المحرر موضوع: أهالي القامشلي بين حذِرٍ من “المنطقة الآمنة” وخائفٍ من التسليم للنظام  (زيارة 1535 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل عنكاوا دوت كوم

  • مشرف
  • عضو مميز متقدم
  • ***
  • مشاركة: 37764
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
جيرون – سامر الأحمد

أثار قرار الولايات المتحدة البدء بسحب قواتها من سورية، تكهنات ومخاوف بين سكان منطقة شرق الفرات (الرقة والحسكة ودير الزور) بالتزامن مع تصاعد الصراع على المنطقة، وفق عدة سيناريوهات مطروحة من قبل كلّ من (قوات سوريا الديمقراطية) وتركيا ونظام الأسد والولايات المتحدة وروسيا.

في التاسع عشر من كانون الأول/ ديسمبر الماضي، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب عبر (تويتر) أنه قرر سحب قوات بلاده من سورية، بعد “إلحاق الهزيمة بتنظيم (داعش)”، في قرار مفاجئ، قوبل برفض عدد من المسؤولين الأميركيين، وبالفعل بدأت أرتال عسكرية أميركية التحرك إلى معبر سيمالكا، متجهة إلى العراق، على الرغم من نداءات الحماية التي أطلقتها (قوات سوريا الديمقراطية) للتحالف الدولي، وذلك لاحتمال عودة تنظيم (داعش) إلى النشاط في المنطقة، بعد الانسحاب الأميركي.

على وقع الانسحاب الأميركي، ظهرت لدى المدنيين، في مدينة القامشلي، مخاوف ممّا تحمله الأيام القادمة، حيث قال عيسى كوركيس، وهو مدرّس لغة عربية متقاعد من سكان حي السريان، في حديث إلى (جيرون): “لدينا خوف وقلق من هذا القرار المفاجئ [انسحاب واشنطن] وذلك لأنه ربّما يكون سببًا في إنعاش خلايا (داعش) في المنطقة، وربما عودتها من جديد”.

وأضاف: “عندما اقترب التنظيم من مدينة القامشلي عام 2014، كان مسيحيو المدينة أول المغادرين إلى أوروبا، وقد رحلوا بالمئات، وهناك من باع كل ما يملك حتى المنزل، بينما سافر قسمٌ منهم تاركًا منزله في عهدة الكنيسة”. وتابع: “أنا شخصيًا أرسلتُ جميع أبنائي إلى الخارج، خوفًا عليهم من المستقبل المجهول هنا، وحاليًا أعيش هنا مع زوجتي، وحدنا”.

بينما قالت مريم أحمد (اسم مستعار لدواع أمنية) وهي طالبة جامعية من حي الغربية، لـ (جيرون): “في نهاية كل حرب، فإن المنطقة تأخذ وقتًا لتقوم على أركانها، وأعتقد أن انسحاب الجانب الأميركي ربما يزيد الطينَ بلة، ويفتح المجال واسعًا أمام الميليشيات الإيرانية، وربما (داعش)”.

من جهة ثانية، رأى إبراهيم الصالح، وهو متخرج في معهد تجاري ويعمل سائق تكسي، في حديث إلى (جيرون) أن الانسحاب الأميركي “أمرٌ متوقع”، وأضاف: “راهن (حزب الاتحاد الديمقراطي) على الداعم الأميركي واستمرار دعمه، لكن حساباتهم فشلت، وجعلهم ذلك في ورطة لم يحسبوا لها حسابًا، لقد ظنوا أن سقوط (النظام) في أي مرحلة سيكون في مصلحتهم، لكن ذلك لم يتحقق، وتغيّرت كل توقعاتهم، ولا شك في أنهم سيدفعون ثمن أفعالهم”.

