بطريرك كاردينال - مطران - راهبة
رواد التربية ، التعليم و الثقافة في كنيسة العراق
كرستينا ڤارتان ولاية ميشيغان الأميركية
صورتان و ثلاث شخصيات رأيتهما مع قدوم العام الجديد هما من جعلاني اكتب هذا المقال ، الاولى في قداس منتصف ليل راس السنة الذي حضرته في كاتدرائية أم الله للكلدان الكاثوليك - ولاية ميشيغان و كانت فيه ( الماسير بنينا هرمز شگوانا ) المديرة السابقة لمدرسة مار يوحنا الحبيب ( الابتكار النموذجية ) في بغداد التابعة لراهبات بنات مريم الكلدان و هي المدرسة الابتدائية التي كان لي الشرف أني درست فيها على يدها ان والدي المهندس بدر وارتان و عمتي اليانور كانا تلاميذها في مزرسة الفيحاء في البصرة عام ١٩٦٤ . ( ماسير بنينا الام و المعلمة) . اما الصورة الثانية فهي تجمع غبطة ابينا البطريرك الكاردينال مار لويس روفائيل ساكو بطريرك بابل على الكلدان في العراق و العالم و سيادة المطران مار يوسف توما مرقس رئيس أساقفة كركوك و السليمانية للكلدان الكاثوليك و هما يضحكان و تذكرتهما و هما كاهنان في بغداد هي ذات الضحكة بين الراهب الدومنيكي و الكاهن الكلداني الأبرشي ، أتطلع الْيَوْمَ بعد كل هذه السنوات بفخر لهما و أنا أراهما بطريرك كاردينال و رئيس أساقفة كانت الصورة إبان افتتاحهما و السادة الأساقفة و محافظ كركوك و المسؤلين العراقين ، لقاعة الرحمة الإلهية للاحتفالات الكبرى في كركوك و دأب سيادة المطران على العمل لإتمامها في أبرشيته ، التي هي في ذات الوقت الأبرشية السابقة لصاحب الغبطة الكاردينال مار لويس ساكو .
الحقيقة أني لم استطع ان امنع نفسي من التطلع الى الصورتين لما هو ابعد و اشمل ، الا و هو إن هؤلاء الشخصيات الثلاثة حملوا على أكتافهم و لسنوات طويلة مهام ( التربية و التعليم و التثقيف ) لا في الكنيسة وحسب ، لكن في العراق كله و كانوا خير صورة مشّرفة مشرقة لنا في المحافل الدولية و على كافة الأصعدة .
كنيسة العراق ثأثير و ثراء :
ليس بالأمر السهل ان تكون مضطلعاً متمرساً بأدوار التعليم و التثقيف و التربية . فأنت تبني اجيالاً و تؤرخ لحقبة مهمة من تاريخ وطنك و كنيستك ، ان ما تقدمه من ثراء اجتماعي انساني سيؤثر بمجمله على شعب من حيث التفكير و التمحيص و التدريس ، انها من اشرف المهام الانسانية ( قولاً و فعلاً ) .
شخصياتنا هذه ( البطريرك الكاردينال - المطران - الراهبة ) ، أثَّروا ( من التأثير ) و أثرَّوا ( من الثراء ) و آثروا التغير في حياة كنيسة العراق و نثروا بذار الزارع في حياة الشبيبة التي تربت و تعلمت و تثقفت على أيديهم و نهلت من ثمار هذه الارض الطيبة ( ثلاثون و ستون و مئة ) . ان البيادر بالسنابل قد امتلئت و الكروم أزهرت .
