المحرر موضوع: الرسالة الرابعة من تحت الأنقاض  (زيارة 1259 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل Abdullah Hirmiz JAJO

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 604
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
الرسالة الرابعة من تحت الأنقاض

صديقي العزيز:

لم يخطر ببالي أبدا أن أقوم بترقيم رسائلي إليك وأجعلها متسلسلة خاصة وأنت قرأت رسالتي الأولى ولم أعطها الرقم الأول لأنني لم أكن على علم بأن ما اكتبه هو مسؤولية تاريخية لأول وهلة وهو نقل لتاريخ نعيشه وعلينا توثيقه بغية اطلاع الأحرار عليه ولم هكذا خاصة لأن ما اكتبه لا يحمل معلومات تاريخية متسلسلة لكنني أردتها هكذا لكي تتذكر كم مرة كتبت لك ولكي تعتبر هذه الكتابة من الأمور الجدية والملحة وكونها تصدر من قلم تمسكه يد مرتجفة ومشاعر تتحمل بصبر وزر المعاناة الشرسة التي لا ترحم أبدا ولا تعرف أو تميز من هو أمامها!!! لأنني أطلب منك أن لا تصدق أن سنة العراق وحدهم المستهدفون دون شيعته أو ان المسيحيون في منأى والجميع يحترمهم!!! مطلقا الأمر ليس كذلك، وسيكون هذا محور رسالتي الجديدة أليك صديقي العزيز.

تتذكر كم كانت النسوة في حينا تزور مغارة العذراء المتواضعة في الكنيسة التي كانت قريبة منا، وكنت تشاهد كيف أن النسوة ومن المسلمات وهنَّ يقدمن الصلوات والطلبات أمام تمثال العذراء وبقلوب منكسرة مملوءة بالإيمان الكبير والثقة بأن العذراء تلبي طلباتهم وتستجيب لدعواهم ويخرجون من أمامها وهنَّ مملوءات من الأمل وقلوبهم قد سحنت بشحنة من الفرح، وكنا نتحاور بذلك وعن سبب قدوم هؤلاء النسوة إلى العذراء وكيف كنت تشرح لي عن مكانة مريم في الإسلام، حتى أن القرآن أفرد لها سورة باسمها وأعتقد أنك قلت لي أنها السورة الوحيدة التي تحمل أسم امرأة في القرآن!!! وأن لمريم مكانة لا تساويها أية امرأة أخرى ومنها أنها خير نساء العالمين أو من أحسن أربعة نساء الجنة إلى الكثير من الأمور والنصوص التي أنتَ أدرى مني بها كونك صديق لي ودينك هو الإسلام، هذا الدين الحنيف الذي أعتبر المسيحيين أهل كتاب وهم أهل الذمة، وفيب صدر الرسالة كانوا هم الذين أستضافوا المسلمين في بيوتهم وقدموا لهم العون والمساندة.

أيها العزيز: لا أحبذ كما تعرفني أن أطيل عليك بالأمور التاريخية والبديهية لأن هذه نعرفها جميعا ومن لم يعرفها يستطيع بسهولة أن يعود إلى المراجع التاريخية للاستزادة من الكثير الكثير الذي أصبح مادة تاريخية بحتة ولا يمكن تغييره، حيث أن بطريرك النصارى كان جليسا دائما في مجلس خليفة المسلمين، وإن طبيب الخليفة وطبيب عائلته الأمين كان من هذه الملّة، والذين نقلوا الكتب وترجموها من اليونانية والسريانية إلى العربية كانوا من النصارى أيضا، وأمور كثيرة عاش فيها النصارى جنبا إلى جنب أخوتهم من المسلمين على أرض ما بين النهرين وقاتلوا الغزاة معا وبنوا حضارة العراق ولم يكن يوما يوجد ما يعكّر هذه العلاقة كما لم يسجل التاريخ أن المسلمون في هذا البلد قد أضطهدوا المسيحيين أبدا، بل كانا يعملان معا لتقوية النسيج الاجتماعي الذي يربطهما ويتبادلان رسائل الاحترام ويعززانها على الدوان تماما كما ورثناها انا وأنت وعشناها ردحا من الزمن بأبهى صورة، وتذكر كم قرأنا من أخبار خليفة المسلمين الذي كان يحرص على حظور الاحتفالات الدينية التي تُجرى في البيَّع والأديرة وكان يشاركهم في الأفراح والمسرات تماما كما كان يواسيهم في الأحزان التي تلم بهم.

وحتما أنك أطلعت وقرأت عن الحروب التي سميت (الصليبية) والتي أختارت رمز المسيحية (الصليب) شعارا لها زورا وبهتانا حيث وقف المسيحيون في الشرق إلى جانب أخوتهم المسلمون مدافعين عن بيت المقدس والأرض العربية وغيرها من المقدسات واستطاعوا معا قهر الغرباء وتلقينهم درسا لن ينسوه على مدى التاريخ.

