بمناسبة رحيل عالمة الآثار الدكتورة لمياء الكيلاني:
----------------------------------منذ متى صار "الآثوريون" يدعون بـ "الآشوريين" ؟
==============================
أبرم شبيرا
بتاريخ 18 كانون الثاني 2019 رحلت العالمة الآثارية الدكتورة لمياء الكيلاني في عمان عن عمر ناهز 88 سنة، وهي أستاذة جامعية وأكاديمية وعالمة في الآثار العراقية، خريجة كلية الإداب بجامعة بغداد عام 1957 وحاصلة على شهادة الدكتوراه في الآثار من جامعة كامبردج في بريطانيا عام 1966. وكانت أول أمرأة عراقية تعمل في حقل التنقيب عن الآثار وقضت فترة طويلة بالعمل المضني في متحف بغداد حتى أستقر بها المقام في بريطانيا. وبعد عام 2003 عادة إلى العراق لتعمل في المتحف العراقي المنهوب لتعيد ترتيبه وتنظيمه وتصنيف الأثار وإعدادها بشكل علمي منظم بعد ان تعرض إلى النهب والسرقة والتخريب. للمزيد عن سيرتها الذاتية والعلمية أنظر موقع وكيبيديا في نهاية الموضوع.
بيت القصيدة في هذه المناسبة المؤلمة برحيل أشهر عالمة آثار عراقية بعد رحيل تلميذها العالم الآثاري "الآشوري" دوني جورج"، الذي يدور حول تساؤل "منذ متى صار "الآثوريون" يدعون بـ الآشوريين"؟ يبدأ عندما نشر السيد موسى الشابندر سلسلة من مذكراته في جريدة "القدس" اللندنية بتاريخ 15-16 أيار 1993 وتحديدا الحلقة الرابعة التي تطرق فيها إلى القضية الآشورية في العراق وبالأخص حركة عام 1933 وما صاحبها من سياسات ومواقف رجال الحكم في العراق تجاه هذه القضية. والسيد موسى الشابندر،عاصر الحركة الآشورية لعام 1933 والنتائج المأساوية التي رافقتها، فكان ضمن الوفد العراقي الحكومي لدى عصبة الأمم في جنيف أثناء مناقشة حوادث مذبحة سميل ومعروفاً بمواقفه الإستبدادية تجاه الآشوريين حيث ساهم بمقالاته "الوطنية" التي نشرها في الأعوام 1928 – 1933 وبأسم مستعار "علوان أبو شرارة" في تصعيد شرارة الحقد والكراهية على الآشوريين وفي تزييف تاريخهم وطموحاتهم الوطنية المشروعة. ففي مقالته المنشورة في جريدة "العالم العربي" في 15 آب 1930 وتحت عنوان "المستعمرون وحماية الأقليات" لم يرً في القضية الآشورية إلا "دولاب إستعماري".
وفي حينها كتبت رداً مطولاً وحاداً على مذكرات السيد موسى الشابندر ساعياً إلى تقويم الإنحراف الفكري والموقف الإستبدادي تجاه القضية الآشورية بشكل خاص وتجاه الآشوريين عموماً وتحت عنوان "المسألة الآشورية في مذكرات رجال الحكم والسياسة في العراق" والذي نشر في جريدة "القدس" اللندنية بعددها الصادر 12-13 حزيران عام 1993. أثار موضوع ردي على السيد موسى الشابندر العديد من الردود والملاحظات بين العديد من المثقفين والمفكرين العراقيين المقيمين في لندن، وفي حينها دخلنا في مناقشات وحوارات حول الموضوع المعني مع العديد من هؤلاء المثقفين والمفكرين المتنورين والأحرار خاصة عندما كنًا نلتقي في "كوفه غالري" الكائن في قلب مدينة لندن والعائد للدكتور الأستاذ المهندس المعماري محمد مكية، عميد كلية الهندسة الأسبق بجامعة بغداد الذي كان ملتقى المثقفين والمفكرين والأدباء. وكانت من بينهم الإستاذة الدكتورة لمياء الكيلاني الذي أثار موضوع ردي على السيد موسى الشابندر إهتمامها، فكتبت تعليقاً قصيرً عليه تحت عنوان "الآثوريون وليس الآشوريين" ونشر في جريدة "القدس" اللندنية بتاريخ 15 تموز 1993، تقول فيه:
"لي تعليق قصير على مقالة الأستاذ أبرم شبيرا (جريدة "القدس" العربي عدد 12/06/1993) حول القضية الآشورية، ولجهلي المحدود لا أود أن أدخل في أصل الحركة والحوادث التاريخية لعام 1933، ولو إني أتفق مع الكاتب تحليله لتفكير وعقلية الطبقة الحاكمة ورأيها بالأقليات في العراق. وللأمانة التاريخية، أود أن أسأل الكاتب منذ متى صار الآثوريون يدعون بـ "الآشوريون" ؟ وهل يستطيع مع أدلة تاريخية مكتوبة أن يرجع تاريخ الآثوريين إلى الأقوام الآشورية التي حكمت العراق في الألف الأول قبل الميلاد... مع التقدير.