ماسير بنينيا هرمز شگوانا و مدرسة مار يوحنا الحبيب لراهبات الكلدان :
ان الحقل التربوي في العراق مدينٌ بالكثير لماسير بنينيا شگوانا الام المربية و المعلمة مديرة المدرسة ففي عهدها الذي استمر لسنوات طويلة يفوق الخمسين عاماً من العطاء اللامنتناهي و البذل لخدمة الحركة التعليمية في مدارس العراق الكاثوليكية و ما كانت تتسم به من حسن الادارة من حزم و حسم اسهم بشكل كبير و بشهادة كبار المسؤليين العراقيين من وزراء تربية و مدراء انها قادت و لعقود اهم و اكبر و أفضل مدرسة لا في بغداد فقط بل بالعراق كله و هي مدرسة ( مار يوحنا الحبيب ) ( الابتكار النموذجية سابقاً ) في منطقة شارع فلسطين في بغداد . و كانت دائما نسب النجاح لدينا ١٠٠٪ . الدليل على ذلك ان أبناء كبار المسؤولين في الدولة و ضباط الجيش العراقي و الشرطة ، الشخصيات العامة من فنانين و رياضين و العوائل البغدادية الأصيلة تخرج جميع ابنائهم منها المسلمين منهم قبل المسيحيين ، و أصبحوا مع الزمن شخصيات مرموقة يشار لها بالبنان في مهنهم داخل العراق و في المهجر ، فمنهم الأطباء و الصيادلة و المهندسين ، علماء ، المحامين و المحاسبين و رواد الاعمال و التجار و ضباط في القوات المسلحة العراقية ، الكهنة و الرهبان و الراهبات من ضمنهم صديق طفولتي و مناولتي الاولى زميلي في الدراسة الابتدائية الأخ فارس نيجور الفرنسيسكاني -من رهبان دير شيكاغو ، و هو من أبرشية مار توما الرسول للكلدان الكاثوليك في ديترويت .
ان واجب الشكر و الامتتنان هو واجب علينا لماسير بنينا شگوانا ولما قدمته من مثال حي للراهبة التي تفني حياتها في خدمة الرب و حقل الرسالة التي أوكلت الى رهبنتها في العراق و خارجه .
بطريرك -كاردينال و رئيس أساقفة ؛ رواد منهج " التعليم الرعوي التحليلي "
قد لا يخفى على القارىء الكريم إن غبطة البطريرك الكاردينال الدكتور مار لويس روفائيل ساكو بطريرك بابل على الكلدان في العراق و العالم و سيادة المطران الدكتور يوسف توما مرقس رئيس أساقفة كركوك و السليمانية للكلدان ( الراهب الدومينيكي ) ، رجلين أكاديميين بإمتياز و خريجين لكبريات الجامعات العالمية المعروفة ( حيث قد حصل غبطة البطريرك الكاردينال على الدكتوراه في علم اباء الكنيسة و ماجستير الفقرة الاسلامي من الجامعة الحبرية و الدكتوراه في تاريخ العراق القديم من جامعة السوربورن ) ، اما سيادة المطران فكان قد حصل على ( الدكتوراه في اللاهوت العقائدي من جامعة ستراسبورغ في فرنسا و ماجستير علم الأديان البشرية - قسم الديانات البدائية من جامعة ليل ) ، ان كان لي ان اشهد شهادة حق و أنا تلميذتهما فلم يبخلا على جميع تلاميذهم يوماً بعلمهم ، بل الأكثر كان هو انهم نقلوا لنا شغفهم للمعرفة و الدراسة ، فأمسكا مفصلي التعليم و الثقافة ، و حثا جميع طلبتهم على الاستزادة و السؤال الدائم و السعي الدؤؤب لحياة أفضل ، بواسطة الدراسة . فجمعا بين اللاهوت و العلم من حيث الطريقة الأكاديمية في التدريس و روحانية الخدمة للمؤمنين. . و مثال على هذا هو منهج " التعليم الرعوي التحليلي " و هو منهج يدمج ما بين دراسة علم اللاهوت و علم النفس و علم الاجتماع ، و كما كان يركز عليه سيادة المطران يوسف توما مرقس ، في جميع محاضراته و كان يسميه " تقاطع العلوم الانسانية" .
