اثنان أهل الأرض؛ ذو عقل بلا دين وآخر دين بلا عقل. أهتمت الدولة الإسلامية التي أنشأها الرسول النبي محمد، واستمرت تحت مسمى الخلافة في الفترات الأموية والعباسية بالعلوم المدنية وصفت بالعصر الذهبي للإسلام. والتي امتدت من القرن الثامن لغاية القرن الرابع عشر الميلادي. خلال هذه الفترة قام مهندسو وعلماء وتجار بالمساهمة في شتى الحقول الصناعة والزراعة والفن والادب والفلسفة والعلوم والفلك. ومما ساعد لهذه النهضة الصفوة الدينية بين الاديان (المسلمين والمسيحيين واليهود)، مما أتاح وجود أعظم فترة من الابداع في العصور الوسطى. ولعب المسيحيين دوراً مهماً بارزاً في ظل تلك الدولة، واعتمدوا على المسيحيين في إدارتها ودواوينها في العصر الاموي والعباسي. فاستفادوا في تعريب الدواوين والإدارة وأبقوهم على رأس وظائفهم، وكذلك فعل الفاطميون في مصر. في العصر الاموي كان من بين المسيحيين، فقد عين معاوية الطبيب ابن آثال على ولاية حمص ومنصور بن ياسر وسعيد بن ثابت وزيراً، وكان بن ثابت شاعر البلاط في عهده الاخطل. وعين سليمان بن عبد الملك كاتباً مسيحياً كما عين المأمون العباسي اسطفان بن يعقوب لخزانة الخليفة. ووزيراً آخراً هو نصر بن هارون. وكان للمسيحيين دوراً مهماً في الترجمة والعلوم، فقد ترجموا من اليونانية والسريانية والفارسية واستفادوا من المدارس التي ازدهرت فيها العلوم قبل قيام الدولة العربية خصوصاً مدارس من الرها ونصيبين وجند يسابور وانطاكية والإسكندرية. ومن المترجمين شمعون الراهب وجيورجيوس أسقف حوران وجوارجيوس وجبريل بن يختشيوع الذين اشتهروا في الطب. وعين المأمون يوحنا بن ماسوية الذي ترجم 1050 كتاباً لبيت الحكمة وكان أبوه أيضاً طبيباً وحنين بن اسحق رئيساً لبيت الحكمة ترجم 95 كتاباً ومن بعده ابن اخته حبيش بن الاعسم وسعيد بن البطريق وله عدة من المصنفات وقسطا بن لوقا، وأقام المأمون يوحنا بن البطريق الترجمان أميناً على ترجمة الكتب الفلسفية من اليونانية والسريانية الى العربية، وتولى كتب ارسطو وأبقراط ومنهم أيضاً اسحق الدمشقي ويحى بن يونس والحجاج بن مطر وعيسى بن يحيى ويحيى بن دي وعبد المسيح الكندي. وقد ترجموا وألفوا في الفلسفة والطبيعيات والإلهيات والأخلاق والرياضيات والطب والفيزياء. وأسهم الاقباط بدورهم في التطور العلمي وأقاموا دار الصناعة في الإسكندرية. (المصدر: الموسوعة العربية+ العلم في الإسلام). السؤال الكبير هنا هو كيف بهذه الامة والفكر والنهضة الإسلامية تتحول للمعكوس مع تطور الزمن؟ أكان الأجدر بتناغم الأفكار النهضوية الاخوية الى عصرنا هذا؟ والسؤال الأكبر كيف تتحقق وحدة الامة، وهل يمكن ان تتحقق دون قوة؟ وما هي القوة هل هي قوة النهضة والعدالة التي نص عليها التشريع؟ (الحكم العدل بيد الحاكم وفسيلة التنمية بيد المجتمع يزرعها الى قيامة الساعة)، أم قوة البطش والصراع بين المتغلبين؟ هذا في مستوى الدول. وهل استراتيجية إنقاذ الشعوب مع حروب الطغاة تقوم الى تحويل بلدانهم أرضاً محروقةً لقتال لا يتوقف باسم الجهادية السلفية وباسم الجهادية الولائية؟ أم بدعم مقاومة مركزية تنتهي لِما يمكن تحقيقه على أرض الواقع كنصر واستقرار سياسي؟ تبدأ مع البغي والتخلف والتجهيل، وتسليم به أرواح الشعب وتخرج للحياة من جديد لتشارك في معادلة الوحدة والنهضة والفكر للأمة. أما مستوى الوعي والإصلاح الاجتماعي والبناء الواعي للعقل المسلم، فإن مسارات إخراجه من حروب الوجدان وصراع المذاهب وتنظيمها قدر الاستطاعة، وحمل الناس على تحقيق معادلة واسعة لأدوات النهضة بعد ضخ خطابها الفكري لليقظة الجديدة، هو المدخل لإرساء العدالة الغائبة إن ظاهرة السباق في ملاعنة المذاهب والقوميات وتكفيرها ديناً ومدنياً. لن تحقق قوة جامعة ولا راشدة فلابد من الاعتقاد وهو نص قطعي الدلالة لكل إنسان خارج الشرق والغرب، دخل في أمة الإسلام وكان في عهدها وجوارها المدني. ولذلك لابد من وقف التعميم في الصراع مع الطائفية السياسية والعرقية وإدانة من تولى جريمة البغي وشارك فيها. إن مفهوم التكامل والتآخي الوحدوي اليوم لأمة الشرق، ينبغي ان يُدرك مساحة الاستقلال الاجتماعية الطبيعية التي تعامل معها الإسلام بين شعوبها وجماعاتها، فالعرب والترك والكرد والفرس لا يستطيعون نزع ذواتهم. وهنا يعود التركيز الى الميدان الاستراتيجي الواسع للأمة، والذي يعيش مخاض صراع وحروب شرسة، وتستخدم حالياً في حروب عناصر الامة، والمهمة الاطفائية لها ضرورة في كل المساحة، وتتزامن مع صناعة فكر النهضة والتنمية، ودحرجة قوة القرار السياسي الراشد لكل قطر لتحقيق قوته الذاتية ودفعه للتفكير وبواسطة مصلحته. لتحقيق معادلة جمعية لا قُطرية كما يجري اليوم. فالقُطرية تحولت الى أُمة وهمية، لا تحمي ذاتها ولا مرجعها الاممي. وبالتالي تُرتب جسورها مع تاجر الحروب الغربي.
الباحث/ ســــمير عســـكر