان والذين نسميهم آشوريين يرقصون سوية يداً بيد و روشانا بروشانا فهل يستطيع احد التفريق بينهم انثروبوليجياً كما نفرق بين كلدان وعرب او آشوريين وعرب؟ اي احصائية تُجرى الآن في امريكا اوكندا او استراليا وحتى اوربا فان نتيجتها ستكون عدد الزواجات ما بين الكلدان والآشوريين هي مقاربة جداً لتلك التي بين الكلدان انفسهم والتي بين الآشوريين انفسهم. هذا اضافة الى خضوع الطرفين لعوامل تنشئة متشابه جداً ان لم تكن متساوية مثل تعلم لغة السورث والصلاة والصوم والأمثال الشعبية، والعادات والتقاليد ..الخ، وما بالك في البيوتات --وما أكثرها -- حيث الأم من كنيسة كلدانية و والأب من كنيسة أثورية وبالعكس!
بالمناسبة الدكتورعبدالله لا يَقرّ هنا باهمية الأمثال الشعبية لأنه كما يرى انها
" قيلت في زمن ومكان معينين ولا تصلح لكل الأوقات والأماكن.." كما جاء في ص 141 . هذا شخصياً اعتبره خطأ فظيع وان تبناه علم الأجتماع فانا مستغرب من ذلك جداً، وبامكاني كتابة صفحات وصفحات عن الموضوع ولكن سوف اقف هنا ومجرد اعبر ان امتعاضي من هكذا موقف.
معلوماتي ان العائلة دائرة تحيطها دائرة اخرى هي الأقرباء بالدم وتحيطها ثالثة هي العشيرة او المحلة او القرية وهكذا حتى نصل الى المدينة والوطن والمثال هو الدوائر الترددية التي تكونها حصاة نلقيها في بركة من الماء. لكن الدكتور عبدالله كعالم اجتماع لماذا اختصر المجتمع في العائلة فقط ، الا يُحب ويتعلق بقريته مثلما يتعلق بعائلته؟ أملي ان القصد مفهوم هنا.
ملاحظة اخرى لمستها من قراءة الكتاب هذا. كم مرة ذكر وحَطَ المؤلف من قدر كتابات غير الأختصاصين ص 142 ص 170 ص 171 وكأن الذي لم يختص في علم الأجتماع لا يحق له ان ينشر ولو مقالة عن القوميات ونشوئها. حتى هيرودتس الملقب ابو التاريخ حُطَّ من قدره في ص 173 حين ذكر:
" وقد يلجأ بعض الكتاب المهتمين بتاريخ الشعوب القديمة الى الكتابات التي كتبت من قبل المؤرخين القدامى المليئة بالأخطاء الجسيمة والتناقضات. ومن هؤلاء الكتاب الذين غالباً يرجعون اليه المؤرخ اليوناني ( هيرودتس ) الذي كتب عن بلاد النهرين حيث وقع في اخطاء كبيرة.." وفي هذا ايضاً يظن انه يضرب عصفورين بحجر لأنه في هذا الكتاب و في ص184 وهو يتحدث في التقليل من اهمية الأشتقاق اللغوي يذكر:
".. فيستند كل كاتب في تفسيره على تلك الأشتقاقات والمرادفات لها فالصياغات اللغوية التي يعتمدها قد تخالف صياغات غيره تماماً، وان مسألة التشبث بأن الأغريق او غيرهم اسقطوا حرفاً او ماشابه او لعدم تمكنهم من اللفظ ليست علمية .." وطبعاً هنا يريد ان يقول ان تسمية السورايي غير مرتبطة بالأسم الآشوري فلا تعولوا على ذلك يا اصحاب المنطق! وفي هذا كثير من اللغط والتهرب مثل النعامة التي تخفي رأسها في الرمل كي لا ترى عدوها. الدكتور ذكر ان رجال الدين هم من غير الأختصاصين ولا يحق لهم البت في التسمية القومية والقسم الأعظم من هولاء رجال الدين يؤيدون هيرودتس ويعتمدون عليه وهنا اذكر القليل منهم وهم أدي شير واوجين منّا ويوسف حبي. هذا اضافة كثيرون آخرون من غير رجال الدين امثال فريد نزها وآشور خربوط وجميل روفائيل وكثيرون آخرون. هذا اضافة الى أن المنطق والعدل والشفافية يؤيدون هذا، كما احب ان اذكر دوماً.
دكتور، ادعوك وانت العالم الأجتماعي الى المنطق والأعتراف بالحقائق لا بالتراهات التي اعطيتها الأهمية الكبرى في الصفحات 89 الى 92 وفي الملحق الذي اضعت فيه احدى عشرة صفحة اخرى من ص 307 الى ص 318 . طبعاً هنا اتكلم عن الترحيل الجماعي لمن تظن انهم كانوا كلدان الى المناطق الآشورية قبل اكثر من 2500 سنة ليتواصلوا لهذه الفترة الطويلة الى يومنا هذا وتصنفهم بحق وحقيق ككلدان !! نعم كلدان في كرمليس بلدة المؤرخ حبيب حنونا التي اسراها احتفظوا بهويتم الأثنية مثلما احتفظ جيرانهم في قرية برطلة بهويتهم السريانية! وهكذا ايضاً كلدان كوماني وآشورييو ديري والمسافة بينهما لا تتعدى " شمرة عصا"، اقولها هكذا لأني لا احب اعادة الأمثال السابقة لي بهذا الصدد . قليل من المنطق يا دكتور وتفحص ضعف تحليلك السوسيولوجي.