هذه هي الطريقة التي دأب عليها أساتذتنا في تدريسنا للاهوت في الدورات اللاهوتية في بغداد و الموصل ، و هي اول المعاهد اللاهوتية في العراق كانت الدراسة فيها لمدة ٣ سنوات ، تنوعت فيها المواد بين اللاهوت و الكتاب المقدس ، خبرة مميزة كانت كنيسة العراق قد عاشتها منذ عام ١٩٨٣ في الموصل ثم انتقلت الى بغداد عام ١٩٨٤ و أصبحت فيها بعد الحجر الأساس لكافة المعاهد الاخرى ، و خريجيها أصبحت مسؤلين في الكنائس يقودوا الأنشطة و الفعاليات نتيجة للتنشئة الجيدة التي نالوها . و كانت حصليت و عدد الدارسين فيها في بغداد منذ عام ١٩٨٤-٢٠٠٣ ( تسعة الآلاف ) خريج موزعين على جميع كنائس بغداد و طوائف العراق .
كان في حركة البناء التعليمي و الثقافي من خلال الدراسات اللاهوتية و اثراً في اثراء الحركة الفكرية لمسيحي العراق من خلال دراسة علم اللاهوت لها التأثير المباشر في شخصية الفرد المسيحي . لاحظنا تبعاتها في ما بعد ، فكانت هذه الدراسة و هذا التعليم زوادة من هم في الغربة و هم يواجهوا أفكاراً غريبة عن إيمانهم المسيحي ، وقوت من هم في العراق الصامدين امام كل ما تعرض له مسيحينا من اضطهاد . كان الحصاد كثير و الفعلة قليلون ... لكن نعمة الرب كانت و لا زالت اكمل و أشمل .
غبطة البطريرك الكاردينال بين اللاهوت الرعوي و علم الادارة
من السهل ان تبني في الفراغ لكن الاصعب ان تؤسس على ما هو مؤسس لتخلق منه واقعاً جديداً . هذا ما فعله سيدنا البطريرك الكاردينال ببساطة شديدة . طبق مثل كان يقوله لنا و هو كاهن في اللاهوت الرعوي مستنداً الى علم الادارة و شرع لبناء ما هو جديد ،اكتب هذا المثال بالتزامن مع افتتاح قاعة الرحمة الإلهية في أبرشية كركوك الأسبوع الماضي ، لأني عدت بذاكرتي الى عام ٢٠٠٣ حينما انتخب غبطة ابينا البطريرك مار لويس ساكو أسقفاً لها و بقي فيها لمدة ١٠ سنوات ، كنّا لم نسمع بها و بأنشطتها ، كانت أبرشية خاملة أو شبه ميتة و بانتخاب سيدنا لويس دبت الحركة في كل أرجائها ، و بخطة رعوية محكمة ، استطاع سيدنا في عام واحد ان يبني أنشطة و خدمات كثيرة فكان : ان قسم الجماعات العلمانية الى فئات عمرية و بنى مشاريع لم تكن موجودة أصلاً عيادة خيرية ، قاعة ، مركز ثقافي مكتبة روضة و مدرسة ،مركز إنترنيت و قاعة ألعاب و مجلة تحكي اخبار الأبرشية و من الأنشطة الكنيسة منتدى عائلي يضم ٢٠٠ شخص . و الان الأبرشية تتقدم بخطى كبيرة اكثر فأكثر . قد يكون بالنسبة للشخص العادي هذا العمل طبيعي لكن لدارسي علم الادارة يعلمون كم هو دقيق و يحتاج متابعة من بعد الإنجاز . و وضع الخطة الرعوية لأبرشية باكملها ليس بالأمر السهل اما تنفيذها على ارض الواقع هو الصعوبة بحد ذاتها ، لكن سيدنا البطريرك مار لويس يمتلك حساً من الترتيب و التنظيم الإدراي ما يحسب له و أحب ان احيل القاري ء الكريم الى المقال الذي كتبة في الصيف الماضي عن الخطة الرعوية الشاملة للأبرشية البطريركية ، عَل هناك من يستفيد و ينفذ بعضاً منها .
فثقافة البناء و الإعمار الفكري و الرعوي تحتاج الى اداري و قائد يمتلك من الثقافة و العلم ما يكفي لتتمت مشاريعه .
تمنياتي مع بداية العام الحالي ان تكون هذه الحركة العمرانية و الثقافية فرصة للتأمل و التفكير في احوال ابرشياتنا في جميع كنائس العراق و المهجر و ان نتمعن في سبل تطوير هذا العمل تحت قيادة الروح القدس