المحرر موضوع: من حكايات جدتي ... الثانية والتسعون انثى الغراب  (زيارة 782 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل بدري نوئيل

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 136
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
من حكايات جدتي ... الثانية والتسعون
انثى الغراب
بدري نوئيل يوسف
في كتاب القراءة العربية للصف الرابع الابتدائي سنة 1958 ،كان هناك موضوع عن حذاء أبو القاسم الطنبوري، وقرأنا الدرس عدة مرات وكانت صعبة علينا فهم الحكاية التي تحتاج إلى شرح وافي، في هذه الليلة سألنا جدتي هل تعرف شيئا عن حذاء ابو قاسم؟ فقالت بكل سرور وفرح: أبو القاسم الطنبوري يملك حذاءً قديماً، وكان يرقّعه بقطع من الجلد أو من القماش عندما ينقطع، حتى أصبح حذاؤه عبارة عن مجموعة من الرقع، وقد عرف بين الناس بحذائه، كان الحذاء يجلب المتاعب والشؤم والفقر لصاحبه أبي القاسم، حتى عندما حاول أن يتخلص منه. حكاية الحذاء سمعتها من جدي، قالت:  يحكى إن بعض أصحابه قد أخبروه أن يتخلص من هذا الحذاء البالي، فرمى الحذاء في مكب النفايات، ورجع إلى منزله، وفي طريقه رأى الكثير من الأشياء التي أعجبته كالزجاجات المزخرفة، ولكنها كانت غالية الثمن، وليس بحاجتها، فمر مرة أخرى على محل لبيع المسك، ففكر بأن هذا المسك يجب أن يوضع في إحدى الزجاجات الجميلة، وقام بالرجوع إلى محل بيع الزجاجات، واشترى منه واحدة، ومر على محل بيع المسك واشتراه، ووضع المسك في الزجاجة، ثم عاد إلى بيته، ووضع زجاجة المسك، وخرج مرة أخرى ليقضي حاجات له، في ذلك الوقت، مر رجلاً يعرف الطنبوري بالقرب من مكب النفايات الذي ألقى فيه الطنبوري حذاءه وعرفه، وفكر وقال: من المستحيل أن يتخلى الطنبوري عن حذائه.
فقام بأخذه، وذهب إلى بيت الطنبوري، ودق على الباب لكن لم يجبه أحد، وقد رأى نافذة البيت مفتوحة، فرمى الحذاء من خلالها، وصدم زجاجة المسك فتكسرت، ولم يبقَ لها أثر ولا للمسك الذي بداخلها، فلما رجع الطنبوري إلى منزله، ورأى ما حدث وخصوصا الحذاء بالقرب من الزجاجات، فقال: "لعنك الله من حذاء"، ثم قام بأخذ حذاءه، وألقاه في النهر، ولكن كان هناك صياد قد علق الحذاء بشباكه، وقال في نفسه إنه لابد أن يرد صنيعاً إلى الطنبوري، ويعيد إليه حذاءه، فذهب إليه وأعطاه الحذاء، فقام الطنبوري بوضعها فوق سطح المنزل حتى تجف من البلل، فرآه هر وظنها قطعة لحم، فأخذ يأكلها، فرآه الطنبوري وقام بطرده، فأخذ الهر الحذاء في فيه وقفز فوق أسطح المنازل، فسقط حذاء الطنبوري على امرأة حامل فأجهضت مولودها، فقام زوجها بأخذ الحذاء وتوجه إلى القاضي، ولكن كانت حجة الطنبوري غير مقنعة، فحكم القاضي عليه بدفع دية الجنين، وأعطاه الحذاء، فقال : "لعنك الله من حذاء" ثم فكر وقال إنه سوف يلقيها في مكان لن يصل إليه أحد، فألقى بها في المياه العادمة، ورجع إلى بيته فرحاً مسروراً، فمرّ يومان، فطفحت المياه العادمة في الطريق، فجاء عمال لتنظيف المكان المسدود، فرأوا حذاء الطنبوري، فذهبوا به إلى القاضي، فحكم عليه بالحبس والجلد، وأعاد إليه الحذاء، فقال : "لعنك الله من حذاء"، فقرر أن يدفنه في مكان بعيد في الجدار، فسمع