رحل الزارع
بمناسبة رحيل الكاهن المتواضع عمانوئيل خوشابا في ملبورن
بقلم يوحنا بيداويد
ملبورن 26 كانون الثاني 2019 ( يوم دفنته)
رحل الأب المتواضع الذي عاش حياته الأرضية بكل محبة وتفاني وقناعة وببساطة إلى عالم الأبدية، وذلك في يوم الخميس الماضي المصادف 24 كانون الثاني 2019 في مدينة ملبورن عن عمر ناهز 88 سنة.
F
رحل الرجل الذي ساعد آلاف وعمل مئات الكفالات للاجئين من ابناء شعبنا الكلداني وغير الكلداني، وعمل بكل ما بوزعه في كرم الرب الى اخر رمقه، اخر قطرة من قوته وارادته وغيرته على المؤمنين، عمل الكثير من اجل كنيسته في مدينة ملبورن. قلما رابت انسانا التقاه ولم يترك تواضعه وبساطته وروحه المرحة اثرا عليه، فكان معروفا بحبه لجماعته ولتاريخ كنيسته وشعبه والالحان والصلوات بالاخص صلاة الوردية، بالاضافة الى حبه للغات السورث- الكلدانية والعربية التي كان ضليعا بها والفرنسي، فترك مكتبة عامرة للأجيال القادمة.
كنت أعدت أسئلة عديدة لإجراء مقابلة شاملة معه، ففي منتصف عام 2016 كان كل شيئا معدا لاجراء هذه المقابلة لكن لسوء تدهورت صحته بصورة مفاجاة ولم يعد يستطيع الكتابة ولا الطباعة، كما ان صوته بدا بالضمور ولم يعد يكن واضحا، فطلب الانتظار لتحسن صحته ولكن هيهات فكان قانون الطبيعة اقوى من ارادته وارادتنا جمبعا كالعادة فلم تتحسن صحته، فرحل عن عالم الأرضي الى عالم السماوي في 24 كانون الثاني 2019 عن عمر جاوز 88 عاما (حسب شهادة العماذ)، ستبقى اسئلتي تنتظر أجوبتها الى الابد، لن يأتي شخصا اخرا يجيب عليها مهما كان قريبا او صديقا او عزيزا له.
لكن نتيجة علاقتي الشخصية بالأب المرحوم الاب عمانوئيل خوشابا وعملي معه لفترة طويلة(1993-2002) منذ وصولي عام 1992 (في تلك السنة درست طلاب التناول الاول كما تظهر الصورة المرفقة التي تجمعنا مع الاب زهير ) في التعليم المسيحية (بعد تاسيس مركز اوسع في منتصف تموز 1994، والاخوية التي كنا أسسناها في بداية 1992 ومجلة نوهرا التي أصدرت اكثر ٥٥ عددا وكذلك عملي كسكرتير لجنة الخورنة لدورتين سأحاول القاء نبذه مختصرة، وربما سيقوم غيري بالإضافة كي تكتمل سيرته الشخصية للاخرين اكثر فاكثر.
.
تعود ذكرياتي مع الاب عمانوئيل خوشابا الى عام 1971-1974 في محلة العباسية في مدينة زاخو، حيث كنا صغار نحضر دورس التعليم المسيحي والتراتيل والتحضير للأعياد والمشاركة فيها، كما تم تأسيس اخوية في محلة العباسية التي كانت تعد في عيوننا حينها أعظم مؤسسة كبيرة، بسبب الحياة البسيطة والهدوء والكثافة الكبيرة للعوائل المسيحية التي زادت في تلك المحلة، حيث كانت تلك الأخوية الفتية تقوم بسفرات ومهرجانات بسيطة وتقديم تمثيليات وغيرها، كذلك لتعلم لغة الكلدانية فتحوا دورة لأعمارنا.
ولد الاب المرحوم عمانوئيل خوشابا (فؤاد خوشابا) في 15 أيار عام 1931 في قرية شرانش في قضاء زاخو. توفيت والدته السيدة كاترينة خوشابا وهو عمره سنتان، تزوج والده من امرأة أخرى فولدت له ثلاث اخوة وأربع اخوات.
تأثر كثيرا بسيرة عمه الكاهن الاب حنا خوشابا الذي(كاهن قرية فيشخابور لمدة اكثر 30 سنة) كان له دور كبير في تصقيل وتهذيب مواهبه وثقافته وكان أحد العوامل المساعدة الذي دفعه للدخول الدير في بداية الاربعينيات (1942) بعد ان اكمل دراسته الابتدائية، وفي معهد شمعون الصف انكب فؤاد على دراسة مختلفة العلوم واللغات، الى ان اكمل دراسته القانونية في اللاهوت والفلسفة لنيل سر الكهنوت في سنة 1953م. وكان من الأوائل، وكانت العادة ان يتم ارسال الطالب الأول على الدورة الى جامعة بروبكندا في روما لنيل شهادة الدكتوراه، لكن بسبب المحسوبية في حينها تم ارسل طالب اخر الامر الذي اغضبه كثيرا في حينها، كما ان بقى ينتظر الرؤساء والمسؤولين للدير ان يرسلوه في العام التالي والثالث ولكن هيهات ثم هيهات !
