المحرر موضوع: سلام عادل ....الدال والمدلول  (زيارة 483 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل عبد الحسين شعبان

  • عضو مميز
  • ****
  • مشاركة: 1287
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
سلام عادل ....الدال والمدلول

                                                           
جمال العتّابي
   صدر مؤخراً عن دار ميزوباتاميا في بغداد(2019)، للدكتور عبد الحسين شعبان، مؤلفه الجديد ( سلام عادل .. الدال والمدلول وما يمكث وما يزول ، بانوراما وثائقية للحركة الشيوعية)، والدكتور شعبان يسعى دائماً في مشروعه الثقافي والفكري التنويري، إلى كشف الحقائق وتبيان الوقائع ، عبر قراءاته التاريخية بعقلية متفتحة، والوعي بالتاريخ إنما يمثل اداة فعّالة في بناء المستقبل، والقراءة غير الوعي بهذا التاريخ ، الذي يتطلب ذكاء الباحث ، وقدرته على الفهم والتحليل، ولا بدّ لهذه المهمة من الارتكاز على منهج علمي في الدراسة .
       وفي تاريخ العراق المعاصر العديد من الأمثلة التاريخية الملتبسة والتي تقتضي دراستها بهذا المنهج، بحيادية وعلمية ،وبلا ولاءات مسبقة سياسية أو دينية وطائفية ، أو قومية وعرقية ، إن من أهم القواعد الذهبية في قراءة التاريخ ، أننا كلما ابتعدنا عن زمن وقوع الحدث ، كلما تسنى لنا النظر إليه باسترخاء أكثر وعقلانية أكبر ، بتأمل ومراجعة متأنية ، بلا عواطف مشحونة ومتوترة .
    هذا ما حاوله عبد الحسين شعبان وهو يتناول سردية استشهاد سلام عادل، والعودة إلى الجذر الفكري والسياسي والاجتماعي الذي رافق الصراع الدموي وجانبه (الإنساني) ، إذ كان سلام عادل ومئات القيادات والكفاءات المخلصين ، مدنيين وعسكريين ، على اختلاف توجهاتها ، بل ان العراق بمجمله دفع ثمنها باهظاً.
     للأسف لم يراجع تاريخنا بما في الكفاية كما يقول شعبان، ولم تسلط الأضواء على الأخطاء والنواقص، فلم نلحظ هناك من نقد حقيقي كما يقول شعبان ،والتاريخ مراوغ أو ماكر، حسب هيغل، وعلى شكل مأساة تارة وملهاة تارة أخرى ، حسب ماركس، والنقد فضيلة، ولاسيما في السرديات الثقافية ، وممارسة النقد والنقد الذاتي، إحدى أهم قواعد العمل التنظيمي الحزبي ، ولا بدّ من مراجعة ووقفة عند مفاصله الأساسية ، وخاصة في مواجهة الإخفاقات ، والأزمات السياسية ، وحتى مع النجاح، كما يقول لينين : كل الأحزاب التي هلكت أنما لأنها انساقت إلى الغرور ، ولم ترَ إلّا مصدر قوتها ، وخشيت أن تتكلم عن نواحي ضعفها .
     يقول شعبان عن كتابه الجديد، إنه إضاءات أولية بحاجة إلى أبحاث ودراسات وقراءات نقدية، ونضيف كذلك، إن الدراسات التي تناولت هذه الشخصية الأسطورية، ما تزال قليلة وقاصرة أن تحيط بهذه التجربة النادرة في تاريخ الحزب الشيوعي العراقي والحركة الوطنية .
   الدال والمدلول، ثنائية لسانية حديثة لا انفصام بين عراها، وظّفها شعبان بذكاء ومهارة، للإشارة إلى العلاقة بين الرمز والمضمون، وهي علاقة متينة يستحيل الفصل بين طرفيها، فهما نسيج واحد، ملتحمان التحاماً شديداً. فالدال هو سلام عادل الرمز والأيقونة، والمدلول، الصورة العقلية عن هذا الرمز، أو هو القضية، فسلام عادل الإستثنائي، الشجاعة، الحيوية الفائقة، الكفاءات والمواهب والمبادرات، القدرات التنظيمية، الذكاء والثبات، سلام عادل، معلم الرياضيات والرسم والخط والمسرح، وهو القائد والمناضل والإنسان .