الجيران صوت حفر، فاعتقدوا أنه سارق فقاموا بإبلاغ الشرطة، فجاء الحرس ورأوا الطنبوري يحفر، وعندما سألوه عن سبب الحفر، أجاب بأنه أراد دفن الحذاء، ولكن حجته كانت غير مقنعة، وقام القاضي بالحكم عليه بالسرقة وجلده، وأعاد إليه الحذاء، فقال: "لعنك الله من حذاء"، فذهب إلى الحمام العام، ووضع الحذاء خارج الحمام، ورجع إلى منزله، ولكن هناك شخصاً قد سرق حذاء الأمير، ولم يبق سوى حذاء الطنبوري، ورفع أمره إلى القاضي بتهمة سرقة حذاء الأمير، فحكم عليه القاضي بدفع قيمة الحذاء وجلده، وأُعاد له الحذاء، فقرر الطنبوري أن يدفنه في الصحراء، فرأوه الحرس وأخذوه للقاضي، وقالوا له إنه تم العثور على القاتل ؛ لأنهم وجدوا رجلاً مقتولاً في مكان الحفر، فقال الطنبوري للقاضي : "يا سيدي، اكتب صكاً بيني وبين هذا الحذاء، أني بريءٌ منه، فقد أفقرني وفعل بي الأفاعيل"، وأخبره كل ما حدث معه بسبب الحذاء.
وبهذا أصبح حذاء أبي القاسم الطنبوري مصدر للشؤم والبؤس، وكل من حاول التخلص من شيء يملكه، ولكنه يعود إليه بعد كل مرة، ويجلب له المتاعب بحذاء الطنبوري.
نعود لحكايتنا اليومية: كان يا مكان في قديم الزمان، رجل وامرأته فقيري الحال يعيشان في كوخ صغير على أطراف الغابة ولم يرزقهما الله بخلفة رغم السنين الطويلة. في يوم من الأيام، دعت المرأة ربّها أن تحبل وتلد ولو غراب، فحملت وبعد تسعة أشهر ولدت فإذا بالمولود فرخ غراب.
بعد مدة قصيرة مات زوجها فبقيت المرأة وحيدة تربي انثى الغراب وتطعمها وترعاها، حتى كبرت وصارت تطير خارج البيت وتأكل من الأرض مثل باقي الطيور.
في أحد الأيام طارت انثى الغراب بعيداً في الغابة فرأت فيها بحيرة ماء صغيرة بين الأشجار ماؤها صافية كالزلال فنزلت على الضفة وخلعت ثوبها الريش على إحدى الأشجار، وإذا بها صبية حلوة شقراء جسم مثل البلور سبحان الذي خلقها، سبحت في البحيرة مدة من الزمن وهي مسرورة ثم خرجت ولبست ثوبها ورجعت كما كانت، وطارت وعادت إلى الكوخ.
كان في المدينة ملك عنده ابن ربّته أمه على الدلال والرفاه حتى صار شابا، فأرادت أن تزوجه فلم تعجبه بنات المملكة كلها حتى احتارت أمه معه، خرج مرة للصيد في الغابة فوصل إلى البحيرة، فرأى صبية مثل القمر تسبح في الماء، فجلس متخفياً بين الأشجار يراقبها وقد أخذ جمالها عقله، وبعد قليل خرجت الصبية من الماء ولبست ثوب الريش، وتحولت إلى انثى الغراب وطارت في السماء ولم يعرف أين ذهبت. في اليوم التالي ذهب إلى البحيرة في الموعد نفسه، فوجد الصبية تسبح كالعادة فراقبها حتى طارت وبقي على هذا الحال عدة أيام يراقب الصبية ويتابعها حتى عرف بيتها.
رجع يوماً إلى أمه وقال لها: الآن أريد أن أتزوج، ففرحت أمه وسألته عن عروسه فدلها على صبية في كوخ داخل الغابة، وطلب أن تخطبها له. حاولت الأم أن تغير رأيه وعرضت عليه أن تخطب له بنت الوزير أو بنت القاضي، ويترك بنت الكوخ الفقيرة دون فائدة، أصرّ الأمير على موقفه وقال: إذا لم تزوجيني هذه البنت (حطي لي التابوت واتركيني اموت). فاضطرت أمه أن ترضخ لرغبته، فذهبت إلى الكوخ، فوجدت فيه عجوز فقيرة، سألتها عن ابنتها، فقالت لها: يا ملكة الزمان ليس عندي بنات في البيت إلا هذه انثى الغراب.
