المحرر موضوع: ما هو الإصلاح الذي ينشده الإيزيديون وكيف يمكن تحقيقه؟ الجزء الثاني (2/4)  (زيارة 740 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل علي سيدو رشو

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 104
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني

ما هو الإصلاح الذي ينشده الإيزيديون وكيف يمكن تحقيقه؟
الجزء الثاني (2/4)

في الجزء الاول أكدنا على بعض الفقرات التي تخص المواضيع الذاتية والموضوعية التي تتفاعل مع قضايا الإيزيديين بوجهات نظر مختلفة وخاصة من الناحية الادارية. وعليه، سوف نتطرق الان إلى الموضوع المعني بشيء من الاهتمام. إذن، ما المقصود بالإصلاح الذي ننشده؟ هل الاصلاح هو منهج ودراسة لتحقيق حال افضل للمجتمع، أم دعوات شخصية وأهواء حسب الرغبة وانتقاء الحالات؟ فلا بأس من كل ذلك ونحن ننشده أيضاً، ولكن كيف يجب أن يكون شكل النهج الإصلاحي؟ بمعنى هل أن الإصلاح هو عبارة عن رأي يتصوره البعض بأنه صحيح وأن في غير ذلك الرأي كل التخلّف والجمود والسلفية؟ أو هل هو صراع بين فكر مجموعتين أو ما يسميه البعض (الإصلاحيين والمحافظين)؟ أم يجب أن يكون الهدف هو تكوين محصلة لآراء وأفكار ومناقشات من خلال لجان والاستماع إلى الآراء بمختلف توجهاتها؟ هل من المعقول أن تنقاد النُخَب من قِبَل، وعلى هوى مجموعات تريد العيش خارج حدود القيم وتعليمات الدين لتلبية شهواتهم ومن ثم جَر الاخرين للحاق بهم؟ أليس من الاخلاق دراسة الدعوات إلى الإصلاح بما تستحق قبل النطق بالنتائج النهائية؟ كيف يمكن أن نبدأ بمناقشة حالة لم تتم جمع معلومات حقيقية عن الاسباب والمسببات، أو عقد ندوات أو جلسات نقاشية تضم مختلف الشرائح المعنية للخروج بوضع الإستنتاجات والإقتراحات في محلها، ومن ثم التفتيش عن أهم وأفضل الحلول الواقعية؟ أسئلة كثيرة تنتظر الاجابة قبل عقد المؤتمرات، لأن المؤتمرات تنعقد عندما تختمر الأفكار وتتشبع بالمناقشات لتنطق بما تم التوصل إليه وتطبيقه على الواقع. فجميع الإيزيديين مع الإصلاحات، ولكن على أية أرضية يجب أن تستند تلك الإصلاحات؟ هذا هو الإصلاح الذي يريده وينشده جميع الإيزيديين بمختلف توجهاتهم الفكرية.
الإصلاح في اللغةَ هو نقيض الإفساد (لسان العرب والصحاح)، ومفهوم هذا الاصطلاح هو مفهموم فلسفي يمتلك دلالته الخاصة لكل شريحة من شرائح المجتمع. فما يسميه البعض إصلاحاً هو عند الآخرين يعتبر تقهقراً، وآخرين يسمونه ثورة على الواقع، حيث لكل فئة رؤيتها في التعامل مع مفهوم المصطلح. والاصطلاح قد يعني التغيير الإيجابي في مجموعة الاعراف والعادات والافكار والتقاليد السائدة التي لم تعد تقاوم الواقع وتسايره. والإصلاح هو الإرادة الباحثة عن تقويم الإعوجاج وينشد معالجة الخلل في قواعد النظام المجتمعي التي من شانها إعاقة التنمية والنهوض بالمجتمع من النواحي الاجتماعية والاقتصادية والفكرية والسياسية. وهو بذلك عمل حضاري شامل ومستمر مع تطور المجتمعات، وهو ما كتبنا عنه بشكل مفصل وعملي وحضاري ومهني في مناسبات عديدة. ولكي نقيّم عملية الإصلاح، فيجب الوقوف عند الثوابت وتشخيص الحدود والمفاهيم بينها وبين المتغيرات، ومن ثم الفصل بينهما بشكل واضح لكي لا يشوه أحدهما من الآخر، كما هو الحال مع الاختلاط الحاصل فيما بين السياسة والدين وفصلهما عن البعض ليؤدي كل منهما دوره المنفصل. فمن واجب النخب التي تريد الإصلاح الحقيقي أن تشخص بدقة ماهي تلك الثوابت (القيم والنصوص والقواعد والأسس الدينية)، وتمييزها عن المتغيرات (العادات والتقاليد والاعراف )، لكي يتم التعامل مع كل فئة على ذلك الأساس، وبالتالي