وإستجابة لتساؤل الدكتور لمياء الكيلاني عن كيفية تحول الآثوريين في العراق إلى الآشوريين والأدلة التاريخية المكتوبة، كتبتُ في جريدة "القدس" العربي (العدد 16 تموز 1993) السطور التالية:
زاملت في بداية السبعينيات طالباً عربياً فلسطينيا أثناء فترة الدراسة الجامعية في بغداد فكان عجبه عن كيفية تحول "الآشوريين" في العراق إلى "الآثوريين" أكثر بكثير من علامة الاستفهام التي أوردتها الأستاذة لمياء الكيلاني عن تحول "الآثوريين إلى "الآشوريين". ويمكن تخفيف حدة الإستفهام هذه وإزالتها بإجابة مبسطة للتساؤل المطروح ومن النواحي التالية:
1. لغويا: في العراق دون غيره من بلدان الشام ولبنان وفلسطين وحتى مصر، ولأسباب تتعلق بعلم الأصواب الكلامية (Phonology) تحولت "الشين" إلى "الثاء" وبالتالي أصبح "الآشوريون" في العراق معروفين بـ "الآثوريين". في حين حافظ أهل الشام وبقية البلدان على التسمية الصحيحة للآشوريين دون أي تغيير. وقد يكون مفيداً أن نسوق أمثلة على ذلك من النتاجات الفكرية لكتاب ومفكري هذه البلدان ولكن لضيق المجال، نكتفي بالقول بأن "شامية" ميشيل عفلق مؤسس حزب البعث العربي الإشتراكي كانت قد طغت على أيديولوجية تلاميذه في العراق عندما أعيد طبع كتابه "في سبيل البعث" لمرات عديدة من دون تحويل كلمة "الآشوريين" الواردة فيه إلى "الآثوريين" عندما تطرق لحركتهم (عام 1933) في منتصف الخمسينيات من هذا القرن (والقصد هو القرن العشرين).
ومن ناحية ثانية فإن تسمية "الآثوريين" عينها غريبة عن الآشوريين أنفسهم حيث كان الفرثيون أول من أستعملها عندما أحتلوا بلاد آشور وأجزاء أخرى من بلاد مابين النهرين. من جهة أخرى هناك تداخل وإحلال كبير بين حرفي "الشين" والتاء" في اللغة الآشورية المعاصرة وفي لهجاتها المتعددة، فهناك العديد من الكلمات تخضع لقاعدة الإحلال هذه ومنها "آشور" و "أتور" ويعني الإله آشور أو مدينة آشور أو مملكة آشور، وهكذا مع بيتا وبيشا – أي البيت، و كتيتا وكتيشا- أي الدجاجة، وتا و شا – أي تعال ..إلخ. فعندما يُسأل أي آشوري من قبل عراقي عربي من أنت؟ فيقول أنا "أتورايا" ولتنسيبها في العربية يقول أنا "أتوري" ويعني "آشوري" وبسبب "التاء" المشددة الصعبة في اللهجة العراقية تحولت، حسب القواعد الفونولوجية، إلى "الثاء" اللينة فتحول بالتالي "الأتوري" إلى "الآثوري" في العراق. وهي قاعدة عامة وشاملة في الكثير من اللغات القومية واللجهات المحلية في إختلاف وتباين تسميات الشعوب والأقوام وبلدانها. فإذا كان العراقيون العرب يطلقون على الآشوريين "آثوريين فالفرس مثلا، يطلقون عليهم "آسوري" والأرمن "أسورينير" والأذربيجانيون "أسورليار" والأتراك "آسورلي" والروس "أسيريتس" والإنكليز "أسيرينز" والصينيون "ياصو" والسويديون "أسيريسكا" والكورد مثلهم مثل الفرس "آسوري".