سوق القامشلي 17/ 1/ 2019 – خاص جيرون

بعد تصاعد التهديدات التركية وقرار الانسحاب الأميركي؛  لجأت (قسد) إلى التفاوض مع النظام للوصول إلى تفاهم حول مصير المنطقة، حيث سرّبت صحيفة (الشرق الأوسط) أمس الجمعة إحدى عشرة نقطة، طرحها (حزب الاتحاد الديمقراطي) على النظام وروسيا، تتضمن عودة المنطقة  للسلطة الأمنية للنظام والاعتراف ببشار الأسد رئيسًا منتخبًا، مع الحفاظ على بعض المكتسبات التي حققتها (قسد) كالإدارة الذاتية والاعتراف بالمكون الكردي، لكن النظام ما زال يشترط على قيادات (قسد) القبول باتفاق مشابه لما حصل في الغوطة ودرعا، بما يضمن عودة المنطقة بالكامل لسلطته من دون شروط.

حول احتمالية تسليم المنطقة للنظام، تحدث إلى (جيرون) آلان قامشلو -اسم مستعار لدواعي أمنية- وهو ناشط مجتمع مدني كردي في القامشلي: “أنا ضد تسليم المنطقة للنظام، والسبب ما حصل في درعا، على الرغم من الرعاية الروسية. النظام حتى الآن يعتقل كل الأشخاص الذين كانت لهم صلة بالثورة، وهناك حقد كبير من قبل النظام على الأهالي، لذلك لا أستطيع أن أتحمل فكرة عودة النظام للمنطقة، لأني أخاف على نفسي وأهلي”.

بينما قال كوركيس: “بالنسبة إليّ، أفضّل عودة النظام؛ لأن النظام سيسعى جاهدًا لإثبات أنه حامي الأقليات في المنطقة، خصوصًا المسيحيين، ولن يتجرأ على إثارة مشكلات، على الأقل معنا، في الوقت الراهن”.

لكن سامي علي الضويحي، وهو مدرّس في إحدى مدارس القامشلي، رأى في حديث إلى (جيرون) أن “من المستبعد تسليم المنطقة للنظام، لأنه عاجز عن توفير الخدمات في مناطق سيطرته الحالية، فكيف سيتمكن من توفيرها لمناطق جديدة، ونحن نرى الآن أصواتًا موالية للأسد تتحدث -بكل صراحة- عن الوضع الاقتصادي المتردي في مناطق النظام”.

من جانب آخر، تطرح الولايات المتحدة مقترح إنشاء “منطقة آمنة” شرق الفرات، بعد انسحابها بالتفاهم مع تركيا شرط حماية الأكراد في المنطقة، وذلك لتخفيف التهديدات التركية بشن عملية عسكرية شرق الفرات لطرد مقاتلي (وحدات حماية الشعب) الذين تتهمهم تركيا بأنهم جناح سوري لـ (حزب العمال الكردستاني)، وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قد رحّب بالمقترح الأميركي الذي يتضمن أن تمتد هذه المنطقة على مساحة 450 كم، على طول الشريط الحدودي، بعمق 20 ميلًا، وتحاول تركيا إقناع روسيا بهذا المقترح، حيث ترى موسكو ضرورة نشر قوات النظام على الحدود.


خريطة المنطقة العازلة المتوقعة وفق ما نشرت صحيفة الشرق الاوسطحول مقترح المنطقة الآمنة، قال كوركيس: “أنا مع إقامة المنطقة الآمنة؛ فذلك سيزيد نسبة الاستقرار في المنطقة، ويعمل على تهدئة النفوس لدى المواطنين، لكن ذلك يبدو بعيد المنال، وخاصة إذا حدث بتدخل تركي، لأنه سيثير كثيرًا من الحساسية لدى بعض المكونات، خاصة الأرمن والأكراد”، فيما رحّبت مريم بدخول الجيش التركي للمنطقة، معتبرة إياه “أفضل الموجودين”، وقالت: “دخول الجيش التركي -إن تمّ- سيضمن منع تهديد المنطقة، ويساعد في عودة آلاف النازحين من تركيا، وأعتقد أن المنطقة الآمنة ستكون خيارًا جيدًا، إن تمّ إشراك أبناء المنطقة في تولي مهام حفظ الأمن فيها”.

