المحرر موضوع: دعوة للموت  (زيارة 889 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل حيدر كوجي

  • عضو
  • *
  • مشاركة: 6
  • منتديات عنكاوا
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
دعوة للموت
« في: 19:32 11/02/2019 »
دعوة للموت
حيدر كوجي
يذهب علماء الاجتماع إلى أن النمو الاقتصادي للمجتمعات أحد أسباب تحولها، فالتحول من الرعي إلى الزراعة مثلاً  أحدث طفرة نوعية في حياة المجتمعات وبالتالي قاد إلى تغيرات جوهرية في بنيتها؛ فخلق مايعرف حالياً  بالانتماء إلى الأرض والتمسك بها والاقتتال؛ من أجلها ..  يعني ذلك أن الذين كانوا يمتهنون الرعي في المجتمعات  القديمة لم يكونوا متمسكين بالأرض ويشعرون بالانتماء إليها بالقدر الذي ينتمي به ممتهنو الزراعة للأرض التي هي مصدر قوتهم وبقائهم، فالعامل الاقتصادي كان أحد أسباب الانتماء والتمسك بالأرض أو الوطن،  بمعنى آخر إن المكان الذي يؤمن لي السكن الآمن والحياة الكريمة والحماية من الفقر والفاقة هو وطني الذي يجب عليَّ الدفاع عنه والتمسك بالانتماء إليه، وليس بالضرورة أن يكون هذا المكان مسقط رأسي ومحل ولادة أبي أو جدي .
  أعتقد هذه الفرضية أو التوجه الذي يذهب إليه البعض ويخالفه آخرون تجسد بشكل واضح عند الباحثة العراقية الشابة (أماني النعيمي) التي تلقت قبل أيام دعوة من ملك البلد الذي تعيش فيه مع عائلتها منذ عام 2008 السويد.
 الملك دعاها إلى وجبة عشاء؛  كونه علم أن بحثها عن علاج نهائي لمرض (الايدز) قد حاز درجة متقدمة بالتقييم .
الباحثة النعيمي لم تُفَاجَأُ بهذه الدعوة ولم تصرخ فرحاً على طريقة الأفلام المصرية وتضع يديها على فمها وتذرف دموع الفرح،  بل كانت تقف كالجبل الأشم معتزة بنفسها والإنجاز الذي حققته! وقد تكون مُتوقَّعة مسبقاً  هذه الخطوة من الملك أو سواه من رموز المملكة؛ كونها تعيش في دولةٍ تحترم الكفاءات وتبجل العلم وتحترم العلماء وتؤمن الحياة الكريمة لمن يعيش على أرضها، في الوقت ذاته وعلى الطرف الثاني من العالم وتحديداً  في البلد الأم مسقط رأس الباحثة الشابة التي اختير بحثها و عشرون بحثاً آخر من بين آلاف البحوث التي تُقدَّمُ من قبل طلبة وباحثين يعشون على أرض المملكة،  بغض النظر عن لونهم وجنسهم وديانتهم أو مكان قدومهم أو مسقط رؤوسهم... حول مواضيع شتى؛ بغية مواكبة التطور المتسارع على الصعد كافة، أقول في البلد الأم للباحثة كانت هناك دعوة ومسابقة أيضاً، ولكن من نوع خاص تحت عنوان (دعوة للموت) ومسابقة للفوز بالراحة الأبدية مسرحها هذه المرة مدينة كربلاء والمدعو فيها دكتور وروائي وناشط مدني رفد المكتبة العراقية بالعديد من الروايات والدراسات، فضلاً عما شارك به من مهرجانات ونشاطات كان يهدف من ورائها خدمة بلده  مسقط رأسه الذي يعيش فيه ويؤمن بالولاء إليه ومستعد للدفاع عنه و الموت في سبيل الدفاع عن أرضه وترابه ... وفعلاً نتيجة ذلك تم تكريمه بثلاث عشرة  رصاصة طرَّزت صدره وكانت كفيلة ليس فقط بإراحته من تعب الحياة ووضع نهاية لمسيرته المهنية فقط، بل منحته أيضا مكرمة لقاء ربه!!! أما المكرم الذي منح الروائي (علاء مجذوب) .النياشين الثلاثة عشر، فمازال البحث عنه جارياً؛  لأن الحكومة مشكورة ومن أجل مواطنها المنتمي لأرضه ووطنه ثارت ثائرتها ولم تهدأ ولم تصمت بل أعلنت عن فتح تحقيق بالحادث ومن الله التوفيق!! ..
المكرم آثر عدم الإعلان عن نفسه؛  كونه أو الجهة التي تقف وراءه التي قدرت أن من واجبها تكريم الكفاءات دون مراءاة أو دعايات إعلامية، فهي (إنما تقتل الكفاءات لوجه الله لاتريد جزاء أو شكوراً.
وليس بعيداً عن مسرح تكريم الروائي مجذوب بثلاث عشرة رصاصة....وفي أرض الباحثة الأم ومسقط رأسها أيضاً رفع أحد القامات الفنية الوطنية المعروفة نداء استغاثة إلى دول الجوار شاكياً  شبح الفقر والعوز الذي بدأ يدنو منه ومن عائلته؛ بسبب قلة راتبه التقاعدي وموقف الأحزاب الحاكمة فيه من الفن والفنانين وعدم استجابة مسؤوليه لنداءات الفنان وطلباته وتوسلاته المُتكررة لتعيين أحد أولاده الثلاثة الحاصلين على مؤهلٍ جامعيٍّ، رغم أن هذا الفنان غنى كثيراً للوطن ولأرضه ونخله وشطآنه ورفده بتراث غنائي كبير وعظيم لن ينسى، ولكن هذا الوطن في نهاية المشوار ركل هذا الفنان مثلما ركل قبله الروائي وغيرهم ممن خدمه وضحى من أجله وآمن بأن الوطن هو المكان الذي يولد فيه ويشهد مسقط رأسه وليس من يوفر  الحياة الكريمة له لعائلته، لو قُدِّرَ لك الاختيار فأي الأوطان تختار ؟!