   سلام عادل ابن مدينة النجف، البيئة الفكرية والثقافية والسياسية والدينية الجدلية ، المدينة لها مذاقها الخاص المعارض ، والجدل فيها ركن أساسي في حياتها، بما فيه الجدل الذي يجري داخل الحوزة الدينية التي جاء والده أحمد الرضي من صلبها، ولم يكن بعيداً عنها. إن دراسة متأملة   لشخصية سلام عادل ،يلمس بعمق هذا الجذر في تكوينه ، وهو جذر إنساني ونبيل ، هذه الخلفيات تتصارع عنده ، بل تمثل مونولوجا ً داخلياً بين التقليد والمعاصرة ، وبين القديم والحداثة ، سلام عادل كان يستعيد التراث ويتمثل الجوانب المضيئة فيه فكراً وسلوكاً .
     جانب من مواقفه السياسية والتنظيمية ، مبعثها وعيه المتقدم وإيمانه المبدئي الثابت وسعة أفقه في إستشراف المستقبل ، مع كل عوامل الإحباط المحيقة بالوضع السياسي العراقي ، التي تحاول الإجهاز على مطامحه وأحلامه ، الخطان (العام والخاص) يتوازيان عنده ويسيران معا ً، ليس مع مطالب شعبه فحسب ، بل مع حقوق الكورد، وحقوق الشعب الفلسطيني ،ان سيرة سلام عادل الشخصية تكاد تختصر في نهايتها سيرة العراق في سعيه الى الحرية .
      توصل الدكتور عبد الحسين شعبان الى تحديد سمات الفترة ما بعد تموز1958 التي شهدت صعود الدور الجماهيري للحزب الشيوعي العراقي ،والدور القيادي لسلام عادل فيه ، وفي تقديري إن الدكتور شعبان نجح الى حد كبير في القاء الضوء على اخفاقات الأطراف السياسية جميعا وبدون استثناء ،بعد أن دخلت في صراعات حادة وخطيرة ،إذ اندفع التيار الإستئصالي الإلغائي التهميشي ، وتجاوز ميثاق جبهة الإتحاد الوطني ، كما لم تكن كل القوى مدركة وواعية لما أقدمت عليه ، كما لم تكن بقضّها وقضيضها ناضجة، بل عاشت مرحلة مراهقة سياسية ، وتعاني من نقص في وعي قياداتها، ولجأت إلى التمترس والرغبة في كسب الشارع ،
   ويستنتج شعبان كذلك، أن العمل العلني كان مفاجأة لسلام عادل، دون وجود خبرة في إدارة الدولة، كما أن الجماهير أحدثت نوعاً من الإرباك لدى القيادة، التي تبنّت بعض الشعارات التي فرضها الشارع أحياناً. كذلك كانت تشكيلة قيادة الحزب الشيوعي بعد تموز1958، تعاني من انقطاع فرضته ظروف السجن والاختفاء لعدد كبير من أعضاء القيادة ، أو الهروب خارج العراق ، فمواجهة الحياة الجديدة تتطلّب مهارات وخبرات أخرى ، في إدارة العمل المهني والسياسي والثقافي .
    شكراً لعبد الحسين شعبان الذي أضاف لنا مورداً جديداً في سيرة سلام عادل الخالدة، ومرجعاً تاريخياً يفتح النوافذ على فضاء أوسع للبحث في هذه الشخصية الفذّة، لأنها لم تأخذ حقها من الدراسة والتقييم بعد، بما يوازي دورها المهم في الحركة الوطنية العراقية، وفي الحركة الشيوعية بوجه خاص، وهو ما يجمع عليه رفاقه وأصدقاؤه وحتى خصومه، فسلام عادل الإنسان والمناضل النادر سيظل إيقونة للتاريخ المضيء، وللبسالة في مواجهة الحقد والكراهية السوداء .