واليوم أيضا يقف المسيحيون المتواجدون فيما بين النهرين العظيمين دجلة والفرات، إلى جانب أخوتهم من العراقيين الآخرين ضد المحتل بكافة أشكاله حتى وإن تم حساب المحتل على دينهم ظلما لأنه ليس هكذا ولا يحمل من المسيحية سوى الاسم فقط، لكن عن مبادئه فهو بعيد جدا، والمسيحيون في العراق لم يقفوا إلى جانبه مطلقا لكن كما تعرف أن هذه الشريحة تحمل المباديء التي تفرض عليهم تطبيقها وهي المحبة والتسامح والغفران والصلاة حتى من أجل الأعداء والمبغضين، لذلك نأت هذه الملّة بنفسها عن الدخول في دائرة العنف كما لم تمارسه حتى في حالة الدفاع عن نفسها  لذلك نجد اليوم أن اعداء العراق يتفننون باستحداث وسائل لغرض أظهار العداء لأبناء العراق الذين يعتبرون هذا البلد هو الدم الذي يسري في عروقهم؛ يحزنون لحزنه ويتألمون لألمه، فتوجهوا لهذه الفئة أيضا أولا بتفجير كنائسهم ولأكثر من مرة وثانية بإرهاب رجال دينهم من خلال الخطف والقتل وإلحاق الأذى بهم دون ان تجد أي هدف واضح لهذا السلوك!!! وإن كان الهدف قوات الاحتلال والمتعاونين معه فلهذه القوات أذناب جاءوا معهم تحت مسميات كنسية لتنفيذ مآرب سياسية غايتها تخريب العلاقة التاريخية بين المسيحيين والمسلمين بهدف التبشير بالدين المسيحي الذي هو براء منهم، لأن باطن الأمور هو خدمة الصهيونية ومخططاتها لتفتيت الأديان السماوية وخاصة في شرقنا العربي الملتزم أخلاقيا ودينيا كي تبقى ديانة الصهيونية هي المنتصرة ويثأرون من الهزائم التي لحقت بهم جراء انتشار المسيحية والإسلام منذ ألفي سنة مضت، أذناب المحتل يا عزيزي يسرحون ويمرحون ولا يتعرض إليهم أحد كما تعرّض لأبناء الطوائف العريقة والضاربة جذورها في العمق العراقي!!!

واليوم أيها العزيز وصلت الحالة في بؤرة محددة من بغداد يتم بموجبها أجبار المسيحيين على خيار محدد دون سواه وهي متنوعة حسب جغرافية المكان ألا وهو تحول المسيحي إلى الاسلام أو ترك المنطقة دون أخذ تحويشة العمر على قول أخوتنا المصريون، ومسرح هذه الأحداث هي منطقة الدورة التي كانت معقلا مسيحيا منذ تأسيسها بحيث سوقها لا زال يُطلق عليه إلى اليوم سوق الآثوريين، وجزء منها مازال اسمه حي الآثوريين إلى اليوم أيضا.

ونحن على يقين أن الإسلام من ذلك براء فالإسلام يتحدث عن لا أكراه في الدين ونبي المسلمين يتحدث ويقول من آذى ذميا فقد آذاني، وآيات أخرى تذكر أهل الكتاب بلا خوف عليهم ولا هم يحزنون وترد في القرآن الكريم بصورة واضحة...

وأنا أطلب منك أن تبحث لي عن كل ما يؤيد كلامي هذا عن العلاقة بين الإسلام وأهل الكتاب وإن كان ما يناقضه أيضا ترشدني إليه لكي تتوضح عندي الصورة جيدا خاصة أن مسيحيوا هذه المنطقة بدأوا بالهجرة وليس فيها فقط بل من جنوب العراق مرورا بوسطه نحو الشمال أو دول المهجر، وهذا أمر جديد على بلدي وهو أن يتم أفراغه من سكانه الأصليين وأهله القدماء الذين كما ذكرت لك أيها العزيز كان لهم الدور المهم في بناء الصرح الذي أوصله إلى اليوم، وعندما تحدث فجوة برحيل هؤلاء من المجتمع العراقي سيحدث خلل وستكون نتائجه مفجعة للجميع لأن العبث بواقع مستقر لألاف السنين لن تكون نتائجه محسوبة وستعود ربما بالويلات على الجميع.

أأمل منك صديقي العزيز أن تكتب لكافة معارفك وتنبههم لهذه المسألة لأن كلينا يحب العراق ونتضرع إلى الله أن يرعاه ويقوده نحو التقدم وأخذ مكانته اللائقة بين شعوب وأمم العالم، خاصة وأنت قلت مرارا أنك حتما ستعود وتتمنى أن تكون آخرتك على تراب هذا الوطن، وإن لم تحاول اليوم فلن تستطيع تحقيق أمنيتك في المستقبل ولن تتمكن من المجيء لأنك إن عدت سترى عراقا آخر لم تعرفه من قبل وستجد نفسك غريبا لتهرب بأقصى ما متاح لك من سرعة وستردد حينها يا ليتني لم اعد وأشاهد ما بقي من أطلال بلادي، لأن حتى آثاره تنهب وما تركه السلف الصالح نهبه الأعداء والأغراب والأشرار، إذا لنعمل على المحافظة لما تبقى وأطلب منك أن تكون عونا لي أنت ومن تراه من الشرفاء في كل مكان أو من كل من يقرأ رسالتي هذه وتقبل آهات أخيك في العراق المتألم.

صديقك: عبدالله النوفلي

11 أيار 2007