في النقد الذي كتبتُه انا قبل عدة أعوام عن كتابك السابق " الكلدان المعاصرون والبحث عن الهوية القومية/ دراسة سوسيوانثروبولوجية انتقدتُ هذا التشبث الغير المنطقي ( الرابط أدناه ) وها انك تكرر هذه المسألة في هذا الكتاب كأنك وانت و المؤرخ حبيب حنونا قد وجدتم بثقة تامة ضالتكم لتفسيرسبب وجود بلدات كلدانية في لب آشور، وهذا التفسير بصراحة غير مقبول لشخص عادي ، فكيف لأثنين بمستوى ثقافتكما! هذا اضافة انك في شرحك للمحكات في هذا الكتاب والذي سبقه تنكر اهمية التاريخ في تقريرالأثنية ولكنك هنا تعول على التاريخ لتثبيت القومية الكلدانية، هذه معضلة وتناقض وعليك تفسيرها.
اريد ان اسهب هنا لأني اعرف هنا ضعف حجة الكاتب في هذا الصدد حين يذكر في ص 90
"ووفقاً للحوليات يُقدر البعض عدد الأسرى المرحلين من المماليك الكلدانية بنصف مليون، ويقدر الآخرون عددهم أكثر من مليون بالأضافة الى الأرمن واليهود." حسب ذكر الكاتب للعهود التي حصلت هذه الهجرة تقارب خمسمائة عام. مع هذا فانه في تقديري ان الرقم مبالغ به -- طبعاً كل ملك يكتب ويفاخر بأنتصارته. على المؤرخ او العالِم الأجتماعي ان ينبه القارئ الى هذا التباهي او يحذفه من الكتاب لأنه غير معقول . بعد 3000 سنة وبالتحديد عام 1957 كان نفوس العراق كله بشماله وجنوبه هو 7 ملايين. اي قراءة وتحليل سوسيولوجي لتنامي عدد السكان لا أظن يوافق عل هكذا مبالغة، لكن الدكتور رابي والمهندس حنونا لم يستوعبوا هذا فنقلوا لنا مبالغة لا تصدق.
أعرف جيداً ان الدكتور عبدالله صرف جهداً استثنائياً ووقتاً ثمنياً من راحته وراحة عائلته ليأتي بما يرضي الجميع وان لم يفلح بنظري فان جهدوه مشكورة دوماً ، فلربما يراها قاريء او ناقد آخر نافعة كما هو والحال مع الكاتب المعروف أبرم شبيرا. لقد استشعرت هذا الجهد المبذول وانا اكتب هذا المقال المتواضع نسبياً حيث كان عليَّ الأقتباس من اجل الموضوعية. والأقتباس من العربية هو امر في غاية الصعوبة لأن العربية الحديثة لم تعد تعرف التنقيط وأحياناً نجد فقرة كاملة مكتوبة في جملة واحدة. كما ان قوة الشد لكتاب بهذا الحجم الصغير نسبياً وبهذا العدد الهائل من الصفحات نسبياً ايضاً ليس بودود حيث اضطررت لأستعمال القوة لأبقاء الصفحة مفتوحة من اجل اقتباس الجُمل وببطء.
بصراحة هناك أكثر من هذا الذي وجدته من نقاط يمكن مناقشتها او الأعتراض عليها في كتاب الدكتور عبداالله مرقس رابي، ولكني سأتغافل عنها لأن ليس قصدي النقد السلبي هنا انما قصدي جوهر الكتاب الذي تشبث به الدكتور وهو نظرية النشوء الأجتماعي العائلي لتقسيم امتنا ، أمة السورايي، ولم يتمكن من الأفلات منها رغم انه جاء على ذكر معلومات تاريخية وأجتماعية غزيرة مفيدة جداً للقراء ورغم ان اسلوبه علمي وهادي خالي من العصبية والتهجم ورغم انه اعتمد المصادر العالمية والموثوقة، وكلها هذه هي صفات كاتب عالي المستوى، لكن في نظري ان غلطته في هذا الكتاب هي من الكبائر التي لها تأثير تقسيمي على امة عريقة ورغم انحسارها العددي حافظت على روابط التاريخ والجغرافية واللغة والدين والتراث لأكثر من الفي سنة . كما أن شق الصف بالواوات هنا لا يمكن ان يعالج بالأدعاء اننا شعب واحد كما ورد اعلاه، لأن مفهوم الشعب في الشرق الأوسط يعني تشعُب الأثنيات في الدولة السياسية الواحدة.
http://www.ankawa.com/forum/index.php?topic=705068.0http://www.ankawa.com/forum/index.php?topic=915602.0 حنا شمعون / شيكاغو
11 كانون الأول 2018