المحرر موضوع: سليمان يوسف يكتب: وثيقة «الأخوة الإنسانية»  (زيارة 1707 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل ankawa admin

  • المشرف العام
  • عضو مميز جدا
  • *
  • مشاركة: 2306
    • مشاهدة الملف الشخصي

عنكاوا كوم / «إيلاف»

يوم الإثنين الماضى (4 شباط 2019) وقّع كل من بابا الفاتيكان (فرنسيس الأول) وشيخ الأزهر (أحمد الطيب) فى عاصمة دولة الإمارات (أبوظبى) ما سُميت بوثيقة «الأخوة الإنسانية». الوثيقة تدعو للتسامح والحوار والعيش المشترك بين الأديان. كما تدعو لمكافحة العنف والتطرف فى المنطقة والعالم. وُصفت بـ«الوثيقة التاريخية» على أمل أن تفتح (صفحة جديدة) فى تاريخ العلاقة بين الأديان، تحديداً بين المسيحية والإسلام. أبرز ما قاله البابا فرنسيس فى احتفالية التوقيع: «الحريات الدينية لا تقتصر على حرية العبادة، وإنما هى أن نرى فى الآخرين أخوة فى الإنسانية.. إما أن نصنع الأديان والمستقبل معاً أو لا مستقبل.. لا يمكن لأى شخص أن يبرر العنف باسم الدين». شيخ الأزهر قال: «المسيحية احتضنت الإسلام حين كان ديناً وليداً.. على المسلمين فى الشرق الأوسط حماية المسيحيين.. الدين برىء من التنظيمات الإرهابية».


 
مسيحيو المشرق، ومعهم الكثير من المسلمين، يتأملون ترجمة ما تضمنته هذه «الوثيقة التاريخية» إلى أفعال، وأن تُطوى معها صفحة المظالم والاضطهادات فى حق مسيحيى المشرق، وأن تصبح الوثيقة «عقداً اجتماعياً» لجميع دول منطقتنا الغارقة فى الحروب الأهلية. بيد أن تحقيق آمال المضطهدين والمعذبين مازال بعيد المنال. النيات الحسنة وحدها غير كافية لتحقيق الخير ونشر السلام والتآخى والوئام بين الشعوب. مبادرة (الفاتيكان والأزهر)، المتمثلة فى وثيقة «الأخوة الإنسانية»، جاءت متأخرة جداً. لا أريد أن أكون متشائماً ولا التقليل من شأن وأهمية هذه الوثيقة، لكن سؤال يطرح نفسه: هذه «الوثيقة» غير ملزمة لأى جهة (محلية أو إقليمية أو دولية)، بماذا ستفيد مسيحيى المشرق وقد دخل وجودهم مرحلة (الخطر الوجودى) جراء استمرار الاعتداءات الممنهجة عليهم بهدف حملهم على الهجرة وتطهير المنطقة منهم؟ تحقيق ما تضمنته الوثيقة يتطلب وجود دول مدنية ليبرالية (دولة مواطنة) تحكم وفق دساتير مدنية حضارية ديمقراطية، يفصل فيها الدين عن السياسة وعن الحكم. الكاتب الأردنى (باسل رفايعة) يؤكد أن «الدول العربية لا تحترم حقوق المواطنة، ولا تتبنى قوانين تحدّ من التمييز بين المواطنين، ما يجعل الأقليات المسيحية متضرّرة بشدة. والتحالف التاريخى بين الأنظمة العربية وجماعات الإسلام السياسى أدى حكماً إلى هضم حقوق المسيحيين». موجة (العنف الدينى)، التى تهدد بالقضاء على المسيحية فى مهدها (سوريا التاريخية) وفى عرشها (بلاد ما بين النهرين ومصر) وفى عموم منطقة المشرق، لم تبدأ مع «تنظيم الدولة الإسلامية» المعروف بـ«داعش»، ولن تنتهى باختفاء هذا التنظيم الإرهابى. العنف الوحشى ضد الشعوب المسيحية المشرقية مستمر منذ قرون طويلة. عنف واضطهاد ينبعان مما لدى (الإسلاميين المتشددين) من مشاعر العداء والكراهية للمسيحيين والمسيحية. قبل (الغزو الإسلامى) لبلاد ما بين النهرين ولسوريا التاريخية المعروفة اليوم بـ«بلاد الشام» ومصر (636ـ 637 ميلادية) كان المسيحيون (آشوريون (سريان)، أقباط، أرمن، عرب) يؤلفون أكثر من 90% من سكان هذه البلدان. اليوم، بعد أكثر من 1400 عام، بدلاً من أن يتزايد عدد مسيحيى المشرق، تراجعت نسبتهم إلى أقل من 10% من نسبة سكان المنطقة. هذا التراجع لا يعود فقط إلى تحول مسيحيين إلى الإسلام فى ظروف (سياسية واجتماعية وأمنية واقتصادية) صعبة، وإنما بسبب تعرضهم لسلسلة طويلة من عمليات الإبادة الجماعية والتطهير العرقى والدينى والهجرة والتهجير القسرى من بلدانهم وأوطانهم الأم. الاعتداءات الجديدة على المسيحيين فى كل من (العراق، سوريا، مصر) هى الأسوأ والأكثر دموية منذ «الهولوكوست المسيحى» إبان حكم دولة الخلافة العثمانية الإسلامية 1915. كبير (أساقفة كانتربرى) وصف التهديدات اليومية بقتل مسيحيين بأنها أسوأ وضع منذ الغزوات المغولية للمنطقة فى القرن الثالث عشر. القس (جوستين ويلبى) كتب فى صحيفة (صنداى تليجراف) البريطانية: «رحل عدد كبير من مسيحيى الشرق بعدما أُجبر مئات الآلاف على ترك بيوتهم، كما قُتل عدد كبير منهم، واستُعبد واضطهد آخرون، ومَن بقى منهم يتساءلون عن سبب بقائهم».

أخيراً: إنقاذ الوجود المسيحى فى المشرق من خطر التلاشى والانقراض يحتاج إلى «قرارات وخطط دولية» ملزمة، وليس إلى وثيقة «أخوة إنسانية» بين رجال دين، أحد طرفيها (شيخ الأزهر) يرفض تكفير «تنظيم الدولة الإسلامية- داعش»، أكثر التنظيمات الإسلامية توحشاً وإرهاباً، وجرائمه طالت المسلمين قبل الآخرين.

* كاتب سورى