2. سياسيا: لأسباب سياسية تم تعميم وإشاعة إستعمال تسمية "الآثوريين" وإحلالها محل "الآشوريين" من قبل مفكري ومؤرخي النخبة الحاكمة في العراق ولأهداف تتعلق بقطع الصلة بين التسميتين وإستئصال الجذور التاريخية للآشوريين في العراق. وتواصلت هذه السياسة حتى أيامنا هذه. فهناك العشرات من الكتب والبحوث التي صدرت في العراق كلها تسعى لتحقيق هذه الأهداف عن طريق توسيع هوة التباين اللفطي البسيط بين التسميتين "الآشوريين" و"الآثوريين" وتضخيم الخلاف والتناقض بينهما وإعطاء الثانية دلالات وأبعاداً دينية طائفية لتعكس إنطباعاً عاماً لدى العراقيين في إختلافها عن التسمية الأولى في الوقت الذي يظهر للعيان بأن الفرق بين "الشين" الآشورية و "الثاء" الآثورية ضئيل جداً يكاد لا يذكر ولا يستحق عناء التساؤل والمناقشة.
3. تاريخيا: قبل كل شيء من الضروري التأكيد بأن الآشوريين، وبالأخص المثقفين منهم، وهم المكتوون بنيران السياسات العنصرية والشوفينية طيلة تاريخهم الطويل، يدركون بأن نظرية الدم أو العنصر التي تميز الناس والأمم على أسس بايولوجية قد أصيبت بدرجة كبيرة من السخف والبطلان. لهذا فإن إرجاع الآشوريون تاريخهم المعاصر إلى الأقوام الآشورية التي حكمت في الألف الأول قبل الميلاد لا يستند إلا على عناصر حضارية وفكرية إنسانية. ويمكن إرضاء تساؤل الأستاذة لمياء الكيلاني عن الأدلة التاريخية المكتوبة عن التواصل التاريخي للآشوريين بالإشارة، دون الاسهاب في تفاصيلها، إلى العشرات الكتب والدراسات والبحوث العلمية التي كتبت بمختلف لغات العالم والبعض منها ترجم إلى العربية. ويقيناً بأن الكثير منها، وخاصة الإنكليزية متوفرة في مكتبة المتحف البريطاني، وأخص بالذكر منها "نينوى وبقاياها للعالم الآثاري هنري أوستن لايارد مكتشف مدينة نينوى. وكذلك كتاب "الآشوريون وجيرانهم" و "مهد البشرية" و"مدخل لدراسة تاريخ الكنيسة الآشورية" للكاتب الإنكليزي وليام وكرام الذي عاش مع الآشوريين في منطقتهم قرابة 15 عاماً.
أمل أن تكون هذه الملاحظات وافية للتصورات والأفكار والسياسيات التي أقيم طرحها عن الفرق الضئيل بين "ثاء" الآثورية و "شين "الآشورية" لتزيد من ترابط الآشوريين بأرض العراق وشعبه... أنتهى.
--------------
هذا الموضوع كتب قبل أكثر من ربع قرن من الزمن ومن المؤكد بأن هناك مراجع وبحوث ووثائق أكثر بكثير من المراجع التي ذكرتها كلها تؤكد وتعزز ما ذهبت إليه في موضوع الأدلة التاريخية والعلمية في كون الآثوريون هم أبناء وأحفاء الآشوريين القدماء.
وهنا في الختام أود أن أشير إلى ملاحظتين:
الأولى: يظهر للقارئ الكريم من خلال رد الدكتورة لمياء الكيلاني على موضوع ردي على مذكرات السيد موسى الشابندر سمو أخلاقها ورفعة آدابها وعظمة علميتها في معالجة الموضوع وبسطور قليلة، وهي الحقيقة التي كان يعرفها الكثير من المثقفين العراقيين الأحرار والبعيدين عن موائد الأنظمة السياسية الإستبدادية التي تعاقبت على الحكم في العراق.