فتمت رسامته في 29/حزيران 1955 على يد\المثلث الرحمة المطران سليمان الصائغ في الموصل، وحينها تبنى اسم عمانوئيل عوضا فؤاد كما كانت العادة سابقا لدى الاكليروس، خدم في السمنير لحين ان تم استدعائه من قبل المثلث الرحمة المطران توما الرئيس الذي كان قد خلف المثلث الرحمة يوحنا نيسان على ابرشية زاخو (زاخوتا)، عاصر المطران الشهير يوحنا نيسان ثلاث سنوات، فقد كان متأثرا بحكمته وايمانه وشخصيته، وكان يتحدث عنه كثيرا ، خدم في البداية مركز المطرانية مار كوركيس في زاخو (محلة النصارى)، ثم وبدا خدمته لقرى خط باتيل الذي يربط بين دهوك وفيشخابور (قرى أهالي كزنخ لمدة ثلاث سنوات وهي قرية صوريا، بخلوجا، وافزووك) كان الطرق صعبة التنقل لأنها لم تكن معبدة، فكان يستخدم الحيوانات للتنقل من قرية الى اخرى التي كانت تستغرق 45 دقيقة الى ثلاث ساعات. بسبب الثورة الكردية والصراع مع نظام البعث انتقل الى بغداد في منتصف السبعينات وخدم كنيسة الصليخ فترة قصيرة ومن ثم سافر الى باريس لإكمال دراسته العليا في سنة 1978 حيث حيث تم الموافقة على سفره من قبل الحكومة العراقية ولكن على حسابه الخاص ، حيث انه لم يحصل على منحة السفر الى روما من قبل البطريركية الكلدانية انذاك ومن مميزات المنحة الدراسية ان يكون الطالب الاول على اقرانه مع العلم انه كان الاول في الفلسفة واللاهوت. فذهب على نفقته الخاصة وهناك بدا بتعلم القداديس باللغة الفرنسية ودرس في جامعة تولوز الفرنسية، بقى يخدم في فرنسا لمدة أربع سنوات لحين استدعائه الى مدينة ملبورن في استراليا نهاية عام 1982.
على الرغم من قلة العددالمهاجرين الا الاب عمانوئيل قام بجمع العوائل والشباب حول الكنيسة، فكان يزورهم كثيرا، كما ان استطاع بهمة أبناء الكنيسة وتبرع ارملة أموالها للكنيسة واخذ قرضا من كنيسة الكاثوليك واستعارة بعض المال من المثلث الرحمة المطران بولص كرتاش مطران استنبول في حينها لشراء ارض كبيرة مساحتها 40 ألف متر مربع في منطقة بولا خلف المطار، لكن لسوء الحظا كانت هذه الارض في منطقة تشكل ضوضاء وخطورة فتم اغلاق المركز بأمر من البلدية.
دخل اسمه في ذاكرة الأجيال من بابه الواسع بسبب مواقفه وهمته في عمل الكفالات للمهرجين للوجبات الأولى بعد الحرب الخليج-حرب الكويت. وقام مع بعض الاخوة والاخوات (أعضاء الجمعية الكلدانية في فكتوريا) بأعمال جبارة في مساعدة الكثيرين من المهاجرين من الكلدان والاشوريين والسريان والارمن في شتى الطرق من عمل الكفالات وحجز بطاقات السفر الى عملية إيجاد المسكن والعمل وتقديم النصائح لهم بعد وصولهم.
مكتبة ابونا عمانوئيل تشمل مؤلفاته:
·لمحات منثورة تاريخ رعية حافظة الزروع.2006
·مكانة مريم العذراء في الطقس الكلداني.2009
·القربان الاوخارستية محور حياتنا الروحية.2009
·لنصلي معا". 2012
·شرح اناجيل السنة الطقسية الكلدانية 2014
·خرج الزارع ليزرع. 2014
·خرج الزارع ليزرع. 2016
·قاموس اللهجات العامية للغة السورث الشرقية.
نكتفي حاليا في هذا المقدار من المعلومات عن سيرته ، الى مرحلة أخرى ان شاء الله نلقي الضوء على إنجازاته في مدينة ملبورن.
تعازينا لأبناء والآباء والسادة الأساقفة في الكنيسة الكلدانية لاسيما مار اميل نونا راعي ابرشية استراليا ونيوزلنده للكلدان والاشوريين لأصدقائه من الاباء ابونا البير ابونا وجميل نيسان وكمال بيداويد وغيرهم. الرحمة والراحة الابدية لروحه والصبر السلوان لإخوانه وأخواته وابنا ء الكنيسة الكلدانية في ملبورن.