فإن ذلك سيسِّهل كثيراً من قبول التغيير الإيجابي في أي مفصل تريده النخب، وسيسهل قبوله من المجتمع أيضاً. وحسب قناعتنا فإنه فيما عدا ذلك سيؤدي إلى الأنهيار بدلاً من المعالجة. فمشكلة الشعب الإيزيدي الفاقد للقيادة الآن هي أن الأفعال وردود الأفعال هي التي تقوده وليست الأفكار، وبذلك فإن أصحاب تلك الأفعال تعمل على خلط الثوابت بالمتغيرات والإصرار على تركيع المجتمع بقبول الأمر الواقع، وبالتالي فإن المجتمع سيفقد توازنه ولن يبقَ له أية أصالة يركن إليها. وحتى إن وجدت الأفكار بهدف الإصلاح، فإنها هي الاخرى مشتتة بين اتجاهات مختلفة لا يجمعها قاسم مشترك بسبب المصلحة الذاتية والارتباط السياسي وعدم الجلوس لمناقشة بعضها البعض بشكل حضاري. وإنما فإن كل فئة ترى في نفسها بأنها محور القضية وأنها أحق من الأخرى بالقيادة وتنظر إلى غيرها بنفس المتعالي، وبالتالي تُقسِّم المجتمع إلى (محافظين وإصلاحيين) مع الأسف .وفي رأي المتواضع فإن الجميع إصلاحيون ولكن لكل منهم طريقته وفهمه للواقع واصلاحه وبالتالي لا يجوز إستثناء أية جهة من المشاركة في مناقشة المشروع الإصلاحي. بحيث يجلس الجميع (قد يطول النقاش على مدار سنة كاملة، لا يهم)، فالمهم ان يتناقشوا بهدوء وان يتباحثوا في جذور المشاكل ثم يرتبوها حسب أولوياتها كدراسة أسباب ظاهرة الإنتحار التي انتشرت كالسرطان في الجسد الإيزيدي منذ عدة سنوات مثلاً؛ والوقوف على الوضع السياسي وتوحيد خطابه، والسعي نحو تطويرالواقع الخدمي في مناطق الإيزيدية، وبيان الموقف حول مسألة الهجرة والمهاجرين والشباب منهم بشكل خاص، قراءة الوضع القانوني بمعرفة حقوقين وخبراء في الميدان لاسيما مايتعلق بالأحوال الشخصية كالزواج والطلاق والنفقة والتبني، والنظر الى توريث المرأة بعيون منصفة وحسم مسألة الزواج خارج الدين، وتثبيت نظام الإمارة وعلاقته مع المجلس الروحاني وفق قواعد متفق عليها، وذلك من اجل انهاء العشوائية والمزاجية والانتقائية والمصلحية السائدة في أختيار الأمير، وتنظيم واردات لالش والسناجق، وتفعيل مسألة الفتاوى في الحالات التي تستوجب، والعمل على آلية تفعيل لوبي إيزيدي فعّال في أوربا لإيصال معاناتهم للرأي العام العالمي، المطالبة بمستحقات وممتلكات الإيزيدية في تركيا والعراق وسوريا وغيرها.
فنحن نعلم بأن الذي كان يجري في السابق لم يعد يتعايش مع الواقع الحالي بشكله الضيق، ونعلم كذلك وجوب التفكير بما هو متماشي مع العصرنة مع الاتفاق على الثوابت من القيم التي تزيد وتعزز من رسوخ المجتمع وحيوية استمراره. كذلك نعلم جيداً بأنه لا وجود لأي مقدس خارج التفكير والنقاش وإبداء الرأي (حتى أن الكلام في الخالق وعن قدسيته ليس بخارج عن حدود المناقشة والمنطق، ولكن بحدود اللياقة)، وهو ما يتهمنا البعض بأننا ضد تلك الأفكار ومناقشتها ويتهموننا زورا بالانغلاق والتشدد عندما نطالب بالتغيير المنضبط. فليس كل تغيير هو إيجابي، وليس كل تجديد يجب قبوله على علاته، وليس من المعقول أيضاً بأن تنقاد الصفوات من قبل أصحاب الشهوات المغرضة وقبول كل ما يتمنونه لإفساد الحال على هواهم وشهواتهم، وإلا ما الفرق بين الصفوات وغيرهم؟
ما الذي يجب ان يتم فيه الاصلاح؟ :