ثانيا: للدكتور لمياء الكيلاني عدة مؤلفات، ومن بينها كتاب "أول العرب – من القرن التاسع وحتى السادس قبل الميلاد" ألفته بالتشارك مع الأستاذ سالم الآلوسي ونشرته دار نابو في لندن 1999. وهو كتاب يتناول موضوعه بالكامل عن الآشوريين القدماء وعلاقتهم بالعرب وعن الحروب التي خاضها الآشوريون ضد العرب البدو الذين كانوا يغارون من الصحراء الغربية على المماليك الآشورية معززة بصورة المنحوتات المعروضة في المتحف البريطاني. وفي حينها كتبت تعليقا على الكتاب ونشر في بعض وسائل الإعلام. وهنا يستوجب التذكير، خاصة لأعضاء النادي الثقافي الآشوري في بغداد في السبعينيات من القرن الماضي عن الأستاذ سالم الألوسي الذي كان من أكثر الشخصيات المثقفة العراقية التي شاركت بنشاطات عديدة ثقافية وفكرية في النادي وكان من أكثر المعجبين بهذا النادي وبأعضاءه.
=================================
سيرة حياة الأستاذة الدكتورة لمياء الكيلاني كما نشر في موقع ويكيبيديا:
لمياء الكيلاني
من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة

لمياء بنت أحمد جمال الدين بن داود بن سلمان الكيلاني النقيب (1931-2019)، أثارية وأكاديمية عراقية ،حصلت عل شهادة البكالوريوس في الآثار من كلية الاداب جامعة بغداد عام 1957 بتفوق وعلى شهادة الدكتوراه في الاثار من جامعة كامبردج في بريطانيا عام 1966[1].
سيرتها
ولدت لمياء الكيلاني في عائلة تتحدر من القطب الصوفي الأشهر عبد القادر الجيلاني في بغداد، وأتمت دراستها الابتدائية والثانوية فيها، ودخلت كلية الآداب جامعة بغداد في قسم الآثار، وبعد تخرجها غادرت بغداد لحصولها على زمالة في جامعة كيمبردج في بريطانيا لدراسة الآثار لتعود إلى بغداد عام 1961 كأول امرأة عراقية درست الآثار في الجامعات الغربية. وعملت في المتحف العراقي الذي كان يديره في تلك الفترة الآثاري العراقي فرج بصمجي، الذي كلفها بعمل يحتاج إلى بذل الكثير من الجهد والصبر، فقد تكدست في المتحف العراقي آلاف الأختام الاسطوانية، وقد كلفت الكيلاني بفرزها وتبويبها وتصويرها فوتوغرافيا لغرض أرشفتها، مما ولد في نفسها عشقا سيتطور لاحقا إلى دراسة اكاديمية، بعد ذلك تولى إدارة المتحف أحد أشهر آثاريي العراق وهو طه باقر، الذي كان ذو عقلية متفتحة فيما يخص التعامل مع المرأة في حقل الآثار، وقد ابتدأت حينها أعمال التنقيب في موقع قرب بغداد مما وفر فرصة مناسبة للدكتورة لمياء الكيلاني للمشاركة، وبذلك كانت أول عراقية تشارك في أعمال التنقيب عن الآثار العراقية[2]، شاركت في اعمال تنقيب في محيط بغداد في تل الضباعي القريب من تل حرمل فكانت أول عراقية تشارك في اعمال التنقيب، ولقد حصلت على شهادة الماجستير من جامعة ادنبرة وكان موضوع اطروحتها (الأواني السومرية الفخارية الطقسية)، ثم اكملت رحلتها العلمية في جامعة لندن حيث حصلت على درجة الدكتوراة وكانت اطروحتها عن(الاختام الاسطوانية)، وعملت لسنوات في المتحف العراقي ودرست في العديد من الجامعات والفت وشاركت في تأليف عددا من الكتب، كما شاركت في مؤتمرات عديدة والقت العديد من المحاضرات عن آثار العراق في مختلف دول العالم
وفاتها
توفيت لمياء الكيلاني في عمّان يوم الجمعة الموافق 12 جمادى الأولى 1440 هـ / 18 يناير 2019 عن عمر يناهز 88 عاما.