عادت أمه وأخبرته بالقصة، فقال لها: هذا ما أريده أن تخطبي لي انثى الغراب. صرخت الأم وولولت وقالت له: كيف تتزوج انثى الغراب وأنت ابن الملك ماذا يقول عنا الناس هذا مستحيل. فدخل غرفته وأغلق عليه، وامتنع عن الطعام والشراب، والنوم حتى صار كالعود ومرض مرضاً شديداً أعجز الأطباء عن شفائه، حنّت عليه أمه ورقّ قلبها، وقالت لنفسها: أمري إلى الله سأخطب له انثى الغراب.
ذهبت إلى العجوز وطلبت انثى الغراب لابنها، فتعجّبت العجوز منها وأعطتها انثى الغراب، وقبضت ثمنها كيساً من
الذهب، فحملتها الملكة معها ورجعت إلى القصر، لما رآها ابن الملك ردّت إليه الروح، وقام مثل الحصان ولم يعد فيه شيء. فقالت له أمه: خذ انثى الغراب وتزوجها وانبسط معها.
في المساء خلعت انثى الغراب ثوب الريش فبانت صبية حلوة ليس لها مثيل في البلاد، ونامت تلك الليلة مع ابن الملك، وفرح بها كثيرا وكانت ليلة من العمر.
في الصباح نهضت انثى الغراب قبل أن يستيقظ الجميع، ولبست ثوب الريش ورجعت انثى الغراب ووقفت تتفلّى على الشباك. دخلت أمه في الصباحية وجدته مسروراً ومبسوطا، بينما كانت انثى الغراب على الشباك فقالت له: صباحية مباركة سلامة عقلك يا ابني. وتركته حزينة ومضت.
بعد عدّة أيام دخلت أمه فوجدتهما كما هما، فقالت له: يا ابني بهدلتنا بين الناس كيف تعيش أنت وانثى الغراب؟ غداً الوزير عامل حفلة كبيرة بمناسبة زواج ابنه، وقد دعانا لنحضر الحفلة، كيف ستذهب أنت وانثى الغراب إلى الحفلة؟ فضحك منها وقال: بسيطة يا أمي اتركي الموضوع عليَّ وغداً ترين خيراً إن شاء الله.
يوم الحفلة خلعت انثى الغراب ثوب الريش، ولبست أحلى الثياب فصارت أميرة من الأميرات، فذهبت مع ابن الملك إلى الحفلة فرآها الناس، وطار عقلهم فيها فرقصت، وانبهر الناس بجمالها ورقصها. انتهت الحفلة وعادت إلى البيت ولبست ثوب الريش ورجعت انثى الغراب كما كانت.
دخلت أمه في الصباح قالت له: كانت معك صبية أحلى من كل صبايا الدنيا ما مثل انثى الغراب، ما رأيك أن أخطبها لك وأزوجك إياها؟ فضحك وقال: كما تريدين يا أمي غداً نرى إن شاء الله تعالى.
تعجبت أمه واستغربت تصرفاته وأخذت تراقبه في الليل، فاكتشفت أمر انثى الغراب ورأتها عندما خلعت ثوبها وخبأته في الصندوق وبدت صبية رائعة الجمال، هي ذات الصبية التي رأتها في الحفلة، فعرفت سرّ الانثى الغراب وغافلتها وأخذت ثوبها الريش وأحرقته.
في الصباح لم تجد انثى الغراب ثوبها، فبكت وناحت كثيراً عليه، دخلت الملكة وقالت لها: يكفي بكاءً ودموعاً لن تحتاجي ثوب الريش بعد اليوم أنت زوجة ابن الملك، وأحلى الأميرات ذهبت أيام انثى الغراب ولن ترجع، وحاولت معها حتى رضيت، وصنعت لابنها عرساً جديداً وأقامت الأفراح والليالي الملاح، ودعت جميع نساء البلد إلى العرس ليشاهدوا عروس ابن الملك، وعاشوا بفرح وسرور وطيب الله عيش السامعين.