الأديان جميعها عبارة عن قيم روحية تعنى بتنظيم حياة الانسان (ولا توجد ديانة خالية من التطرف، ولكن عن أي تطرف يمكن أن نتحدث في العلاقة التي تربط الشعب الايزيدي ببعضه ؟). ففي فترات متتالية تداخلت بعض المفاهيم والعادات والتقاليد بالتعليمات الدينية وترسخت بحيث أصبحت تنحسب عليه، بل أقوى منه في فترات معينة. لذلك فمن الطبيعي أن يحصل فيها إصلاح، بل يجب أن يحصل فيها إصلاح. أما أن ينسحب الإصلاح من تلك العادات على أصل المعتقد، فهذا هو الذي علينا عدم البحث فيه والتوقف عنده اوحتى الحديث عنه لكي لا تعامل الثوابت بنفس معيار ومعاملة المتغيرات. وإذا كنا نقارن أنفسنا بغيرنا من الديانات من حيث الامكانات، فسنقع في خطا جسيم لأنه ليست لنا قدرات ومؤهلات وبرامج مستقلة يمكن تطبيقها كما هو الحال مع شعوب الديانات الاخرى. فالآخرين يمتلكون الجوامع والكنائس والمؤسسات والكتب والشرع والقضاء والمدارس والمناهج وما إلى غير ذلك. أي أن مجموعة القيم والأعراف التي تحدثنا عنها بالنسبة لهم واضحة بضوابط محددة، ولكن هل نمتلك نحن برامج التربية والمناهج الدراسية ودور العبادة والمدارس والاعلام والصحافة لكي نصحح كل شيء في وقته وبما يلائم وضعنا، أو نقول لنتساير مع الواقع؟ الجواب كلا. لذلك علينا كشعب إيزيدي أن نبدأ قدر الامكان بالاستفادة من امكانيات الشخصيات الثقافية والتنظيمات والجمعيات والاحزاب الإيزيدية لكي تقوم هي بدور التوعية والتربية الاخلاقية والدينية، إضافة لما يتعلمه الانسان في المدرسة والشارع والمجتمع. فإننا اليوم نعيش في مجتمع مفتوح على كل الاحتمالات القيمية بشقيها السلبي والايجابي. وأن المجتمع المفتوح فيه من المخاطر ما يجب الوقوف عليها وبخطوات منتظمة ومحسوبة بمستوى التحديات، وليس الإصلاح الفوقي الذي يهدد بالانهيار في حال تطبيقه بدون دراسة معمقة من مختلف الجوانب النفسية والاخلاقية والدينية والقانونية على مستوى القاعدة. فنعلم باليقين بأنه يجب إيجاد مساحة مشتركة فيما بين الجيل الجديد الذي يتعامل مع الثقافة المفتوحة والشارع الأوربي بشكل خاص، وهو يتردد على الديسكو أو سهولة أمكانية الأرتباط بمن هم من غير ديانتهم، أو من خلال التعامل مع الثقافة الأوربية في وقت تتغيب عنه قيمه الدينية وثقافته الشرقية التي لم تعد تصمد أمام الكم الهائل من مغريات العصر، وبين الجيل الذي لا يزال يعيش روحياً في الوطن بالرغم من وجوده المادي في أوربا. فالحال في الواقع الايزيدي ليس بالسهل الذي نتوقعه وذلك لأن جميع معتنقيه يتعايشون في أو مع الوسط الاسلامي والمسيحي، بما لهما من تأثيرات سلبية أو إيجابية وكذلك لصعوبة التعامل مع واقع يخلط بين عدة توجهات وممارسات متناقضة: ذاتية وموضوعية في آنٍ معاً، سياسيةـ دينية، اجتماعيةـ عشائرية، جهل ـ أمية، مصالح شخصيةـ مكانة اجتماعية، وغير ذلك. فالمؤسسة الدينية هي ليست بمستوى الوعي التي يمكنها أن تدير شعباً يحمل كل هذه التناقضات. وفي ذات الوقت تكون ممثلة لديانة ومجتمع من هذا الطراز. وهي بذلك أخلّت بالنظام العام وفتحت ( المؤسسة الدينية ) الباب أمام الداعين الى الاصلاح على مصراعيه، لأنها لم تؤدِ واجباتها الأساسية، وكذلك ليست بمستوى الوعي المتطور مع الحداثة. وعليه، فإنه لا يعني ذلك بأن الخلل في الدين وتعليماته لكي نأتي ونضرب أصل وأسس وقواعد الدين ونهدمه بجريرة عدم وعي رجال الدين من الاميين، وإنما علينا كمتعلمين أن نفرق بين الإصلاح والهدم. وأن ننقذ الواقع من هذا الخلل بإيجاد الوسيلة الصحيحة بدلا من أن نضرب الدين في أعماق أصوله. فالمجلس الروحاني من جانبه أيضاً قد أحتكر لنفسه كل شيء، ولكنه هو الآخر لم يفعل ما مطلوب منه. وهو بذلك جعل الشعب الايزيدي أسير هذه الزوابع التي تعصف به وتفسح المجال أمام الجميع للإدلاء بأحقية المطالبة بتغيير الواقع الايزيدي نحو الافضل دون ان يقدموا الدليل أو الاقتراحات المطلوبة بهدف الاصلاح. ولذلك نرى بان الإصلاح الحقيقي يمكن أن يشمل الفقرات التالية من جسم الكيان الايزيدي :
علي سيدو رشو
المانيا في 22/3 /2019