من جهته رحّب آلان بالمنطقة الآمنة، ولكنه اشترط “أن تكون تحت مظلة الأمم المتحدة أو بعض الدول الأوروبية أو العربية”، ورأى أن “تركيا غير مقبولة في المنطقة، بسبب الانتهاكات التي حصلت في عفرين، ونحن نتخوف من دخولها لمنطقتنا، وتكرار تلك التجربة”، وأبدى خشيته من أن “يؤدي التدخل التركي إلى زيادة الأوضاع الأمنية سوءًا”.

بينما قال الصالح: “لا يحق لتركيا الدخول إلى المنطقة. وأيّ تحرك نحو المنطقة يجب أن يكون بالتنسيق مع (النظام) كما فعلت روسيا وايران، وما يسمى المنطقة الآمنة ستكون منطقة لحماية المشروع الغربي الأميركي في المنطقة”، أما الضويحي فقد رأى أن المنطقة الآمنة “ستعود بالفائدة على المدنيين، لأنها ستسمح لدولة قوية بإعادة الإعمار، وتنظيم الأمور، وتأسيس بنية تحتية قوية”.


شكّل قرار الانسحاب الأميركي مصدر قلق لدى القائمين على (الإدارة الذاتية) التي تدير مجالس البلديات والأحياء وتؤمن بعض الخدمات الأساسية، بينما تخضع سياسيًا لإرادة (حزب الاتحاد الديمقراطي) وتوقع كوركيس انتهاء هذه الإدارة، بمجرد إتمام الانسحاب الأميركي، مضيفًا: “لقد كانت الإدارة -بلا شك- مرحلة انتقالية، إن صح التعبير، ووجود مثل هذه الإدارة يحتاج إلى كثير من الإمكانات، وإلى اعتراف أطراف معينة”، فيما قالت مريم: “أعتقد أن علينا الحفاظ على (الإدارة)؛ لإنها حققت بعض الإنجازات، وأخفقت في بعض الجوانب، ولكن وجودها يظل أفضل من حالة الفوضى”.

أكّد الضويحي أن “مصير الإدارة هو الزوال، وخصوصًا إذا حصل تفاهم أميركي تركي، على منطقة آمنة بعمق 20 ميلًا، ما سينتج إدارات محلية من أبناء المنطقة، وفق انتخابات نزيهة غير مسيسة”، لكن آلان رأى أن الإدارة الذاتية “أفضل حلّ للمنطقة، لكن بشرط أن تغيّر سلوكها وأسلوبها في إدارة المنطقة، وأن تُشرك جميع الأطراف في إدارة المنطقة، ما يعني ضرورة تغيير كثير من الأمور”.

لم تكد الجزيرة السورية تتنفس الصعداء، بعد من الحرب الطويلة، بين تنظيم (داعش) و(قسد) حتى دخل سكانها في دائرة قلق جديد إزاء مصير منطقتهم، بعد قرار الانسحاب الأميركي، وكلهم ينتظر التفاهمات (التركية-الأميركية-الروسية) خلال قادم الأيام، ويأمل أن تنتجَ تفاهمًا معقولًا يبدد المخاوف من عودة النظام للمنطقة، أو من دخولها في صراع عسكري جديد.

حول جيرون – سامر الأحمد
صحافي في شبكة جيرون الإعلامية، حاصل على إجازة في اللغة العربية، عمل محررًا وصحافيًا، ومُعدًّا ومقدمًا لبرامج إذاعية، له مقالات وتقارير في وسائل إعلام سورية ولبنانية.
أي نشر، أو إعادة تحرير لهذه المادة، دون الإشارة الى " عنكاوا كوم " يترتب عليه أجراءات قانونية